ألوهابيون وأهل السنة والجماعة بين الكفر وألإسلام

أدناه نص ما كتبه عبد الرحمن البكري السلفي الذي ترك الفكر السلفي وتحول نحو فكر أهل السنة والجماعة في كتابه (داعش ومستقبل العالم) (ص٢٨٢-ص٢٨٩) بشأن الدفاع عن فكر أهل السنة والجماعة قبال السلفيين الذين يتهمون أهل ألسنة بالشرك بسبب أيمانهم بالشفاعة وزيارة قبر الرسول (ص) وقبور ألأولياء والصالحين

الملحق رقم [2]

الوهابيون وأهل السنّة والجماعة بين الكفر والإسلام

قال رسول الله (ص): (إذا كفّر المسلم أخاه المسلم فقد كفر أحدهما). إن اتهام الوهابيين لأهل السنّة والجماعة بالكفر والضلال والشرك بسبب إيمانهم بالشفاعة في الحياة الدنيا وزيارتهم لقبر الرسول (ص) وقبور الأولياء وإيمانهم بتنزيه الله عن مشابهة خلقه ونفي الصفات البشرية عنه كاليد والرجل والأصابع هو دليل على كفر أحدهما، إما الوهابيين وإما أهل السنّة والجماعة، فما هي أدلة كل فريق على صواب رأيه وصحة اعتقاده؟

أ، أدلة الوهابيين:

أما أدلة الوهابيين فلا تستند إلا إلى تفاسير وتأويل الآيات المتشابهة كقوله تعالى: {لله الشفاعة جميعاً} (سورة الزمر، آية 44)، حيث يستندون إلى هذه الآية لإثبات ما يلي:

1 ـ إن لله الشفاعة وحده في الحياة الدنيا ولا يستطيع أن يشفع أحد لأحد في الحياة الدنيا بل فقط في الآخرة، ففي الرسالة الثانية من (رسائل الهدية السنية) لحفيد ابن عبد الوهاب (لا يقال يا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها، فإذا طلبت ذلك أيام البرزخ كان من أقسام الشرك)(1).

2 ـ إن كل من يعتقد أن النبي (ص) أو غيره من الأولياء والأنبياء يتشفعون للمؤمنين في حياتهم أو مماتهم فإن هذه العقيدة هي الشرك بذاته. ففي الرسالة الأولى من رسائل الهدية السنية لحفيد ابن عبد الوهاب (الالتجاء إلى غير الله مقبلاً على شفاعته طالباً لها من النبي (ص) أو غيره فهذا بعينه فعل المشركين واعتقادهم).

3 ـ دماء هؤلاء المسلمين الذين يؤمنون بالشفاعة (المشركين بحسب قول الوهابيين) مستباحة يجب قتلهم، وأموالهم مستحلة يجب نهبها، وذراريهم رقيق يجب سبيهم واستعبادهم، فقد قال الصنعاني في تطهير الاعتقاد (ومن فعل ذلك، أي طلب الشفاعة لمخلوق، فهذا شرك في العبادة وصار الفاعل عأبداً لذلك المخلوق وإن أقر بالله وعبده فإنه إقرار المشركين بالله وتقربهم إليه أي إلى الله لم يخرجه عن الشرك وعن وجوب سفك دمائهم وسبي ذراريهم ونهب أموالهم)(2).

4 ـ إن شرك المسلمين المعاصرين المسلمين هو أعظم من شرك المشركين في عصر الرسول (ص)، فقد قال ابن عبد الوهاب في كشف الشبهات (إن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين:

(أحدهما) إن الأولين لا يشركون إلا في الرخاء وإما في الشدة فيخلصون؛ (والثاني) إن الأولين يدعون مع الله أحجاراً وأشجاراً مطيعة وليست عاصية وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس)(3).

5 ـ إنهم لا يكتفون بقول إن الرسول (ص) لا يشفع بل في كلامهم نوع من الإهانة للرسول (ص) حيث ورد في خلاصة الكلام (كان محمد بن عبد الوهاب يقول عن النبي (ص) إنه طارش وإن بعض أتباعه كان يقول عصاي هذه خير من محمد لأنه ينتفع بها في قتل الحية ونحوها ومحمد قد مات ولم يبق فيه نفع وإنما هو طارش ومضى وكان يقال ذلك بحضرته أو يبلغه فلا يرفض)(4).

6 ـ ويقول محمد بن عبد الوهاب بِشأن القبة على قبر رسول الله (ص): (وإن ما عليه أهل القباب هو الشرك)(5).

ب، أدلة أهل السنّة والجماعة بل المسلمين جميعاً بشرعية الشفاعة:

يعتقد المسلمون بأن الشفاعة لله جميعاً، ولا يشفع أحد عند الله إلا بإذنه لقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، ويعتقد المسلمون أن الرسول (ص) يشفع للمؤمنين في حياته ومماته، وهذه العقيدة لا يدعيها المسلمون انطلاقاً مما تشتهيه أنفسهم وإنما هم تابعون لما أمرهم به الله ورسوله (ص) ، لقوله تعالى في كتابه الكريم:

{ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} (سورة النساء، الآية 64) وقوله تعالى: {قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين، قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم} (سورة يوسف، الآية 97)، حيث يؤمن المسلمون بأن الرسول (ص) يشفع لأمته في حياة البرزخ بعد وفاته وذلك استناداً إلى (أ) كتاب الله  و (ب) سنّة رسوله(ص)  و (ج) موقف السلف الصالح  و (د) إجماع المسلمين.

(أ) القرآن الكريم:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة} (سورة المائدة، الآية 35) فالله سبحانه وتعالى يأمر بابتغاء الوسيلة إليه لبلوغ مغفرته ونيل ثوابه، والوسيلة بالنسبة للمؤمنين هم الأنبياء الذين يتوسل بهم العباد (وذلك ما أجمع عليه المفسرون) ليشفعوا لهم عند الله لنيل مغفرته ورضوانه. {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً} (سورة النساء، 64) فاستغفار الرسول هنا للمسلمين في حياته كاستغفاره لهم بعد وفاته فالرسول (ص) غير ميت بل حي عند ربه يرزق لقوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم} (سورة آل عمران، الآية 169) والرسول (ص) كما لا يخفى أعظم منزلة من الشهداء بل هو سيد الشهداء بل سيد الخلق أجمعين وقد ورد في كتاب وفاء الوفا عن ابن عدي في كامله عن ثابت عن أنس عن الرسول (ص): (الأنبياء أحياء في قبورهم)، (للمزيد راجع الهامش 6)

(ب) الحديث النبوي الشريف:

هناك العشرات من الأحاديث المتواترة والمتضافرة بالأسانيد الصحيحة وفي كتب الصحاح التي تؤكد أن النبي (ص) يشفع لأمته حين وفاته. وأدناه غيض من فيض من الأحاديث الواردة في الصحاح والتي تثبت شفاعة الرسول (ص) لأمته في حياة البرزخ:

أ ـ فقد روى البناء واسماعيل القاضي بسند صحيح عن أبي هريرة عنه (ص): (من صلى عليَّ عند قبري وكل الله بها ملكاً يبلغني وكفي له أمر آخرته ودنياه وكنت له شهيداً وشفيعاً)(7).

ب ـ أخرج النسائي وأحمد والخطيب والبيهقي والبزار والحاكم وآخرون عن عبدالله بن مسعود عن رسول الله (ص): (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام)(8).

ج ـ أخرج النسائي والترمذي وابن ماجة عن عثمان بن حنيف أن الرسول (ص) علّم بعض أصحابه أن يدعو فيقول (اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي فشفعه فيَّ)(9)، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.

د ـ أخرج البزار ورجاله رجال الصحيح قال رسول الله (ص): (حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت لكم)(10). وأخرجه ابن سعد في طبقاته وآخرون وصححه السيوطي.

إن الذي يقرأ هذه الأحاديث المروية عن الرسول في كتب الصحاح لا يبقى لديه شك في أن أول من عرّف الناس بشفاعة الرسول(ص) ) في حياته وبعد مماته وعرّف الناس بما يحتمل التأويل من آيات القرآن الحكيم هو الرسول الأعظم (ص) فلا يبقى شك بعد ذلك لقائل يقول إن طلب الشفاعة والتوسل بالرسول (ص) هي بدعة ابتدعها المسلمون، أو المشركون بحسب ادعاء الوهابية، قبل دعوة الوهابية بأكثر من ألف عام، فهل يمكننا تأويل حديث الرسول (ص) في قوله (وفاتي خير لكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه وما رأيت من شر استغفرت لكم)، ولو كانت هذه الشفاعة في الآخرة كما يقولون لما قال (ص): (وفاتي خير لكم)، كما أنه في الآخرة لا تعرض الأعمال وحدها بل يعرض الناس للحساب مع أعمالهم.

(ج) موقف السلف الصالح من الصحابة الأوائل والأئمة الأربعة:

من المعلوم أن موقف الإسلام من طلب الشفاعة من الرسول (ص) بعد وفاته لا يمكن تطبيقه بشكل عملي إلا بعد وفاة الرسول (ص)، وبذلك فإن أكثر الناس معرفة بموقف الإسلام من هذا الأمر هم أصحابه الذين عاصروه وسمعوا منه وفهموا القرآن من الرسول (ص) ، وبذلك فإن موقفهم من الرسول (ص) بعد وفاته ومن طلب الشفاعة منه هو الحجة علينا لأن فعلهم نابع من معرفتهم بهذا الأمر من الرسول (ص) مباشرة، ولو رجعنا لوجدنا أن أول من طلب الشفاعة من الرسول (ص) هو أبا بكر الصديق (رض). فقد أخرج صاحب السيرة الحلبية في سيرته أنه لما توفي الرسول (ص) أقبل أبو بكر (رض) فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبّله وقال: (بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً اذكرنا يا محمد عند ربك ولنكن في بالك)(11). روى الطبراني في الكبير والترمذي وآخرون عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلى عثمان بن عفان (رض) في حاجة له وكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فلقي ابن حنيف فشكى إليه، فقال له ابن حنيف إئت المسجد فصلِّ ركعتين ثم قل: (اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد (ص) نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك أن تقضي حاجتي) وتذكر حاجتك وانطلق الرجل فصنع ما قال ثم أتى باب عثمان فأدخل عليه فأجلسه وقضاها له(12) (للمزيد راجع الهامش 13).

(د) إجماع المسلمين:

أجمع المسلمون منذ وفاة الرسول (ص) إلى يومنا هذا على جواز التشفّع بالرسول والتوسّل به، وتوجد في كتب الزيارة للمذاهب الأربعة إجماعاً على طلب الشفاعة من الرسول (ص) عند زيارة مشهده.

أ ـ في شرح المواهب للزرقاني(14) إن الداعي إذا قال: (اللهم إني أستشفع إليك بنبيك، يا نبي الرحمة إشفع لي عند ربك) استجيب له.

ب ـ في وفاء الوفا(15) قال عياض قال مالك في رواية ابن وهب إذا سلم على النبي (ص) ودعا بعده ووجهه إلى القبر الشريف لا إلى القبلة. ومناظرة مالك مع المنصور واضحة. (للمزيد راجع الهامش 16)

ج ــ قول الفريقين وأدلتهما على زيارة قبر الرسول (ص) وقبور الصالحين:

بالنسبة إلى زيارة قبر الرسول (ص) فإننا نجد في حقيقة الأمر أن مقولات الوهابيين تتراوح بين تحريم زيارة قبر الرسول الأعظم (ص) فضلاً عن قبور الصالحين، أو جواز الزيارة ولكن تحريم تعظيم الرسول أو مناجاته، بالإضافة إلى تحريم شد الرحال لزيارة قبر الرسول العظيم (ص) وتحريم زيارة النساء لقبور الأنبياء والصالحين.

(1) حرمة زيارة قبر الرسول (ص):

حيث يذكر القسطلاني في (إرشاد الساري) وابن حجر الهيتمي في (الجوهر المنظم) عن ابن تيمية واضع اللبنة الأولى لأفكار الوهابية بالنص (وقد منع ابن تيمية عن زيارة قبر النبي (ص) وحرمها مطلقاً فضلاً عن زيارة غيره).

(2) تشبيه قبر الرسول بالوثن:

أما ابن عبد الوهاب فلم يحرم زيارة قبر الرسول الأعظم (ص) بهذا الشكل ولكنه يحرم تعظيم قبر الرسول (ص)، ويشبه قبر الرسول (ص) بالوثن، حيث يقول بالنص (وواحد يعبد الأوثان كما في حديث الترمذي حيث يعظم قبر النبي ويقف عنده كما في الصلاة واضعاً يده اليمنى على اليد اليسرى ويقول: يا رسول الله أسألك الشفاعة، يا رسول الله أدع الله في قضاء حاجتي، ويناديه ويعتقد نداءه سبباً لحصول مراده ويعظم آثاره ومشاهده ومجالسه وداره حتى اتخذوا الآثار مسجداً، وكل ذلك من الأوثان، من نبي كان أو ولي من اللات أو العزى من المسيح أو العزير فإن الصنم في الشرع هو المصور والوثن غير المصور)(17).

(3) حرمة شد الرحال لزيارة قبر الرسول (ص) وقبور الصالحين:

حيث يجوّز ابن عبد الوهاب زيارة قبر الرسول (ص) ، ولكنه يحرم السفر إلى قبر الرسول (ص) بنيّة زيارته ولكن يجب أن تكون النية زيارة مسجد الرسول وليس قبر الرسول (ص)، حيث يقول بالنص في الرسالة الثانية من رسائل الهدية السنية (تسن زيارة قبر النبي (ص) إلا أنه لا يشد الرحال إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه). والدليل الذي يستند إليه ابن عبد الوهاب في فتواه تلك هو قول الرسول (ص): (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)(18). ولكن الملاحظ هنا أن الحصر في حديث الرسول (ص) هو حصر إضافي لا حصراً حقيقياً، فالمقصود من الحديث أن هذه المساجد الثلاثة تستحق شد الرحال والسفر إليها للصلاة فيها، وهذا لا يعني حرمة السفر إلى المساجد الأخرى بحيث إنه لو سافر المسافر إليها لغرض الصلاة وإحراز الفضيلة لكان عاصياً؛ فلو أخذنا بمقولة الوهابية وافترضنا وجود شخص مسلم في مدينة من مدن الغرب ليس فيها مسجد وهناك مدينة مجاورة لها فيها مسجد، فلو أن ذلك المسلم سافر إلى تلك المدينة المجاورة بغرض الاستجمام والراحة والنزهة فليس عليه ضير ولا حرمة سواء ذلك عند الوهابية أو في الإسلام، أما لو سافر هذا المسلم إلى تلك المدينة المجاورة لغرض الصلاة في المسجد كأداء صلاة الجمعة مثلاً فإن سفره سيكون سفر معصية بحسب رأي الوهابية، وهو آثم عليه بحسب استدلالهم بقول الرسول (ص) (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد…). والغريب هو أن الوهابيين يقولون تسن زيارة النبي (ص)، فمعنى ذلك أنها مستحبة، وكل مقدمات المستحب من شد الرحال أو غيره لا بد وأن تكون مباحة إذا لم تكن مستحبة أيضاً، أما أن تسن زيارة النبي (ص) ولكن تحرم مقدماتها إلا إذا كانت بهدف زيارة المسجد فهذا تناقض واضح ومخالف لبديهيات الشريعة والعقل والمنطق.

هامش الملحق رقم [2]

(1) رسائل الهدية السنية، الرسالة الثانية، ص 42.

(2) تطهير الاعتقاد، الصنعاني، ص 7؛ وقال في موضع آخر: (فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريهم ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسوله (ص) من المشركين). (تطهير الاعتقاد، الصنعاني، ص12).

(3) رسالة كشف الشبهات، محمد بن عبد الوهاب، ص 56 و57.

(4) خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام، أحمد بن زيني دحلان، ص 230.

(5) الجواهر المضيئة، محمد بن عبد الوهاب، ص 10.

(6) وأخرج أبو داوود وابن ماجة والنسائي والحاكم بإسنادهم عن الرسول (ص) (أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، إن الملائكة عند الله يستغفرون للمؤمنين في حياتهم لقوله تعالى {إن الذين يحملون العرش ومن حوله، إلى قوله تعالى: (ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم وقهم السيئات} (سورة غافر، الآية 8)، ومما لا يخفى أن ارتباط الناس بالرسول (ص) وارتباط الرسول (ص) بهم هو أشد بكثير من ارتباط الملائكة بالناس فلا يعقل أن يتوجّه الناس إلى الملائكة ليكونوا شفعاءهم إلى الله ويحرم عليهم طلب الشفاعة من الرسول(ص) مع كون الرسول (ص) حي يرزق يسمع كلامهم ويرد سلامهم؛ وقد ذكر السيوطي عن رسول الله (ص) (إن الحجر الأسود شافع مشفع). فمما لا يخفى أيضاً أن الارتباط النفسي بالرسول (ص) هو أعظم وأشد بكثير من الارتباط النفسي بالحجر الأسود، فهل يعقل أن الحجر الأسود يشفع في حين أن رسول الله (ص) الذي هو حي عند الله يرزق وتعرض عليه صلاة المؤمنين ولا يشفع لهم؟

(7) البيهقي في حياة الأنبياء، ص 15./ الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج 3، ص 291.

(8) النسائي، ج 3، ص 43/ مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ص 452./ الخطيب البغدادي، ص 769/ الحاكم النيسابوري، ج 2، ص 421./ وأبو نعيم في أخبار اصبهان، ج 2، ص 205/ البيهقي، الدعوات الكبير، ص 159./ البزار، حديث رقم 1923 وحديث رقم 1925.

(9) الترمذي، كتاب الدعوات باب رقم (119)، رقم الحديث 3578/ أحمد بن حنبل في مسنده، ج 4، ص 138، حديث 17209 / ابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة، حديث رقم 1385. النسائي في السنن الكبرى حديث رقم 10495.

(10) البزار في مسنده، ج9، ص 24، حديث رقم 1925/ ابن سعد في الطبقات الكبرى، ج2، ص 194/ السيوطي في الخصائص، ج2 ،ص 281/ الحافظ العراقي في طرح التثريب، وقال إن إسناده جيد، ج3، ص 297.

(11) السيرة الحلبية، ج 3، ص 474 /هامش زيني دحلان عن السيرة، ج 3، ص 391، وورد هذا الحديث بألفاظ مختلفة في البخاري (حديث 3667/ 3394/ 3500)، والسنن الكبرى للبيهقي، حديث رقم (25044)، والاعتقاد للبيهقي حديث رقم (324)، ومسند البزار حديث رقم (74)، والطبقات الكبرى لابن سعد، حديث رقم (2011 و2054).

(12) الطبراني، المعجم الكبير، ج 9، ص 30.

(13) ج، في وفاء الوفا لابن الجوزي عن ابن الجوزاء قال قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلى عائشة (رض) فقالت: فانظروا قبر النبي(ص) فاجعلوا منه كوةً إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف. ففعلوا، فمطروا حتى نبت العشب وسمنت الإبل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق، وقال زين المراغي واعلم أن فتح الكوة عند القبر سنة أهل المدينة حتى الآن. د، وقال السمهودي في وفاء الوفا قال عياض في الشفاعة عن ابن حميد قال ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله (ص) فقال مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوماً فقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً فاستكان لها أبو جعفر فقال يا مالك أستقبل القبلة وأدعو أم استقبل رسول الله (ص)؟ فقال: لم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله يوم القيامة بل استقبله واستشفع به فيشفعك الله، قال الله تعالى: {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم} (سورة النساء، الآية 64). وللتعريف بموقف الوهابيين من هذه الأحاديث، وبالذات رواية الإمام مالك تلك إمام المدينة وأقرب الأئمة الأربعة زماناً ومكاناً لرسول الله (ص)، فإننا نجد أن ابن تيمية ينفي هذه الرواية بكل يسر وسهولة فيقول عنها (أمر منكر لم يقل به أحد ولم يرد إلا في حكاية مفتراة على الإمام مالك)، في حين أن هذه الرواية أوردها القاضي عياض بسند صحيح وذكر أنه تلقاها عن عدة من ثقات مشايخه وذكرها أيضاً الإمام السبكي في (شفاء السقام في زيارة قبر الإمام)، والسمهودي في (خلاصة الوفاء)، والعلامة القسطلاني في (المواهب اللدنية)، والعلامة ابن حجر في (تحفة الزوار والجوهر المنتظم)، وقال ابن حجر: (جاءت بالسند الصحيح الذي لا مطعن فيه). وقال العلامة الزرقاني في (شرح المواهب) رواها ابن فهد بإسناد جيد. (ـ شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق (ص) الشيخ يوسف النبهاني ضمن مجموعة (علماء… المسلمين والوهابيين) ص 156ـ السلفية، محمد الكثيري، ص 479).هـ، ورد في الجوهر المنظم أن إعرابياً وقف على القبر الشريف وقال: (اللهم إن هذا حبيبك وأنا عبدك والشيطان عدوك، فإن غفرت لي سر حبيبك وفاز عبدك وغضب عدوك وإن لم تغفر لي غضب حبيبك ورضي عدوك وهلك عبدك، وأنت يا رب أكرم من أن تغضب حبيبك وترضي عدوك وتهلك عبدك، اللهم إن العرب إذا مات فيهم سيد أعتقوا على قبره وإن هذا سيد العالمين فأعتقني على قبره يا أرحم الراحمين). فقال له بعض الحاضرين: يا أخا العرب إن الله قد غفر لك بحسن هذا السؤال.

و. وعن سفيان بن عيينة وعن العتبي وكل منهما من مشايخ الشافعي. قال العتبي: كنت جالساً عند قبر الرسول (ص) فجاء أعرابي فقال: (السلام عليك يا خير الرسل، إن الله أنزل عليك كتاباً صادقاً قال فيه (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي مستشفعاً بك إلى ربي) ثم انصرف. فغلبتني عيناي فرأيت النبي (ص) في المنام. فقال: يا عتبي إلحق الأعرابي فبشره إن الله قد غفر له. فخرجت خلفه فلم أجده.

(14) شرح المواهب، الزرقاني، ج 8، ص 398.

(15) وفاء الوفا، السمهودي، ج2، ص 1376.

(16) ج، روى أبو حنيفة في سنده عن ابن عمر قال من السنّة أن تأتي قبر الرسول (ص) من جهة القبلة وتجعل ظهرك إلى القبلة وتستقبل القبر وتسلم. د، قال ابن عساكر في التحفة في كلام أصحابنا (يعني الشافعية) إن الزائر يستقبل الوجه الشريف في السلام والدعاء والتوسل ثم يقف مستقبل القبلة والقبر عن يساره والمنبر عن يمينه فيدعو أيضاً. هـ، في وفاء الوفا عن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين السامري الحنبلي في المستوعب في آداب زيارة النبي (ص) أنه يجعل القبر تلقاء وجهه والقبلة خلف ظهره والمنبر عن يساره ويقول: (اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك نبي الرحمة ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك (الآية)… اللهم إني أتوجه إليك بنبيك…).

(17) سيف الجبار، لفضل رسول / عن حفيد ابن عبد الوهاب، ص 6.

(18) صحيح مسلم، ج4، ص 126.

اترك رد