نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحق اتباع فكر داعش والقاعدة نقلاً عن كتاب [داعش ومستقبل العالم] لمؤلفه عبد الرحمن البكري (الجزء الرابع)؛

8، رفض الرسول r أن يبارك لأهل نجد كمباركته لأهل اليمن والشام والحجاز وإشارته إلى شرق المدينة وقوله r إن الفتن والزلازل ورأس الكفر في المشرق وفي نجد وإنهم غلظ القلوب والجفاء وفي نجد يطلع قرن الشيطان

إننا نحب أن نستشهد في هذا المجال بمقولة رجل نجدي، بل هو أقرب الناس إلى الوهابية وأبعدهم عنها، وهذا الرجل هو سليمان بن عبد الوهاب أخ محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة الوهابية. يقول سليمان بن عبد الوهاب في كتابه (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية): (ومما يدل على بطلان مذهبكم ما في الصحيحين، رأس الكفر نحو المشرق وفي رواية الإيمان يمان والفتنة من ها هنا حيث يطلع قرن الشيطان، وفي الصحيحين أنه r قال (وهو مستقبل المشرق ألا إن الفتنة ها هنا)، وللإمام أحمد (اللهم بارك لنا في مدينتنا وفي صاعنا ومدننا ويمننا وشامنا ثم استقبل مطلع الشمس وقال ها هنا يطلع قرن الشيطان وقال من ها هنا الزلازل والفتن)) (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية، سليمان بن عبد الوهاب، ص 45). ثم يضيف الشيخ سليمان: (أشهد أن رسول الله r لصادق، لقد أدى الأمانة وبلّغ الرسالة؛ ثم إن رسول الله r أخبره الله بما هو كائن على أمته إلى يوم القيامة وهو r أخبر بما سيجري عليهم، فلو علم أن بلاد الشرق خصوصاً نجد تصير دار الإيمان وأن الطائفة المنصورة بها وأن الحرمين الشريفين واليمن تكونان بلاد كفر تُعبد فيها الأوثان لأخبر بذلك ولدعا لأهل المشرق خصوصاً أهل نجد ولدعا على أهل الحرمين واليمن وأخبر أنهم يعبدون الأصنام وتبرأ منهم)(12). كما أنه من أغرب الصدف أيضاً أن الرياض بالذات (هجر سابقاً) تقع كالمدينة بين خطي عرض 24، 25، فهي بالضبط تقع شرق المدينة، وإشارة الرسول r إلى الشرق لا تسقط احتمالات الخوارج في حروراء فحسب بل تسقط احتمالات الفئات الأخرى التي ظهرت في العراق، كالمختار الثقفي في الكوفة أو الحجاج الثقفي في واسط أو المعتزلة في البصرة وبغداد أو البكتاشية من التركمان في كركوك أو اليزيدية في سنجار وغيرهم من الفئات الأخرى.

إن هناك محاولات لإثبات أن المقصود بالشرق هو الكوفة أو كربلاء حيث قتل الحسين بن علي t، فضلاً عن الادعاء بأن نجد المذكورة في الحديث لا يقصد منها منطقة نجد شرق المدينة وإنما المقصود بذلك النجد من الأرض، أي المرتفع من الأرض، والإشارة بهذا الشأن الى أرض العراق، ومع اعتقادنا بأن أهل الكوفة ارتكبوا إثماً عظيماً بقتلهم للحسين ولكن من يزعم إن الكوفة تقع شرق المدينة المنورة فهو إنسان جاهل جهلاً كاملاً بالجغرافيا، فضلاً عن الزعم أن المقصود بنجد هو أرض العراق. (يمكن مراجعة موقع المدينة المنورة والكوفة فضلاً عن معنى نجد في الهامش / 13)

9، مقولة الرسول r أن هذه الفئة من بني تميم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم

فميزة هذه الفئة التي تقرأ القرآن ولا يجاوز حناجرهم أنهم قوم من بني تميم.

والحقيقة أن بني تميم هي من أكبر القبائل العربية لذلك يندر أن تجد فئة أو فرقة من الفرق الإسلامية ولا يتواجد فيهم جمع من بني تميم. وإذا أردنا مقارنة هذا الحديث بالفرق الثلاث فإننا نجد أن حركة مسيلمة الكذاب كانت لها رابطة مصاهرة مع بني تميم حيث إن سجاح بنت الحارث التميمية مدعية النبوة أقبلت مع جمع من عشيرتها إلى اليمامة وزوجت نفسها من مسيلمة الكذاب. ولكن مع وجود هذه الرابطة فالمعلوم أن مسيلمة هو مدعي النبوة وله قرآنه الخاص. لذلك فهو وقومه وزوجته وعشيرتها من بني تميم ليست لهم أي علاقة بالقرآن وقراءته.

أما بالنسبة إلى القرامطة، فلا تذكر لنا كتب التاريخ وجوداً مميزاً لبني تميم فيهم. وكذلك الحال بالنسبة للزنج.

أما بالنسبة إلى الخوارج، فإن كتب التاريخ تذكر لنا ثلاث شخصيات فقط من بني تميم فيهم في مراحل مختلفة:

الأول هو حرقوص بن زهير البجلي التميمي وهو ثالث ثلاثة من قادة الخوارج في حروراء وفي النهروان.

أما الثاني فهو أحد ثلاثة تآمروا على قتل علي بن أبي طالب t ومعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص، وهو عمرو بن بكر التميمي حيث تآمر مع البرك بن عبد الله الصريمي وابن ملجم المرادي، فتمكن الأخير من قتل علي بن أبي طالب ولم يتمكن الآخران من قتل معاوية أو عمرو بن العاص.

أما الشخصية التميمية الثالثة فهو عبد الله بن أباض التميمي، وهو أيضاً أحد مؤسسي فرقة الأباضية الخارجية، والآخران نافع بن الأزرق من بني حنيفة مؤسس فرقه الأزارقة، ونجدة بن عامر الخارجي من بني حنيفة أيضاً مؤسس الفرقة النجدية.

ولو قارنا بين انطباق الحديث على الخوارج وانطباقه على الوهابيين فإننا نجد أن أول ما يميز الحركة الوهابية هو اسمها، فاسمها منسوب إلى محمد بن عبد الوهاب التميمي، أي أن اسمها على اسم رجل تميمي. أما الخوارج فقد عرفوا باسم الحرورية وهو نسبة إلى منطقة حروراء. وأما الإباضية فهي فرقة من فرق ثلاث، كما أن الحديث عن التميمي جاء بلفظ قوم ولم يأت بلفظ مفرد في حين أن قيادة الخوارج من قبل حرقوص بن زهير التميمي أو عبد الله بن أباض التميمي هي قيادة منحصرة بشخص واحد ولفترة من الزمن ولم تكن قيادة وراثية ولا منحصرة بقبيلة معينة.

أما قاعدة الخوارج فإنهم كانوا من قبائل شتى لم يتميز فيهم بنو تميم بعدد ملحوظ. لذلك فلا يمكن انطباق كلمة (قوم من بني تميم) لا على قيادة الخوارج ولا على قاعدتهم. في حين أن القيادة الدينية للوهابيين هي لأبناء محمد بن عبد الوهاب التميمي وأحفاده والذين يلقبون بلقب آل الشيخ فإنها أشبه بقيادة جماعية؛ وهي في الوقت نفسه قيادة وراثية، حيث إنهم أول من أسس الحركة الوهابية وأول من نظّرها وفصّلها، وأول من تولّى مركز الإفتاء والقضاء من زمن محمد بن عبد الوهاب حتى يومنا هذا. كما أن لهم المراكز القيادية في هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي وزارات الأوقاف والعدل والقضاء، إلى رابطة العالم الإسلامي والجامعات والمعاهد والمؤسسات الدينية. ولقب آل الشيخ في السعودية يدل في غالب الأحيان على مركز ديني مرموق.

والغريب هو أن الحديث يلمح إلى الجانب الديني في القيادة وليس إلى الجانب الدنيوي، فأول تعريف لهؤلاء القوم أنهم يقرأون القرآن، وفي موضع آخر يقولون من قول خير البرية، ولم يأت بلفظ يحكمون أو يتآمرون أو أي لفظ آخر يوحي للقيادة في جانبها الدنيوي. ومن الغريب أيضاً أنك ترى الوهابيين وآل الشيخ بالذات دائماً ما يستدلون بالقرآن وبالحديث، حتى إنهم يلقبون أنفسهم بأهل الحديث، ولكنهم يؤولون الحديث وآيات القرآن بحسب أهوائهم، لذلك جاء الحديث تثبيتاً لهذه الحقيقة يقرأون القرآن ويقولون من قول خير البرية فلا يجاوز حناجرهم.

وهناك حادثة في هذا المجال لا بأس بذكرها للتأكيد على أن همَّ بني تميم من آل الشيخ في تبني الحديث هو بهدف التسلط وليس بهدف هداية الناس الى ما صح من حديث الرسول r. فمن المعلوم أن أهم الأشخاص السلفيين في عصرنا الحالي المتخصصين بعلم الحديث هو المرحوم الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، بل لا يوجد من يدانيه في علمه بالحديث أي عالم من التيار السلفي حيث قال فيه الشيخ عبد العزيز بن باز: (ما رأيت تحت أديم السماء عالماً بالحديث في العصر الحديث مثل محمد ناصر الدين الألباني)(14)، ولكن المفتي محمد بن ابراهيم آل الشيخ لم يتحمّل وجود أستاذ شاب  له هذا التميز في علم الحديث يدرس في الجامعة الإسلامية في المدينة في بداية تاسيسها عام 1960م واصبحت له سمعة مميزة لعلمه الواسع بالحديث، حيث تم تعينه في وقتها من قبل الشيخ ابن باز الذي كان نائب رئيس الجامعة، فكان المفتي من آل الشيخ يتحيّن الفرصة للتخلص منه، حيث كان المفتي جاهلاً بالحديث، ولا يقدر الرد على الكثير من آراء الألباني، ففوض مهمة الرد عليه من قبل مساعده إسماعيل الأنصاري، وجاءت الفرصة السانحة عندما أالف الألباني كتابه (حجاب المرأة المسلمة) حيث أثبت بالحديث الصحيح أن وجه المرأة ليس بعورة، وهذا مخالف لتقاليد الوهابيين، فرفض المفتي من آل الشيخ تجديد عقد الألباني، فاضطر للرجوع الى الشام التي أعتقل فيها أكثر من مرة، فهاجر الى الأردن التي أقام فيها حتى وفاته عام 1999م(15). هذا هو ديدن آل الشيخ التميميون من علماء الدين السلفيين المتميزين بعلم بالحديث. لذلك قال فيهم الرسول r: (يقولون من قول خير البرية فلا يجاوز حناجرهم).

ثم نتطرق مرة أخرى الى مقولة يقرأون القرآن ويقولون من قول خير البرية فلا يجاوز حناجرهم وفي موقع آخر لا يجاوز ايمانهم تراقيهم، هذه المقولات تشير إلى أن الإيمان لا يجاوز تراقيهم والمقصود بالتراقي هو الكتف (كناية عن عظم الترقوة في الكتف) وهو دون الرأس، أي أن الإيمان لا يبلغ عقولهم، وهذا نفس معنى يقرأون القرآن فلا يجاوز حناجرهم اي لا يتعدى القول الذي يصدر من حناجرهم حيث لا يبلغ عقولهم، وليس هناك أوضح من فتاواهم التي تخالف القرآن والعقل والمنطق والفطرة السليمة، ففتوى الشيخ عبد المحسن العبيكان في جواز رضاعة الكبير استناداً الى الحديث الموضوع والمفترى على رسول الله r في قصة سالم مولى أبي حذيفة، فهذه الحادثة لم تحصل والحديث موضوع لأنه يخالف بشكل صريح كتاب الله في أن الرضاعة لحولين كاملين، فالحديث وإن صح سنده ولكن لا يمكن ان يصح متنه لمخالفته لكتاب الله ولما صح من الحديث عن رسول الله r في أنه (لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الحولين)(16)، وأن (الرضاعة من المجاعة)(17)، وأنه (لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وما شد عليه العظم وما أنبت عليه اللحم)(18)، وقد اجمع على هذا الأمر جميع الصحابة وجميع زوجات النبي r ومن ضمنهم عائشة ام المؤمنين (رض)، وأما ما ورد من أن عائشة (رض) قد قالت برضاعة الكبير فهي حادثة واحدة حدثت في حياة الرسول r وقد عرفها رسول الله r بأن ذلك الأمر غير جائز لأن (الرضاعة من المجاعة) وهذا ما ذكرته عائشة (رض) كما ورد في صحيح البخاري ومسلم، فلم تعد عائشة (رض) لذلك الأمر مرة اخرى(راجع الهامش /19) . ولكن جاء بعد ذلك ابن تيمية فلم يأخذ بكتاب الله، ولم يأخذ بما صح من الأحاديث، ولم يأخذ بإجماع الصحابة وإجماع زوجات الرسول r، ولم يأخذ بما أجمع عليه الجمهور. ولكن أخذ بالحديث الموضوع، وقد تبعه بعض مشايخ الوهابية كالشيخ عبد المحسن العبيكان(20) والشيخ عبد المهدي عبد القادر وآخرين. واضطر شيخ الأزهر الشريف لعزل الدكتور عزت عطية رئيس قسم الحديث في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر لأنه كان أيضا ً يقول بهذا القول(21). ولو نظرنا إلى متن هذا الحديث الموضوع عن رسول الله كما جاء في صحيح مسلم عن عائشة(رض) (قالت جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي r فقالت يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال النبي r أرضعيه. قالت: وكيف أرضعه وهو رجل كبير فتبسم رسول الله r وقال: قد علمت أنه رجل كبير، زاد عمرو في حديثه؛ وكان قد شهد بدراً، وفي رواية أخرى؛ ان له لحية، وعن ابن أبي عمر؛ فضحك رسول الله r)(22). إن مقولة سهلة (كيف أرضعه وهو رجل كبير، أو أن له لحية) دليل على أن الرضاعة مباشرة من ثديها إن صح الحديث، بل معنى الرضاعة هو المص من الثدي، فيقال ان الجدي يرضع من البقرة لأنه يمص الحليب من ثديها، ولكن لا يقال إن الإنسان يرضع حليب البقرة، بل يشرب حليب البقرة،  بل إن الزعم كذباً بأن رسول الله r بأنه تارة يتبسّم وتارة يضحك ويقول (أعلم انه كبير)، هو اتهام صارخ لرسول الله r بأنه يأمر بالفحشاء، وحاشا لرسول الله r أن يأمر بذلك. إن أهل السنة والجماعة لا يقرون بصحة متن الحديث وإن صح سنده، ولكن الوهابيين ومن قبلهم ابن تيمية، يسلمون بصحة كل حديث ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم، ولا يعتقدون بقاعدة وجوب صحة المتن خلاف أهل السنة والجماعة (يمكن التعرف على الفرق بين موقف أهل السنة والجماعة وموقف السلفيين من السنة النبوية من خلال الاطلاع على كتاب “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث” للمرحوم الشيخ محمد الغزالي). إنهم رواة الدين ورواة الحديث وأبعد ما يكونون من رعاة الدين ورعاة الحديث، فهم بحق يقرأون القرآن فلا يجاوز حناجرهم ولهم رؤوس خالية من العقول لذلك لا يجاوز إيمانهم تراقيهم؛ فما أصدق رسول الله r في وصفه لهؤلاء القوم؛ إانها دليل نبوءة رسولنا الأعظم r حبيب قلوبنا سيد الجن والأنس، بل سيد السماوات والأرض، أرواحنا له الفداء.

10، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان

في الحقيقة إننا نجد أن هذا الحديث ينطبق على مسيلمة وصاحب الزنج والخوارج والقرامطة، فجميع هؤلاء قاتلوا أهل الإسلام وتركوا أهل الأوثان. أما إذا جئنا إلى الوهابيين فإننا نجد أن هناك تميزاً في انطباق هذا الحديث على الوهابيين، ولاستكشاف هذا التميز يجدر بنا ذكر الحادثة التأريخية التالية في موقف الوهابيين من حملة نابليون على مصر عام 1798م، حيث انبرى العالم الإسلامي بأجمعه للدفاع عن أرض الإسلام أمام أول غزو صليبي في العصر الحديث، فجاءت الكتائب من المغرب العربي ومن بلاد الشام، بل حتى من بلاد فارس والأناضول للدفاع عن أرض الإسلام في مصر. وجاءت أكبر قوة من أرض الحجاز، حيث يذكر هيرولد: (كان أرهب إمداد وصل للمماليك هم المقاتلون القادمون من الحجاز، الذين عبروا البحر الأحمر بالألوف، وقد زعموا كلهم أنهم من سلالة الرسول، وكانوا يلبسون العمائم الخضر، ويحملون البنادق والسيوف والرماح والخناجر، وفي خلقهم صلابة تنطق بها وجوههم)(23). أما الوهابيون فلم يرف لهم جفن أمام هذا الحدث الجسيم، بل إنهم في الوقت الذي يشاهدون فيه جيرانهم من مسلمي الحجاز يذودون للدفاع عن بيضة الإسلام أمام الغزو الصليبي الفرنسي فإذا بهم يشهرون سيوفهم على مسلمي نجد والحجاز والعراق والشام!

حتى إن والي الشام سليمان باشا أرسل لهم معاتباً ومحرضاً لهم على قتال الفرنسيين في مصر، فكتب إلى سعود الكبير (فإن كانت شهواتكم في إعانة الإسلام بالمقاتلة والمعاندة، فقاتلوا أعداء الدين الكفرة الفجرة لا الملة الإسلامية). ولم يكتف الوهابيون بهذا الأمر فحسب، بل يبدو أنه كانت هناك مراسلات بين الوهابيين ونابليون لم نعرف مضمونها، ولكن الملك عبدالعزيز آل سعود كان يعرف ذلك، إذ طالما كان يشير إليها في حديثه مع الفرنسيين حيث يذكر جان جاك بيرين في كتابه (جزيرة العرب) (إن الملك عبدالعزيز طالما أشار في حديثه مع الفرنسيين إلى تبادل الرسائل بين جده ونابليون الأول أثناء حملته على مصر)(24). ويبقى مضمون هذه الرسائل سراً. وهنا يمكن أن يثار السؤال التالي:

هل إنه كان من قبيل الصدف أن تخرج الكتائب من الحجاز وبلاد الشام والعراق إلى مصر لقتال الفرنسيين فيشن الوهابيون في العام نفسه وفي العام الذي يليه هجومهم على الحجاز فيحتلون الخرمة والبيشة(25)، حتى تمكنوا من دخول مكة عام 1801م، وليشنوا هجومهم الثاني على الشام فيخضعون لسلطانهم بادية الشام، ثم ليشنّوا هجومهم الثالث في العام نفسه على العراق حتى يبلغوا مدينتي سوق الشيوخ والسماوة(26) !!!

هذا في الماضي. أما في الحاضر، فعندما تطورت الأمور وتواجهوا مع الأميركيين فإنهم في هذه الحال لم يفرقوا بين العسكريين والمدنيين، ولم يفرقوا بين رجل وامرأة أو صغير أو كبير، بل حتى لم يفرقوا بين غير المسلم وبين المسلم الذي يحمل الجنسية الأميركية أو من يدفع الضريبة للحكومة الأميركية. نعم إن بعض أفراد الحكومة الأميركية قد يكونون من الظالمين ولكن ما هو ذنب المرأة الأميركية والطفل الأميركي أن يقتل في مبنى التجارة في نيويورك؟ فإذا كانوا نصارى (مع حرمه قتل النصارى في الإسلام) فما هو مبرر قتل المسلمين الأميركيين حيث قتل ما يقارب المائتي مسلم في تلك الواقعة؟ (… إنهم مباحو الدم لأنهم يدفعون الضرائب)!، فما أسهل هذا الإفتاء وما أرخص النفس البشرية، قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا (المائدة، آية 32). لا يوجد تعظيم للنفس البشرية في جميع الأديان كما هو موجود في الإسلام: قتل إنسان واحد بغير حق… قتل نفس بشرية من دون حق… نفس بشرية فحسب… لم يتطرق القرآن لعقيدة تلك النفس… لم يذكر إن كانت تلك النفس مسلمة أو غير مسلمة… فهل يمكن أن توجد في الأرض جريمة أعظم من جريمة قتل الناس جميعاً؟ كلا، لا توجد جريمة أعظم وأكبر من تلك الجريمة، فإن قتل نفس واحدة بغير حق تعادل ارتكاب أعظم جريمة في الأرض… فهل يوجد دين أعطى هذه القيمة العظيمة للنفس البشرية بغض النظر عن معتقدها كما أعطاها الإسلام؟ ولكن الوهابيين لا يعقلون هذا الإسلام، لا يعقلون هذه القيمة لأنهم يقرأون القرآن فلا يجاوز تراقيهم. قال رسول الله r: (إن حرمة المؤمن أعظم عند الله من حرمة بيته الحرام)، فبأي مسوغ شرعي حتى بشريعة الوهابيين أنفسهم استباحوا قتل هؤلاء المسلمين؟ فبأي ميزان كان قتل البريء والمرأة والطفل سواء كان مسلماً أم غير مسلم من الإسلام؟ وأي آية من كتاب الله وأي حديث أجاز ذلك الأمر؟ ومتى أصبح قاتل النساء والأطفال من الأبرياء شهيداً بمنظار الإسلام؟ إن فعلهم هذا هو بحق تجسيد لقول الرسول r يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم.

11، مقولة الرسول r والله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد وثمود

نتيجة للأسباب الآنفة الذكر نجد أن الرسول r يقول لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد أو قتل ثمود. والأمر الغريب هو ذكر لفظ عاد أو ثمود، فإن الله لم يذر لعادٍ أو ثمود دياراً، فأبادهم بأجمعهم ولم يبق منهم أحداً، والرسول r يود أن يقتلهم قتل عاد أو ثمود كناية عن رغبته في إبادتهم فإنهم إن لم يبادوا كما حدث عند القضاء على دولتهم السعودية الأولى حين احتلت الرياض والدرعية فإن بقاء قلة قليلة كان سبباً لانبثاق دولتهم الثانية. وهكذا الحال بالنسبة للإخوان، حيث كاد ابن سعود أن يقضي عليهم في معركة السبلة ولكن قلة قليلة منهم بقيت فقامت الدعوة المحتسبة واحتلوا الحرم المكي الشريف، فما كاد يقضى عليهم بإعدام كل قادتهم ولكن قلة قليلة منهم بقيت فقام تنظيم القاعدة وانشؤا دولة طالبان في أفغانستان. وما أن قضي على دولة طالبان وقتل إبن لادن حتى قامت مجموعة صغيرة مع ابي مصعب الزرقاوي بتشكيل قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين وقاموا بعمليات قتل فيها الآلاف من الأبرياء في العراق والأردن ومدريد، وما أن قتل ابو مصعب الزرقاوي وكاد تنظيمه ينتهي حتى قام أبو بكر البغدادي بتشكيل داعش وأسس دولة الخلافة الإسلامية في الموصل وشمال سوريا.

لذلك فإن الرسول r بعلمه بهذه الحقيقة كان يرغب أن يبيدهم عن بكرة أبيهم كما أباد الله قوم عاد وثمود فلا يمكن أن تقوم لهم قائمة أبداً. والظاهر أن هذا الأمر لا يتم إلا بقتل آخر من يخرج فيهم وهو الدجّال بحسب ما ورد في الحديث النبوي الشريف.

أما ما جاء في القرآن الكريم من آيات تدعو للتأمل فهي قوله تعالى: ﴿الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(التوبة، آية 97). فالمعلوم أن هذا الوصف (الأعراب، أي سكان البادية) كان في زمن الرسول r ينطبق بشكل كامل على أهل نجد الذين يسكنون البادية عكس أهل الحجاز المتحضّرين في مدن يثرب ومكة والطائف، أو أهل اليمن والشام والعراق الذين سكنوا المدن، فإن كان الدين والإسلام عند الأعراب وحدهم كما يزعم الوهابيون وباقي الناس كلهم مشركون فهل يعقل أن يصفهم رب العزة بأنهم أشد الناس كفراً ونفاقاً؟ وليس أعجب من تعبير ﴿وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(التوبة، آية 97)، ففي الوقت الذي يأمر الله رسوله r أن يبلغ رسالته ويجعل طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ينهى أقواماً عن تعلم ذلك العلم، وبالذات حدود ما أنزل الله على رسوله، والحقيقة فإن هذه الآية هي من أعجب الآيات التي تخبر عن الغيب؛ فرب العزة يقول لو أن هؤلاء القوم آمنوا بوحدانية الله وعموميات الإسلام لكان ذلك خيراً لهم من العلم بتفاصيل الإسلام وحدود ما أنزل الله على رسوله r، ومع كون ذلك الأمر يخالف المنطق ولكن الله العليم الحكيم هو العالم بأن هؤلاء القوم الذين هم أشد كفراً ونفاقاً لو علموا بحدود ما أنزل الله سيضلّون، وسيطبقون على الناس الأبرياء حدود ما أنزل الله بحق الظالمين من الكفار المعتدين جهلاً وضلالاً، فيستحلون دماءهم وأموالهم ويستبيحون نساءهم وأبناءهم، وذلك الأمر شر للصالحين من الأبرياء والمسالمين وشر لهم: شر للناس لابتلائهم بالقتل ظلماً ونهب أموالهم غصباً، وشر لهم لحملهم وزر من قتلوهم من المسلمين وغير المسلمين من الأبرياء ومن الأطفال والنساء. فلذلك كان الأجدر بهم أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله لأن في ذلك الخير للعالمين ولأنفسهم؛ ومع كون ظاهر ذلك الأمر هو خلاف الحكمة وعلم الإنسان المحدود ولكن الله هو العارف ببواطن الأمور وحقيقتها وهو العليم الحكيم والحمد لله رب العالمين.

نصيحة مسلم لأخيه المسلم

إن من واجب المسلم نصيحة أخيه المسلم؛ كما أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب إسلامي يلتزم به من يؤمن بألله ويرأف بأخوته المسلمين ويريد لهم الخير والنجاة من النار والفوز بالسعادة الأبدية، ولهذا فإني أرجو من إخوتي أن يتقبلوا نصيحتي قربة الى الله تعالى:

إن المسلم الملتزم هو الذي يؤدي الصلوات الخمس في كل يوم وليلة، ولا تقبل أي صلاة من دون قراءة سورة الفاتحة مرتين على الأقل، وقراءة الفاتحة إما أن تكون لقلقة لسان يرددها المصلّي من دون أن يتعمق في معانيها أو من دون أن يتوجه بها الى الله من أعماق قلبه، فحينها لا يتحقّق من صلاته إلا القيام والقعود، وإما أن يتوجه بكل أحاسيسه ومشاعره في كل كلمة من سورة الفاتحة وبالذات عندما ينطق بـ ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ويطلب من الله من أعماق قلبه أن يهديه الى صراطه المستقيم، فحينها لا بد لله أن يهدي عبده الى صراطه المستقيم،  ولكن ذلك الأمر لا يتحقق إلا بعد أن يتغلب الإنسان على هوى نفسه التي تدعوه الى التمسك بمعتقداته التي نشأ عليها وغذاه بها والداه أو أصحابه أو أساتذته أو أيٍ ممن يحبهم أو يجلّهم، من رجل دين أو قائد حزب أو رجل فكرٍ أو قائد مجموعة من الناس، إن هذه المعتقدات التي يتلقاها الإنسان من الجهات التي ذكرناها قد تكون معتقدات باطلة، وهي فتنة من الله ليمتحن فيها عبده في قوله تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (العنكبوت، الآيتان 2 و3)، لذلك يجب على المؤمن أن لا يدع لأي من المؤثرات التي ذكرناها دوراً في تبني معتقد معين، بل يجعل الله وحده بما ألهمه من عقل ومن قرآن كريم ومما صح من أحاديث رسوله r وبما وفره من نعمة الدعاء، من صلاة وغيرها، في تبنّي المعتقدات الصحيحة والسليمة؛ وهذا يتطلب إخلاصاً حقيقياً لله تعالى للوصول الى الحق والحقيقة؛ ولا يتصور الإنسان أن هذا الأمر هو أمر سهل أو يسير، بل هو أمر في غاية الصعوبة للإنسان بشكل عام، لأن الإنسان إذا اجتمعت عليه نفسه الأمارة بالسوء، وغواية الشيطان، وفتنة الله، فإنه بشكل طبيعي سيكون بعيداً عن الإيمان بالله بل  وسائر في طريق الضلال كما في قوله تعالى ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ(يوسف، آية 103)  وقوله تعالى ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ … (سورة العصر) وقوله تعالى أيضاً ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا (التين، آية 5 و6) فتلك مسيرة الإنسان بشكل عام والاستثناء بـ (إِلَّا) هم القلة التي جاهدت نفسها في سبيل الله للوصول إليه وإلى صراطه المستقيم؛ فإذا قرر الإنسان أن يجاهد نفسه في سبيل الله، فمن الطبيعي أن يمنَّ الله عليه بالهداية في قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا(العنكبوت، آية 69)، ولكن جهاد النفس ليس بالأمر الهيّن، فقد سماه رسول الله r الجهاد الأكبر، مقارنة مع الجهاد الأصغر (وهو القتال والتضحية بالنفس)، مع العلم أن الإنسان في الجهاد الأصغر يمكن أن يفقد حياته، ولكن فشل الإنسان في جهاده لنفسه (الجهاد الأكبر) معناه فشله في جهاده الأصغر. فقد يعتقد الإنسان أنه عندما يضحي بنفسه بأن جهاده في سبيل الله، فإذا به يكون مصداقاً لقوله تعالى ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا(الكهف، الآيتان 103 و104)، فيكتشف حين ذاك أن تضحيته بنفسه (في عملية انتحارية أو القتل في معركة) سبباً للخلود في نار جهنم خلاف ما كان يتوقعه من السعادة الأخروية، لذلك وصفهم الله تعالى بأنهم الأخسرون أعمالاً.

ولكن كيف السبيل لتلافي هذا المصير المخيف؛…… إني لا أرغب في هذا المجال أن أزعم أن النجاة هي بالحذر من تبني المعتقدات والأفكار الضالة، ولكن النجاة لا تتحقّق إلا بمعرفة الفرق بين المعتقدات والأفكار الضالة وألأفكار الحقة؛ ثم تأتي المرحلة الثانية وهي تبنّي المعتقدات السليمة والحقة خلاف الباطل والضلال، ومعرفة الحق لا تتم إلا بجهاد النفس وتقديم طاعة الله على هوى النفس؛ فهوى النفس هو الحائل الذي يحول بيننا وبين معرفة الحقيقة.

إن الله بسعة رحمته لا يدع الإنسان في ضياع إذا أراد معرفة الحق والوصول الى الحقيقة وتبنيها ومعرفة الباطل والضلال ثم نبذه؛ ولكن الخطورة كل الخطورة هي أن يسوّل الإنسان لنفسه، فيكون هدفه أيجاد التبريرات لمعتقداته التي تلقاها إبتداءً من أناس يعتقد إبتداءً أنهم على الحق، بسبب علاقته بهم أو حبه لهم أو أحترامه لهم أو اعتقاده بوجوب طاعتهم؛ ولكن الله أولى بذلك الحب وأولى بذلك التقديس وأولى بتلك الطاعة. وليس عبثاً أن يأمرنا الله في كل يوم أن نكرر عبارة ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ثم إذا شككنا بأمر نتيجة لأطلاعنا على حديث صحيح أو رأي مقنع خلاف قناعاتنا المسبقة؛ فعوضاً عن الاستعانة بالله لهدايتنا لمعرفة الحق، نحاول بشتى الطرق التشكيك بهذا الحديث الصحيح، أو نحاول تفسيره بشكل تعسفي لاسناد قناعاتنا المسبقة، فنسعى تارة سؤال إنسان  للحصول على تفسير بحجج غير كافية ولكنه يماشي قناعاتنا المسبقة فنتشبّث بتلك الاجابة، أو نبحث عن هذه الحجج من خلال مواقع الإنترنت أو كتاب أو غير ذلك. إننا بشكل واضح نستعين بهؤلاء الأشخاص لإقناعنا بصحة قناعاتنا المسبقة والتي يمكن أن تكون غير صحيحة. أن الله يأمرنا أن لا نجعل لرغباتنا تاثيراً على معتقداتنا وأفكارنا وقناعاتنا. فإذا اخترنا هذا الطريق ختم الله على أسماعنا وعلى قلوبنا وأبصارنا لأننا قدمنا هوى أنفسنا على طاعة الله  وأصبحنا مصداقاً لقوله تعالى ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ (الجاثية، آية 23) .

إن الأمر الألهي هو وجوب الاستعانة بالله وحده وهو معنى قوله تعالى ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ والتطبيق العملي لذلك الأمر الإلهي يتحقق إذا ما اطلعنا على حديث صحيح أو رأي مقنع خلاف قناعاتنا، أن نترك قناعاتنا ورغبات أنفسنا جانباً؛ ونبحث بجد للوصول الى الحقيقة، وندعو الله مخلصين لهدايتنا الى صراطه المستقيم، ونعاهد الله بالتخلي عن أي معتقد مسبق اعتقدنا به ولكنه يخالف الإسلام الحق كما أراده الله وكما أنزله على رسوله الكريم r؛ وحين ذاك فقط يمكننا أن نكون مصداقاً لقوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا(العنكبوت، آية 69)، ولكن للأسف إن معظم الناس إذا اطلعوا على حقائق تخالف قناعاتهم المسبقة حاولوا تجميع أكبر مقدار من الأدلة التي تسند قناعاتهم المسبقة والتي يمكن أن تكون خلاف الحق، وبذلك لا يمكن أن تكون قناعاتهم مبنية على أسس يقينية مئة بالمئة، فيكونون مصداقاً لقوله تعالى ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (يونس، آية 36)، لا يمكن معرفة الحقيقة إلا بدحض كافة الشبهات بحجج يقينية واضحة والوصول الى الحقائق اليقينية وحين ذاك فقط نستطيع أن ندعي أننا على الحق؛…… ولكني أؤكد هنا أن المدخل للوصول الى الحقيقة يتحقق حينما ننطق بكلمة ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ(الفاتحة، آية 6)؛ ننطقها بتوجه كامل ودعاء صادق من أعماق قلوبنا ونطبقها قولاً وفعلاً،….. فحاشا لله أن لا يستجيب لدعاء عبده إذا كان بنية صادقة، وهو القائل في محكم كتابه الكريم ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي (البقرة، آية 186) وهو القائل أيضاً ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ(غافر، آية 60) فـ ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً(النساء، آية 122) ومن أصدق من الله وعداً.

لقد تم التطرق الى مجموعة من الأحاديث النبوية الصحيحة، وقد يطلع عليها من لا يعتقد بصحتها، أو من يفسرها تفسيراً آخر غير ما تم تفسيرها، فإذا كان هذا الشخص متيقناً يقيناً كاملاً مع الدليل الواضح واليقيني في عدم صحة هذه الأحاديث أو يمتلك الدليل الواضح واليقيني في تفسيرها بشكل مخالف لما ذهبنا اليه، فإن هذا الشخص قد يكون على الحق ويبرئ ذمته أمام الله.

أما إذا ولدت هذه الأحاديث شكاً في نفسه لعدم توفر الدليل الواضح واليقيني في عدم صحتها أو عدم توفر الدليل الواضح واليقيني في تفسيرها خلاف ما فسرناها، ثم قام بغض الطرف عن هذا الشك لأنه لا يرغب بالتصديق أنه ومن حوله من أهل أو أقارب أو أصحاب أو علماء دين أو أمراء جماعات أو قيادات لأحزاب أو غيرها، أنهم على الباطل؛ فليحذر يوم يقدم على الله وقد اتخذ إلهه هواه في الاستجابة لرغبات نفسه خلاف الحق؛ وليحذر من نار قد سعرها جبارها لغضبه فيبقى خالداً فيها الى أبد الآبدين، حيث لا ينفعه في ذلك اليوم شفاعة قريب او صاحب أو عالم دين أو زعيم حزب؛ لن ينفعه في ذلك اليوم، إلا إذا قرر في هذه الساعة أو أي ساعة قبل وفاته أن يخلص نيته في سبيل الله، فيتخلّى عن مشاعره ورغبات نفسه ولا يدع أي حاجز يحول بينه وبين الوصول الى الحقيقة، فيكون الله إلهه بحق لا هواه؛ وذلك هو الفوز العظيم.