البحث المقدم الى مؤتمر الزهراء (ع) تحت عنوان فقرتان من خطبة الزهراء (ع) [ الجزء الاول]؛

فقرتان من خطبة ألزهراء (ع)؛

(جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة)

مصاديقها ألتأريخية ورسالة ألزهراء إلينا أليوم

 

خطبة ألزهراء عليها ألسلام بحر واسع تثبت فيه ألكثير من ألمفاهيم ألإسلامية، وفي هذه ألعجالة أريد أن أتطرق إلى فقرتين من هذه ألخطبة ألشاملة وألواسعة بمفاهيمها، ألعميقة بمعانيها، ألعالية بمضامينها، تخطب وكأنها تنطق عن أبيها رسول ألله وعن بعلها علي إبن أبي طالب عليهم أفضل ألصلاة وألسلام:

(جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة)، إن ألإسلام ألذي جاء به رسول ألله (ص) وحفظه أهل بيت ألنبوة (ع) على مدى ألأجيال يمثل نظاماً عاماً وشاملاً لملة ألإسلام ، سواء كان ذلك في جانب علاقة ألإنسان بربه، أو علاقة ألإنسان بألإنسان أو علاقة الإنسان بالمجتمع أو توضيح ألكثير من ألمفاهيم وألتصورات ألإسلامية على كافة ألمستويات وضمن مختلف ألمجالات.

 

ما ألمقصود من عبارة طاعتنا نظاماً للملة؟

إن أستيعاب ألإسلام بكافة أبعاده ومفاهيمه وتشريعاته وسننه وتطبيق هذه ألمفاهيم وألسنن وألتشريعات على أرض ألواقع بألشكل ألصحيح هو ألذي يوفر ألنظام للملة ألإسلامية.

ولكن كيف ألسبيل لتحقيق ذلك؟

إنه يتحقق من خلال تحقيق أربعة أهداف:

ألهدف ألأول: من خلال كتاب ألله؛ كتاب ألله موجود بين ظهراني ألناس؛ وكان ألمطلوب في صدر ألإسلام هو ألحفاظ على كتاب ألله من ألإضافة وألحذف وألتحريف، وهو ما تحقق تثبيتاً لقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }

ألهدف ألثاني: من خلال سنة ألرسول (ص)؛ وهذا يتطلب نشر سنة رسول ألله (ص) ألصحيحة، وكشف ألأكاذيب من ألسنة ألمزيفة وألموضوعة.

ألهدف ألثالث: ألفهم وألتأويل ألصحيح للكتاب ألذي إختص ألله به نفسه وألراسخون في ألعلم، وألفهم وألإستيعاب الصحيح وألمعمق للسنة ألصحيحة لرسول ألله (ص).

ألهدف ألرابع: ألتطبيق ألعملي لما جاء في ألكتاب وألسنة وإتخاذ ألمواقف ألمهمة وألمصيرية بشأن قضايا ألأمة ألكبيرة مما يحتاج درجة عالية من ألبصيرة وألإدراك وألتسديد ألإلهي.

فإذا أضفنا إلى ذلك مقولة ألزهراء في أن ألإمامة أماناً من ألفرقة فنستطيع حينها أن نزعم إن

ألهدف ألخامس : هو تحقيق ألأمان من ألفرقة

وذلك لتحقيق مقولة ألزهراء (ع) بألكامل (جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة) .

وقبل أن نخوض في تفاصيل هذه ألأهداف ألخمسة فإننا نستطيع أن نزعم أن هذه ألأهداف ألخمسة هي ما سعى لتحقيقه أهل بيت ألنبوة(ع) على مستويين،  على ألمستوى ألعام، وألمقصود به ألأمة ألإسلامية بكافة فرقهم وطوائفهم؛ وألمستوى ألثاني هو ألمستوى ألخاص وهو مستوى أتباعهم ممن يعتقد بإمامتهم؛ ولكن هذا لا يعني أن أهل ألبيت (ع) هم للشيعة فحسب، ولا يعني أن ألشيعة يمكنهم  ألإدعاء بأن أهل البيت ملكهم كما يتصور ألكثير من ألجهال من ألفريقين، بل أهل ألبيت (ع) هم للمسلمين جميعاً، وكان هدفهم ألأول هو ألعمل لمصلحة ألأمة ألإسلامية، فضلاً عن أتباعهم، وهذا ما سنبينه بالتفصيل…

ولكن ألإدعاء أن أهل ألبيت (ع) يسعون لتحقيق هذه ألأهداف على مستوى ألأمة ألإسلامية بكافة فرقهم وطوائفهم يثير حالة كبيرة من ألإستغراب وألإستفهام ….

فبألنسبة للهدف ألأول بشأن ألحفاظ على كتاب ألله من ألتحريف؛ فإن ألله سبحانه وتعالى هو ألذي أنزل ألقرآن وهو ألذي تولى حفظه من ألإضافة وألحذف وألتحريف، وقد أثبت ألله هذه ألحقيقة في قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }، كما إن ألقرآن ألموجود أليوم بين ظهراني ألناس هو نفس ألكتاب ألذي أمر ألخليفة ألراشد ألثالث عثمان بن عفان بإستنساخه وتوزيعه على ألأقطار ألإسلامية، وليس لأهل ألبيت أي دور في ذلك، فكيف يمكننا ألإدعاء أن أهل ألبيت قد حفظوا ألقرآن من ألتزوير وألتحريف وألزيادة وألنقصان ؟

أما بألنسبة للهدف ألثاني، وهو نشر ألسنة ألصحيحة وكشف ألسنة ألمزيفة؛ فألرسول (ص) نطق بمئات بل بآلاف ألأحاديث، وسن ألكثير من ألسنن، وأقر ألكثير من ألأمور، منذ بعثته حتى وفاته خلال ثلاث وعشرون سنة. وقد نقلت ألكثير من هذه ألأحاديث وألسنن والتقريرات من خلال ألعديد من كتب ألحديث، ونشأت ألكثير من ألدراسات وألأبحاث في هذا ألشأن، من كتب ألرجال، وتراجم وسير ألرواة، وطبقات ألمحدثين، ونشأت مفاهيم ألصحابة والتابعين وتابعي التابعين،  ومفاهيم ألجرح وألتعديل، ومفاهيم الحديث ألصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وألفت ألموسوعات ألحديثية، من كتب ألصحاح وألسنن والمسانيد، والكثير من هذه ألدراسات وألأبحاث تطورت خلال عدة قرون بعد وفاة ألرسول (ص)، وألناظر من ألخارج يرى دور أهل ألبيت محدوداً في هذا ألمجال؛ فكيف يمكننا ألإدعاء أن أهل ألبيت (ع) قد لعبوا دوراً مفصلياً في نشر ألأحاديث ألصحيحة وكشف ألكثير من ألأحاديث ألموضوعة وألمزيفة، ليس على نطاق أتباعهم فحسب بل على نطاق ألساحة ألإسلامية ألواسعة بجميع مذاهبهم وطوائفهم؟

أما بالنسبة للهدف الثالث في تفسير كتاب ألله وسنة رسوله (ص) بالشكل الصحيح؛ فقد ألف علماء ألمسلمين خلال أربعة عشر قرناً من وفاة الرسول (ص) حتى يومنا هذا عشرات بل مئات ألمجلدات من التفاسير لكتاب ألله، أما بألنسبة للشروحات بشأن ألسنة ألنبوية، فألسنة النبوية بشكل عام واضحة ولا تحتاج إلا إلى جهد بسيط وإلمام باللغة العربية وثقافة شرعية لتقديم ألشروحات ألوافية، ولكن أيضاً في هذا المجال فالمطلوب هو التعريف بألأحاديث الصحيحة ومعرفة ونبذ ألأحاديث ألمزورة والموضوعة؛ فما هو دور أهل البيت (ع) في ذلك ؟

أما بالنسبة للهدف الرابع في التطبيق العملي لما جاء في الكتاب والسنة؛ فقد قامت دول إسلامية متعددة خلال أربعة عشر قرناً، وكانت أغلب هذه الدول تحكم بأسم ألإسلام وترى وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية إستناداً إلى الكتاب والسنة النبوية، فأين هو دور أهل ألبيت (ع) في إتخاذ المواقف المصيرية والمهمة بشأن قضايا ألأمة ألكبيرة ؟

أما بالنسبة للهدف الخامس وهو تحقيق ألأمان من الفرقة؛ فإن الناظر من الخارج قد يجد الصورة معكوسة، فقد تحقق ألوئام داخل ألعالم ألإسلامي بشكل نسبي خلال فترة ألخلفاء ألراشدين ألثلاث، ولكن بمجرد أن تولى ألإمام علي (ع) ألأمر نشأت ألنزاعات وقامت ألحروب والفرقة بين ألمسلمين وأولها حرب ألجمل ثم صفين ثم ألنهروان، ولكن ما إن جاء معاوية بن أبي سفيان حتى قام ألصلح بينه وبين ألإمام ألحسن (ع) وسمي ذلك ألعام بعام ألجماعة لإجتماع ألمسلمين وإجتماع كلمتهم في ضل دولة واحدة، وهكذا كان ألوضع خلال فترات طويلة ضمن دولة ألخلافة ألأموية ودولة ألخلافة ألعباسية؛ فكيف يمكن أن تكون إمامة أهل ألبيت (ع) أماناً من ألفرقة ؟

 

ولكن أمام هذه التساؤلات وأمام حالة ألإستفهام وألإستغراب ألتي تطرقنا إليها فإننا نستطيع أن نقول وبكل ثقة أن أهل البيت (ع) في واقع ألأمر قد سعوا وحققوا ألأهداف ألخمسة أعلاه وهذا ما سنتناوله بالتفصيل؛ كما إننا نثبت حقيقة أن هذه ألأهداف لم تتحق من قبل أهل ألبيت (ع) بشكل متساوٍ فيما بينهم، بل إن كل إمام مر بظروف وواقع تاريخي يختلف عمن هو غيره من ألأئمة، فيبرز تميز ذلك ألإمام بمواقف تصب بإتجاه واحد أو أكثر من هذه ألأهداف ألخمسة، وهذا يتطلب ألتعرف على ألمخاطر ألتي تعرض لها ألمسلمين وألإسلام وتعرضت لها ألشريعة الإسلامية وألمناهج ألإسلامية  وألمفاهيم ألإسلامية بل كافة مفاصل ألفكر ألإسلامي بشموليته وكافة أبعاده وبالتالي ألتعرف على مواقف أهل ألبيت (ع) لدرء هذه ألأخطار ضمن ألمساحات ألخمسة ألتي تطرقنا إليها؛ وهذه ألمخاطر هي كما يلي :

 

اترك رد