لماذا يعتبر محمد علاوي مناقشة أفكار إبن تيمية إنقاذ لبلدنا من الطائفية المدمرة للعراق

خلق الكون

يتساءل الناس لماذا يكتب محمد علاوي عن إبن تيمية؛ أليس من الأفضل أن يتفرغ للتحدث بشأن القضايا السياسية وما يرتبط بها من قضايا إقتصادية وأمنية ومشكلة الفساد، ما هو دخل محمد علاوي بشأن القضايا الدينية ؟ لماذا لا يتركها لأهل الدين ؟ ثم أليس موضوع إبن تيمية بموضوع شائك ؟ اليس هذا الموضوع مثاراً للقضايا الطائفية؟ ومحمد علاوي كشخص  بعيد عن الطائفية، فلماذا يتدخل بهذا الموضوع الطائفي؟

كل ما ذكرناه في الأعلى من تساؤلات فهي تساؤلات منطقية لمن يجهل الكثير من الحقائق التي يجب توضيحها؛ كما إني أقول إن التطرق لهذا الموضوع يكسب أهمية كبيرة في هذا الوقت بالذات لما يمكن أن يلعبه من دور مهم في القضاء على الطائفية !!! ولكن كيف يمكن أن يكون ذلك ؟

نبدأ بهذه الشخصية المثيرة للجدل. إبن تيمية كشخصية وكفكر يعتبر شخص دخيل على الواقع العراقي، بل الواقع الإسلامي بشكل عام. لم يكن كشخصية دينية لها أي دور أو قيمة في الفكر الإسلامي العراقي منذ مئات السنين حتى عام ١٩٨٦ وإن سمع بعض المفكرين الإسلاميين به، ولكن لم يكن لفكره أي دور في الفكر الإسلامي العراقي على المستوى السني فضلاً عن المستوى الشيعي، بل لم يكن يتبنى فكره أي تنظيم إسلامي في العراق كحركة الأخوان المسلمين أو حزب التحرير أو غيرها من الأحزاب الإسلامية المختلفة. ألخطورة في عقائده إنه يكفر الشيعة كفراً مخرجاً عن الملة ويستخدم عبارة (الروافض) في وصف الشيعة تأسياً بالنواصب في العهود الغابرة.

في عام نهاية ١٩٧٩ دخل الإتحاد السوفيتي وأحتل أفغانستان لمساندة الحكم الشيوعي هناك، وبدأ ما يسمى بالمجاهدين العرب بالدخول إلى أفغانستان ومقاومة الإتحاد السوفيتي منذ عام ١٩٨٢، وفي عام ١٩٨٤ وجهت نصائح من الحكومة الأمريكية في زمن رونالد ريغن إلى الحكومة السعودية بمساعدة المجاهدين العرب في أفغانستان، وصدرت الفتاوى من إبن باز بالمشاركة في القتال في أفغانستان عام ١٩٨٤، وبلغ الإسناد الحكومي السعودي ذروته في إسناد المقاتلين فضلاً عن مستوى نشر الفكر السلفي عام ١٩٨٦ ، وشارك بعض العراقيين في القتال في أفغانستان في ذلك الوقت ومنذ ذلك الحين بدأ فكر إبن تيمية ينتشر بشكل واسع على مستوى العالم ومن ضمنها العراق.

إبن تيمية جاء بفكر على مستوى العقائد وعلى مستوى الفروع مخالف لكافة عقائد المسلمين في عصره، فكفره علماء عصره وحكموا بشركه لأنه أنكر بعض أحاديث صحيح البخاري كحديث أن (ألله كان قبل  كل شيء) وأن (ألله كان ولم يكن معه شيء) حيث تبنى فكر الفلاسفة الأغريق في آخر عمره بعد أن كان من أشد المعادين لهم وزعم أن ألله غير قادر على أيجاد الوجود من العدم، وإن الله في خلقه للعالم خلقه من مادة قديمة تشترك مع الله في الوجود، فأودعوه السجن في دمشق ثم القاهرة ثم دمشق حتى مات وهو في السجن، وحكموا بكفر وضلال كل من يقول بمقولات إبن تيمية.

يمكن الاطلاع على محاضرة للسيد عدنان ابراهيم بهذا الشأن في حق ابن تيمية:

(يمكن مراجعة رأي علماء المسلمين بحق إبن تيمية وأفكاره الشركية على الرابط  https://mohammedallawi.com/2012/01/01/

لقد إنتهى وأضمحل فكر إبن تيمية بعد موته قبل اكثر من سبعة قرون ثم قام محمد بن عبد الوهاب بإحياء الكثير من أفكار إبن تيمية وليس جميعها قبل حوالي المئتي وخمسين عاماً، حيث لم يتبن أفكاره الشركية، ولكن الخطورة كانت نتيجة لتبني بعض السلفيين لهذه الأفكار الشركية، حيث تبناها المرحوم محمد خليل هراس رئيس كلية الشريعة بمكة المكرمة وبينها بشكل واضح في كتابه (باعث النهضة الإسلامية إبن تيمية السلفي) فضلاً عن القاعدة وداعش في أيجاد المبررات لمواجهة العائلة الحاكمة السعودية وكافة الأنظمة في جميع دول العالم، ولكن حتى لا نكون مجانبين للحقيقة فإن المملكة السعودية أيضاً لا تتبنى أفكاره الشركية فضلاً عن أفكاره التي تكفر العائلة السعودية الحاكمة وتوجب قتالهم كما هو منهج القاعدة وداعش. (راجع الرابط https://mohammedallawi.com/2016/12/31/)

بعد التعرف على هذا الواقع وأستيعابه نصل الى نتيجة أنه لا يمكن بناء بلدنا والقضاء على الطائفية إلا بالقضاء على الأفكار الدخيلة عن بلدنا والمنحرفة عن الإسلام، تلك الأفكار  التي خلقت القاعدة وداعش. للأسف لا زال الكثير من جهال الشيعة وجهال السنة يعتقدون أن أبن تيمية موحداً ومسلماً سنياً. ولكن في حقيقة ألأمر إنه ليس بموحد ولا علاقة له باهل السنة لا من قريب ولا من بعيد. فالخلافات السنية الشيعية لا تتعدى أمور بسيطة في الفروع في الفقه  فألصلاة واحدة ولكن أحدهم يتكتف والآخر يسبل، والصوم واحد ولكن الفرق بضع دقائق في الإفطار  والخلافات بالحج بسيطة جداً، ولا خلاف بينهم في أصول الدين، نعم يوجد هناك أشخاص تمولهم إسرائيل من امثال ياسر حبيب ومن على شاكلته يسبون زوجات الرسول (ص) وصحابته خلاف مواقف أهل بيت النبوة(ع) ومراجع الشيعة كالسيد السيستاني أعزه الله. أما أتباع إبن تيمية من القاعدة وداعش وغيرهم من السلفيين فهؤلاء خارجون عن الإسلام كما وصفهم رسول الله (ص) لأنهم يكفرون غيرهم من أهل القبلة من السنة والشيعة لإنهم يعتقدون بشفاعة الرسول (ص) في الحياة الدنيا، ويزعم أئمتهم أن ٩٥ ٪ من المسلمين هم مشركين وضالين ومصيرهم إلى النار. (راجع الرابط  https://mohammedallawi.com/2016/11/23/) لقد قال رسول الله (ص) إذا كفر المسلم أخاه المسلم فقد كفر أحدهما. فلا يمكن أن يكون ال ٥٪ من أمثال القاعدة وداعش وأمثالهم من السلفيين هم على الحق، وال ٩٥٪ من المسلمين من السنة واالشيعة على الباطل وضالين ومشركين حسب إدعاء السلفيين. فقط إذا عرف المسلمون بسنتهم وشيعتهم ضلالات إبن تيمية ومن يؤمنون به من جهة وضلالات من يتبعون الموساد ألإسرائيلي من أمثال ياسر حبيب وأمثاله  وأتباعه من جهة أخرى حينها يمكن أن يقضى على الطائفية ونتوقع التقدم والإزدهار والتطور لبلدنا ولمواطنينا ألأعزاء.

لقد شكك البعض في تعليقاتهم على صحة المعلومات فأضطررت أن أفتش على مصادر أخرى، فتوصلت إلى موقع الدفاع عن أهل السنة وأطلعت على رسالة مهمة بعثها المحدث الذهبي إلى إبن تيمية الذي كان حنبلي المعتقد على نفس معتقد إبن تيمية ينصحه فيها نصيحة شخص محب ورؤوف بإبن تيمية ويحذره من تأثره بسموم الفلاسفة وهو نفس موضوعنا أعلاه؛ الرسالة على الموقع: https://mohammedallawi.com/2012/01/01/

علماء المسلمين يكفرون إبن تيمية ويخرجوه من ربقة الإسلام

تيمية خرج عن الإسلام

محاضرة للسيد عدنان ابراهيم توضح لماذا اخرج علماء المسلمين ابن تيمية عن ربقة الاسلام

نقلاً عن كتاب داعش ومستقبل العالم لعبد الرحمن البكري صفحة ٣٩-٤٠ وصفحة ٧٥-٧٦

وقد قام الكثير من العلماء السابقين والمعاصرين بإنكار تلك العقيدة (أي عقيدة قدم العالم كقدم الله)، فابن حجر العسقلاني يقول إن هذه المسألة هي من مستشنع المسائل المنسوبة إلى ابن تيمية(28)، ثم يقول بحقه في الفتاوى الحديثة: “ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمه وأذله”، ويضيف “والحاصل لا يقام لكلامه وزن وأن يرمى في كل وعر وحزن… ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال مضل غال، عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله، آمين”(29).

وهكذا كان موقف الكثير من العلماء المسلمين الماضين والمعاصرين. وقد اعترض عليه الذهبي الذي كان من أقرب المقربين لابن تيمية من الناحية الفكرية واتهمه بأنه “بلع سموم الفلاسفة فأصبح أضحوكة بين الناس”(30). (راجع الهامش للتعرّف على رأي بقية علماء المسلمين بشأن ابن تيمية(31)).

هامش 31

 قال ) الحافظ السبكي في خطبة كتابه (الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية)، أما بعد فإنه لما أحدث ابن تيمية في أصول العقائد، ونقض دعائم الإسلام… بعد أن كان متستراً بتبعية الكتاب والسنّة، مظهراً أنه داعٍ إلى الحق، هادٍ إلى الجنة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدسة…. وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم.. فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمة، ولا وقفت به مع أمة من الأمم همة وكل ذلك وإن كان كفراً شنيعاً لكنه تقل جملته بالنسبة إلى ما أحدث في الفروع، (بحوث في الملل والنحل للشيخ السبحاني، ج4، ص 42/ السلفية محمد الكثيري، ص 236). أما ابن خلدون فإنه عندما يتطرق إلى آراء العلماء المسلمين في التوحيد فإنه لم يتطرق بالمرة إلى ابن تيمية مع العلم أن القضية المركزية في فكر ابن تيمية هي التوحيد… وهذا يعني أن عقيدة ابن تيمية في التوحيد لا تمثل بالمرة العقيدة الإسلامية… فلم يسبق ابن تيمية أحدٌ من علماء المسلمين من قال بقدم العالم غيره. وقد أفتى الكثير من علماء المسلمين بكفر ابن تيمية حيث يصفه الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري فيقول بحق تلميذه ابن القيم الجوزية وشيخه ابن تيمية بالنص: (فيكون هو وشيخه من الملاحدة) (السيف الصقيل للشيخ محمد بن الحسن الكوثري، ص74) ويرد الشيخ الهرري على مقولة ابن تيمية بأن (الحوادث لا أول لها) بأنه من الملاحدة استناداً إلى مقولة أبو يعلى الحنبلي في كتابه (المعتمد) حيث يقول: (والحوادث لها أول ابتدأت منه خلافاً للملحدة) (المقالات السنية للشيخ الهرري، ص 66). ونقل الشيخ الهرري عن المحدث الأصولي بدر الدين الزركشي في كتابه تشنيف المسامع بالحكم على كفر ابن تيمية لأنه يقول بأزلية نوع العالم (تشنيف المسامع بدر الدين الزركشي، ص 342 / المقالات السنية، الشيخ الهرري ص 70). وكذلك قال بكفره كل من الحافظ ابن دقيق العيد والقاضي عياض (المقالات السنية الشيخ الهرري، ـص 70). أما الشيخ عبد الله الهرري فقد اتهم ابن تيمية في كتابه المقالات السنية (بالشرك بالله) (المقالات السنية الشيخ الهرري، ص 70) لأن الله بحسب مقولة ابن تيمية لم يكن موجوداً وحده منذ القدم بل شاركه في الوجود نوع العالم وجنسه. وكذلك كان رأي محمد بن عبد الله اليافعي في مرآة الجنان (مرآة الجنان، محمد بن عبد الله اليافعي، ج 4، ص 277 / السلفية، محمد الكثيري، ص 237)، وشهاب الدين أحمد بن الحلبي في الحقائق الجلية (الحقائق الجلية في الرد على ابن تيمية، شهاب الدين الحلبي، ص 31، 48 / السلفية محمد الكثيري، ص 235)، والشيخ المولوي عبد الحليم الهندي. أما قاضي القضاة زين الدين المالكي فبعد أن حقق مع ابن تيمية في عقيدته بالتوحيد أنكر عليه تلك العقائد وأمر بحبسه سنة (705 هجرية) ثم نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيمية فقد حل ماله ودمه (السلفية، محمد الكثيري، ص 238). وهكذا كفّره علماء عصره وأقروا بضلاله. أما المسلمون المعاصرون فقد رد عليه الشيخ البوطي في كتابه (السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي) والشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي في كتابه (المقالات السنية في كشف ضلالات أحمد بن تيمية)).

هل مات إبن تيمية على عقيدة الشرك بالله؟

صورة ١ وهاب وتيمية

 نقلاً عن كتاب داعش ومستقبل العالم لعبد الرحمن البكري من صفحة ٣٨ إلى صفحة ٤٠

رفض محمد بن عبد الوهاب لأفكار ابن تيمية الأخيرة التي استمدها من فلاسفة الإغريق. فمما لا يخفى أن ابن تيمية كان في أول أمره من ألد أعداء الفلاسفة، وألّف عدة مؤلفات للرد على الفلاسفة وعلى المنطقيين ونقض المنطق وكان يتهم الرازي وابن سينا بالزندقة(21)، ولكنه في آخر حياته تغيّر وانقلب انقلاباً كاملاً وتبنى أخطر قضية فلسفية في نفي قدرة الله على خلق العالم من العدم، وقد دوّن تلك الأفكار بشكل مبهم وغير مباشر في مجموعة من كتبه ككتاب (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول)(22)، وكتاب (منهاج السنّة النبوية)(23)، وكتاب (شرح حديث النزول)(24)، حيث أثبت أزلية نوع العالم وجنسه، أي أن العالم قديم قدم الله بمادته، وأن خلق العالم لا يتعدى خلقه من مادة كانت قبله وأن الحوادث أزلية لا أول لها. وقد أوضح ابن تيمية عقيدته تلك بشكل واضح وصريح في كتابين: الأول كتاب (شرح حديث عمران بن الحصين) حيث يقول بالنص: “والخلق لا يزالون معه”(25)، أي لا يزالون مع الله منذ القدم. أما في الكتاب الثاني (نقد مراتب الإجماع) فإنه وبشكل صريح ينكر حديثي “كان الله ولم يكن شيء غيره”، و “كان الله قبل كل شيء” والمذكورين في صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، حيث ينكر من هذا المنطلق وبشكل صريح وحدانية الله، وينكر أن الله قادر على خلق العالم من العدم(26). ثم يعترض على مقولة ابن حزم بكفر من ادعى أن الله لم يكن وحده حيث يقول بالنص: “وأعجب من ذلك حكايته الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شيء غيره معه”(27). فماهية العالم بحسب اعتقاده قديمة قدم الله كقول فلاسفة الإغريق، وأن الله غير قادر على خلق العالم من العدم بل فقط أضفى الصورة والشكل على المادة القديمة كقدم الله. وقد قام الكثير من العلماء السابقين والمعاصرين بإنكار تلك العقيدة، فابن حجر العسقلاني يقول إن هذه المسألة هي من مستشنع المسائل المنسوبة إلى ابن تيمية(28)، ثم يقول بحقه في الفتاوى الحديثة: “ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمه وأذله”، ويضيف “والحاصل لا يقام لكلامه وزن وأن يرمى في كل وعر وحزن… ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال مضل غال، عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله، آمين”(29).

وهكذا كان موقف الكثير من العلماء المسلمين الماضين والمعاصرين. وقد اعترض عليه الذهبي الذي كان من أقرب المقربين لابن تيمية من الناحية الفكرية واتهمه بأنه “بلع سموم الفلاسفة فأصبح أضحوكة بين الناس”(30). (راجع الهامش للتعرّف على رأي بقية علماء المسلمين بشأن ابن تيمية(31)).

وفي حقيقة الأمر، فإن ابن عبد الوهاب لم يقل بقول ابن تيمية في هذا المجال، ولكن هذا لا ينفي اتباع بعض زعماء الوهابيين المعاصرين لتلك الأفكار، كالمرحوم الدكتور محمد خليل هراس رئيس قسم العقيدة الإسلامية بكلية الشريعة بمكة المكرمة في كتابه (باعث النهضة الإسلامية، ابن تيمية السلفي)، حيث يصنّف الفكر الإسلامي بالنسبة للتوحيد وقدم العالم إلى صنفين: صنف يعتقد بأن الله قد خلق العالم من العدم كالأشاعرة؛ وصنف يعتقد بأن الله لم يخلق الوجود من العدم ولكن الوجود، أي العالم، قديم كقدم الله كمقولة ابن تيمية؛ والغريب في الأمر أن الدكتور الهراس يؤيد ويتبنّى فكر ابن تيمية في قدم العالم، أي عدم قدرة الله على خلق العالم من العدم. راجع كتاب (باعث النهضة الإسلامية، ابن تيمية السلفي، للدكتور محمد خليل هراس، مكتبة الصحابة، طنطا، 1405 هجرية).

محاضرة للسيد عدنان ابراهيم بشأن عقيدة ابن تيمية في اشتراك الوجود والعالم بالازلية مع الله وأن الله لم يخلق العالم من العدم

الهوامش

(21) نقض المنطق، ابن تيمية، ص96 / المنتخب من مدونات التراث (ابن تيمية)، عزيز العظمة، ص363.

(22) موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، ج1، ص75، ص245.

(23) منهاج السنّة النبوية، ابن تيمية، ج1، ص109.

(24) شرح حديث النزول، ابن تيمية، ص 161.

(25) شرح حديث عمران بن حصين، ص193.

(26) نقد مراتب الإجماع، ص 167، 168.

(27) نقد مراتب الإجماع، ص 167، 168.

(28) فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج13، ص318، 319.

(29) الفتاوى الحديثية، ابن الحجر العسقلاني، ص86.

(30) السيف الصقيل، للشيخ محمد زاهد الكوثري، ص190 بخط قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة عن أبي سعيد العلائي عن الذهبي / السلفية، محمد الكثيري، ص 239 / ابن تيمية في صورته الحقيقة، دار الغدير، بيروت، ص 55.

رسالة عالم محب ومعاصر لإبن تيمية ينصحه فيها نصيحة إنسان صادق ورؤوف بإبن تيمية

الذهبي صورة ٢

راي الامام المحدث الذهبي (الحنبلي)

قال الذهبي في رسالته لابن تيمية: 

الحمد لله على ذلتي ، يارب ارحمني ، وأقلني عثرتي ، واحفظ عليّ إيماني ، واحزناه على قلة حزني ، واآسفاه على السنة وذهاب أهلها ، واشوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونوني على البكاء ، واحزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات ، آه على وجود درهم حلال وأخ مؤنس ، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وتباً لمن شغلته عيوب الناس عن عيبه . إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك ؟ إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس ؟ مع علمك بنهي الرسول (صلى الله عليه وسلم) : لا تذكروا موتاكم إلا بخير ، فإنهم قد أفضوا إلى ماقدموا. بل أعرف أنك تقول لي لتنصر نفسك : إنما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شموا رائحة الإسلام ، ولا عرفوا ما جاء به محمد (صلى الله عليه وسلم) وهو جهاد ، بلى والله عرفوا خيراً كثيراً مما إذا عمل به العبد فقد فاز ، وجهلوا شيئاً كثيراً مما لا يعنيهم ، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . يا رجل ! بالله عليك كفّ عنّا ، فإنك محجاج عليم اللسان لا تقر ولا تنام ، إياكم والغلوطات في الدين ، كره نبيك (صلى الله عليه وسلم) المسائل وعابها ، ونهى عن كثرة

السؤال وقال : إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان . وكثرة الكلام بغير زلل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام ، فكيف إذا كان في عبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمي القلوب ، والله قد صرنا ضحكة في الوجود ، فإلى كم تنبش دقائق الكفريات الفلسفية ؟. لنرد عليها بعقولنا ، يا رجل ! قد بلعتَ سموم الفلاسفة تصنيفاتهم مرات ، وكثرة استعمال السموم يدمن عليها الجسم، وتكمن والله في البدن . واشوقاه إلى مجلس فيه تلاوة بتدبر وخشية بتذكر وصمت بتفكر. واهاً لمجلس يذكر فيه الأبرار فعند ذكر الصالحين تنزل فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل . يامسلم أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك ، ((( إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار ؟ إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار ؟ إلى كم تعظمها وتصغّر العباد ؟ إلى متى تخاللها وتمقت الزهاد ؟ إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح – والله – بها أحاديث الصحيحين ؟ يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك ، بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار ، أو بالتأويل والإنكار ، أما آن لك أن ترعوي؟ أما حان أن تتوب وتنيب ؟ أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل ؟ بلى – والله – ما أذكر أنك تذكر الموت ، بل تزدري بمن يذكر الموت .)))

فما أظنك تقبل عليّ قولي ولا تصغي إلى وعظي ، بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات ، وتقطع لي أذناب الرحمة، بل عند ذكر الصالحين يذكرون بالإزدراء واللعنة ، كان سيف لحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما ، بالله خلونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب ، وجدوا في ذكر بدع كنا نعدها من أساس الضلال ، قد صارت هي محض السنة وأساس التوحيد ، ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار ، ومن لم يكفر فهو أكفر من فرعون ، وتعد النصارى مثلنا ، والله في القلوب شكوك ، إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد ، يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والإنحلال ، لا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطولياً شهوانيا، لكنه ينفعك ويجاهد عنك بيده ولسانه ، وفي الباطن عدو لك بحاله قلبه . فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل ، أو عامي كذاب ليد الذهن ، أو غريب واجم قوي المكر ؟ أو ناشف صالح عديم الفهم ؟ الكلام ، ولا تزال تنتصر حتى أقول البتة سكت ، فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحب الواد ، فكيف حالك عند أعدائك ؟ وأعداؤك – والله- فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء ، كما أن أوليائك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر ، قد رضيت منك بأن تسبني علانية ، وتنتفع بمقالتي سرا ، فرحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي ، فإني كثير العيوب ، غزير الذنوب ، الويل لي إن أنا لا أتوب ، وافضيحتي من علاّم الغيوب !

ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين .

المصدر شبكة الدفاع عن أهل السنة : http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=117307

ألرسالة ألمفتوحة الثانية للحكومة ألسعودية

%d8%b5%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%b4%d8%b1%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9

[الحلقة ألثانية]

إبن تيمية يوفر ألشرعية ألكاملة للقاعدة وداعش لقتال نظام ألحكم ألسعودي

تطرقنا في الحلقة ألأولى إلى ألأسباب ألتي جعلت المملكة العربية السعودية منبعاً لإرهاب ألقاعدة وداعش من دون تخطيط أو دراية ألحكومة ألسعودية بخطورة فكر محمد بن عبد ألوهاب أو إبن تيمية في خلق ألإرهابيين من ألقاعدة وداعش، ولكن حملة السكينة ألتي أنشأتها ألحكومة ألسعودية قد تنبهت إلى هذا ألأمر فذكرت أن ألإرهابيين من القاعدة يكفرون الحكام من آل سعود إنطلاقاً من عدة متبنيات فكرية، وأهمها المتبنيات الفكرية لأبن تيمية حيث يذكر خالد المشوح نقلاً عن حملة ألسكينة في كتابه [ألتيارات ألدينية في المملكة العربية ألسعودية] أحد أهم ألمتبنيات ألفكرية للقاعدة في وجوب مقاتلة الحكام من آل سعود إستناداً على مقولة إبن تيمية بألنص [إن الدول المعاصرة عطلت شعيرة الجهاد في سبيل الله تعالى بل اعتبرت مجرد التفكير في الجهاد جريمة تلاحق عليها، وقد قرر العلماء أن من امتنع عن شيء من الشعائر الإسلامية قوتل عليه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (فأيما طائفة امتنعت عن بعض الصلوات المفروضات… أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب ألجزية على أهل ألكتاب وغير ذلك من واجبات الدين، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء)] للأسف تبقى هذه المقولات حبراً على ورق ولا تتخذ ألحكومة ألسعودية ألإجراءات ألواجب إتخاذها في كشف حقيقة أبن تيمية، للأسف كان ولا زال إبن تيمية شخصية مقدسة ولا زال يلقب في ألسعودية (بشيخ ألإسلام) ولازالت متبنياته الفكرية تدرس في السعودية، مع العلم إنه يوفر ألسند ألشرعي للقاعدة وداعش في وجوب قتالهم للعائلة ألسعودية الحاكمة. نتناول أدناه بقية ألمقال لعبد الرحمن البكري من صفحة (١٩٦) إلى (١٩٧) من كتابه (داعش ومستقبل ألعالم) الطبعة الحديثة:

الخطر الأكبر هو دور المؤسسات التربوية السعودية في تخريج الإرهابيين وتصديرهم إلى العالم، فالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وجامعة الملك عبد العزيز واللتان تأسستا في ستينيات القرن الماضي، واللتان تدرسان الأفكار الوهابية التكفيرية ويتواجد فيها الكثير من المدرسين من حركة الإخوان المسلمين المؤمنين بأفكار سيد قطب من غير السعوديين أو حتى من السعوديين، بل إن صاحب أفكار جاهلية المجتمعات وملهم سيد قطب أبو الأعلى المودودي كان هو صاحب فكرة إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وعضواً في مجلس إدارتها قبل وفاته؛ إن أكثر من خمسين بالمئة من الطلاب في هاتين الجامعتين هم من غير السعوديين، ولم يكن الطالب في السعودية يجد من الكتب الإسلامية المعاصرة في السعودية غير الكتب الوهابية وكتب سيد قطب التي تربي المسلم على تكفير الحكام والمجتمعات الإسلامية التي توصم بالجاهلية وتنشر ثقافة التكفير والإرهاب؛ إن هاتان الجامعتان قد خرجتا الآلاف من الطلاب من غير السعوديين خلال الخمسين سنة الماضية، لقد أصبح هؤلاء أئمة للمساجد في بلدانهم الأصلية وكانوا نواةً لنشر الفكر الإرهابي بين عشرات بل مئات الآلاف من الشباب في بلدانهم الأصلية، لقد بنت السعودية مئات بل آلاف المساجد في كافة أنحاء المعمورة، وعينت رجال دين وهابيين أئمة لهذه المساجد، بل أنشأت مئات المدارس الوهابية في كافة أنحاء العالم، لذلك من الطبيعي أن نجد انتشار هذا الفكر الإرهابي على هذا المستوى الواسع في أنحاء العالم، إن داعش لا تحتاج إلى جهد كبير لجلب الأنصار، فقد وفرت المؤسسة الدينية السعودية وبإسناد من الحكومة السعودية من دون تقديرها للنتائج مئات الآلاف من الشباب المنتشر في كافة أنحاء العالم بهذه الأفكار الإرهابية والتكفيرية المنحرفة؛ لذلك طغى الإسلام الوهابي التكفيري المنحرف بين الشباب الإسلاميين النشطاء على الإسلام المحمدي، إسلام الرحمة والعدالة والمحبة والإخوة والخير والسلام.

إن الإسلام المحمدي دين كامل؛ بما يؤهله لإسعاد البشرية في مختلف مراحلها وتنوع خصائصها وبيئاتها، وذلك من خلال إرشاده إلى سبل كمالها، أما الإسلام الوهابي فإنه قادر على أن يمزق المجتمع الإسلامي من الداخل؛ لقد آخى الرسول بين المسلمين وتبنى سياسة التآلف والتضامن والتعاون والرحمة والمحبة والتآخي بين أفراد المجتمع الإسلامي في المدينة المنورة، أما الإسلام الوهابي فقد برع في تبني سياسة القسوة والعداء والبغض والتنافر والتشرذم والقتل والذبح، ليس بحق غير المسلمين فحسب، وليس بحق المسلمين فحسب أيضاً، بل حتى على مستوى السلفيين أنفسهم كالفتك والإيغال بالقتل كما كان بين داعش وجبهة النصرة وحركة أحرار الشام السلفية التي صفيت قيادتها بشكل شبه كامل من قبل داعش.

ولا يمكن هداية البشرية إلى عمق المفاهيم الإسلامية الراقية التي تمثل كمال القيم البشرية وتعريفهم بقدرة هذه العقيدة على إسعاد البشرية من خلال المواقف العدائية والأساليب الهمجية التي تفوق الوحوش وحشية من قبل داعش والقاعدة وأساليب الإرهاب والذبح والفتك بكل من يصنف بالآخر بالمفهوم السلفي الوهابي. ولكن لا بد لهذا الإسلام المنحرف أن يندحر، ولا بد للإسلام النقي إسلام رسول الله والسلف الصالح أن ينتشر مرة أخرى كما جاء الوعد الإلهي {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}(سورة التوبة آية33)

إن إستمرار تقديس إبن تيمية حتى ولو أخفيت بعض مقولاته من الكتب الدراسية سيوفر السند الشرعي الكامل لهذه الحركات لتكفير ألعائلة السعودية الحاكمة وقتالها من منطلقات إسلامية وهابية منحرفة، حيث لا يمكن أليوم إخفاء أي حقيقة مع وجود ألأنترنت، ألمطلوب من الحكومة ألسعودية أليوم ليس حذف بعض الفقرات بل ألعكس هو الصحيح، يجب عليهم كشف حقيقة إبن تيمية؛ لماذا سجن عدة مرات؟ لماذا مات وهو في السجن؟ ما هو موقف علماء ألسنة من إبن تيمية في عصره؟ يجب ألإعتماد على ألنتائج ألباهرة ألتي توصلت إليها حملة السكينة ورسم سياسة جديدة للمدارس والجامعات في السعودية إنطلاقاً من هذه النتائج. سنتولى كشف حقيقة إبن تيمية في ألحلقات ألقادمة إن شاء ألله.

من أراد ألإطلاع على الحلقة ألأولى من ألموضوع أعلاه يمكنه فتح الرابط التالي:

https://mohammedallawi.com/2016/12/29/

من أراد ألإطلاع على الكتاب كاملاً يمكنه فتح الرابط التالي:

https://bakribook.files.wordpress.com/2014/11/daesh-book1.pdf

لقد ذكر ألكاتب عبد الرحمن البكري في مقدمة كتابه إنه سيصدر كتاباً بعنوان [ألربيع ألعربي في ألسعودية] وقال بألنص [حيث سيكون هذا الكتاب الثاني متمماً لهذا الكتاب الأول؛ فالسعودية هي الأساس لهذه الأفكار المنحرفة؛ والسعودية هي من اكثر الدول معاناة من هذه العقائد والأفكار؛ والسعودية لا تمتلك خطة واضحة المعالم وفعالة في مواجهة هذه الأفكار، وإذا لم تتحرك السعودية بالشكل الصحيح وباسرع وقت فإنها لا محالة ستقع في أتون ثورة ربيع عربي، ولكن هذه الثورة سوف لن تكون ربيعاً، بل ستكون خريف قاتم يأتي من بعده شتاء مظلم مجهول النتائج والتبعات، ليس على مستوى السعودية فحسب، وليس على مستوى المنطقة فحسب، بل على مستوى كافة ارجاء المعمورة، أعاذ الله السعودية وأعاذ المنطقة والعالم من هذا المصير المظلم والمستقبل المجهول] ومع أن ألمؤلف وعد بنشر كتابه قبل فترة ولكن لا نعلم ماهو سبب التأخير، نأمل أن يصدر ذلك الكتاب بأقرب فرصة، فألذي يظهر من بين طيات مقولاته أن ألكاتب ضنين على مصلحة المنطقة، وضنين على مصلحة ألإسلام وألمسلمين، بل حتى ضنين على مصلحة المملكة العربية ألسعودية من ألوقوع في أتون مستقبل مخيف ومجهول……

رسالة مفتوحة إلى حكومة المملكة العربية السعودية

%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9

[الحلقة ألأولى]

إني أعتقد أن داعش تستهدف على المدى البعيد إسقاط نظام الحكم السعودي كما كان هدف القاعدة قبل ذلك، فمنهجهم هو نفسه منهج جهيمان العتيبي عام ١٩٧٩ حين إحتلاله للحرم المكي الشريف لإسقاط نظام الحكم السعودي بحجة المهدي المنتظر، وسبقهم ألإخوان في بداية القرن العشرين حيث إنقلبوا على الملك عبد العزيز آل سعود في عشرينات القرن الماضي بقيادة فيصل ألدويش، ولكن إستطاع ألملك عبد ألعزيز آل سعود ألقضاء عليهم في معركة السبلة عام ١٩٢٩.

لماذا ظهرت كل هذه الحركات السلفية الوهابية التكفيرية في المملكة العربية السعودية؟ ولماذا إنتشرت في كافة أنحاء ألعالم؟ لماذا كان هناك خمسة عشر سعودياً من أصل تسعة عشر إرهابياً شاركوا في عمليات ١١ أيلول ألإرهابية؟  لماذا نسبة السعوديين في القاعدة وداعش إن لم تكن ألأولى فهي تبقى نسبة عالية مقارنة مع الدول ألأخرى؟

هناك أسباب متعددة منها تأريخية ومنها لا تزال قائمة، وإن ألحكومة السعودية تبذل جهوداً كبيرة للقضاء على هذه التوجهات وعلى هذا ألفكر ألتكفيري المنحرف، وأنشأت حملة السكينة لدراسة هذه الظواهر وكيفية القضاء عليها. وإني في هذا ألمجال أنصح حكومة المملكة ألإطلاع على ألمقال أدناه لأحد أقطاب هذه الحركات التكفيرية ولكنه إنقلب عليهم وهو عبد الرحمن البكري العراقي الأصل ومؤلف كتاب (داعش ومستقبل ألعالم) ألذي عاش ردحاً من حياته في المملكة العربية السعودية حيث أوضح خلال الفصل أدناه في كتابه المذكور من صفحة (١٩٥) إلى صفحة (١٩٧) مجموعة من ألأسباب لعلها تنفع حكومة المملكة في إتخاذ خطوات جدية للحد من ألآثار ألمدمرة لهذا ألفكر المنحرف لمصلحة نظام الحكم السعودي ولمصلحة دول المنطقة وبألذات ألعراق، بل كافة الدول العربية والدول الإسلامية التي إنتشر فيها هذا ألفكر، بل دول العالم كافة ألتي أنتشرت فيها هذه ألحركات وإعتنق الكثير من مواطنيها هذا ألفكر التكفيري المنحرف، أما ألمقال فهو :

حيث نجد أن الفكر الوهابي السلفي قد نشأ وترعرع في أرض الجزيرة العربية أو ما يسمى اليوم المملكة العربية السعودية. لقد انتشر هذا الفكر تارة بالإقناع وتارة بالإكراه، بل إن الأمر كان أمضى من ذلك، فتم إقصاء كافة المذاهب السنّية الأربعة الشوافع والمالكية والأحناف والحنابلة في المملكة العربية السعودية، حيث تم إغلاق كافة مدارس المذاهب السنّية في كافة أرجاء البلاد، وبشكل خاص مدارس المذاهب الأربعة التي كانت قائمه في المدينة المنورة حتى عام 1341هـ/ 1922م، فأغلقت قسراً في تلك السنة ولم يسمح منذ ذلك اليوم بإقامة أي مدرسة لأي من المذاهب السنّية الأربعة في كافة أرجاء البلاد؛ فقط المذهب الوهابي الذي يستند إلى أفكار محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية وبعض المسائل الفقهية لأحمد بن حنبل، فلم يتبق للإنسان السنّي في السعودية مجالٌ غير اعتناق الفكر الوهابي السلفي، ومنعت كافة كتب المذاهب الأربعة، ولم يتبق إلا كتب ابن تيمية وابن القيم الجوزية وابن عبد الوهاب وعلماء الوهابية كآل الشيخ وابن باز وابن عثيمين وابن جبرين والوادعي والفوزان وغيرهم من أئمة الوهابية. إن هذا الواقع قد وفّر الأرضية الخصبة لنشوء جيل مهيأ من الناحية العقائدية للانخراط ضمن صفوف الحركات السلفية التكفيرية، بل بمعنى أوضح، إن جيل الشباب في السعودية والبلدان التي استفحل فيها هذا الفكر إذا كانوا يبتغون تحقيق درجة أعلى من الالتزام بالإسلام لم يبق أمامهم مجال لاكتشاف الطريق لتحقيق ذلك إلا بالانخراط ضمن صفوف التنظيمات السلفية التكفيرية كالقاعدة وما شابهها. وإذا كان أي من هؤلاء يسعى إلى تحقيق أعلى درجات البر في التضحية بالنفس في سبيل الله، فإن ذلك سيتحقّق من خلال عملية انتحارية لقتل أكبر عدد من الناس، سواء كان هؤلاء من غير المسلمين أم حتى من المسلمين، وسواء كانوا من المجرمين والفاسقين أم من الأبرياء والمؤمنين، من الرجال أم من النساء، من الشباب أم من الشيوخ والأطفال. وهكذا نجد أن المدرسة الوهابية التي قامت في السعودية هي المدرسة القادرة على تخريج هذه النسبة العالية من الإرهابيين الانتحاريين بهدف قتل الناس من دون تمييز، ويعود السبب الأول في ذلك هو غلق كل المنافذ للتعرّف على الإسلام الحقيقي، إسلام السلام والخير والرحمة والمحبة، وفتح الباب لتعريف الناس بمبادئ لا تمت بأي صلة إلى الإسلام، إنه إسلام مزيف، إسلام القتل والإرهاب والكراهية والشر. وهكذا بدأت تنتشر وتستشري تلك المبادئ والقيم الإسلامية المزيفة في كافة البلدان التي وصلها الفكر الوهابي انطلاقاً مما يسمى اليوم المملكة العربية السعودية من دون تخطيط مقصود من قبل الحكام من آل سعود.

الخطر الأكبر هو دور المؤسسات التربوية السعودية في تخريج الإرهابيين وتصديرهم إلى العالم، فهناك الآلاف من الطلاب من خارج السعودية الذين يدرسون الدراسات الأسلامية الوهابية التكفيرية في الجامعات السعودية، فعلى سبيل المثال الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة والتي تاسست في ستينات القرن الماضي، والتي يتواجد فيهما الكثير من المدرسين من حركة الإخوان المسلمين المؤمنين بأفكار سيد قطب من غير السعوديين أو حتى من السعوديين، بل إن صاحب أفكار جاهلية المجتمعات وملهم سيد قطب أبا الأعلى المودودي كان هو صاحب فكرة إنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وعضو في مجلس إدارتها قبل وفاته؛ إن عدد الذين يقبلون في هذه الجامعة في كل عام اكثر من الفي طالب، حيث ان عدد الطلاب  من غير السعوديين يبلغ اكثر من ثمانين بالمئة من الطلاب وإن اكثر من تسعين بالمئة من هؤلاء من غير السعوديين يدرسون الدراسات الأسلامية.

[البقية في ألحلقة ألقادمة]

تآمر امريكي وراء جلب المالكي لرئاسة الوزراء

تآمر امريكي وراء جلب المالكي لرئاسة الوزراء

الأحد، 21 حزيران، 2015

(الكلمة الكاملة لوزير الاتصالات السابق محمد توفيق علاوي ولكن لم يتم إلقاء غير الجزء الأخير وبالذات منهج السيد السيستاني وموقفه من الحكومة المدنية في مؤتمر – نحو ديمقراطية توافقية في العالم العربي – بتاريخ ١٥ – ١٦ حزيران ٢٠١٥ في بيروت بإشراف مركز القدس للدراسات السياسية والمنظمة التونسية منتدى الجاحظ)

من مراجعة ما مر به عالمنا العربي من توجهات سياسية مختلفة ومناهج فكرية متباينة ونزاعات دينية وطائفية وأوضاع سياسية مضطربة منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا يقودنا إلى التوصل إلى الحل الأمثل لواقعنا وذلك بقيام دولة مدنية تتمتع بالمواصفات التالية:

في الجانب السياسي: نظام ديمقراطي فيه إنتخابات حرة ومجلس للنواب يتمتع بالسلطات التشريعية العليا في البلد، وتستمد السلطة التنفيذية سلطاتها من الشعب سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة.

في الجانب الإقتصادي: نظام إقتصادي يتمتع بدرجة عالية من الحرية مع منع الإحتكار (خلاف الرأسمالية) وإعطاء فرص متساوية للمستثمرين مع توفير الضمان الإجتماعي والضمان الصحي وفرض التعليم المجاني.

في الجانب الإجتماعي: يتمتع افراد المجتمع بالمساوات وحرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإعتقاد وكافة مفردات حقوق الإنسان وكافة مفردات الحرية الشخصية ولكن ضمن منظومة قيم خلقية تخضع للقيم والمعتقدات الدينية والعرف الإجتماعي والتأريخي من العلاقات العائلية والقبلية بما لا يتعارض مع المساوات بين كافة افراد المجتمع او التمييز فيما بينهم.

إن تحقق مفردات هذه الدولة هي حلم أغلب شعوب المنطقة ماخلا فئة تمثل الأقلية من السياسيين والمؤدلجين الذين تتجاذبهم تيارات فكرية متباينة والتي كانت ولا زالت حائلاً دون الوصول إلى تحقيق ما تصبو إليه هذه المجتمعات من نظام دولة مدنية تحقق طموحات اغلب مواطني بلداننا العربية.

أما التيارات التي تتجاذب السياسيين والمؤدلجين في عالمنا العربي منذ قرن من الزمان حتى يومنا هذا فهي اربعة تيارات اساسية خلال القرن السابق حتى يومنا هذا:

١ – التيارات القومية

٢ – التيارات اليسارية

٣ – التيارات الليبرالية

٤ – التيارات الإسلامية

فضلاً عن هذه التيارات الأربعة فهناك للأسف تيار عام مشترك بدأ يستفحل منذ الثمانينات من القرن الماضي وهو تيار الفساد وهو الإستئثار بموارد الدولة لأشخاص معدودين من الطبقة الحاكمة وطبقة من المستفيدين حولهم على حساب المصلحة العامة للمواطنين.

التيارات القومية: القومية عبارة عن رابطة لغوية وتاريخية وجغرافية، ولا تمتلك القومية فكراً أو منهجاً سياسياً أو نظاماً إقتصادياً، برزت المشاعر القومية في فترة خمسينات القرن الماضي بعد تحرر مجموعة من الدول العربية من الهيمنة الإستعمارية وقيام ثورات ضد الأنظمة الملكية، وقد تأججت هذه المشاعر خلال فترة العدوان الثلاثي على مصر، في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقد برزت بشكل موازي أفكار حزب البعث العربي الإشتراكي ووصلوا إلى السلطة في دولتين عربيتين هما سوريا والعراق، وقد تبنى حزب البعث النظام الإشتراكي كنظام إقتصادي.

لقد فشل التيار القومي فشلاً ذريعاً في إنشاء دولة مدنية وبالذات بعد التدهور الإقتصادي في مصر بسبب سياسة التأميم، ومن ثم الفشل العسكري وإستنزاف موارد الدولة في الدفاع عن نظام عبد الله السلال في اليمن، وإنتهاءً بنكسة خمسة حزيران عام ١٩٦٧. أما نظام حزب البعث فأنتهى إلى قيام أنظمة دكتاتورية في كل من العراق وسوريا، وكانت الإنجازات هي نقيض الشعارات المرفوعة، فشعار الوحدة قابله العداء المستحكم بين سوريا والعراق الدولتين الوحيدتين اللتين تتبنيان منهج حزب البعث، فضلاً عن إحتلال دولة عربية وهي الكويت من قبل العراق تحت ضل حكم حزب البعث.

التيارات اليسارية: برزت التيارات اليسارية وبالذات فكر الحزب الشيوعي في ثلاثينات القرن الماضي، للفكر الشيوعي نظام متكامل على المستوى العقائدي والإقتصادي والإجتماعي والسياسي، نجح هذا الفكر في إستقطاب تعاطف جماهيري لكونه يمثل المعسكر الشرقي عدو المعسكر الغربي الذي كانت تعاديه دول المنطقة بسبب السياسات الإستعمارية، لم تكن له تجربة على ارض الواقع غير اليمن الجنوبي، هذا الفكر غير ملائم لدول المنطقة التي تعتنق الإسلام بسبب الفكر الإلحادي للشيوعية، فضلاً عن تناقض هذا الفكر مع الفطرة البشرية، وقد إندحرت هذه التجربة بعد فشلها في الإتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية والصين. ولكن تم تبني الأفكار الإشتراكية والتأميم في بعض الدول ولفترات محددة، ولكن آيضاً فشلت هذه السياسة.

التيارات الليبرالية: لا توجد دولة عربية تطبق الفلسفة الليبرالية في الجانب الفكري والسياسي والإجتماعي كما هو موجود في الغرب، ولكن إذا كانت هنالك دولة قريبة من تبني الفلسفة الليبرالية فهي لبنان، قد نستطيع إطلاق مفهوم الليبرالية على مجموعة من الدول العربية وبالذات في الجانب الإقتصادي ولكن مع وجود محددين، محدد على مستوى الحكم ومحدد إجتماعي.

أما على المستوى الإجتماعي فهناك مجموعة من القيم الإجتماعية أغلبها ذات أبعاد دينية وتقاليد إجتماعية وعشائرية؛ المحدد الآخر على مستوى نظام الحكم ما يصطلح عليه في الغرب (Autocrat) لا توجد له كلمة مرادفة باللغة العربية، وأقرب كلمة هي الإستبداد. ولكن لا يمكن إطلاق هذا التعبير (الإستبداد) إلا على أنظمة من مثال نظام بورقيبة او زين العابدين في تونس او علي عبد الله صالح اوحتى حسني مبارك، ولكن لا يمكن إطلاقه على نظام الحكم اليوم في المغرب العربي او الكويت او دولة الإمارات العربية المتحدة أو عمان أو الأردن بل يمكن تعريفه (بنظام يتمتع فيه الحاكم غير المنتخب بسلطات كبيرة) هذه الأنظمة هي أقربها للدولة المدنية المثلى لعالمنا العربي.

التيار الإسلامي: هناك اربعة تيارات إسلامية للحكم فاعلة في عالمنا العربي؛

تيار سني يتمثل بمدرسة سيد قطب

تيار سلفي يتمثل بمدرسة ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب

تيار يجمع بين المدرستين، مدرسة سيد قطب ومدرسة ابن تيمية وابن عبد الوهاب

تيار شيعي يتمثل بمدرسة السيد السيستاني

قبل مناقشة هذه التيارات لا بد من تثبيت ثلاثة حقائق مهمة بالنسبة لنظام الحكم في الإسلام

الأول: إن ألإسلام لا يدخل في تفاصيل نظام ومنهج الحكم بل يضع الإطار فحسب ولذلك إعتمد الإسلاميون على تجارب الدولة الإسلامية بعد رسول الله (ص)، فالحاكم في عهد فترة الخلافة الراشدة وهي افضل فترة حكم إسلامي كان هو الحاكم المطلق، وكان يحكم طوال عمره، وهذا لا يمثل المنهج الإسلامي في الحكم، فلا يمنع الإسلام من الإستفادة من تطور الفكر البشري في مجال الحكم، فعلى سبيل المثال نجد أن نظام الحكم في الجمهورية الإسلامية في أيران وهو حكم إسلامي حتى الصميم ولكن بمنظار شيعي؛ وبغض النظر عن مبدأ ولاية الفقيه وهي قضية خلافية حتى في الفكر الشيعي، ولكننا نجد أن مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية في أيران السيد الخميني تبنى صيغة الجمهورية؛ رئيس جمهورية منتخب لفترة محددة من الزمن، ووزراء يمثلون الحكومة، ومجلس للنواب المنتخبين.

الثاني: يعتقد الإسلاميون إن الإسلام يتعارض مع النظام الإنتخابي، فإذا ما وصل الحزب الإسلامي للحكم، فلا يسمح بفتح المجال للرجوع إلى الإنتخابات بحيث هناك إمكانية لمجيء حزب لا إسلامي إلى الحكم، هذا ما يستدل به من أدبيات الإخوان وأغلب الأحزاب الإسلامية، وقد صرح به بشكل علني عباس مدني رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد فوزهم في الإنتخابات عام ١٩٩١ في الجزائر، ولكن واقع الإسلام علي النقيض فمبدأ الشورى في الإسلام يسمح بتولي الحاكم متى ما نال تأييد المواطنين سواء كان إسلامياً أم لم يكن. (هذا يحتاج إلى بحث مطول سنتطرق إلى جزء منه في الفقرة التالية)

الثالث: هناك تصور أنه لا يجوز أن يكون هناك مجلس للنواب يشرع القوانين، وفي الحقيقة هذا جهل بدور مجلس النواب، فهو لا يشرع قوانين الأحوال المدنية والتي يمكن أن لا تتعارض مع ثوابت الإسلام والشريعة الإسلامية إستناداً للدستور.

إن الرسول (ص) حينما تصدى للحكم لم ينطلق من مبدأ التعيين الإلهي فحسب مع كونه رسولاً مبعوثاً من الله سبحانه وتعالى، فعندما أراد إنشاء فئة مقاتلة تدافع عنه وعن الشريعة الإسلامية أخذ البيعة من أهل المدينة على ذلك بما سمي ببيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية من الأنصار قبل هجرته من مكة للمدينة، وعندما أراد الله إنزال التشريعات التي تتضمن الحدود أمر رسوله (ص) بأخذ البيعة مرة أخرى فيما سمي ببيعة الشجرة او بيعة الرضوان، هذا الأمر يحتاج إلى دراسات أعمق، حيث لم يبذل الإسلاميون الجهد المطلوب لدراسة البيعات التي حصلت في حياة الرسول (ص).

١. تيار سيد قطب: لقد إستلهم سيد قطب أفكاره في الحاكمية من المفكر الهندي أبو الأعلي المودودي وبالذات كتابه (الحكومة الإسلامية)، وأستند المودودي ومن بعده السيد قطب على مجموعة من الآيات القرآنية في كفر الحكام المسلمين ممن لا يحكم بما أنزل الله وبالذات قوله تعالى في سورة المائدة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فؤلائك هم الكافرون)، ومن هذا المنطلق حكموا بجاهلية المجتمعات الإسلامية وكفرهم، طبعاً هذا التفسير يدل علي الجهل بمدلولات اللغة العربية، والجهل بتفسير آيات الكتاب خلاف فهم السلف الصالح، فإستخدام كلمة (الحكم) في ذلك العصر بل في كل آيات الكتاب جاءت بمعنى (القضاء) من قبل الله او الإنسان او حتى الكتاب أو (القدرة على القضاء) وليس إدارة الدولة وحكمها كألملك او رئيس الجمهورية او رئيس الوزراء كما في يومنا الحالي.

(بحث إسلامي قرآني فيما ذهبنا إليه أعلاه للإطلاع من قبل المهتمين بهذا الشأن)

حيث جاء في قوله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}(سورة النساء آية 65)، وقوله تعالى {يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم}(سورة آل عمران آية23)، وقوله تعالى {ولن ابرح الأرض حتى يأذن لي ابي أو يحكم الله }(سورة يوسف آية80)، وقوله تعالى {وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث}(سورة الأنبياء آية78)، وقوله تعالى {وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله}(سورة المائدة آية43)، وقوله تعالى {وآتيناه الحكم صبياً}(سورة مريم آية12)، وقوله تعالى {وكذلك أنزلناه حكماً عربياً}(سورة الرعد آية37)، وقوله تعالى {ففرت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً}(سورة الشعراء آية21)، وقوله تعالى {إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين}(سورة الأنبياء آية78) وغيرها من الآيات المشابهة.

أما الحكم بالمعنى المعاصر كالملك أو رئيس الجمهورية أو ما شابه فإن القرآن قد عرفه بـ (الملك) أو (ولي الأمر) أو (تولى) أو (له الأمر) أو ما شابه، وذلك في قوله تعالى {إني وجدت إمرأةً تملكهم}(سورة النمل آية23)، وفي قوله تعالى {إن ألله قد بعث لكم طالوت ملكاً}(سورة البقرة آية247)، في قوله تعالى {والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين}(سورة النمل آية33)، في قوله تعالى {ولو ردوه إلى الرسول وإلى إولي ألأمر منهم}(سورة النساء آية83)، وفي قوله تعالى {أطيعوا ألله واطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}(سورة النساء آية59)، وفي قوله تعالى {وشاورهم في الأمر}(سورة آل عمران آية159)، وفي قوله تعالى {وأمرهم شورى بينهم}(سورة الشورى آية38)،، في قوله تعالى {ياأيها الملأ أفتوني في أمري}(سورة النمل آية32). في قوله تعالى {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل}(سورة البقرة آية205).

بل جاءت هذه الآية(ومن لم يحكم بما أنزل الله) والآيات الأخرى المشابهة في سياقها بحق اليهود والنصاى كما ورد عن البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله والحسن البصري، وكما هو واضح من الآيات الثلاث بهذا الشأن التي جاءت متوالية في سورة المائدة في قوله تعالى {إنا أنزلنا التورىة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربنيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس وأخشون ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}(سورة المائدة آية44) وقوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بألنفس والعين بألعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}(سورة المائدة آية45) وقوله تعالى {وقفينا على آثارهم بعيسى أبن مريم مصدقاً لما بين يديه من التورىة وهدى وموعظة للمتقين* وليحكم أهل الأنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}(سورة المائدة آية 46-47).

بل إن الأمر مع كل ما ذكرنا أشد من ذلك، فإن الآية لو أخذناها بالمعنى العام من دون تخصيص بحق أهل الكتاب، فحتى الحاكم (القاضي) المسلم الذي لا يحكم (يقضي) بما أنزل الله فإن كفره هنا مجازي وليس حقيقي كما ورد بشكل واضح عن السلف الصالح، فيقول ابن عباس في تفسير هذه الآية من سورة المائدة بأنه (ليسس بالكفر الذي يذهبون إليه) وروى ابن جرير عن ابن عباس بأن من أقر ولم يحكم بما أنزل الله فهو ظالم وفاسق وليس بكافر كالجاحد بما أنزل الله وقال ابن طاووس بأن الكفر هنا ليس كالكفر الحقيقي كمن (يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله) ونقل عن وكيع عن طاوس بأنه (ليس بكفر ينقل عن الملة) (يمكن مراجعة تفسير ابن كثير بهذا الشأن).

٢. التيار السلفي: لا نريد ان ندخل في تفاصيل التيار السلفي الذي يبيح دماء المسلمين ممن يختلفون معه في الرأي مما شاهدناه من سلوكياتهم في التأريخ الماضي والمعاصر، ولكن هناك تساؤل كبير، لماذا إستشرى هذا الفكر على هذا المستوى الواسع في كافة بقاع الأرض فنجد أنه لا تخلو بقعة من بقاع الأرض ممن يحملون هذا الفكر ويتبنونه مع العالم ؟؟؟

الجواب: أن المسؤول الأول عن إنتشار هذا الفكر على هذا المستوى الواسع هو المؤسسة الدينية في المملكة العربية السعودية، وهنا أؤكد إن العائلة الحاكمة في السعودية كانت تجهل ما كان يطبخ على نار هادئة من قبل هذه المؤسسة خلال فترة تجاوزت الخمسين عاماً بحيث فقدت هذه المؤسسة السيطرة على هذا التيار الذي إنقلب على النظام السعودي ودعى إلى إسقاطه بل إنقلب حتى على المؤسسة الدينية في السعودية وحكم بكفر مشايخهم بسبب وقوفهم إلى جانب العائلة السعودية الحاكمة.

إن كتاب التوحيد لمحمد بن عبد الوهاب يدرس في كافة المراحل الإبتدائية والمتوسطة والثانوية وهو يكفر جميع المسلمين ممن لا يعتقدون بعقائد إبن تيمية وإبن عبد الوهاب ويستبيح دماءهم، ولذلك نجد أن خمسة عشر من أصل تسعة عشر من الإنتحاريين الذين فجروا مركز التجارة في نيويورك هم من السعوديين.

لقد قامت المؤسسة الدينية في السعودية بإقتراح من أبو الأعلى المودودي بإنشاء الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام ١٩٦٣ وأن نسبة الطلاب غير السعوديين تبلغ اكثر من ثمانين بالمئة، وإن السعودية في كل عام تعطي منح لحوالي ثمانية آلاف طالب لدراسة الدراسات الوهابية التكفيرية في الجامعات السعودية من غير السعوديين من مختلف بقاع الأرض، بل إن ضعف هذا العدد هم من المنتسبين من خلال مناهج الدراسات من بعد، لقد تخرج من الجامعات السعودية خلال فترة الخمسين عاماً ما يقارب النصف مليون طالب ممن يعتقدون بالعقائد التكفيرية، بل قامت المؤسسة الدينية في السعودية بالطلب من الحكومة السعودية ببناء عشرات الآلاف من المساجد في كافة بقاع الأرض وكانت تعين فيها أئمة من الوهابيين من خريجي الجامعات السعودية، لقد أعلنت الحكومة السعودية إنها صرفت مبلغ ٢٧ مليار دولار لنشر الثقافة السلفية خلال بضعة سنوات من حكم الملك فهد، ولوإستندنا إلى هذا الرقم فنجد أنها صرفت أكثر من ثمانين مليار دولار منذ أوائل الثمانينات حتى يومنا هذا لنشر الفكر السلفي الذي غدا نواةً للفكر التكفيري، لذلك فمن الطبيعي أن تجد القاعدة وداعش الملايين من المسلمين المتعاطفين معها من خريجي هذه الجامعات او ممن اتبعوا أئمة المساجد من الوهابيين في مختلف بقاع الأرض. وأن ينتشر أمرهم في كافة بقاع الأرض من اليمن ومصر وليبيا والجزائر والمغرب والعراق ولبنان وسوريا ونيجيريا ومالي والصومال وإندونيسيا وماليزيا والفليبين والباكستان والشيشان والهند وفرنسا وبريطانيا والمانيا وإسبانيا وغيرها؛ إن أول من يكفره هؤلاد الوهابيون السلفيون التكفيريون هي العائلة السعودية الحاكمة نفسها كما صرحوا به ونشروه في الكثير من أدبياتهم وكتبهم.

الحل: في هذا المجال يجب تبني الفكر الإسلامي المعتدل المخالف لأفكار ابن تيمية وإبن عبد الوهاب التكفيري من قبل لجنة تمثل مجموعة من الدول العربية والإسلامية ويجب أن تكون السعودية علي رأس هذه اللجنة من أجل وضع برنامج يطرح المفاهيم الإسلامية الحقيقية قبال الأفكار السلفية التكفيرية التي تكفر كافة الأنظمة العربية وعلي رأسها السعودية.

٣. التيار الذي يجمع بين فكر سيد قطب وافكار إبن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب: وهو أخطر فكر إرهابي ويمثل فكر القاعدة وجبهة النصرة وداعش؛ لا ينفع إستخدام القوة فحسب لمواجهة هذا التيار، بل يجب تبني منظومة فكرية إسلامية سليمة تواجه الفكر السلفي التكفيري، ويجب أن تصدر هذه المنظومة من المؤسسات ألإسلامية العريقة التي لم تتأثر إلى حد الآن بالفكر السلفي التكفيري، كجامعة الأزهر في مصر، وجامعة الزيتونة في تونس، وجامعة القرويين في فاس في المغرب فضلاً عن المراكز الإسلامية والجامعات الإسلامية الأخرى في مناطق العالم المختلفة التي لم تتأثر إلى حد الآن بالفكر السلفي التكفيري. يجب ان تتم الدعوة لتبني هذه المنظومة من قبل مجموعة من الدول العربية على رأسها المملكة العربية السعودية.

٤. التيار الشيعي المتمثل بمدرسة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (وهو التيار الذي يعارض مبدأ ولاية الفقيه): يتميز هذا التيار بجملة من الخصائص وهي؛

أ) القبول بالدولة المدنية التي تحكم من قبل الشخص الأقدر والأكفأ في إدارة الدولة بغض النظر عن إنتمائه الفكري، حيث وافق السيد السيستاني مع ممثل الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي عام ٢٠٠٤ على ترشيح شخصيتين غير إسلاميتين وهما الدكتور أياد علاوي والدكتور أحمد الجلبي، وتم إختيار الدكتور أياد علاوي رئيساً للوزراء عام ٢٠٠٤ حيث كان يتمتع بسلطات تشريعية وتنفيذية، بل في عام ٢٠٠٩، عندما تدهورت امور الحكومة بسبب الفساد وإخفاقاتها في الجوانب المختلفة قابلت السيد السيستاني أنا شخصياً وسألته عن الحل، فأجابني بالنص أنه طلب في وقتها عام ٢٠٠٤ من رئيس الإئتلاف (السيد عبد العزيز الحكيم) للطلب من الدكتور أياد علاوي بالدخول في الإئتلاف الموحد وضمان رآسة الوزراء له في الدورة القادمة، وقال لي السيد حفظه الله لو وافق الدكتور أياد على الدخول في الإئتلاف في وقتها لكان اليوم هو رئيس الوزراء ولما وصلنا إلى الوضع المأساوي الذي نحن به اليوم.

ب) مبدأ القضاء على الطائفية السياسية بشكل كامل، وهو صاحب المقولة المشهورة (لا تقولوا السنة إخواننا بل السنة انفسنا) لو طبق هذا الشعار بحذافيره لقضي اليوم على الطائفية السياسية في العراق؛ ولكن للأسف وجدت الحكومة التي يرأسها المالكي أنها لا يمكن ان تستمر في الحكم بسبب فشلها في إدارة الدولة ما لم تعمق الخلافات الطائفية، مع الإيحاء للشيعة أنها هي المدافعة عن حقوقهم، وهذا جر إلى دفع الكثير من السنة إلى الإنتماء إلى داعش أو تأيدهم أو بالحد الأدنى عدم مقاتلتهم عندما إحتلوا مدنهم، إذاً المشكلة هو قيام حكومة يترأسها رئيس وزراء إسلامي يسمح ويدفع بإستشراء الفساد على نطاق جداً واسع وغير قادر على إدارة البلد، وللأسف إن هذا الأمر قد تم بتآمر أمريكي لجلب المالكي لرآسة الوزراء مع العلم إنه فشل في الإنتخابات، وتنحية أياد علاوي عن تولي رآسة الوزراء مع فوزه وإستحقاقه الدستوري لتولي رآسة الوزراء، وللإنصاف فإن أيران لم تكن تؤيد المالكي لتولي رآسة الوزراء إلا في الشهر العاشر من عام ٢٠١٠حيث كنت أنا في خضم المباحثات السياسية في تلك الفترة.

ج) مبدأ التصدي في الأمور المفصلية والمصيرية للأمة، حيث رفض بشكل قاطع أن يكتب الدستور من قبل مكتب محاماة امريكي، وهدد الأميركان من خلال الأمم المتحدة إذا لم تعلن الولايات المتحدة بأن الدستور سيكتب من قبل أيادي عراقية منتخبة من قبل الشعب فإنه سيعلن رفضه للدستور العراقي المزمع كتابته في تلك الفترة، الأمر الثاني هو إزاحته للمالكي عام ٢٠١٤ عندما فشل في إدارة الدولة وأثار الفتنة الطائفية وكان يدير كافة المؤسسات الأمنية ولكنه عجز عن منع داعش من إحتلال الموصل، أو الدخول إلى تكريت وإرتكاب مجزرة سبايكر. الأمر الثالث هو الدعوة إلى الجهاد الكفائي وألذي كان السبب الرئيس في منع داعش من التمدد وإحتلال مدن أخرى بعد الموصل والتكريت، كبغداد او مناطق أخرى.

نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحق اتباع فكر داعش والقاعدة نقلاً عن كتاب [داعش ومستقبل العالم] لمؤلفه عبد الرحمن البكري (الجزء الاول)؛

الفصل الثالث

نبوءة الرسول الأعظم (ص)؛

إن من أعظم مصاديق نبوءة الرسول (ص)؛ هو إخباره عما كشفه الله له من أمور الغيب، لذلك ترى القرآن يزخر بذلك النمط من الآيات في كشف بعض أمور الغيب بشكل إجمالي وأحياناً بشكل تفصيلي.

كما أن الرسول (ص)؛ قد تحدّث لأمته عن كثير مما سيحدث لها ومما ستلاقيه في المستقبل، وكتب الحديث تزخر بهذا النمط من الأحاديث.

ولو تتبعنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن فإننا نجد ثلاثة أنماط من الأحاديث التي تدعو للتأمل، وعلى الأخص بعد عرضها على واقع ومسار الحركة السلفية الوهابية وما أفرزته من حركات كألقاعدة وداعش وغيرها من الحركات السلفية بشكل خاص، وأهل نجد بشكل عام.

أما هذه الأصناف الثلاثة فهي:

الصنف الأول: الأحاديث الواردة بحق قوم في آخر الزمان

أ ـ       أخرج البخاري في كتاب (المناقب) في حديث رقم 3611، في باب علامات النبوة (سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة).

ب ـ     وورد في (صحيح) مسلم في كتاب (الزكاة) حديث رقم 1606، في باب التحريض على قتال الخوارج، الجزء الثاني، ص 748 (يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، يقرأون القرآن يحسبونه أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم لاتكلوا على العمل)، وأخرج هذا الحديث أبو داوود في كتاب السنة في باب التحريض على قتل الخوارج، حديث (رقم 4768).

ج ـ     وورد في صحيح الترمذي في أبواب الفتن، الجزء التاسع، ص 37، في باب صفة المارقة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله r (يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).

د ـ      وورد في (مسند) الإمام أحمد بن حنبل في الفتح الرباني في باب ذكر الخوارج في الجزء 24 صفحة 19، عن سويد بن غفلة قال: قال علي t إذا حدثتكم عن رسول الله r حديثاً لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم عن غيره فإنما أنا رجل محارب والحرب خدعة، سمعت رسول الله r يقول: (يخرج في آخر الزمان أقوام أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم عند الله يوم القيامة).

هـ ـ     وورد في (كنز العمال)، حديث رقم 30949 عن الرسول r قال: (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة) للاطلاع على المزيد من الأحاديث المشابهة راجع الهامش(1).

الصنف الثاني: الأحاديث الواردة بحق قوم يقطنون شرق المدينة بشكل عام… وبحق أهل نجد بشكل خاص

أ ـ       أخرج البخاري في كتاب الفتن عن ابن عمر حديث رقم 6716 قال: (ذكر النبي (ص)؛: اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا يا رسول الله وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: هنالك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان).

ب ـ     وروى مسلم في صحيحه عن ابن عمر حديث رقم 5302، يقول: (سمعت رسول الله (ص)؛ يشير بيده نحو المشرق ويقول: ها إن الفتنة ها هنا، ها إن الفتنة ها هنا ثلاثاً حيث يطلع قرن الشيطان).

ج ـ     وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده، الجزء الثاني، ص118، عن ابن عمر أن النبي (ص)؛ قال: (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك في يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا في نجدنا، قال: هنالك الزلازل والفتن، منها، أو بها، يطلع قرن الشيطان). وورد في المسند أيضاً حديث رقم 6723، كما أخرج نعيم بن حماد في الفتن حديث رقم 1496 عن عبد الله بن عمرو: (سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج منهم قرن قطع كلما خرج منهم قرن قطع حتى عدها زيادة على عشرة مرات، كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجّال في بقيتهم).

ج ـ     أخرج الترمذي في (المناقب) وأخرج أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر، حديث رقم 4552، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن، واشراط الساعة، حديث رقم 5301: (قال النبي (ص)؛ وهو مستقبل المشرق يقول: رأس الكفر من ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان).

د ـ      أخرج ابن ماجة في سننه، حديث رقم 173، عن ابن عمر عن رسول الله (ص)؛: (ينشأ نشأ يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج قرن قطع، قال ابن عمر سمعت رسول الله (ص)؛ كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة حتى يخرج في عراضهم الدجّال). كما أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عمرو أيضاً، حديث رقم 8635، أنه سمع رسول الله (ص)؛: (سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجّال في بقيتهم). وأخرج الحاكم أيضاً في المستدرك، الجزء الثاني، ص 147 قال (ص)؛: (يخرج من قبل المشرق قوم كان هديهم هكذا يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق كمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون إليه، ووضع يده على صدره، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم فإذا رأيتموهم فاقتلوهم).

هـ ـ     أخرج مسلم في صحيحه، حديث رقم 52 قوله (ص)؛: (رأس الكفر نحو المشرق) وفي رواية (الإيمان يمان والكفر من قبل المشرق)، وفي رواية (غلظ القلوب والجفاء في المشرق والإيمان في أهل الحجاز).

و ـ      أخرج مالك في (الموطأ) الجزء الثاني، ص 975 عن ابن عمر: (رأيت رسول الله (ص)؛ يشير إلى الشرق ويقول ها إن الفتن ها هنا إن الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان)، وفي رواية (يشير الرسول إلى المشرق ويقول ها هنا يطلع قرن الشيطان كلما قطع منه قرن نجم قرن).

ز ـ     وورد في (مسند الشاميين) للطبراني، حديث 2694، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: قال: سمعت رسول الله (ص)؛ يقول: (وشر أقوام بالمشرق كلما نشأ قرن قطع قرن حتى يخرج في أعراضهم الدجّال).

ح ـ     وورد في (مسند الطيالسي) حديث رقم 2397، عن عبد الله بن عمرو بن العاص y قال لقد سمعت رسول الله (ص)؛ يقول: (يخرج ناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما قطع قرن نشأ قرن كلما قطع قرن نشأ قرن كلما قطع قرن نشأ قرن ثم يخرج في بقيتهم الدجّال). للاطلاع على المزيد من الأحاديث المشابهة راجع الهامش(2).

الصنف الثالث: الأحاديث الواردة بحق ذي الخويصرة التميمي

…فقد ورد هذا الحديث بعدة طرق عن حادثة واحدة ولكن بلفظين… الأول يذكر الواقعة مع الاسم (أي ذي الخويصرة التميمي) والثاني حيث يذكر الواقعة وصفة الشخص من دون ذكر الاسم مع اختلاف بسيط في اللفظ.

حيث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن حبان والبيهقي وآخرون عن أبي سعيد الخدري وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وعن محمد بن علي بن حسين وعن عبد الله بن أبي نجيح وعن أبي بزرة الأسلمي.

(يمكن مراجعة اللفظ الأول للحديث في الهامش رقم (3) واللفظ الثاني للحديث بالتفصيل أيضاً في الهامش رقم (4))، وقد أخذنا أدناه باللفظ الثاني للحديث مع ذكر الاسم (بينما نحن عند رسول (ص)؛ وهو يقسم قسماً أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من تميم، غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية محلوق، قال اتق الله يا محمد فقال: فمن يطع الله إن عصيته أنا؟ أيأمنني أهل السماء ولا تأمنوني، فاستأذنه عمر، رحمه الله في قتله، وفي الوجه الآخر، خالد بن الوليد، فمنعه، فلما ولى قال: إن من ضئضئ هذا قوماً، وفي لفظ آخر، يخرج في آخر الزمان قوم كان هذا منهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، سيماهم التحليق، لايزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجّال، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شرّ الخلق والخليقة، وفي لفظ آخر، والله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد).

وقد أخرجه البخاري في الصحيح عن محمد بن كثير، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سعيد بن مسروق، والوجه الآخر رواه البخاري أيضاً في الصحيح عن أبي اليمان وأخرجاه من أوجه أخرى عن أبي سلمه والضحاك والهمداني عن أبي سعيد.

وقد أثبت ابن شبه المتوفى سنه 262 هجرية في كتابه (تاريخ المدينة المنورة) الذي ذكر الحادثة من دون الاسم أن المتحدث هو من بني تميم حيث أورد الحديث في باب (وفد بني تميم، ص 533 /541 الجزء الثاني/ دار التراث، بيروت).

وقد أثبت ارتباط هذين الحديثين أيضاً، الحافظ الإمام جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي البغدادي المتوفى سنة 597 في كتابه (تلبيس إبليس).

العناصر الأساسية في الأصناف الثلاثة من الأحاديث

ونستطيع أن نثبت العناصر المشتركة والأساسية في الأحاديث الآنفة الذكر:

1 ـ     سيكون هؤلاء القوم في آخر الزمان.

2 ـ     يقولون من قول خير البرية ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم، يحسنون القيل ويسيئون الفعل.

3 ـ     يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز قراءتهم حناجرهم يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء.

4 ـ     ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصلاتهم أكثر من صلاتكم.

5 ـ     سيماهم التحليق.

6 ـ     يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون إليه، هم شر الخلق.

7 ـ     حداث الأسنان سفهاء الأحلام.

8 ـ     رفض الرسول (ص)؛ أن يبارك لأهل نجد كمباركته لأهل اليمن والشام والحجاز وإشارته إلى شرق المدينة وقوله (ص)؛ إن الفتن والزلازل ورأس الكفر في المشرق وفي نجد وإنهم غلظ القلوب والجفاء.

9 ـ     في نجد يطلع قرن الشيطان، كلما قطع منه قرن نجم قرن حتى يطلع الدجّال في بقيتهم.

10 ـ   إن هذه الفئة من بني تميم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم.

11 ـ   يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.

12 ـ   إذا رأيتموهم أو إذا خرجوا فاقتلوهم فطوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه وإن أدركهم الرسول r لقتلهم قتل عاد أو قتل ثمود.

وهكذا فإننا نجد أن هناك ثلاثة أصناف من الأحاديث يمكن ربطها بالحركة السلفية الوهابية. ولكن لا يمكننا أن نزعم ذلك قبل حل عدة إشكالات واعتراضات قد تنفي مثل هذا الاحتمال أو هذه الإمكانية. وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في بحثنا أدناه.

الاعتراض الأول هو أن هذه الأحاديث واردة بحق الخوارج

والخوارج فئة معروفة منذ أول التاريخ الإسلامي بمروقها من الدين. وهناك أحاديث واضحة جداً في تعريف الخوارج بهذه الصفات وعلى الأخص في إخبار الرسول (ص)؛ لعلي t بأنه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وقد أجمع الرواة والمفسرون على أن هؤلاء المارقين هم الخوارج المعروفون بقتالهم لعلي t وقتلهم له. ومما يزيد التأكيد في أن هذه الأحاديث واردة بحق الخوارج هو ذكرها في كتب الحديث من الصحاح وغيرها تحت باب الخوارج. وقبل مناقشة هذه الاعتراضات نحب أن نتطرّق إلى التشابه بين الخوارج والسلفيين الوهابيين.

1 ـ     شعار الخوارج (لا حكم إلا لله) وهي كلمة حق يراد بها باطل، وشعار السلفيين الوهابيين (لا دعاء إلا لله)، وهي كلمات حق يراد بها باطل في تكفير المسلمين واتهامهم بالشرك.

2 ـ     الخوارج متصلبون في الدين متورعون حتى عن التقاط تمرة من الطريق، وكذلك الوهابيون السلفيون في تصلبهم وورعهم حتى عن استعمال التلغراف في الماضي والسروال الذي يلامس الحذاء في الحاضر.

3 ـ     الخوارج كفّروا المسلمين واستحلّوا دماءهم وأموالهم وكذلك هم السلفيون الوهابيون.

4 ـ     الخوارج استندوا في شبهتهم إلى ظواهر بعض الآيات والأدلة التي زعموا فيها أن مرتكب الكبيرة كافر كاستناد الوهابيين السلفيين إلى ظواهر بعض الآيات التي زعموا فيها أن طالب الشفاعة من الأنبياء والرسل مشرك.

5 ـ     الخوارج لا يبالون بالموت لأنهم بزعمهم ذاهبون إلى الجنة وكذلك يزعم السلفيون اليوم عند قيامهم بالعمليات الانتحارية.

6 ـ     إن الخوارج يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وكذلك فإن أكثر قتلى السلفيين هم من المسلمين.

ونعود مرة أخرى إلى الاعتراض في انطباق هذه الأحاديث على الخوارج. والحقيقة أننا لو راجعنا هذا الصنف من الأحاديث فسنجد أن هذه الأحاديث يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف:

1 ـ     الصنف الأول يذكر وبشكل صريح وجلي أن هؤلاء المارقين هم الخوارج الذين قاتلوا علياً t واستمرت شوكتهم وأفكارهم خلال الدولة الأموية. ولا تزال آثارهم باقية حتى يومنا هذا في شمال أفريقيا وفي جنوب شرق الجزيرة العربية. ومن هذه الأحاديث حديث (تكون أمتي فرقتين وتخرج بينهما مارقة، يلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق)، عن صحيح مسلم. وورد عن علي t في (كنز العمال)، حديث رقم 31553 (أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين والناكثين والمارقين، فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النهروان، يعني الحرورية).

2 ـ     الصنف الثاني يتطّرق إلى صفات الخوارج بشكل عام من دون تحديد. وهذه الأحاديث يمكن أن تنطبق على الخوارج أو على غيرهم أو تنطبق عليهم وعلى غيرهم في آن واحد. ومن أمثلة هذه الأحاديث ما روي عن أنس (أشهد أني سمعت رسول الله (ص)؛ يقول: إن قوماً يتعمقون في الدين يمرقون منه كما يمرق السهم في الرمية) (كنز العمال، 31234).

3 ـ     أما الصنف الثالث فإنه يتطرق إلى فئة أخرى، وهذه الفئة هي بالتأكيد ليست فئة الخوارج المعروفة في التاريخ، لأن هذه الأحاديث تعرفهم بصفة زمانية لا يمكن أن تنطبق بأي حال على الخوارج. فهناك جملة من الأحاديث تتطرق إلى قوم (في آخر الزمان)، وهذا التعريف بحد ذاته يتناقض تناقضاً كاملاً مع تعريف الخوارج. فالخوارج بالنسبة إلى الرسول (ص)؛ كانوا في أول الزمان، فكان ظهورهم في زمن الخليفة الرابع، وكان كثير منهم معاصراً للرسول (ص)؛، لذلك لا يمكن أن يكون هؤلاء هم المقصودين في حديث الرسول r (سيخرج في آخر الزمان قوم…) بل المقصود من حديث الرسول (ص)؛ هم قوم آخرون من غير الخوارج سيخرجون في آخر الزمان.

الاعتراض الثاني هو احتمال ضعف هذه الأحاديث وعدم صحتها بل ووضعها:

أما الاعتراض الثاني في ربط هذه الأحاديث بالحركة الوهابية فهو في التشكيك بصحة هذه الأحاديث. فربما تكون كلمة (سيخرج في آخر الزمان) موضوعة أو مضافة إلى الحديث، بل ربما يكون الحديث كله موضوعاً وغير صحيح. وهذا الاعتراض ضعيف جداً بل هو مردود، فإن من الملاحظ أن هذه الأحاديث هي ليست بالأحاديث المفردة، بل هي من الأحاديث المتواترة رويت عن طريق الكثير من الصحابة العدول الذين لا يمكن اجتماعهم على الكذب على رسول الله (ص)؛، كما رويت عن هؤلاء الصحابة بطرق متواترة من الرواة الثقات والمحدثين. وفي حقيقة الأمر إن هذا الحديث هو من الأحاديث النادرة التي أجمعت عليها كافة كتب الصحاح والمسانيد والسنن وأثبت صحتها علماء المسلمين على كافة مراحل التأريخ. فنحن يكفينا بدرجة عالية من اليقين للقول بصحة الحديث إذا اجتمع عليه البخاري ومسلم، فكيف إذا اجتمع عليه وزاد عليهم العشرات من أصحاب كتب الحديث الأخرى. فضلاً عن كل ذلك، فإن هذه الأحاديث قد دوّنت في القرنين الثاني والثالث الهجريين، حيث لم يكن في ذلك الوقت أي توقع عن مستقبل العالم، بل لم يكن الجد العاشر لمحمد عبد الوهاب مولوداً في ذلك الحين، لذلك فمن المستحيل أن تكون تلك الأحاديث قد وضعت للنيل من الحركة السلفية الوهابية التي ظهرت بعد ما يقارب التسعمائة سنة من تدوين هذه الأحاديث.

نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحق اتباع فكر داعش والقاعدة نقلاً عن كتاب [داعش ومستقبل العالم] لمؤلفه عبد الرحمن البكري (الجزء الثاني)؛

الاعتراض الثالث هو إمكانية انطباق هذه الأحاديث على فئات أخرى غير الوهابيين:

أما الاعتراض الثالث فهو لو سلمنا بصحة الحديث فما الذي يمنع من انطباقه على فئة أخرى غير الوهابيين؟

فعلى سبيل المثال ظهرت في المشرق فرقة القرامطة الذين عاثوا في الأرض فساداً وأكثروا فيها تقتيلاً؟

وكذلك كان أمر صاحب الزنج الذي ظهر أمره في البصرة وامتد سلطانه إلى نجد؟

وما الذي يمنع في الإشارة إلى المشرق ومنها يبرز قرن الشيطان أن يكون المقصود مسيلمة الكذاب، فهو رأس من رؤوس الضلال ظهر في اليمامة في نجد أيضاً في شرق المدينة؟

بل ما الذي يمنع من انطباق الحديث على الخوارج أنفسهم، فقد برزت إحدى فرق الخوارج في أرض نجد بالذات؟

ثم أليس هناك احتمال كبير أن تكون تلك الأحاديث لا تشير إلى فئة واحدة بل تشير إلى فئات متعددة؟ فقد يكون المقصود من كل حديث أو مجموعة أحاديث فئة من الفئات المذكورة أو غيرها، فليس بالضرورة أن تكون تلك الأصناف الثلاثة من الأحاديث بحق فئة واحدة؟

والحقيقة أن هذا الاعتراض وارد إلى حد بعيد، بل هناك دلائل قد تشير إلى هذا الأمر بالذات.

فمن مراجعة الأحاديث المذكورة نستنتج أن هناك مجموعة من الصفات تنطبق على أكثر من فئة، بل إن هناك مواصفات تؤكد بالضرورة وجود أكثر من فئة كل منها (قرن الشيطان). فالأحاديث التي تشير إلى طلوع قرن الشيطان في نجد في بعض الروايات، وفي المشرق في روايات أخرى، وأنه كلما قطع قرن الشيطان هذا نجم قرن آخر هي دلالة على عدة فئات متعاقبة، كلما قطع قرن إحداها نجم قرن الأخرى. ولو أردنا ربط الحديث هذا بواقع المنطقة التي تقع شرق المدينة أو نجد بالذات لانكشفت لنا حقائق تدعو للتعجب من مقدار كشف هذا الحديث لمستقبل هذه المنطقة بعد الرسول r. فأول قرن للشيطان نجم في المشرق وفي نجد بالذات هو قرن مسيلمة الكذاب من بني حنيفة، حيث كان يقطن في اليمامة (نجد) وبالذات مدينة هجر (مدينة الرياض اليوم)، وادعى مسيلمة هذا النبوة في السنة الثامنة للهجرة، وتبعته عشيرته من بني حنيفة، وأبناء عمه من قبيلة عنزة أجمعهم(5) ما عدا رجلين(6). وقد قطع الله قرن مسيلمة هذا على يد خالد بن الوليد t في السنة الثانية عشرة للهجرة بعد أن قتل أصحاب مسيلمة ما يقارب الألف ومائة مسلم كان فيهم حوالى أربعمائة وخمسين صحابياً.

وما إن قطع قرن مسيلمة الكذاب حتى نجم قرن الخوارج من أتباع نجدة بن عامر الحنفي الخارجي في أوائل النصف الثاني من القرن الأول الهجري.

وقطع الله قرن الخوارج هذا على يد أبي فديك الخارجي حيث قتل أصحاب نجدة الحنفي عام 68هـ وبقتله قضي على الخوارج في بلاد نجد(7). وما إن قطع قرن الخوارج حتى نجم قرن صاحب الزنج المسمى علي بن عبد الرحيم بن عبد القيس حيث انتحل عدة أسماء واتجه من العراق إلى هجر في نجد، ودعا إلى دعوته الضالة فتبعه الكثير من أهل هجر(8)، واستمر أمره حتى قضى عليه الموفق العباسي عام 270هـ فكانت نهايته ونهاية دولته.

وما إن قطع قرن صاحب الزنج حتى نجم قرن القرامطة في شرق الجزيرة (بمنطقة القطيف) بقيادة الحسن بن بهرام الجنابي عام 278 هـ.

والقرامطة فرقة من فرق الإسماعيلية، وكان أول من اتبعهم والتحق بهم هم بدو اليمامة (من نجد)(9)، بحيث أصبح هؤلاء البدو هم عماد الجيش القرمطي وهم سبب انتصاراتهم المتلاحقة، كما كانوا في ما بعد سبب انهزامهم لأنها قبائل بدوية همها السرقة والنهب وليس همها اعتناق عقيدة معينة والدفاع عنها(10).

وأول عمل قام به القرامطة هو الهجوم على البحرين ومحاصرتها لنيف وعشرين شهراً قتلوا فيها خلقاً كثيراً ومنعوا الماء عن عاصمتها (هجر) حتى استسلمت لهم فاتخذها القرامطة عاصمة لهم. بعدها استولوا على معظم بلاد الجزيرة حيث احتلوا مكة عام 317هـ ودخلوها يوم التروية وقتلوا الحجيج قتلاً ذريعاً وقلعوا باب الكعبة، وعلى بعض الروايات أنهم اقتلعوا الحجر الأسود ونقلوه إلى البحرين، ولم يرد إلا في سنة 339هـ. وأخيراً قطع الله قرنهم على يد الخليفة معز الدين الفاطمي ثم الخليفة العزيز الفاطمي حيث قطع قرنهم بالكامل في معركة الخندق شمالى الأحساء عام 470هـ.

وما إن قطع نجم القرامطة حتى نجم قرن الوهابية وأسسوا دولتهم السعودية في أواسط القرن الثاني عشر الهجري بقيادة محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود حيث فتكا بآلاف المسلمين من أهالي نجد والأحساء والحجاز واليمن والعراق والشام، حتى قطع الله قرنهما على يد إبراهيم بن محمد علي باشا الكبير عام 1233هـ حيث دخل عاصمتهم الدرعية فاتحاً وأرسل عبد الله آل سعود وابن محمد بن عبد الوهاب إلى الأستانة حيث قُطع رأساهما علناً.

وما إن قطع قرن الدولة السعودية الأولى حتى نجم قرن الدولة السعودية الثانية في أواسط القرن الثالث عشر هجري على يد فيصل بن تركي آل سعود حيث فتك بالمئات من المسلمين من أهالي نجد والأحساء والبحرين وعدن، حتى قطع الله قرنهم على أيديهم حيث بدأ الأخ يقتل أخيه وابن الأخ يقتل عمه فكانت نهاية دولتهم الثانية عام 1304هـ حيث استولى محمد بن رشيد على معقلهم في الرياض.

وما إن قطع قرن الدولة السعودية الثانية حتى نجم قرن دولتهم الثالثة في العقد الثالث من القرن الرابع عشر الهجري على يد عبدالعزيز آل سعود، ومرة أخرى ارتكب هؤلاء المجازر بحق المسلمين من أهالي نجد والأحساء والكويت واليمن والحجاز والعراق والشام فقتلوا الآلاف منهم.

ولكن ما لبث أن انقسم الوهابيون إلى فريقين، فريق بقيادة عبدالعزيز آل سعود ملك الدولة الجديدة يدعو إلى التخلي عن الأفكار الوهابية في وجوب قتل غيرهم من المسلمين، وفريق من القبائل النجدية من فرقة الإخوان بقيادة فيصل الدويش وابن حثلين وابن بجاد الذين ظلوا مؤمنين بالأفكار الوهابية في وجوب قتل غيرهم من المسلمين، وانطلاقاً من هذا المبدأ استمروا بمقاتلة المسلمين من دول الجوار كالعراق وسوريا والأردن باعتبارهم مشركين حتى اضطر الإنكليز في عهد استعمارهم لدول المنطقة إلى إرغام الملك عبدالعزيز آل سعود على القضاء عليهم فقاتلهم وقطع قرنهم في معركة السبلة الشهيرة عام 1929م.

ولكن لم يلبثوا أن برزوا كقوة في أوائل الستينات بعد موت عبدالعزيز آل سعود وحاولوا احتلال مبنى التلفزيون في الرياض عام 1965م، ووقع صدام بينهم وبين الحكومة السعودية حيث وقع الكثير من القتلى في تلك المعركة وأودع الآخرون في السجون.

وفي أواسط السبعينات برزوا كتنظيم سمي (الدعوة المحتسبة) وكانوا تحت إمامة جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي حيث لم يلبثوا أن احتلوا الحرم المكي الشريف وقتلوا الكثير من الحجاج عام 1979م/1400هـ. وقد تمكنت الحكومة السعودية من القضاء عليهم وقطع قرنهم بعد معارك شرسة داخل الحرم المكي الشريف حيث قتل العشرات من الحجاج والجنود ومن أتباع جهيمان العتيبي الذي أعدم هو وصاحبه محمد بن عبد الله مع أكثر من سبعين من أصحابه وأودع الآخرون السجن.

ثم لم يلبثوا أن برزوا في أوائل التسعينات كقوة كبيرة بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وآخرين من زعماء تنظيم القاعدة.

وتمثلوا هؤلاء بحركة طالبان في أفغانستان والباكستان، وجند الصحابة في الباكستان، وجماعة أبي سياف في الفيليبين، وكتيبة جنود الخلفاء الراشدين في الشيشان، وجيش عدن أبين الإسلامي في اليمن، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وأنصار الإسلام في كردستان العراق، فضلاً عن التنظيمات السلفية المتعددة في الكويت ولبنان وكشمير والصومال ونيجيريا وغيرها، بل حتى في أوروبا كجماعة أنصار الشريعة بزعامة أبي حمزة المصري، وجماعة رابح القادري، حيث قاموا بالكثير من عمليات الاغتيال بهدف قتل السيّاح في مصر وفي اليمن بقتلهم واختطافهم لعدد من الموظفين الأجانب في الشركات الغربية، وكذلك في الجزائر حيث أباحوا دماء أبناء ونساء ضباط وجنود الجيش الجزائري استناداً إلى الآية الكريمة: ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (نوح، آية 27)(11)، فضلاً عن اختطافهم وقتلهم للسيّاح في الفيليبين وقتل السنّة والشيعة والمسيحيين في الباكستان، وخطف السيّاح وقتلهم في كشمير، وقتل السيّاح في التفجير الكبير في بالي في إندونيسيا وتفجيرات الدار البيضاء في المغرب والرياض في السعودية.

ثم إنتهى أسامة بن لادن عام 2002 وظهر بعده أبو مصعب الزرقاوي في العراق عام 2003 ذو منهج جديد يتميز بدرجة أعلى من الأرهاب والفتك وسفك الدماء فضلاً عن منهج قتل العدو القريب قبل العدو البعيد نقيض منهج إبن لادن في هذه المسألة وأصبح مسؤولاً عن تفجيرات السفارة الأردنية والأمم المتحدة في بغداد، وقتل زعيم المجلس الأعلى محمد باقر الحكيم في تفجيرات النجف في العراق، فضلاً عن مئات التفجيرات الأنتحارية الأخرى في العراق، حتى تجاوز عدد قتلاه في العراق في بعض الأشهر عام 2006 الى 3500 قتيل في الشهر، فضلاً عن تفجيرات الفنادق في عمان وتفجيرات محطات القطارات في مدريد والكثير من العمليات المماثلة في كافة أرجاء العالم، لقد كان أعداد هذا التنظيم بحدود الثمانية آلاف مقاتل، ومن هؤلاء الثمانية آلاف هناك حوالي الخمسة آلاف مقاتل من السعودية وأغلبهم من منطقة نجد السعودية.

ثم إنتهى أبو مصعب الزرقاوي عام 2006 وإنتهى تنظيمه عام 2010 فانبثق تنظيم داعش بقيادة أبو بكر البغدادي عام 2011 وبدأت جولة جديدة ومنهج جديد من الأيغال في القتل وسفك الدماء  فضلاً عن منهج إقامة دولة الخلافة الوهابية في الموصل وشمال شرق سوريا، نعم يبقى الفرق بين هذا التنظيم وما سبقه من تنظيمات أن الأغلبية هنا ليست من نجد، وإن كان عدد النجديين يشكل نسبة معتبرة ولكنها أقل من النصف، ولكن مع ذلك فلا توجد منطقة في العالم يحظى هذا التنظيم بتأييد شعبي متميز كما يحظى في بلاد نجد، فنسبة من يؤيدون هذا التنظيم في بلاد نجد قد يتجاوز التسعين في المئة (ويعلم هذه الحقيقة جميع من إختلط بالسعوديين النجديين في هذا الوقت سواء كانوا داخل السعودية أو خارجها)، ونستطيع أن نقول بكل ثقة أنه لا توجد منطقة في العالم يحظى هذا التنظيم بألتأييد كما هو الحال في بلاد نجد، فتنظيم داعش هو التجسيد الحقيقي لعقائد الوهابيين النجديين، ولو تساهلت الحكومة السعودية وسمحت للسعوديين الألتحاق بهذا التنظيم لألتحق به عشرات الألاف من السعودية، لقد أدى هذا المنهج إلى تشكيل تحالف عالمي ضد داعش وشاركت الحكومة السعودية في هذا التحالف خلاف رغبة الأغلبية العظمى من الشعب السعودي أو بالأحرى الأغلبية من أهل نجد؛ وكما كان من قبل فسينتهي أبو بكر البغدادي، وستندحر داعش، وسيظهر آخرون بعد داعش وبعد أبو بكر البغدادي لا نعلم عددهم الآن؛ حتى تشهد البشرية آخر جولتين في المنطقة لنفس هذا الفكر الوهابي السلفي التكفيري لشخصيتين مهمتين تطرق إليهما رسول الله r بشكل تفصيلي في الكثير من أحاديثه النبوية الشريفة وهما السفياني ثم المسيح الدجال كما سنتطرق إليهما بالتفصيل في الفصل الخامس والسادس من هذا الكتاب. 

وفي واقع الأمر، فإن كل هؤلاء في أرجاء العالم الإسلامي إنما يتبعون المذهب الوهابي لفرقة الإخوان النجدية الأصل والوهابية العقيدة والسلفية المسمى والتكفيرية المنهج، حيث استأثروا بعقيدة محمد بن عبد الوهاب خلاف الحكام من آل سعود الذين تخلّوا عن معظم تلك العقائد والمبادئ وبالذات اتهام الآخرين بالشرك وقتلهم استناداً إلى هذا الاتهام. حيث يتهم جهيمان العتيبي الحكومة السعودية بالكفر لأنها تسمح للشيعة بالحج إلى بيت الله، والشيعة مشركون والمشركون نجس ويحرم دخول النجس إلى بيت الله بحسب زعم جهيمان العتيبي. (راجع رسائل جهيمان العتيبي، رفعت سيد أحمد، مكتبة مدبولي، ص 255). وهكذا يتجلّى أمامنا مصداق قول الرسول r إن في الشرق وفي نجد بالذات الزلازل والفتن ورأس الكفر. فهكذا كانوا هم طوال التاريخ وإنهم الآن ينتشرون بعقائدهم تلك وأفكارهم في أرجاء العالم الإسلامي.

فهكذا بدأ مسيلمة الكذاب، وبعد قطع قرنه قام قرن الخوارج، وما إن قطع قرنهم حتى نجم قرن صاحب الزنج، وما إن قطع قرنه حتى نجم قرن القرامطة منهم، حيث كان زعيمهم من آل الجنابي البحراني ولكن كل قوته وقوام جنده من أعراب اليمامة، وقد خالفه قومه في البحرين فحاصرهم ببدو نجد لفترة سنتين حتى دخل البحرين عنوة، وما إن قطع قرنه حتى نجم قرن محمد بن عبد الوهاب وأقام الدولة الوهابية السعودية الأولى، وما إن انقطع قرنها حتى قامت دولتهم الثانية، وما إن قطع قرنها حتى قامت دولتهم الثالثة بالتحالف بين آل سعود والوهابيين من الإخوان، وما إن قطع قرن الوهابيين من الإخوان في أواخر العشرينات من هذا القرن حتى نجم قرنهم في أواسط الستينات في الرياض حيث احتلوا مبنى التلفزيون، وما إن قطع قرنهم حتى نجم مرة أخرى باحتلال الحرم المكي الشريف في أواخر السبعينات، وما إن قطع قرنهم حتى نجم مرة أخرى في أوائل التسعينيات، وفي هذه المرة عاثوا في الأرض فساداً فقتلوا النساء والأطفال في الجزائر، وقتلوا السيّاح من المدنيين في مصر واليمن، وذبحوا المسلمين في أفغانستان، وقتلوا المدنيين في نيويورك والسيّاح الأستراليين في تفجير بالي في إندونيسيا لا يفرقون بين مسلم يباح دمه لأنه يدفع الضرائب للحكومات الغربية وبين المدنيين من غير المسلمين، وما أن قطع قرن أسامة بن لادن حتى ظهر قرن أبو مصعب الزرقاوي وتنظيم قاعدة الجهاد في أرض الرافدين الذي عاث فساداً وقتلاً وإرهاباً في العراق ومناطق أخرى من العالم وكان أغلب أعضاءه من منطقة نجد في السعودية، وما أن قطع قرنه حتى نجم قرن أبو بكر البغدادي وتنظيم داعش في العراق والشام الذي يحظى بأكبر تأييد عالمي من بلاد نجد.

.. لقد سبق الوهابيين أربعة قرون للشيطان في بلاد نجد. ولكن نجم للوهابيين أنفسهم وحدهم ثمانية قرون للشيطان ستة منها في بلاد نجد.

وبهذا فإن التفسير الحرفي لحديث الرسول لا يتحقق بنفس الدرجة من العمق والشمول إلا بتعريفه للوهابيين، فلا يمكننا القول إنه كلما قطع لمسيلمة الكذاب قرن في نجد نجم له قرن آخر، ولا يمكننا القول إنه كلما قطع للخوارج قرن في نجد نجم لهم قرن آخر، وكذلك الحال بالنسبة للزنج والقرامطة. ولكننا نستطيع أن نفسر قول الرسول r إنه كلما قطع قرن للشيطان في نجد نجم آخر (بأنه كلما قطع قرن للوهابيين في نجد نجم لهم آخر). وبهذا تتجلّى مصاديق نبوءة الرسول r في إخباره لما سيحدث لاحقاً بعد أكثر من أربعة عشر قرناً، وإن مصاديق قول الرسول r في رواية أحمد بن حنبل الواردة الذكر أنه زاد في تعداده لقرن الشيطان عن عشر مرات حتى يكون في آخرهم الدجّال.

وهكذا يمكننا أن نستنتج من بحثنا الآنف الذكر أن أحاديث (قوم في آخر الزمان) لا يمكن أن تنطبق بأي حال من الأحوال على الخوارج؛ كما أنه لا يمكن أن يتبادر إلى الذهن أن هذه الأحاديث غير صحيحة أو موضوعة للنيل من الحركة الوهابية لاستحالة هذا الأمر كما أثبتنا سابقاً؛ كما أن هذه الأحاديث لا تتمتّع بنفس الدرجة من المصداقية في انطباقها على أي من الفئات الأربع الأخرى كدرجة المصداقية في انطباقها على الحركة الوهابية.

نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحق اتباع فكر داعش والقاعدة نقلاً عن كتاب [داعش ومستقبل العالم] لمؤلفه عبد الرحمن البكري (الجزء الثالث)؛

أما العناصر الأخرى فيمكن أن تنطبق بشكل نسبي على الفئات الأربع الأخرى ولكن بشكل كامل على الحركة الوهابية كما نوضحه في النقاط التالية:

1، مقولة الرسول r في أنهم يقولون من قول خير البرية ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم، يحسنون القول ويسيئون الفعل

فإنها يمكن أن تنطبق على الفئات الأخرى بشكل نسبي فالخوارج يحرمون التقاط تمرة من الطريق ولكنهم يستبيحون دماء المسلمين، والقرامطة يدعون إلى إشاعة العدل والمساواة بين الناس وفي الوقت نفسه يقتلون حجاج بيت الله الحرام ويسلبون الحجر الأسود من مكانه. أما الوهابيون فإنهم يتميزون بميزة خاصة في هذا المجال، فترى قمة إساءتهم بالفعل تتجلّى في قمة إحسانهم بالقول، فإنهم بالقول يتصدون لأهم قضية في العقيدة الإسلامية، بل المحور الأساسي للعقيدة الإسلامية وهي قضية التوحيد، فمقولتهم إن العبادة لا تكون إلا لله وإن الله وحده هو القادر على إجابة الدعاء ودفع الضرر وإيجاد النفع، وإن الشفاعة لله جميعاً هي صميم الحق، وأما تفرعهم عن هذا المبدأ وقولهم إنه لا يجوز طلب الشفاعة من غير الله ففيه إخفاء لحقيقة أن كون الشفاعة لله جميعاً لا تنفي أن يتخذ الله بعضاً من عباده من رسل وأنبياء ليكونوا وسيلة إليه؛ وأما تفرعهم من هذا المبدأ وزعمهم أن من يعتقد بشفاعة الأنبياء فهو مشرك فإنه استدلال على درجة كبيرة من الذكاء أو حسن القول؛ فإنهم توصّلوا إلى نتيجة غير صحيحة من مقدمة صحيحة وطريقة استدلال صحيحة، والخلل الوحيد هو إخفاء حقيقة واحدة، لهذا السبب ترى كلامهم مقنعاً ومؤثراً. فالخوارج في إباحتهم لدماء المسلمين ينطلقون من مقدمة غير أساسية وغير صحيحة وهي قولهم (إن مرتكب الكبيرة كافر)، كما أن مقولة الخوارج (لا حكم إلا لله) هي مقدمة صحيحة ولكن طريقة الاستدلال غير صحيحة في (إنه لا يجوز التحكيم في الأمور الدينية) والتي توصلوا بها إلى نتيجة بطلان التحكيم في معركة صفين وكفروا كلاًّ من علي ومعاوية.

وهكذا نرى أن الوهابيين، انطلاقاً من تميزهم بحسن القول (وليس بصدق القول)، توصلوا إلى إباحة دماء المسلمين وفتكوا بهم وقتلوهم ونهبوا أموالهم وسبوا نساءهم وذراريهم فكانت النتيجة هي قمة الإساءة في الفعل انطلاقاً من حسن القول، فكانوا المصداق الحقيقي لحديث الرسول r.

إن الذي يستمع إلى خطب أسامة بن لادن بنبرته الهادئة واستشهاده بآيات الكتاب وأحاديث الرسول r يقول ما أحسن هذا القول، ولكن عندما نرى امرأة مسلمة قد بترت ساقها في انفجار الرياض، أو شيخاً مسلماً قد سلخت فروة رأسه وجلدة وجهه وهو حي في مدينة يوكولانك في أفغانستان على يد طالبان، أو مجموعة من الأطفال المسيحيين والمسلمين قد مزقت أوصالهم في دار الحضانة في مبنى التجارة العالمي في نيويورك، أو نساء طبيبات تفجر رؤوسهن برصاصات في الأماكن العامة في مدينة الموصل شمال العراق لأنهن إعترضن على أعمال داعش، تتجلّى أمامنا عظمة الرسول r في مخاطبته إيانا بشكل خاص قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ليعصمنا من الضلال، وتتجلّى أمامنا عظمة هذا الدين وصدقه في كشف مستور الغيب قبل أكثر من ألف عام، وهذا بحد ذاته أقوى دليل على أن الإسلام هو دين الحق وأن الله عالم الغيب قد أوضح لنا معالم صراطه المستقيم وسبيله القويم وباينه عن سبل الضلال لئلا تفرق بنا عن سبيله.

2، مقولة الرسول r في أن هؤلاء القوم سيخرجون في آخر الزمان

لقد أثبتنا في الاعتراض الأول أن هذه المقولة لا تنطبق على الخوارج، ولكن هل يمكن أن تنطبق على الفئات الأخرى غير الوهابيين؟

فمسيلمة الكذاب كان معاصراً لرسول الله r، فهو في أول الزمان وليس في آخره، أما صاحب الزنج فقد قام أمره عام 69هـ وكانت نهاية دولته عام 270هـ فكان أمره في أول الزمان وليس في آخره؛ أما القرامطة فإنهم ظهروا في القرن الثالث الهجري واستمروا لأقل من قرنين فكانت نشأتهم ونهايتهم أقرب إلى أول الزمان من آخره.

وقد يقول قائل إن الفئات الثلاث آنفة الذكر قد انتهى أمرها ولكن الخوارج كالوهابيين ما زال أمرهم قائماً في آخر الزمان؟

ولكن وإن صح هذا الأمر فإن هذا الحديث لا يمكن أن ينطبق بأي شكل من الأشكال على الخوارج لأن بروزهم كقوة وقتالهم كان في أول الزمان ووجودهم في آخر الزمان ليس كقوة مقاتلة.

وحتى وإن كانوا قوة مقاتلة أو يمكن أن يكونوا في المستقبل فالحديث يؤكد على قوم يخرجون في آخر الزمان. والخوارج قد خرجوا في أول الزمان ووسطه، والحديث لا يشير إلى قوم ذوي وجود مستمر من أول الزمان إلى آخره.

أما بالنسبة إلى السلفيين الوهابيين فإن أهم ما يميزهم هو خروجهم في آخر الزمان، حيث كان أول خروجهم في أواخر القرن الثاني عشر الهجري وما زالوا حتى يومنا هذا كقوة مقاتلة ارتكبت أبشع المجازر في تاريخ المنطقة خلال القرون الثلاثة السابقة وباسم الإسلام.

3، مقولة الرسول r في أنهم يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء

أما مقولة الرسول r في كونهم يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم فليس أدل من ذلك وأوضح من مقولتهم الأولى في التجسيم في زعمهم أن تجسيم الله وإن لله يداً ورجلاً ووجهاً وغيرها من الضلالات والصفات البشرية هو في إثبات الصفات كما وردت في القرآن بحسب زعمهم خلاف تفسير أهل السنة والجماعة… ومقولتهم الثانية في نسبة آيات الشرك إلى المسلمين الذين يؤمنون بالشفاعة، فضلاً عن إباحتهم لدماء المسلمين من النساء والأطفال لأن آباءهم يعملون في السلك العسكري في الجزائر استناداً إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا(نوح، آية 27) واستخدامهم هذه الآية لقتل الأطفال والنساء والرجال المدنيين غير المقاتلين من غير المسلمين، لأنهم سيّاح في البلاد الإسلامية، أو يحملون الجنسية الأميركية، أو لأنهم من المسلمين الذين سكنوا الغرب ودفعوا الضرائب للحكومة الأميركية، كل تلك التصرفات تبرر بمبررات غريبة مخالفة للواقع ولكتاب الله والله عز ذكره يقول: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (النجم، الآية 38). ويقول جل جلاله ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (النساء، الآية 93). فكان ذلك بحق مصداق قول الرسول r يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم.

4، مقولة الرسول r ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء وقوله r يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصلاتهم أكثر من صلاتكم

قد ينطبق هذا الحديث بشكل نسبي على صلاة الخوارج حيث تذكر الروايات أن آثار السجود كانت ظاهرة على جباههم. أما مسيلمة وقومه فإنهم لا يصلّون، وأما دولة صاحب الزنج أو القرامطة فلا تذكر لنا كتب التاريخ أي ميزة لصلاتهم.

أما الوهابيون فإن لهذا الحديث دلالة صارخة تشير إليهم، حيث تبدو هذه الحقيقة واضحة للعيان وبشكل لا يقبل الشك والتأويل إلى كل من يذهب إلى بلادهم، فتراهم في وقت الصلاة يتركون أعمالهم ويغلقون محالهم ويتوجهون بأجمعهم إلى المساجد لأداء الصلاة جماعة، ولا تجد بلداً في العالم تتعطّل فيه الأعمال عند حضور الصلاة كما هو الحال في بلاد الوهابيين. فصلاتهم تتميز بأربع ميزات: أولاها إن كل أمر من أمور الدنيا من التجارة وسائر الأعمال تتوقّف وتقدم الصلاة عليها، وثانيها إنهم يلتزمون دائماً بأداء الصلاة في أول وقتها، وثالثها إنهم يلتزمون بأداء الصلاة جماعة، ورابعها إنهم يلتزمون بأداء الصلاة في المسجد؛ لذلك ترى انطباق قول الرسول r في قوله: (ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء)، وقوله في موضع آخر: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم) ينطبق انطباقاً كاملاً عليهم وعلى صلاتنا إلى صلاتهم.

5، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم سيماهم التحليق

ليس هناك أي دليل تاريخي ثابت على أن أيّاً من قوم مسيلمة أو الخوارج أو صاحب الزنج أو القرامطة كانت سيماهم التحليق، ولكن هذه الصفة هي من صفات الوهابيين بشكل قطعي، حيث يذكر الشيخ دحلان في (خلاصة الكلام) أن محمد بن عبد الوهاب يأمر من اتبعه بحلق رأسه وكان السيد عبد الرحمن الأهدل مفتي زبيد يقول لا يحتاج إلى التأليف في الرد على ابن عبد الوهاب بل يكفي في الرد عليه قوله r سيماهم التحليق، فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة. (وفي الحقيقة فإن تحليق الوهابيين لرؤوسهم ليس نابعاً من تقليد يتبعونه وإنما هو نابع من عقيدة يعتقدونها استناداً إلى حديث موضوع عن رسول الله r في نهيه عن (القزع) وهو قص الشعر بأطوال مختلفة كما هو متعارف في حلاقة الرجال في جميع أرجاء العالم، ويزعمون أن الرسول r قال كما ورد في الحديث الموضوع (قصه كله أو دعه كله)، لذلك فالتحليق لدى الوهابيين نابع من عقيدة دينية وليس من تقليد خاص بهم فحسب (راجع الفصل الأول: باب اتهام أهل السنّة والجماعة بالضلال).

6، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم يمرقون من الدين كمرق السهم من الرمية هم شر الخلق

فهذه المقولة هي من أعجب مقولات الرسول r، ولو أردنا استخدام أي تعبير آخر في الانفصال غير ذلك التعبير لما أفلحنا. فإننا لو شبهنا انفصالهم عن الإسلام كانفصال الرمح من يد الرامي فالرامي يحمل رمحاً واحداً فإذا رماه رجع إليه لأنه لا بديل له عن ذلك، ولو كان انفصالهم كانفصال الرأس عن الجسد ففي ذلك الانفصال موت للجسد إذا بقي بلا رأس، وإذا كان الانفصال كانفصال الصوف عن جلد الضأن فالصوف يترك جانباً، أما في انفصال السهم عن الرمية فإنه عند أول انفصاله يبتعد أشد البعد وبأسرع وقت. فلماذا استخدم الرسول r هذا التعبير بحقهم، ولم يستخدمه بحق الفرق الإسلامية الأخرى؟ وما هو الاختلاف بين الوهابيين والفرق الإسلامية الأخرى لكي يستحقوا مثل هذا الوصف؟ وما هي الاختلافات بين الفرق الإسلامية الكبرى بحيث لا تستدعي مثل هذه النعوت الشديدة وهذه الاتهامات العنيفة؟

هناك اختلافات متعددة بين السنّة والشيعة والمعتزلة، ولا ننكر أن بعض الاختلافات كبيرة وبالذات موقف الشيعة من الصحابة ومن بعض أمهات المؤمنين مما يتعارض مع بديهيات الدين بشأن عقيدة أهل السنة بحق صحابة وزوجات رسول الله r، ولكنها تضل اختلافات لا ترقى إلى أسس العقيدة من التوحيد والنبوة والمعاد. أما الوهابيون فيعتبرون خلافاتهم مع غيرهم من المسلمين خلافات عقائدية تطال أهم وأول عنصر من عناصر العقيدة، وهو التوحيد، حيث يزعمون أن من يؤمن بشفاعة الأنبياء والرسل في عالم البرزخ فهو مشرك، وأن من لا يعتقد بأن لله يداً أو رجلاً أو غيرها من صفات التجسيم فهو كافر وملحد. وهذه الاتهامات تستدعي كفر أحدهما لقول الرسول r (إذا كفّر المسلم أخاه المسلم فقد كفر أحدهما). فأما الوهابيون هم الموحدون والمسلمون الحقيقيون وغيرهم من المسلمين ليسوا إلا كفاراً ومشركين وملحدين أو أن تهمة الكفر ترجع إلى قائلها، وبما أن الوهابيين لم يتورعوا عن اتهام غيرهم من المسلمين بالشرك والكفر والإلحاد واستباحوا دماءهم فأكثروا فيهم القتل واستباحوا نساءهم وأموالهم وسبوا ذراريهم فإنهم المصداق الحقيقي لقول الرسول الأعظم r، فكان مروقهم عن الإسلام مروقاً كاملاً كمروق السهم من الرمية، وإذا مرق السهم من الرمية فلا حاجة إليه بل في جعبة الرامي أسهم متعددة، وابتعاد السهم ليس فيه نقص للرامي، فالإسلام يبقى ناصعاً، فهو الأصل ولا يضيره مروق الوهابية وغيرها منه، فكان ذلك أبلغ تعبير، فكلمات قليلة عبّرت عن حقيقة كاملة وبأصدق وصف. كما أن هناك إشارة أخرى إلى السلفيين الوهابيين في هذا الحديث، فإذا كان مروقهم من الإسلام كمروق السهم من الرمية، فمعناه أن الإسلام هو الرمية والسهم هم السلفيون الوهابيون. وفي هذا الوصف تشبيه دقيق للتفريق بين الإسلام والسلفيين الوهابيين، فالرمية عادة ما تكون حيواناً يؤكل كالطيور والغزلان، وتتميز هذه الحيوانات بالجمال والرقة والطيبة والبراءة وعدم الاعتداء على الآخرين وكل هذه الأوصاف تنطبق على الإسلام، أما السهم فإنه يتميز بالقسوة والغلاظة والعنف والقتل، ونجد جميع هذه الصفات من ميزة الحركات السلفية الوهابية.

قساة القلوب، غلاظ السلوك، عنيفو التعامل، قتلة للأبرياء من الناس من أطفال ونساء وشيوخ ورجال. فما أصدق رسول الله r وما أعظم الإسلام وما أدق الوصف، فقبل ألف وأربعمائة عام يعرّفنا الرسول r بوحي من الله بشأن تلك الفئة المارقة عن الدين وبصفاتهم البعيدة كل البعد عن القيم الإسلامية العظمى، فهل بعد ذلك شك في هذا الدين العظيم؟ وهل بعد ذلك شك في أن الله بعث رسوله الكريم r رحمة إلى العالمين ومنذراً من الوقوع في الضلال وهادياً إلى صراطه المستقيم.

ثم لا يكتفي الرسول r بذلك بل يضيف عبارة بعد مروقهم من الدين إنهم (لا يرجعون إليه) فلماذا لا يرجعون إليه؟؟؟

إن هناك صنفين من الوهابيين؛ صنف تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من المسلمين، وصنف لم تتلطخ أيديهم. إن المقصود في حديث رسول الله r هم الذين تلطّخت أيديهم بقتل الأبرياء من المسلمين فهؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (النساء، الآية 93) وهؤلاء هم الذين من الممكن أن لا يرجعون اليه.

قد يطلع الكثير من الوهابيين على هذه الصفحات ؛ وإني في هذا المجال أنصح من لم تتلطخ يده بدماء الأبرياء من المسلمين أن يعجّل بترك الطريق الذي لا يوصل إلا الى الخلود في نار الجحيم؛ فإنه على مفترق طريق، إما ان يختار طريق الحق لبلوغ السعادة الأبدية بعد الموت في جنان الخلد؛ وبخلافه سيكون هذا الكتاب حجّة عليه حين تغلّ يديه وتجره زبانية جهنم وتسلك في فمه وتخرج من دبره سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً ويتضور جوعاً فلا يجد طعاماً غير الزقوم فيأكله فيكون كالمهل يغلي في البطون ثم يقتله العطش فلا يجد مايشرب غير الحميم فيشربه شرب الهيم فتذوب شفتيه  فيبدو وجهه كالحاً كوجه الدابة بعد ذبحها وسلخ جلد وجهها فتظهر أسنانها من غير شفاه، ثم يصب فوق رأسه من عذاب الحميم؛ فيتذكّر حين ذاك هذه الساعة التي يقرأ فيها هذه الصفحات، فيقتله الندم ولكن أنى له الأفلات من هذا المصير وأنى له النجاة من عذاب الخلود.

ولا أريد في هذه الصفحات أن أجعل من قتل المسلمين بجهالة يائساً من رحمة الله، فـ ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (يوسف، آية 87)، لأن هناك فرقاً بين من قُتل اعتداءً، وبين من قُتل بجهالةٍ معتقداً بأن هذا هو الحق. ورحمة الله ومغفرته تسع الناس جميعاً، وتسع كل من استغفر وتاب توبةً نصوحاً قبل الموت، فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة والرحمة الواسعة.

7، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام

حيث إن هذا الحديث في كونهم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يشرحه الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على صحيح الترمذي فيقول: (أحداث الأسنان يعني الاغترار بالغرارة المفضية للغرور الذي يرجع جميعها إلى الجهالة، وقوله سفهاء الأحلام يعني أن حلمهم خفيف إشارة إلى ضعفه فلا يكون معه تثبت ولا تبصرة). ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا الأمر ولكن يكفي لأي حاج مسلم صادف في مسجد الرسول r أحد الوهابيين الذين ينبرون للجدال أن يكتشف مقدار اغترارهم برأيهم ومقدار جهالتهم. ففي إحدى رحلاتي إلى الحج التقيت برفيق لي من نجد وكان من المسلمين الواعين نسبياً حيث أخبرني نقلاً عن حسن آل الشيخ الذي كان وزيراً للأوقاف وكان يكنّ له احتراماً شديداً ولكنه صُدم وفوجئ وأبدى لي تألّمه الشديد لأن حسن آل الشيخ النجدي من أحفاد محمد بن عبد الوهاب عندما تطرق إلى ذكر أحد المشايخ الحجازيين وصفه بأنه (قطة) لأنه من الحجاز حيث بلغت درجة غرورهم أن الحجازي مهما بلغ من العلم والتدين فإنه لا يمكن أن يبلغ درجة النجدي.. ويكفي تعريفاً بقلة حلمهم قتلهم لمن يستسلم إليهم كما فعلوه في مجزرتي الطائف خلال تاريخهم القديم والحديث في حين أن الرسول r في فتحه لمكة أعطى الأمان لكل من دخل بيته، وكان أهل مكة مشركين بل هم الذين أخرجوا المسلمين من ديارهم وعذبوهم وقتلوهم واستولوا على أموالهم وأملاكهم. أما أهل الطائف فلم يكن لهم أي اعتداء مسبق على الوهابيين، وقد أعطاهم الوهابيون الأمان، ولكن عندما دخلوا الطائف اقتحموا عليهم بيوتهم وقتلوا رجالهم وسبوا نساءهم وجردوهم من ثيابهم حتى أصبحوا فقراء يتكفّفون الناس مع إرغامهم وبالقوة على اعتناق العقيدة الوهابية. إنهم يستسهلون اتهام المسلمين بالكفر بحجج واهية وقد ورد في الحديث الصحيح (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) وورد أيضاً (من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما)، ولكنهم يستسهلون تكفير المسلمين لأنهم بكل صدق سفهاء الأحلام، فحلمهم خفيف وضعيف فلا يكون معه تثبت ولا تبصرة كما ورد في شرح صحيح الترمذي.