البحث المقدم الى مؤتمر الزهراء (ع) تحت عنوان فقرتان من خطبة الزهراء (ع) [ الجزء الاول]؛

فقرتان من خطبة ألزهراء (ع)؛

(جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة)

مصاديقها ألتأريخية ورسالة ألزهراء إلينا أليوم

 

خطبة ألزهراء عليها ألسلام بحر واسع تثبت فيه ألكثير من ألمفاهيم ألإسلامية، وفي هذه ألعجالة أريد أن أتطرق إلى فقرتين من هذه ألخطبة ألشاملة وألواسعة بمفاهيمها، ألعميقة بمعانيها، ألعالية بمضامينها، تخطب وكأنها تنطق عن أبيها رسول ألله وعن بعلها علي إبن أبي طالب عليهم أفضل ألصلاة وألسلام:

(جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة)، إن ألإسلام ألذي جاء به رسول ألله (ص) وحفظه أهل بيت ألنبوة (ع) على مدى ألأجيال يمثل نظاماً عاماً وشاملاً لملة ألإسلام ، سواء كان ذلك في جانب علاقة ألإنسان بربه، أو علاقة ألإنسان بألإنسان أو علاقة الإنسان بالمجتمع أو توضيح ألكثير من ألمفاهيم وألتصورات ألإسلامية على كافة ألمستويات وضمن مختلف ألمجالات.

 

ما ألمقصود من عبارة طاعتنا نظاماً للملة؟

إن أستيعاب ألإسلام بكافة أبعاده ومفاهيمه وتشريعاته وسننه وتطبيق هذه ألمفاهيم وألسنن وألتشريعات على أرض ألواقع بألشكل ألصحيح هو ألذي يوفر ألنظام للملة ألإسلامية.

ولكن كيف ألسبيل لتحقيق ذلك؟

إنه يتحقق من خلال تحقيق أربعة أهداف:

ألهدف ألأول: من خلال كتاب ألله؛ كتاب ألله موجود بين ظهراني ألناس؛ وكان ألمطلوب في صدر ألإسلام هو ألحفاظ على كتاب ألله من ألإضافة وألحذف وألتحريف، وهو ما تحقق تثبيتاً لقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }

ألهدف ألثاني: من خلال سنة ألرسول (ص)؛ وهذا يتطلب نشر سنة رسول ألله (ص) ألصحيحة، وكشف ألأكاذيب من ألسنة ألمزيفة وألموضوعة.

ألهدف ألثالث: ألفهم وألتأويل ألصحيح للكتاب ألذي إختص ألله به نفسه وألراسخون في ألعلم، وألفهم وألإستيعاب الصحيح وألمعمق للسنة ألصحيحة لرسول ألله (ص).

ألهدف ألرابع: ألتطبيق ألعملي لما جاء في ألكتاب وألسنة وإتخاذ ألمواقف ألمهمة وألمصيرية بشأن قضايا ألأمة ألكبيرة مما يحتاج درجة عالية من ألبصيرة وألإدراك وألتسديد ألإلهي.

فإذا أضفنا إلى ذلك مقولة ألزهراء في أن ألإمامة أماناً من ألفرقة فنستطيع حينها أن نزعم إن

ألهدف ألخامس : هو تحقيق ألأمان من ألفرقة

وذلك لتحقيق مقولة ألزهراء (ع) بألكامل (جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة) .

وقبل أن نخوض في تفاصيل هذه ألأهداف ألخمسة فإننا نستطيع أن نزعم أن هذه ألأهداف ألخمسة هي ما سعى لتحقيقه أهل بيت ألنبوة(ع) على مستويين،  على ألمستوى ألعام، وألمقصود به ألأمة ألإسلامية بكافة فرقهم وطوائفهم؛ وألمستوى ألثاني هو ألمستوى ألخاص وهو مستوى أتباعهم ممن يعتقد بإمامتهم؛ ولكن هذا لا يعني أن أهل ألبيت (ع) هم للشيعة فحسب، ولا يعني أن ألشيعة يمكنهم  ألإدعاء بأن أهل البيت ملكهم كما يتصور ألكثير من ألجهال من ألفريقين، بل أهل ألبيت (ع) هم للمسلمين جميعاً، وكان هدفهم ألأول هو ألعمل لمصلحة ألأمة ألإسلامية، فضلاً عن أتباعهم، وهذا ما سنبينه بالتفصيل…

ولكن ألإدعاء أن أهل ألبيت (ع) يسعون لتحقيق هذه ألأهداف على مستوى ألأمة ألإسلامية بكافة فرقهم وطوائفهم يثير حالة كبيرة من ألإستغراب وألإستفهام ….

فبألنسبة للهدف ألأول بشأن ألحفاظ على كتاب ألله من ألتحريف؛ فإن ألله سبحانه وتعالى هو ألذي أنزل ألقرآن وهو ألذي تولى حفظه من ألإضافة وألحذف وألتحريف، وقد أثبت ألله هذه ألحقيقة في قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }، كما إن ألقرآن ألموجود أليوم بين ظهراني ألناس هو نفس ألكتاب ألذي أمر ألخليفة ألراشد ألثالث عثمان بن عفان بإستنساخه وتوزيعه على ألأقطار ألإسلامية، وليس لأهل ألبيت أي دور في ذلك، فكيف يمكننا ألإدعاء أن أهل ألبيت قد حفظوا ألقرآن من ألتزوير وألتحريف وألزيادة وألنقصان ؟

أما بألنسبة للهدف ألثاني، وهو نشر ألسنة ألصحيحة وكشف ألسنة ألمزيفة؛ فألرسول (ص) نطق بمئات بل بآلاف ألأحاديث، وسن ألكثير من ألسنن، وأقر ألكثير من ألأمور، منذ بعثته حتى وفاته خلال ثلاث وعشرون سنة. وقد نقلت ألكثير من هذه ألأحاديث وألسنن والتقريرات من خلال ألعديد من كتب ألحديث، ونشأت ألكثير من ألدراسات وألأبحاث في هذا ألشأن، من كتب ألرجال، وتراجم وسير ألرواة، وطبقات ألمحدثين، ونشأت مفاهيم ألصحابة والتابعين وتابعي التابعين،  ومفاهيم ألجرح وألتعديل، ومفاهيم الحديث ألصحيح والحسن والضعيف والموضوع، وألفت ألموسوعات ألحديثية، من كتب ألصحاح وألسنن والمسانيد، والكثير من هذه ألدراسات وألأبحاث تطورت خلال عدة قرون بعد وفاة ألرسول (ص)، وألناظر من ألخارج يرى دور أهل ألبيت محدوداً في هذا ألمجال؛ فكيف يمكننا ألإدعاء أن أهل ألبيت (ع) قد لعبوا دوراً مفصلياً في نشر ألأحاديث ألصحيحة وكشف ألكثير من ألأحاديث ألموضوعة وألمزيفة، ليس على نطاق أتباعهم فحسب بل على نطاق ألساحة ألإسلامية ألواسعة بجميع مذاهبهم وطوائفهم؟

أما بالنسبة للهدف الثالث في تفسير كتاب ألله وسنة رسوله (ص) بالشكل الصحيح؛ فقد ألف علماء ألمسلمين خلال أربعة عشر قرناً من وفاة الرسول (ص) حتى يومنا هذا عشرات بل مئات ألمجلدات من التفاسير لكتاب ألله، أما بألنسبة للشروحات بشأن ألسنة ألنبوية، فألسنة النبوية بشكل عام واضحة ولا تحتاج إلا إلى جهد بسيط وإلمام باللغة العربية وثقافة شرعية لتقديم ألشروحات ألوافية، ولكن أيضاً في هذا المجال فالمطلوب هو التعريف بألأحاديث الصحيحة ومعرفة ونبذ ألأحاديث ألمزورة والموضوعة؛ فما هو دور أهل البيت (ع) في ذلك ؟

أما بالنسبة للهدف الرابع في التطبيق العملي لما جاء في الكتاب والسنة؛ فقد قامت دول إسلامية متعددة خلال أربعة عشر قرناً، وكانت أغلب هذه الدول تحكم بأسم ألإسلام وترى وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية إستناداً إلى الكتاب والسنة النبوية، فأين هو دور أهل ألبيت (ع) في إتخاذ المواقف المصيرية والمهمة بشأن قضايا ألأمة ألكبيرة ؟

أما بالنسبة للهدف الخامس وهو تحقيق ألأمان من الفرقة؛ فإن الناظر من الخارج قد يجد الصورة معكوسة، فقد تحقق ألوئام داخل ألعالم ألإسلامي بشكل نسبي خلال فترة ألخلفاء ألراشدين ألثلاث، ولكن بمجرد أن تولى ألإمام علي (ع) ألأمر نشأت ألنزاعات وقامت ألحروب والفرقة بين ألمسلمين وأولها حرب ألجمل ثم صفين ثم ألنهروان، ولكن ما إن جاء معاوية بن أبي سفيان حتى قام ألصلح بينه وبين ألإمام ألحسن (ع) وسمي ذلك ألعام بعام ألجماعة لإجتماع ألمسلمين وإجتماع كلمتهم في ضل دولة واحدة، وهكذا كان ألوضع خلال فترات طويلة ضمن دولة ألخلافة ألأموية ودولة ألخلافة ألعباسية؛ فكيف يمكن أن تكون إمامة أهل ألبيت (ع) أماناً من ألفرقة ؟

 

ولكن أمام هذه التساؤلات وأمام حالة ألإستفهام وألإستغراب ألتي تطرقنا إليها فإننا نستطيع أن نقول وبكل ثقة أن أهل البيت (ع) في واقع ألأمر قد سعوا وحققوا ألأهداف ألخمسة أعلاه وهذا ما سنتناوله بالتفصيل؛ كما إننا نثبت حقيقة أن هذه ألأهداف لم تتحق من قبل أهل ألبيت (ع) بشكل متساوٍ فيما بينهم، بل إن كل إمام مر بظروف وواقع تاريخي يختلف عمن هو غيره من ألأئمة، فيبرز تميز ذلك ألإمام بمواقف تصب بإتجاه واحد أو أكثر من هذه ألأهداف ألخمسة، وهذا يتطلب ألتعرف على ألمخاطر ألتي تعرض لها ألمسلمين وألإسلام وتعرضت لها ألشريعة الإسلامية وألمناهج ألإسلامية  وألمفاهيم ألإسلامية بل كافة مفاصل ألفكر ألإسلامي بشموليته وكافة أبعاده وبالتالي ألتعرف على مواقف أهل ألبيت (ع) لدرء هذه ألأخطار ضمن ألمساحات ألخمسة ألتي تطرقنا إليها؛ وهذه ألمخاطر هي كما يلي :

 

البحث المقدم الى مؤتمر الزهراء (ع) تحت عنوان فقرتان من خطبة الزهراء (ع) [ الجزء الثاني ]؛

ولكن أمام هذه التساؤلات وأمام حالة ألإستفهام وألإستغراب ألتي تطرقنا إليها فإننا نستطيع أن نقول وبكل ثقة أن أهل البيت (ع) في واقع ألأمر قد سعوا وحققوا ألأهداف ألخمسة أعلاه وهذا ما سنتناوله بالتفصيل؛ كما إننا نثبت حقيقة أن هذه ألأهداف لم تتحق من قبل أهل ألبيت (ع) بشكل متساوٍ فيما بينهم، بل إن كل إمام مر بظروف وواقع تاريخي يختلف عمن هو غيره من ألأئمة، فيبرز تميز ذلك ألإمام بمواقف تصب بإتجاه واحد أو أكثر من هذه ألأهداف ألخمسة، وهذا يتطلب ألتعرف على ألمخاطر ألتي تعرض لها ألمسلمين وألإسلام وتعرضت لها ألشريعة الإسلامية وألمناهج ألإسلامية  وألمفاهيم ألإسلامية بل كافة مفاصل ألفكر ألإسلامي بشموليته وكافة أبعاده وبالتالي ألتعرف على مواقف أهل ألبيت (ع) لدرء هذه ألأخطار ضمن ألمساحات ألخمسة ألتي تطرقنا إليها؛ وهذه ألمخاطر هي كما يلي :

 

أولاً: كتاب ألله

فبألنسبة لكتاب ألله؛ فإننا لو راجعنا التاريخ سنجد أن جميع الديانات والشرائع ألإلهية وجميع ألكتب ألسماوية السابقة قد حرفت؛ حيث حرفت شريعة نبي ألله إبراهيم (ع) بألكامل ممن تبقى من أتباعه من أديان منحرفة كالهندوسية ما تفرع عنها من ألبوذية وديانة السيخ،  وكذلك شريعة نبي ألله موسىى (ع) وألديانة أليهودية وكتابهم ألتوراة، ونبي ألله عيسى (ع) والديانة ألمسيحية وكتابهم ألإنجيل؛ بل جميع ألديانات ألسماوية ألأخرى من غير ألإسلام ممن جاء بعد نوح (ع) وقبل عيسى (ع) ممن ذكرهم ألله في كتابه ألكريم أو لم يذكرهم؛ ألملاحظة ألمهمة في هذه ألإنحرافات إنها تمت على يد أناس محبين ومخلصين لأنبيائهم سواء كانوا من أليهود  أو ألنصارى أو غيرهم، وأكبر دليل على حبهم لأنبيائهم أن النصارى أضفوا الصفات ألأ لهية على نبي ألله عيسى (ع) ولكنهم حرفوا الإنجيل. وإن أليهود كانوا ولا زالوا يحبون موسى ويفخروا بمعجزاته وألهندوس ألذين يعتبرون براهما هو ألإله ألأعظم ألذي لا تحرقه النار وأبو ألأمم وزوجته ساراسواتي وهو كنايةً عن نبي ألله إبراهيم وزوجته سارة وإستحالة النار ألتي ألقي فيها برداً وسلاماً ولكنهم مع ذلك حرفوا كتبهم ألسماوية وعقائدهم.

إن أخطر أمر واجهه ألإسلام هو وصول مجموعة معادية للإسلام ومبغضة لرسول ألله (ص)، حاربت ألإسلام وألمسلمين ورسول ألله (ص) لأكثر من عشرين عاماً، دخلوا ألإسلام رغماً عن أنوفهم، لم تؤمن قلوبهم طرفة عين أبداً بهذا ألدين، وصفهم ألله في كتابه ألكريم بالمنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون ألكفر، بل أعلنوها حرباً علنيةً وشعواء على الدين حين قاتل يزيد أبن معاوية ألحسين (ع) وأهل بيته، وردد في مجلس عام شعار ألأخذ بثارات أجدادهم من رسول ألله (ص) ببدر وذلك بألفتك بحفيده ألحسين (ع) ومن تبقى من أهل بيت ألنبوة. لم يورد ألله في كتابه ألكريم قصص ألأنبياء وألأقوام ألسابقين عبثاً، وإنما ذكرها للتعريف بما سيواجهه ألمسلمون في مستقبل ألأيام من أحداث هي تكرار لما حدث للأقوام ألسابقين وللأديان ألسابقة، فالتأريخ يعيد نفسه، وألأحداث ألسابقة تتكرر، فالإنسان هو نفس الإنسان وألمجتمعات هي نفس ألمجتمعات؛ لم تواجه أليهودية ولا ألنصرانية أناساً تولوا أمور ألدين يضمرون هذا ألحقد على دينهم أو على نبي ألله موسى (ع) أو نبي ألله عيسى (ع) ولكن مع ذلك حرفت ألتوراة وحرف ألإنجيل؛ لقد كان من ألطبيعي أن يحرف ألقرآن وأن يحرف دين ألإسلام تحريفاً كاملاً على يد أعدائه الذين أحتلوا منزلة رسول ألله (ص) فتسموا بخلفاء الرسول؛ بل إن ألأمر أكثر من ذلك فبني أمية كانوا يعلمون أن ألله قد ذمهم في كتابه ألكريم في عدة آيات وبالذات في قوله  تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)، حيث جاء في ألكثير من التفاسير أن رسول ألله (ص) رأى رؤيا في منامه أن بني أمية ينزون على منبره كنزو ألقرود فنزلت ألآية ألكريمة تثبت هذه ألرؤيا ومطلقةً على بني أمية لفظ (ألشجرة الملعونة) كما ورد في تفاسير ألرازي وألقرطبي وأبن كثير والطبري في تأريخه وألسيوطي في الدر المنثور والبيهقي في الدلائل والمتقي الهندي في كنز العمال وإبن عساكر في تاريخ دمشق وإبن مردوية في تفسيره وألحاكم النيسابوري في ألمستدرك وفي غرائب ألقرآن والهيثمي في مجمع الزوائد وأبو يعلي في المسند وإبن حجر العسقلاني في الفتوح والكثير غيرهم نقلاً عن آلكثير من الصحابة والتابعين كأبن عباس وأبو هريرة وسعيد بن المسيب والحسن بن علي (ع) وأم ألمؤمنين عائشة ويعلي بن مرة وأبي برزة ألأسلمي وعبد الله بن مطرف وغيرهم من الكثير من الصحابة.  لقد كان من حقدهم على كتاب الله أن ألوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان حين أستفتح القرآن فظهر له قوله تعالى “واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيدٍ” فقال: “أتتوعدني؟” ثم علقه ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه وهو ينشد:

[أتتوعد كل جبار عنيــد، فها أنا ذاك جبـار عنيـد.إذا لاقيت ربك يوم حشرٍ، فقل يارب مزقني الوليد] أمام هذا ألواقع نجد أنه من الغريب أن بني أمية لم يحرفوا كتاب ألله؛ ولكن ذلك ألإستغراب يزول ليقيننا أنه لا راد لأمر ألله وإرادته ومشيئته في حفظ كتابه الكريم ولكن ذلك لم يكن بطريقة إعجازية ولكن بطرق طبيعية تمثلت بمواقف ودور أهل البيت (ع) ألذي إختاره ألله لهم كما سيتبين أدناه.

 

ثانياً:سنة نبيه

لقد قضى رسول ألله (ص) أكثر من عشر سنوات في ألمدينة ألمنورة، وكانت له بالحد ألأدنى خطبتين في كل أسبوع في صلاة ألجمعة، أي في ألسنة ألواحدة أكثر من مئة خطبة فقط أثناء صلاة ألجمعة،  إذاً مجموع ألخطب لصلاة ألجمعة لرسول ألله (ص) تتجاوز ألألف خطبة؛ ولكن كم وصلنا من هذه ألخطب ألمميزة للرسول ألأعظم صلى ألله عليه وآله وسلم؛ أنا شخصياً لم أطلع إلا على خطبة واحدة للرسول (ص) بشأن شهر رمضان وهي خطبة عميقة بمفاهيمها، عظيمة بمضامينها وشاملة بمحتواها و يتداولها ألكثير من ألمسلمين قبل شهر رمضان؛ فإذا كانت خطبة واحدة للرسول (ص) بهذه ألقيمة وتحوي كل تلك المضامين والمفاهيم؛ فكم كان يمكن أن يكون لدينا مفاهيم راقية وحقائق جلية ووضوح بعمق ألشريعة ألأسلامية من ألف خطبة؟ ولكن أين تلك ألخطب؟ وكم هي ألنسبة ألتي وصلتنا من أحاديث رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم؟.

قال ألبخاري صاحب ألصحيح المعروف أنه لم يصح لديه أكثر من (٢،٧٠٠) حديث من غير المكرر من أصل (٦٠٠،٠٠٠) حديث قد بلغه، وقال مسلم أيضاً صاحب الصحيح إنه لم يصح لديه غير حوالي (٣،٠٠٠) حديث من أصل (٣٠٠،٠٠٠) حديث، ونجد مجموع الأحاديث في الصحيحين بحدود (٣،٥٠٠) من غير ألمكرر؛ أما ألمؤلفات ألحديثية ألتي جمعت بين ألغث وألسمين لأهل ألسنة فأهمها وأكبرها ألمسند لأحمد إبن حنبل ألذي بلغت أحاديثه حوالي أل (٣٠،٠٠٠) حديث؛ هذا ألواقع يثبت حقيقتين مخيفتين، ألأولى كثرة ألأحاديث ألموضوعة ألتي تجاوزت ألنصف مليون حديث؛ وألحقيقة ألثانية قلة ألأحاديث ألصحيحة.

ومع قلة ما دون في عهد ألرسول (ص) من أحاديث، فقد كانت هناك مخططات وعمليات لإتلاف ما دون من أحاديث بعد وفاة ألرسول (ص)، فضلاً عن سياسة منع تدوين ألحديث لما يقارب ألقرن ونصف من وفاة رسول ألله (ص).

ونكرر تساؤلنا أعلاه: هل  يمكننا ألإدعاء أن أهل ألبيت (ع) قد لعبوا دوراً مفصلياً في نشر ألأحاديث ألصحيحة وكشف ألكثير من ألأحاديث ألموضوعة وألمزيفة، ليس على نطاق أتباعهم فحسب بل على نطاق ألساحة ألإسلامية ألواسعة بجميع مذاهبهم وطوائفهم؟ نستطيع أن نقول بكل ثقة أن ألكثير من ألأحاديث الصحيحة في ألبخاري ومسلم وغيرها من كتب ألحديث لمدرسة ألخلافة مدينون بها لأهل بيت النبوة (ع) فضلاً عن الكتب الحديثية لأتباع مدرسة الإمامة؛ فكيف كان ذلك ؟ هذا ما سنوضحه أدناه.

 

 ثالثاً: تفسير ألكتاب وشرح سنة نبيه

يوجد في كتاب ألله ٦٢٣٦ آية، فإذا كان رسول ألله قد قضى ٢٣ سنة من البعثة حتى وفاته فيكون معدل ما نزل عليه من ألآيات في السنة حوالي ٢٧٠ آية، أي في ألأسبوع حوالي (٥) آيات، أي أقل من آية واحدة في اليوم، لقد كان رسول ألله (ص) يوضح للمسلمين معنى كل آية ويقوم بتفسيرها إن كان هناك عدم وضوح من معناها، بل من الطبيعي إن شك المسلمون بأي آية من الكتاب أن يسألوا رسول ألله (ص)، حيث كان كل مسلم يستطيع أن يسأل رسول ألله (ص) مرة واحدة في ألأسبوع عن ألآيات الخمس التي أنزلت في ذلك ألأسبوع، لقد كان ألكثير من ألمسلمين يدونون ألآيات وألسور ألتي كانت تنزل على رسول ألله (ص)، حيث كانت عدة آيات لعدة سور تتنزل على رسول ألله (ص) في آن واحد فكان الرسول (ص) يوجههم فيعرفهم لأي سورة تتبع هذه الآية ثم يضع كل آية في موضعها الصحيح من السورة، كما إنهم كانوا عندما يدونون الآيات يكتبون تفاسيرها ومعانيها وسبب نزولهاعن ألرسول (ص) في الحواشي؛ للأسف تم إحراق كل هذه ألنسخ من المصاحف ألتي كانت تتضمن ألتفاسير عن رسول ألله (ص) في زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان ودون القرآن في عهده خالياً من جميع الحواشي والتفاسير ألتي نقلت عن رسول ألله (ص)، لذلك فإن ألأمر كان يستدعي مفسرين يفسرون الكتاب وبالذات ألآيات ألتي يمكن تأويلها بأكثر من معنى، حيث أشار ألله إلى هذه ألحقيقة في قوله تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾،

وهنا نتساءل كيف أوصل أهل بيت النبوة (ع) المقصودون في قوله تعالى (ألراسخون في العلم) تفسير ألكتاب إلى ألمسلمين عامة وإلى أتباع أهل البيت خاصة ؟

 

رابعاً: التطبيق العملي لما جاء في كتاب الله وفي سنة نبيه

كما تطرقنا سابقاً بألنسبة لكتاب ألله فإن ألتفاسير ألتي دونت في عهد رسول ألله (ص) وعن رسول ألله (ص) قد أحرقت، وأغلب أحاديث رسول ألله (ص) وخطبه وسننه لم تدون ولم تنقل إلينا؛ كما أن واقع الدولة ألإسلامية الفتية بعد وفاة رسول ألله (ص) قد تعقد كثيراً فقد واجه ألمسلمون بعد رسول ألله (ص) واقعاً جديداً تمثل بألحروب وألغزوات وفتح ألبلدان وإنتشار ألإسلام على ألمدى ألواسع وإختلاط ألمسلمين مع شعوب وحضارات أخرى، وهذا يتطلب مواقف إسلامية عملية لحل ألكثير من ألمعضلات ألجديدة ألتي واجهت ألمسلمين مما يستدعي درجة عالية من ألإستيعاب للإسلام لإستنباطها من كتاب ألله وسنة رسوله (ص) مما لا يمكن أن يتاح للإنسان ألمسلم ألعادي فعله.

فما هو الدور ألذي لعبه أهل بيت ألنبوة (ع) للتطبيق ألعملي لما جاء في كتاب ألله وفي سنة نبيه ضمن هذا الواقع ألجديد والمتغيرات ألكبيرة ؟

 

خامساً: تحقيق ألأمان من الفرقة

لقد تعرضت هذه ألدولة ألفتية بعد وفاة رسول ألله (ص) مباشرةً إلى خلافات كبيرة جداً تمثلت بخلافة رسول ألله (ص)، فقد كان أهل بيت ألنبوة ممثلين بعلي أبن أبي طالب (ع) يدّعون أنهم أولى ألناس بخلافته إستناداً لمقولة ألرسول (ص) في خطبة ألوداع [من كنت مولاه فهذا علي مولاه]، في حين إدعت قريش أن رسول ألله (ص) لم يوص لأحد وإنه ترك ألأمر شورى بين المسلمين، فأدى هذ ألأمر إلى حدوث نزاع على مستوى ألقيادة كاد يمكن أن يؤدي إلى إضعاف هذه ألدولة بشكل كبير أو لعله إسقاطها، ثم أصبح المسلمون في حيرة بعد وفاة أبي بكر حيث أوصى بألأمر إلى عمر بن ألخطاب من دون شورى ألمسلمين، وتكررت ألنزاعات حين تولى علي بن أبي طالب (ع) الخلافة، فقامت معركة الجمل، ثم صفين ثم النهروان، وإنشطرت ألدولة ألإسلامية إلى دولتين وحكمها خليفتين بعد مهزلة التحكيم على أثر معركة صفين؛ فما كان دور أئمة أهل البيت (ع) ضمن هذا الواقع للحفاظ على ألأمة وتحقيق ألأمان من ألفرقة ؟

سنتطرق إلى دور أهل بيت ألنبوة (ع) ومواقفهم في مواجهة ما ذكرناه من مخاطر لتحقيق مقولة الزهراء (ع) (جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة) وكما ذكرنا سابقاً فإن هذه ألأهداف لم تتحق من قبل أهل ألبيت (ع) بشكل متساوٍ فيما بينهم، بل إن كل إمام مر بظروف وواقع تاريخي يختلف عمن هو غيره من ألأئمة، فيبرز تميز ذلك ألإمام بمواقف تصب بإتجاه واحد أو أكثر من هذه ألأهداف ألخمسة، لذلك سنذكر كل إمام على حدة ونذكر ما حققه من أهداف ضمن المساحات ألخمسة ألتي تطرقنا إليها أعلاه:

 

البحث المقدم الى مؤتمر الزهراء (ع) تحت عنوان فقرتان من خطبة الزهراء (ع) [ الجزء الثالث/ دور الامام علي (ع) في تحقيق الاهداف الاسلامية الكبرى]؛

 

دور ألإمام علي (ع) في تحقيق ألهدف ألخامس وهو ألحفاظ على ألأمة من ألفرقة وتحقيق ألهدف ألرابع في إتخاذ ألمواقف ألمهمة وألمصيرية وألكبيرة بشأن قضايا ألأمة :

من مراجعة ألتأريخ ألإسلامي يتبين لنا إن من أخطر ألمراحل ألتي مرت بها ألأمة ألإسلامية هي بعد وفاة رسول ألله (ص) حيث دب ألخلاف بين علي أبن أبي طالب وألخليفة ألأول وألثاني أبا بكر  وعمر؛ وكادت تنشق ألقيادة في ألأمة ألإسلامية بل تنشق ألأمة ألإسلامية وكان هناك من يؤجج هذا ألتمزق وهذا ألإنشقاق؛ حيث جاء أبو سفيان إلى علي أبن أبي طالب (ع) قائلاً : {وليتم على هذا الأمر أذل بيت في قريش، أما والله لئن شئت لأملأنها على أبي فصيل خيلاً ورجلاً}، فقال علي عليه السلام: {طالما غششت الإسلام وأهله، فما ضررتهم شيئاً، لا حاجة لنا إلى خيلك ورجلك}؛ لقد كان علي أبن أبي طالب (ع) خلال خلافة أبو بكر وعمر وعثمان ناصحاً لهم  مشيراً عليهم مافيه مصلحة ألإسلام ومثبتاً حقائق ألإسلام وموجهاً لهم للسير على منهجه، حتى قال بحقه عمر بن ألخطاب ثلاث مقولات مشهورة (لولا علي لهلك عمر) وقال (لا أبقاني ألله لمعضلةٍ ليس لها أبا حسنٍ) وقال (لا أبقاني ألله بأرض لست فيها يا أبا الحسن)؛ لقد قال عمر هذه ألمقولات بسبب ألمواقف ألمميزة للإمام علي (ع) لتقديم النصح للخليفة والحفاظ على هذه الدولة الفتية وحل الإشكالات التي يقع فيها الخليفة؛ فعلى سبيل ألمثال : حينما جمع ألفرس جيشاً جراراً تجاوز ألمئة ألف مقاتل للهجوم على ألدولة ألإسلامية ألفتية في عهد عمر بن ألخطاب، جمع عمر رؤوس ألصحابة لإستشارتهم، فأشاروا عليه تشكيل جيش كبير وذلك بجلب ألمقاتلين من أليمن وألشام وألبصرة وألحجاز فضلاً عن ألكوفة، وأن يقوم ألخليفة عمر بن ألخطاب بقيادة هذا ألجيش وبذلك يمكن بهذه ألأعداد ألكبيرة من ألمقاتلين وبقيادة ألخليفة صد ألهجوم ألفارسي؛ ولكن ألإمام علي (ع) رفض تلك ألمشورة وأشار عليه بخلاف رأي ألمشيرين ألآخرين فقال له : (أما بعد فإنك إن أشخصت أهل الشام من شامهم سارت الروم إلى ذراريهم ، و إن أشخصت أهل اليمن من يمنهم سارت الحبشة إلى ذراريهم ، و إنك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك الأرض من أطرافها و أقطارها ، حتى يكون ما تدع وراءك أهم إليك مما بين يديك من العورات و العيالات ! أقْرِرْ هؤلاء في أمصارهم ، و اكتب إلى أهل البصرة فليتفرقوا فيها ثلاث فرق : فلتقم فرقة لهم في حرمهم و ذراريهم ، و لتقم فرقة في أهل عهدهم لئلا ينتقضوا عليهم ، و لتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مدداً لهم . إن الأعاجم إن ينظروا إليك غداً قالوا هذا أمير العرب و أصل العرب ، فكان ذلك أشد لكلبهم و ألبتهم على نفسك . و أما ما ذكرت من مسير القوم فإن الله هو أكره لمسيرهم منك ، و هو أقدر على تغيير ما يكره . و أما ما ذكرت من عددهم ، فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة و لكنا كنا نقاتل بالنصر . فقال عمر : أجل والله لئن شخصت من البلدة لتنتقضن عليَّ الأرض من أطرافها و أكنافها ، و لئن نظرت إلي الأعاجم لا يفارقن العرصة ، و ليمدنهم من لم يمدهم و ليقولن هذا أصل العرب ، فإذا اقتطعتموه اقتطعتم أصل العرب ) .

فضلاً عن ذلك كانت للإمام علي (ع) عدة مواقف في تقديم ألنصح للخليفة عمر بن ألخطاب في مجال ألقضاء ونتطرق أدناه إلى ألحادثتين ألتاليتين؛ إن رجلين أتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا: لا تدفعيها إلى أحد منا دون صاحبه حتى نجتمع، فلبثا حولا ثم جاء أحدهما إليها وقال: إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير فأبت فثقل عليها بأهلها فلم يزالوا بها حتى دفعتها إليه ثم لبثت حولا آخر فجاء الآخر فقال: ادفعي إلي الدنانير، فقالت: إن صاحبك جاءني وزعم أنك قد مت فدفعتها إليه فاختصما إلى عمر فأراد أن يقضي عليها وقال لها: ما أراك إلا ضامنة . فقالت: أنشدك الله أن تقضي بيننا وارفعنا إلي علي بن أبي طالب .فرفعها إلى علي (ع) وعرف أنهما قد مكرا بها، فقال: أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه ؟ قال: بلى .قال: فإن مالك عندنا إذهب فجئ بصاحبك حتى ندفعها إليكما. أما ألحادثة ألأخرى فقد أتى عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه فلما لم يساعدها احتالت عليه فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ثم جاءت إلى عمر صارخة فقالت: هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي وهذا أثر فعاله . فسأل عمر النساء فقلن له: إن ببدنها وثوبها أثر المني فهم بعقوبة الشاب فجعل يستغيث ويقول: يا أمير المؤمنين ! تثبت في أمري فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت . فقال عمر: يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما ؟ فنظر علي إلى ما على الثوب ثم دعا بماء حار شديد الغليان فصب على الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه واشتمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت؛ لذلك قال عمر بحق علي (أقضاكم علي)  فهكذا نرى إن دور ألإمام علي أبن أبي طالب (ع) واضحاً كل ألوضوح في أن منهجه كان في وضع ألأسس ألتي تحافظ على مسيرة ألأمة وضمان أمن ألدولة والمحافظة عليها من ألفرقة من خلال تقديم ألنصح وألمشورة لمن سبقه من ألخلفاء. بل إن ألأمر تعداه إلى أكثر من ذلك فقد كان يعتبر نفسه هو ألمسؤول ألأول على هذا ألكيان وهذه ألدولة، لذلك مع قمة خلافه مع معاوية بن أبي سفيان عندما وصل إلى مسامعه أن ألروم قد يشنون حرباً على ألشام حيث كان هناك معاوية بن أبي سفيان عدوه اللدود قال  قولته المشهورة: (لو فعلها بنو الأصفر –الروم- لوضعت يدي بيد معاوية ولقاتلناهم).

 

دور ألإمام علي (ع) في تحقيق ألهدف ألثاني والثالث والرابع في حفظ أحاديث وسنة رسول ألله (ص) وتفسيره لكتاب ألله وتطبيقه ألعملي لما جاء في الكتاب والسنة:

أما دوره في حفظ أحاديث وسنة رسول ألله (ص) وذلك خلال فترة توليه ألخلافة إنه كان يدعو ألناس ويجمعهم ويذكر أحاديث رسول ألله (ص) ويطلب منهم تدوينها، بل كان يطلب تدوين خطبه، فوصل لنا سفر نهج ألبلاغة ألذي يشمل على ألمئات من كلماته وخطبه ورسائله، ولولا سياسة إتلاف أحاديث رسول ألله (ص) لوصلتنا عن رسول ألله (ص) أيضاً ألمئات من خطبه وكلماته.

وأحب في هذا المجال أن أقارن بين تفسير علي (ع) وهو القصود في قوله تعالى (الراسخون في العلم) وبين من فسر ألقرآن ممن في قلوبهم زيغ ممن يتسمون بالسلفيين التكفيريين من أمثال داعش ومن لف لفهم، حيث يزعمون أنهم يأخذون بألمعنى الظاهري لآيات الكتاب، ولذلك يقولون إن لله وجه حقيقي ويد حقيقية وعين حقيقية وساق حقيقية وأن ألله خلق آدم على صورته كما كان يزعم إبن تيمية؛  ويزعمون أنه يهبط من العرش إلى ألسماء ألدنيا، وإن ألعرش يخلو منه حين إنتقاله إلى السماء؛ وأحب أن أتطرق إلى مقولات علي (ع) في هذا المجال كما هي واردة في نهج البلاغة ومصادر أخرى حيث يقول :

(لا تحويه الفكر ولا تدركه الأوهام، لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، لا يقاس بالناس، ولا يدرك بالحواس، قريب من الأشياء غير مـُلامس، بعيد منها غير مباين، متجلٍّ لا باستهلال رؤيةٍ، بائن لا بمسافةٍ، قريب لا بمداناة، صانع لا بجارحة، سميع لا يوصف بآلة، بصير لا يوصف بالحاسّة؛ من شبّهه بتباين أعضاء خلقه، لم يباشر قلبه اليقين بأن لا ند له؛  كذب العادلون به إذ شبّهوه بخلقه، ونحلوه حلية المخلوقين بأوهامهم، لا تدركه الأبصار، ولا كان في مكان فيجوز عليه الانتقال؛ ما دلنا القرآن من صفاته وجب الائتمام به، والاستضائة بنور هدايته؛ كمال الإخلاص لله نفي الصفات عنه لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، سبحانه هو كما وصف نفسه، والواصفون لا يبلغون نعته، من اعتمد على الرأي والقياس في معرفة الله ضلّ وتشعّبت عليه؛ إنّ من يعجز عن صفات ذي الهيئة والأدوات فهو عن صفات خالقه أعجز، ومن تناوله بحدود المخلوقين أبعد؛ كيف يصف إلهَه من يعجز عن صفة مخلوق مثله ؛ لم يُطلع العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته؛  من وصف الله فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن عدّه فقد أبطل أزله؛ كمال توحيده الإخلاص له، فمن وصف الله فقد قَرَنَه ومن قرنه فقد ثنّاه، ومن ثنّاه فقد جَزَّأه ومن جزَّأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن جزّأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه ، ومن بعّضه فقد عدل عنه؛  قد جهل الله من استوصفه، الذي سُئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحدّ ولا ببعض، بل وصفته بفعاله، ودلّت عليه بآياته، كلم موسى تكليماً بلا جوارح ولا أدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالى عن تكييف الصفات؛ مَن تفكّر في ذات الله تزندق، لا تناله التجزئة والتبعيض، ولا تُحيط به الأبصار والقلوب، ولا يمكن حده بالأماكن، ولا يشار إليه بالنظائر، لا تلمسه لامسة، ولا تحسّه حاسّة، لا يُشبهه صورة، ولا يُحسّ بالحواسّ، كلّت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، كلّت الأوهام عن تفسير صفته، وانحسرت العقول عن كُنْه عظمته، ممتنع عن الأوهام أن تكتنهه، وعن الأفهام أن تستغرقه، وعن الأذهان أن تُمثّله، فلسنا نعلم كُنْه عظمته، إلاّ أنّا نعلم أنّه حيّ قيّوم، لا تأخذه سِنة ولا نوم، لم ينتهِ إليه نظر، ولم يُدركه بصر، ولم يتناهَ في العقول فيكون في مهبّ فكرها مُكيَّفاً، ولا في رَوِيّات خواطرها فيكون محدوداً مصرّفاً، ولم تبلغه العقول بتحديد فيكون مُشبَّهاً، ولم تقع عليه الأوهام بتقدير فيكون ممثّلاً، غاية كلّ متعمّق في معرفة الخالق سبحانه الاعتراف بالقصور عن إدراكها؛ عظم عن أن تثبت ربوبيّته بإحاطة قلب أو بصر، من يزعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود، ومن ذكر أن الأماكن به تحيط، لزمته الحيرة والتخليط، بل هو المحيط بكل مكان، فإن كنت صادقاً أيها المتكلّف لوصف الرحمن، بخلاف التنزيل والبرهان، فصف لي جبريل وميكائيل وإسرافيل….. هيهات!!!! أتعجز عن صفة مخلوق مثلك، وتصف الخالق المعبود، وأنت تدرك صفة رب الهيئة والأدوات، فكيف من لم تأخذه سنة ولا نوم؟ له ما في الأرضين والسموات وما بينهما وهو رب العرش العظيم؛ ولا يقاس بالناس، من ساواه بشيء من خلقه فقد عدل به، والعادل به كافر بما تنزلت به محكمات آياته، وما كلف الشيطان علمه، مما ليس في الكتاب فرضه، ولا في سنة النبي صلى الله عليه وآله وأئمة الهدى أثره، فكل علمه الى الله سبحانه، فإن ذلك منتهى حق الله عليك؛ واعلم أنّ الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السُّدَد المضروبة دون الغيوب، الإقرارُ بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يُحيطوا به علماً، وسمّي تركهم التعمّقَ فيما لم يكلّفهم البحث عن كنهه رسوخاً. فاقتصِرْ على ذلك، ولا تُقدِّر عظمة الله سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين).

هكذا يتجلى ألفرق في تفسير كتاب ألله بين سذاجة وجهل من في قلوبهم زيغ من أمثال إبن تيمية ومن يتسمون بالسلفيين وبين عظمة هذه المقولات أعلاه لأمير ألمؤمنين علي بن ابي طالب (ع)،  ومما لا شك فيه إن هذا الوصف لله ليس له مثيل من قبل أي من ألمسلمين منذ وفاة رسول ألله (ص) حتى يومنا هذا، لا في تفاسير ألقرآن ولا في تأويلات آياته ولا أي من علماء ألمسلمين من غير رسول ألله (ص) وأهل بيته (ع).

أما بألنسبة لتطبيقه ألعملي لكتاب الله وسنة نبيه فقد تجلى ذلك حينما تولى ألخلافة، وأوضح ما ورد في هذا المجال هو عهده إلى مالك ألأشتر والتي تمثل منهجاً كاملاً للحكم في ألإسلام حيث أخترنا بعض الفقرات منها حيث يقول عليه افضل الصلاة والسلام:

[كتابه عليه السلام الى مالك الاشتر]

لا توجد وثيقة لا في ألأولين من ألأنبياء وألرسل [من غير رسول ألله (ص)] ولا في الآخرين من العلماء وألسياسيين والمصلحين تبلغ جزءً من هذه الوثيقة في عظمتها، بما أحتوته من مضامين عالية، واسعةً في محتواها، وفذة في رسم منهج سياسي شامل ورفيع، وهي بحق مدرسةً متكاملة ومناراً عالياً لمن يريد أن يحكم بالعدل وينال رضى ألله وخير الدنيا وسعادة الآخرة.

البحث المقدم الى مؤتمر الزهراء (ع)تحت عنوان فقرتان من خطبة الزهراء (ع) [الجزء الرابع / موقف الامام الحسن (ع) من قضايا الاسلام الكبرى]؛

دور ألإمام ألحسن (ع) في تحقيق ألهدف ألخامس في ألحفاظ على ألأمة من ألفرقة وتحقيق ألهدف ألثاني في ألحفاظ على سنة رسول ألله (ص) :

ثم جاءت بعد ذلك مرحلة لا تقل خطورة في تمزيق ألأمة وذلك بعد إستشهاد أمير ألمؤمنين علي أبن أبي طالب (ع) وحدوث ألمواجهة بين جيش ألإمام ألحسن (ع) وبين جيش معاوية إبن أبي سفيان.

ولكن قبل الخوض في هذا الموضوع لابد من توضيح حقيقة خافية على ألكثيرين؛ فأنا أعتقد أن أكثر إمام تعرضت ألمواقف منه وتعرضت ألروايات عنه وتعرضت سمعته وذكراه إلى ألظلم هو ألإمام ألحسن (ع)، حيث تعرض للظلم من قبل ثلاث فئات، ألفئة ألأولى من أتباعه ومحبيه من معاصريه لقد لقبوه ب(يا مذل المؤمنين) لأنه مال إلى الصلح في الوقت ألذي كان فيه قادراً على مقارعة معاوية مع إمكانية كبيرة للإنتصار عليه، أما ألفئة ألثانية فهم مؤرخي ألسلطة خلال فترة ألخلافة العباسية ألذين تطرقوا إلى صلح ألإمام الحسن (ع) خلال فترة نشوء ألنزاع بين ألحسنيين (محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على) ألذي بايعه العباسيون بالخلافة أواخر الدولة الأموية ثم إنقلبوا عليه وأخيه إبراهيم وبين ألعباسيين، فقد إنتقصوا ألإمام آلحسن (ع) وأتهموه بالتخاذل والضعف وبالغوا بضعف جيش العراق وعدم تماسكهم وغدرهم، فضلاً عن إتهامه عليه السلام بميله للراحة والدعة وعدم رغبته بالحرب وإنشغاله بالنساء بكثرة زواجاته وطلاقه للنساء عكس أخيه الحسين (ع)، بل زعموا أنه بمجرد إجراء الصلح دخل معاوية إلى الكوفة وقال [إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتزكوا…، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وانتم له كارهون، ألا واني مَنِّيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له]، والحقيقة فإن هذه الواقعة هي كذب واضح، لا ننفيها ولكن نقول أن هذه الخطبة كانت بعد عشر سنين من الصلح وبعد إستشهاد الإمام الحسن (ع) كما سنثبته أدناه، كل هذه ألتهم من أجل إتهام ألثوار ألحسنيين بأنهم ليسوا أهلاً للحكم  إذا كان جدهم ألحسن (ع) بهذه الدرجة من الضعف وعدم قدرته على ألحكم، أما ألفئة ألثالثة فللأسف ألشديد هم الكثير من الكتاب المعاصرين ألذين لم يفقه ألكثير منهم أن ألحسن (ع) أقدم على ألصلح لتحقيق أهداف كبيرة وعظيمة وحفظ ألإسلام من إنحراف كبير ومستقبل خطير ومجهول؛ لقد شبه الحسن (ع) صلحه مع معاويه كصلح الحديبية بين رسول ألله (ص) ومشركي مكة، ولكن أغلب الكتاب المعاصرين  أخذوا يجدون المبررات للإمام ألحسن (ع) في إضطراره للصلح، في حين أستطيع أن أقول وبكل ثقة أن ألأمام ألحسن (ع) أقدم على ألصلح ليس من موقع المضطر، بل لأسباب لم يكشفها في وقتها، وللأسف كانت مواقف أكثر  المعاصرين منطلقة من الروايات التاريخية المحرفة من قبل مؤرخي السلطة العباسية حيث يصعب الوصول إلى ألحقائق إلا بعملية تحري ألحقائق ما بين سطور ألروايات التأريخية كما سنتطرق إليه أدناه، ولم يكشف ألإمام الحسن (ع) ألأهداف ألحقيقية للصلح في وقتها، ولكن معاوية إكتشف هذه الأهداف بعد ما يقارب العشر سنوات من الصلح، لذلك بادر إلى إغتيال ألإمام الحسن (ع) وأنقلب على جميع شروط الصلح، ولكن إغتيال ألإمام الحسن (ع) وإنقلاب معاوية على شروط الصلح لم تفلح في أيقاف ألأهداف العظيمة وألجبارة التي حققها ألإمام الحسن (ع) لمصلحة ألإسلام والمسلمين كما سنوضحه أدناه.

هناك تشابه كبير بين صلح الحديبية وصلح ألإمام الحسن (ع) كما صرح به ألإمام الحسن (ع) نفسه لذلك سنتناول أوجه التشابه بين الصلحين لمعرفة ألأنجاز العظيم ألذي حققه ألإمام الحسن (ع).

لقد إستقر ألعالم ألإسلامي بعد معركة صفين وقضية ألتحكيم، فصار للمسلمين خليفتين ودولتين، دولة المشرق ألإسلامي عاصمتها الكوفة وتتضمن مكة والمدينة واليمن والبحرين وبلاد فارس، ودولة المغرب الإسلامي وعاصمتها ألشام وتتضمن بيت المقدس ومصر وشمال أفريقيا، إن هذا هو أشبه ما يكون بإستقرار المسلمين في المدينة المنورة والمشركين في مكة بعد معركة الخندق، ولكن المطلوب في ذلك الوقت هو أن يعم ألإسلام كل أرض الجزيرة بما فيها مكة، لذلك كانت المبادرة من رسول الله (ص) فهو الذي تحرك ضمن مخطط إلهي  وإتجه إلى مكة ثم كان صلح الحديبية وكان من تداعياته دخول ألرسول (ص) إلى مكة وتهديمه للأصنام في مكة ونشر ألإسلام داخل مكة وفي كل أرجاء ألجزيرة العربية.

لقد بويع للحسن (ع) بالخلافة في العراق وكانت ألأمور سائرة بإتجاه تكريس ألدولتين، دولة ألإسلام الحق في المشرق ودولة ألإسلام المنحرف في الغرب. لقد تحرك ألإمام ألحسن عليه ألسلام بجيش قوامه بين أربعين إلى مئة ألف مقاتل، لإنهاء وضع الدولتين كما تحرك رسول الله بإتجاه مكة في صلح الحديبية، فأضطر معاوية أن يتحرك بجيش قوامه ستون ألفاً، وعندما ألتقى الجيشان فزع معاوية لعظمة جيش العراق حسب رواية البخاري وروايات أخرى حيث روى البخاري عن أبى موسى قال: (استقبل والله الحسن بن على معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إنى لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية ….. أى عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لى بأمور الناس من لى بنسائهم، من لى بضيعتهم فبعث إليه رجلين من قريش من بنى عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه، وقولا له واطلبا إليه) ولم يرغب معاوية بشيء غير أن يبقى كل على وضعه فهذه أكبر آماله وأعظم أمنيته، حيث كان هذا نفس طلبه من علي (ع) في فترة خلافته، لقد أراد معاوية من علي (ع) أن يبقيه والياً على الشام ليس إلاّ، ولكن علي (ع) أصر على خلعه، وقاد جيشاً لحربه في صفين وكان ما كان من حيلة رفع المصاحف ومهزلة التحكيم، وها قد بايع أهل العراق ألإمام الحسن (ع)، وجهز الحسن (ع) جيشاً لقتال معاوية، لقد كان معاوية مستعداً أن يعيد نفس مقترحه للإمام علي (ع) فيبقى والياً على بلاد الشام ويبقى ألإمام الحسن (ع) خليفةً على دولة الإسلام؛ إقترح معاوية على ألإمام ألحسن (ع) ألهدنة والصلح، على أن يبقى معاوية على حكم بلاد ألشام ومصر وشمال أفريقيا وأن يحكم ألإمام ألحسن (ع) ألعراق وألجزيرة وبها مكة وألمدينة وأليمن وبلاد فارس؛ فكل يعيش في دولته ألكبرى براحة وإطمئنان ومن دون إقتتال ومن دون سفك ألدماء؛ وهنا يتجلى منهج أهل ألبيت (ع) بأروع  صوره في ألحفاظ على ألإسلام من ألإنحراف وعلى ألأمة من ألفرقة، حيث كان يعلم ألإمام ألحسن (ع) أن أهل ألشام قد إنحرفوا إنحرافاً كبيراً عن ألإسلام، لقد غير معاوية ألمفاهيم، فأهل بيت ألنبوة بنظر أهل ألشام هم ألخارجين عن ألإسلام، بل أوحى إليهم معاوية أنه هو ألمقصود من عبارة (أهل ألبيت) حيث يشترك مع ألرسول (ص) كونهم من قريش وبألذات من بني عبد مناف؛ وإن علياً (ع) كما كان يزعم لا علاقة له بألإسلام بل كان ألدين ألإسلامي على ألمنهج ألمنحرف لمعاوية أبن أبي سفيان وألذي شرع كسنة وكدين هو سب إلإمام علي (ع) وشتمه على ألمنابر وبعد ألصلاة حيث تواترت ألروايات بهذا ألأمر كما ورد في صحيح مسلم والترمذي ومسند أحمد وألطبري والمسعودي والسيوطي وأبن ألأثير وألعشرات من غيرهم، بحيث تفاجأ أهل ألشام حين سمعوا بمقتله وهو في ألصلاة وتساءلوا “أو كان علي يصلي؟”، لقد بلغ ألإنحراف ألأموي أن ألحجاج ألثقفي يتحدث على ألمنبر متسائلاً {رَسُولُ أَحَدِكُمْ فِي حَاجَتِهِ أَكْرَمُ عَلَيْهِ أَمْ خَلِيفَتُهُ فِي أَهْلِهِ ؟} حيث بلغت بهم ألجرأة وألإنحراف أن منزلة ألخلافة أعلى من منزلة ألنبوة، ومعناه أن منزلة ألخليفة ألأموي أعظم من منزلة رسول ألله (ص)، لقد وردت هذه ألروايات في مسند أبي داوود وإبن كثير وغيرهم من أصحاب ألسير، لقد كان معاوية يستشيط غضباً عند سماعه كلمة (أشهد إن محمداً رسول ألله) في ألأذان كما نقل عن مطرف بن ألمغيرة بن شعبة حيث كان أبيه من أشد ألمعجبين بمعاوية وحين طالبه في آخر عمره أن يحسن إلى ولد عمه من بني هاشم فأجابه إجابة طويلة أهم ما فيها :{هيهات هيهات ،  ………. وان أخا هاشم/ وفي بعض ألنسخ إبن أبي كبشة (وهي مسبة من قبل مشركي قريش حيث كانوا يطلقونها على ألرسول أيام ألجاهلية)  يصرخ به في كل يوم خمس مرات أشهد ان محمداً رسول اللّه. فأي عمل يبقى بعد هذا لا ام لك ، الا دفنا دفناً}؛ وذكر هذه ألحادثة ألكثير من أهل ألسير كألمسعودي وأبن ألأثير وألمدائني وغيرهم؛ إن ألأمة أو بألأحرى نصف ألأمة بهذا ألواقع وبهذا ألمقترح من معاوية سائرة إلى ألإنحراف ألكامل عن ألإسلام وسائرة نحو ألفرقة، فماذا يجب أن يكون موقف ألإمام ألحسن (ع) حيث هو من أهم مصاديق مقولة ألزهراء (جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة)؛ لقد كان جواب ألإمام ألحسن (ع) لمعاوية على مقترحه لتقسيم ألعالم ألإسلامي إلى دولتين جواباً مناقضاً لمقترح معاوية ومفاجأً له حين أجاب [ولكني أدعوك لولاية أمر كافة بلاد ألإسلام ألعراق وألجزيرة وألشام ومصر وغيرها ولكن بشروط]، تفاجأ معاوية بهذا ألرد غير ألمتوقع (وكاد يطير فرحاً) كما جاء بألنص عن إبن عبد ألبر في ألإستيعاب، فأرسل إلى ألحسن (ع)  سجلاً أبيض في أسفله ختم معاوية قآئلاً له اكتب فيه شروطك فكل ما تريد فهو لك  كما ورد في الطبري عن إبن عبد البر وكما ورد عن رواية ألزهري. فوضع ألحسن (ع) شروطه وأهمها [أن يعمل معاوية بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. وأن لا يلاحق شيعة آل البيت عليهم السلام.وأن لا يسب أو يشتم عليا عليه السلام.وأنه ليس لمعاوية الحق في نصب أحد للخلافة.وأن لا يدعو الحسن معاوية أميرا للمؤمنين. وعلى معاوية أن يعيد الخلافة إلى الحسن فإن توفي الحسن فإلى الحسين.]، لقد إعترض الكثير من أخلص المخلصين للإمام ألحسن (ع) على الصلح كحجر بن عدي، وعدي بن حاتم، والمسيب بن نجبة، ومالك بن ضمرة، وسفيان بن أبي ليلي، وبشير الهمداني، وسليمان بن صرد، وعبد الله بن الزبير، وأبو سعيد وقيس بن سعد. فقد روى المدائني أن المسيب بن نجية الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي قالا للحسن ( ما ينقضي تعجبنا منك ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز. فقال الحسن: كان ذلك. فما ترى الآن؟ فقال والله أرى أن ترجع لأنه نقض العهد، فقال: يا مسيب إن الغدر لا خير فيه). ونقل صاحب كشف الغمة عن سفيان بن أبي ليلى قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره عنده رهط فقلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال عليك السلام يا سفيان انزل فنزلت فعقلت راحلتي ثم اتيته فجلست إليه فقال: كيف قلت يا سفيان: فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين . فقال: ما جر هذا منك إلينا ؟ فقلت: أنت والله – بأبي أنت وأمي – أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت الأمر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الأكباد ومعك مائة الف كلهم يموت دونك . وقد جمع الله لك امر الناس . أما قيس بن سعد بن عبادة وكان أحد قواد جيش ألإمام الحسن (ع) فعندما دعاه ألإمام الحسن (ع) للبيعة، فقال قيس بن سعد (حسب رواية أبي مخنف) لما جاء: حلفت أن لا ألقاه الا بيني وبينه الرمح والسيف، (ولكن تلهف معاوية لإتمام ألأمر جعله يقوم بالتالي حسب رواية أبي الفرج ألأصبهاني في مقاتل الطالبيين ) فأمر معاوية برمح وسيف فوضعا على الأرض بينهما ليبرّ بيمينة، وكان قيس قد اعتزل في أربعة آلاف، وأبى أن يبايع فلما سمع بالصلح جاء إلى (مجلس ألإمام الحسن (ع) ومعاوية)، فبايع قيس مكرهاً لكن من دون أن يضع يده في يده بل امتنع من رفعها إليه فنزل معاوية من الكرسي فمسح يده على يد قيس.

لقد طبق معاوية ألكثير من شروط ألصلح لعشر سنوات قبل أن ينقلب عليها بعد إستشهاد ألإمام ألحسن (ع)، وهذا ما كان يهدف إليه ألإمام ألحسن (ع) فقد كانت تلك ألعشر سنوات كافية لتحقيق وحدة ألأمة ألإسلامية وألقضاء على التفرقة وعلى تقسيم ألعالم ألإسلامي إلى دولتين وعلى نشر ألأحاديث ألصحيحة لرسول ألله (ص)؛ كان أهل آلشام قد نشأوا على إسلام معاوية ألمحرف ويجهلون ألكثير حقائق ألإسلام وألكثير من أحاديث ألرسول (ص) ألصحيحة،  أما بعد صلح ألحسن (ع) فقد إستبدل معاوية سياسة سب وشتم ألإمام علي (ع) إلى سياسة مناقضة، فعلى سبيل ألمثال عندما حضر ضرار بن ضمرة ألكناني وهو من ألموالين لعلي (ع) إلى مجلس معاوية ألذي كان يعج بأهل ألشام، سأله معاوية أن يصف عليا عليه‌ السلام فنهض ضرار قائلاً :

(كان ـ علي ـ واللهِ بعيدَ المدى ، شديدَ القِوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلا ، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه ، وتنطِقُ الحِكمةُ من نواحيه ، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها ، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه ، غزيرَ العَبرة ، طويلَ الفكرة ، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر ، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحدِنا ، يجيبُنا إذا سألناه ، وينبئُنا إذا استفتيناه ، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القَويُّ في باطله ، ولا ييئَسُ الضعيفُ من عدله ، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليلُ سدولَه ، وغارت نجومَه ، قابضاً على لحيته ، يتململُ تململَ السَّليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غُرِّي غيري ، أبي تَعرَّضتِ أمْ إليَّ تَشوَّقتِ. هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيها ، فعُمرك قصير وخطرك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.) وعندما سمع معاوية بهذا ألوصف نزفت دموعه حتى بلت لحيته وقال : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك، وسأل ضراراً عن حزنه على علي (ع) فأجابه : كحزن من ذبح ولدها في حجرها؛ لقد نقل هذه ألحادثة ألكثير من أهل ألسير  كإبن عساكر وإبن عبد ألبر وأبو نعيم وألمدائني، لقد أراد معاوية بمثل هذه ألأفعال أن يظهر عظيم إمتنانه للإمام الحسن (ع) حينما تنازل له عن الحكم وهو في كامل قوته وقوة جيش العراق، بل ألأمر أكثر من ذلك، فقد كان يعلم معاوية سخط الكثير من ألمقربين للإمام الحسن (ع) عليه بسبب مبادرة الصلح، فكان بكل طريقة يريد أن يظهر تودده وأن يرد الجميل، فما أسهل أن يمتدح علياً (ع) في مجلس عام وفي المقابل ينال الولاية وحكم بلاد ألإسلام من أقصاها إلى أقصاها، تلك البلاد التي كان الحسن (ع) أحق بحكمها لأنها قامت على يد جد الإمام الحسن وأبيه عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام، وها هو ألإمام الحسن (ع) يتنازل عن هذا الحق لصالح معاوية من دون عوض؛ ولكن في نفس الوقت نكتشف أنه قد خفي على معاوية أن كل جهوده في تشويه صورة علي أبن أبي طالب (ع) لفترة تجاوزت ألخمس وعشرون سنة منذ توليه ولاية ألشام حتى صلحه مع ألإمام ألحسن (ع) قد ذهبت إدراج الرياح، بل ساهم هو بنفسه في تعريف أهل ألشام بحقيقة ألإمام علي (ع) وعظيم منزلته؛ أما بألنسبة للأحاديث ألصحيحة لرسول ألله (ص) وألتي كانت محجوبة عن أهل ألشام، فبعد توحيد بلاد ألإسلام فمن ألمعروف أن أهل مكة وألمدينة قد كانوا قريبي عهد برسول ألله (ص) تنتشر بينهم أحاديثه ومواقفه وأفعاله وتقريراته، أما أهل ألكوفة فكانوا معاصرين لعلي أبن أبي طالب (ع) تربوا على يده سمعوا أحاديثه ونقل لهم أحاديث أخيه وأبن عمه رسول ألله (ص) فضلاً عن الكثير من أصحابه وأصحاب رسول ألله (ص) ألذين إستوطنوا ألكوفة ممن نقلوا لهم ما صح من أحاديث رسول الله (ص) وفضل أهل ألبيت (ع)، لقد فتح مخطط ألإمام ألحسن (ع) ألحدود بين ألعراق وألشام وأختلط أهل ألشام وأهل مصر وشمال أفريقيا بأهل ألعراق وأهل مكة وأهل ألمدينة، فأنتشرت ألأحاديث ألصحيحة لرسول ألله (ص) في كافة أرجاء ألعالم ألإسلامي، وعرف أهل ألشام حقيقة أهل بيت ألنبوة وقيمتهم، وإندحر ألإسلام ألمشوه ألذي طرحه معاوية.

لقد أصبح كل ألمسلمين بشيعتهم وسنتهم مدينون في عقائدهم ألإسلامية أليوم لأهل بيت ألنبوة (ع)، بل ولا نبالغ إن قلنا أنه حتى ألصحاح (كصحيح ألبخاري وصحيح مسلم) وألمسانيد وكتب ألسنن ومع قلة ألروايات عن أهل ألبيت (ع) فيها، ولكننا نستطيع أن نقول أن  ألأحاديث ألصحيحة في هذين ألسفرين (ألبخاري ومسلم) بل في جميع كتب ألصحاح وألسنن وألمسانيد مدينون بها لأهل بيت ألنبوة (ع) بشكل عام وللإمام الحسن (ع) بشكل خاص……..

لقد وصف ألإمام الحسن (ع) ألأثر العظيم لصلحه مع معاوية مخاطباً المعترضين وقائلاً (ويحكم! ما تدرون ما عملت. والله للّذي عملت لشيعتي خير ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت) وأضاف قائلاً (أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران (ع)، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً؟).

نعم إن قتل الغلام للناظر من الخارج يعتبره جرماً عظيماً بحق والديه، ولكن بالمنظار ألإلهي هو منتهى الرحمة لوالديه، وكذلك صلح ألإمام الحسن (ع) للناظر من الخارج يراه ضرراً على مسيرة الإسلام الحق، ولكنه بالمنظار ألإلهي هو منتهى الرحمة والحكمة والخير لمصلحة ألإسلام والمسلمين.

لقد رد ألإمام محمد الباقر على أحد أصحابه حين شكك بموقف الإمام ألحسن من الصلح قائلاً: (أسكت فإنه أعلم بما صنع لولا ما صنع لكان أمراً عظيماً)، نعم كان يمكن أن يكون أمراً عظيماً جداً، كان من الطبيعي لولا الصلح أن يكون لدينا اليوم إسلامان، إسلام رسول ألله (ص) إسلام ألحق، وإسلام معاوية إسلام الباطل، إسلام الجبرية وألسنة المحرفة، إنها سنة سب أهل البيت بالباطل، وسنة ألأحاديث الموضوعة، وسنة ألجهل بألأحاديث الصحيحة للرسول (ص)، بل لعله كان يمكن أن يقود إلى تحريف كتاب الله ويغدوا مصير ألإسلام كمصير الديانات السابقة المحرفة، ولكن لن يقدر معاوية ولا بني أمية ولا من في ألأرض جميعاً ألوقوف أمام إرادة الله ومشيئة في نصر دينه على يدي سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام متمثلاً في حفظ كتابه وحفظ دينه خاتم ألأديان من خلال ظروف طبيعية وموضوعية وليست إعجازية متمثلة بتضحيات عظيمة لأهل بيت النبوة عليهم افضل الصلاة والسلام.

لقد تفاجأ معاوية من مقترح ألإمام ألحسن(ع) حينما طرحه عليه ولم يفقه في وقتها ما كان يخططه ألإمام ألحسن (ع)؛ ولكن بعد عشر سنوات أكتشف معاوية مخطط ألإمام ألحسن (ع) من ألصلح، حيث إنهارت كل مخططاته في طرح ونشر إسلام محرف يكفر أهل ألبيت ويضع فيه ألأحاديث ألمزورة عن رسول ألله (ص) لتعظيم شأنه وألحط من شأن مناوئيه وطرح ألعقيدة ألجبرية في ألرضى بألأمر ألواقع وعدم تغييره؛ فضلاً عن ألأحاديث ألموضوعة في وجوب طاعة ألخليفة وإن كان ظالماً وفاسقاً. لقد تفجر غضبه وحقده على ألإمام الحسن (ع) حينما أكتشف مخططه ألذي أدحض كل جهوده لفترة خمس وعشرين عاماً، وأنعكس هذا الغضب بمواقف حازمة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فقرر إغتيال ألإمام ألحسن (ع) بعد عشر سنوات، فقتله غيلةً بألسم، وأعلن على ألملأ نقضه لصلح ألإمام ألحسن (ع) وقال (إن صلح ألحسن تحت قدمي هاتين)  وأعاد سنة سب وشتم ألإمام علي (ع) على المنابر وقطع عطاء ألموالين لأهل ألبيت (ع) وقتل ألكثير منهم كحجر بن عدي ألكندي وعمرو بن حمق ألخزاعي وغيرهم بعد إستشهاد ألحسن (ع)، ولكن لم تفلح كل جهوده تلك لتغيير الواقع مرة أخرى فلات حين مناص، ولكنه مع ذلك تمادى في الغي وأوصى بألخلافة إلى أبنه يزيد، بل قتل أم ألمؤمنين عائشة وأخيها عبد ألرحمن بن أبي بكر غيلةً بسبب إعتراضهم على تولية إبنه يزيد كما ذكره إبن كثير وبعض أصحاب ألسير، ولكن هذا ألإنقلاب من معاوية لم يكن قادراً على إيقاف ألأهداف ألتي حققها ألإمام ألحسن (ع) في نشر ألإسلام ألصحيح ألضامن للنظام ألذي أراده ألله  في كافة ألبقاع ألإسلامية في ذلك الوقت وتوحيد ألأمة ألإسلامية فكان ذلك  بحق كما وصفته ألزهراء ألبتول نظاماً للملة وأماناً من ألفرقة بين ألمسلمين .

البحث المقدم الى مؤتمر الزهراء (ع) فقرتان من خطبة الزهراء (ع) [ الجزء الخامس/ مواقف الحسين والسجاد والباقر والصادق عليهم السلام تجاه قضايا الاسلام الكبرى]؛

 

دور ألإمام ألحسين(ع) في تحقيق ألهدف ألخامس في ألحفاظ على ألأمة من ألفرقة وتحقيق ألهدف ألأول وألثاني في ألحفاظ على كتاب ألله من ألتحريف وسنة رسول ألله(ص) من ألتزوير:

وأستمر هذا ألنهج ولكن بمواجهة من نوع آخر حين شعر ألحسين (ع) أنه لا توجد وسيلة لأيقاف ألمخطط ألأموي في تحريف ألإسلام بل لعله حتى تحريف ألقرآن إلا بألتضحية بنفسه وعائلته، فكانت ثورته ألعظمى ألتي كشفت حقيقة بني أمية وظلمهم  وكسب أهل ألبيت (ع) قلوب ألمسلمين جميعاً بإستشهاد ألحسين (ع)، وأسقط ألحسين (ع) بإستشهاده ألكثير مما سنه بني أمية من سنن باطلة ومنحرفة عن ألإسلام وأمتد تأثيره حتى إلى داخل ألبيت ألأموي حيث أعلن معاوية إبن يزيد (معاوية ألثاني) أن جده معاوية قد نازع ألأمر أهله، وأن أبيه يزيد قتل ألحسين (ع) سبط ألرسول ظلماً كما ورد عن إبن حجر في صواعقه ألمحرقة، وأنه لن يتولى أمر ألخلافة وطالب بإرجاع ألأمر إلى أهله فقيل أنه قتل بالسم أو طعناً بعد أربعين يوماً ؛ كما إن ألخليفة عمر أبن عبد ألعزيز قد أوقف سنة سب ألإمام علي (ع) على ألمنابر  وبعد ألصلاة وأستعاضها بقوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإحْسَانِ وَإِيتَآءِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} ألتي بقيت كسنة سارية حتى يومنا هذا، لقد سحب ألحسين (ع) ألشرعية من ألحكم ألأموي؛ وتداعى على أثر إستشهاده رفض ألمسلمين لحكم بني أمية وقامت عشرات ألثورات ضدهم من ثورة ألمدينة ألمنورة وواقعة ألحرة إلى ثورة عبد ألله ألزبير في مكة إلى ثورة سليمان بن صرد ألخزاعي إلى ثورة ألمختار ألثقفي إلى ثورة زيد إبن علي إلى ثورة يحيى أبن زيد وعدة ثورات أخرى في ألأهواز وألبصرة وخراسان وألحجاز وفلسطين وحمص وأليمن وأذربيجان  وشمال أفريقيا حتى تجاوز عددها ألثلاثون ثورة حتى ضعفت ألدولة ألأموية بشكل كبير وتم أسقاط ألدولة ألأموية في ألشام بكل سهولة بعد سبعة عقود من إستشهاده، فتم ألقضاء على مخططات ألأمويين في ألإنحراف ألكامل عن ألإسلام وطمس حقيقة أهل ألبيت (ع)، فأصبح ألمجال متوفراً لكل مسلم على وجه ألأرض في يومنا هذا ألوصول إلى حقيقة أهل ألبيت (ع) وبألتالي حقيقة ألإسلام من خلال كتب  ألحديث سواء كانت تحسب على مدرسة ألإمامة أو مدرسة ألخلافة، وهكذا بسبب مخططات ألأئمة من أهل بيت ألنبوة (ع) توفرت ألإمكانية لكافة ألمسلمين أن يتوحدوا في متبنياتهم ألفكرية لكل من كان صادقاً مع نفسه.

 

مخطط ألإمامين علي زين ألعابدين (ع) ومحمد ألباقر في تحقيق ألهدفين ألثالث والرابع:

حيث إستخدم ألإمام علي زين ألعابدين (ع) إسلوب ألدعاء في صحيفته السجادية في توضيح ألكثير من ألمفاهيم ألإسلامية   بما أوتي من بلاغة فريدة، وقدرة فائقة على أساليب التعبير العربي، وذهنية ربانية تتفتق عن أروع المعاني وأدقها في تصوير صلة الإنسان بربه، ووجده بخالقه، وتعلقه بمبدئه ومعاده، وتجسيد علاقة ألإنسان بألإنسان بما يعبر عنه من قيم خلقية وحقوق وواجبات، فضلاً رسالته ألرائعة (رسالة الحقوق) وما تمثله من منهج إسلامي قانوني شامل وعميق وجامع، وتشمتل على شبكة علاقات الإنسان الثلاثة، مع ربِّه ونفسِه ومجتمعه وترسم حدود العلائق والواجبات بين الإنسان وجميع ما يحيط به.حيث وضعت المناهج الحيّة لسلوك الإنسان، وتطوير حياته، وبناء حضارته، على أسس ألفهم وألأستيعاب الشامل للدين ألإسلامي و تمثل دائرة معارف إسلامية كبرى من حيث تعدد جوانبها و تنوع مضامينها. ولم يتخذ ألإمام زين ألعابدين(ع) تجاه ألدولة ألأموية ألتي قتلت أباه ألإمام ألحسين (ع) وسبت أهل بيته موقفاً سلبياً ومتفرجاً، بل حتى وإنه وإن كان مجرداً من ألسلطة فإنه كان يشعر بمسؤوليته عن هذا ألدين ألذي جاء به جده رسول ألله (ص) وهذه ألدولة ألتي أسسها ألرسول (ص) وجعله ألله وصياً عليها في عصره، ويتجلى ذلك في مجموعة من إنجازاته كدعائه لأهل ألثغور وألكثير من الحقوق العامة في رسالته للحقوق؛ فضلاً عن موقفه أدناه من ألحادثة ألتالية : حيث أن ألخليفة ألأموي عبد الملك بن مروان، حينما اصطدم بملك الروم وهدده الملك الروماني باستغلال حاجة المسلمين إلى استيراد نقودهم من بلاد الرومان لإذلال المسلمين وفرض الشروط عليهم، وقف عبد الملك متحيراً وقد ضاقت به الأرض كما جاء في الرواية وقال :أحسبني أشأم مولود ولد في الإسلام. فجمع أهل الإسلام واستشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأياً يعمل به .فقال له القوم : إنك لتعلم الرأي والمخرج من هذا الأمر !فقال : ويحكم من ؟ قالوا : الباقي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله  ، قال صدقتم، وهكذا كان.فقد فزع إلى الإمام زين العابدين : فأرسل عليه السلام ولده محمد بن علي الباقر إلى الشام وزوده بتعليماته الخاصة، فوضع خطة جديدة للنقد الإسلامي، وأنقذ الموقف .

  موقف ألإمام جعفر الصادق (ع) في تحقيق ألهدفين الثاني والثالث على المستوى ألإسلامي العام ومستوى الموالين لأهل بيت النبوة عليهم أفضل الصلاة والسلام :

لقد إقتصر عصر ألنص بألنسبة للمسلمين بشكل عام إلى ثلاث وعشرون سنة منذ ألبعثة حتى وفاة ألرسول ألأعظم (ص) أو بألأحرى إلى وفاة ألإمام جعفر ألصادق سنة ١٤٨ هجرية حيث هناك ألكثير من ألأحاديث ألتي رفعت إلى  ألإمام ألصادق (ع) مما إتفق عليه أصحاب ألمدرستين، مدرسة ألخلافة ومدرسة ألإمامة  على إعتبار إن حديثه هو حديث رسول ألله (ص) كما روى عنه محمّد بن إسحق، ويحيى الأنصاري، ومالك بن أنس، وسفيان ألثوري وسفيان بن عيينة، وابن جريح، وشعبة، ويحيى القطّان، وآخرون، أما بالنسبة لمدرسة ألإمامة فقد إمتد عصر ألنص إلى أكثر من ثلاثة قرون من وفاة ألرسول (ص)، ؛ لذلك كان من ألطبيعي أن تكون مدرسة أهل بيت ألنبوة غنية بعشرات ألألوف من ألأحاديث ألصحيحة، فكتبت في ذلك ألعصر المصنفات ألأربعمائة أو ما يسمى ألأصول ألأربعمائة وهي تفوق ألصحاح في صحتها بمراحل لأن ألأصل نقل عن ألمعصوم مباشرةً من دون واسطة وليس نقلاً عن و عن، ولكن للأسف تم إتلاف ألكثير منها وإندثارها بسبب ألإضطهاد وبألذات في فترة إحتلال إلسلاجقة لبغداد، ولكن جمعت ألكثير من الروايات عن تلك ألأصول في ألكتب ألأربعة، ألكافي للكفعمي وإلإستبصار وألتهذيب للشيخ ألطوسي  ومن لا يحضره ألفقيه للشيخ ألصدوق، فألكافي للكفعمي نجد به على سبيل ألمثال أكثر من (١٦،٠٠٠) حديث، و ألفت في فترات لاحقة موسوعات حديثية وروائية أخرى، حيث نجد أن موسوعة  بحار ألأنوار للمجلسي بها أكثر من (١٠٠،٠٠٠) حديث ولو إفترضنا أن ثلثي ألأحاديث غير صحيحة ومكررة فتبقى نسبة ألأحاديث الصحيحة لأتباع أهل ألبيت بحدود ألضعفين إلى ثلاثة أضعاف مما يمتلكه غيرهم.

البحث المقدم الى مؤتمر الزهراء (ع) فقرتان من خطبة الزهراء (ع) [ الجزء السادس/ مواقف اهل البيت عليهم السلام لاتباعهم والمطلوب من الأمة تجاههم لتحقيق وحدة المسلمين ]؛

 

موقف ألأئمة من ألدائرة ألضيقة لأتباعهم في تحقيق ألأهداف ألخمسة:

ما تطرقنا سابقاً كان مخطط أهل ألبيت ضمن ألدائرة ألأسلامية ألأوسع للحفاظ على ألدين من ألإنحراف ولمصلحة ألمسلمين بشكل عام.

أما ألمنهج وألمخطط ألذي إتبعه أئمة أهل بيت ألنبوة في ألحفاظ على ألدائرة ألضيقة لأتباعهم وألذي يمثل أعلى درجات ألنظام للملة وألأمان من الفرقة فإنه كان بإتجاهين، إتجاه على مستوى ألقاعدة  ألموالية لأهل ألبيت، وإتجاه على مستوى تنظيم ألقيادة ألدينية؛ على مستوى ألقاعدة يتمثل بألجماهير ألحسينية في ألربط ألعاطفي بألحسين (ع) وبأهل بيت ألنبوة (ع) وبالتالي بمنهج أهل البيت (ع) وهو ألمنهج ألإسلامي ألصحيح، إن هذه ألعاطفة وإحياء ذكرى إستشهاد ألحسين(ع) في أيام معدودات في ألسنة توفر ألمجال لتفرغ ألناس لمدرسة تربوية عميقة ألمفاهيم وعالية ألمضامين لتعريفهم بمنهج أهل ألبيت(ع) وألذي يمثل ألمنهج ألإسلامي ألصحيح، إنه ليس بمنهج نظري فحسب بل هو منهج عملي حي يمثل أعلى درجات التضحية بالنفس وبألأهل وألأبناء بل حتى ألأطفال، من أجل إعلاء كلمة ألله والوقوف بوجه ألباطل والطاغوت. إن ثورة الحسين (ع) ثورة مستدامة على طول التأريخ لا تكتفي بتوفير القاعدة الحسينية بل بشكل طبيعي تشخص القيادة ألمتمثلة بألفقيه ألجامع للشرائط إستمراراً لخط ألإمامة، وهذا يمثل أعلى درجات ألنظام للملة. لذلك لا تجد ضمن دائرة أتباع خط ألإمامة من يفتي برأيه بل ألإنسان ألذي يتبع خط أهل بيت ألنبوة (ع) لا يتحرك وبالذات في ألقضايا ألكبيرة خارج دائرة ألإفتاء، فمثلاً لا تجد بالمرة من يقلد مجتهداً محدداً ويعتقد بوجوب ألتقليد ويفتي بألجهاد أو قتل أي إنسان خلاف رأي ألمجتهد ألذي يعتقد بوجوب تقليده، وألمجتهدون عادةً يأخذون أعلى درجات ألحيطة قبل ألإفتاء بالجهاد أو قتل ألغير، وعادةً لا يتم ألإفتاء بألجهاد إلا ما كان دفاعاً عن ألنفس، بل أكثر ألمجتهدين لا يعطون حتى لأنفسهم ألحق بإلجهاد ألإبتدائي. في حين نجد أنه في ألمدارس ألأخرى وبألذات ألسائرين على منهج ألقاعدة وداعش من ألعشرات من ألأحزاب ألإسلامية ألتي تعطي ألحق لقيادتها بألإفتاء بألجهاد وألقتال لأسباب لا ترقى إلى مستوى ألدفاع عن ألنفس، فعلى سبيل ألمثال تم إتباع فتوى بجواز قتل أي فرد من ألجيش وألشرطة ألجزائرية بل بجواز قتل زوجاتهم وأبنائهم ألقصر وألأطفال حين لم يسمح لجبهة ألإنقاذ  في ألجزائر بألوصول للسلطة بطريقة ديمقراطية ، فأبيدت آلاف العوائل بنسائها وأبنائها عن بكرة أبيهم في ألتسعينات من ألقرن ألماضي بسبب هذه ألفتوى، وتكررت هذه ألأحداث من قبل طالبان في أفغانستان وألقاعدة وداعش وغيرهم في ألعراق وفي ألشام بل في كافة بقاع ألأرض. مثل هذا ألأمر لا يمكن أن يحدث في دائرة ألمتمسكين بخط أهل ألبيت ومن ألمستحيل أن يفتي أي مجتهد يتبع خط أهل ألبيت بمثل هذه ألفتاوى، لذلك يمكن ألقول مجدداً وبكل ثقة إن طاعة أئمة أهل ألبيت (ع) هو ما يمكن أن يحقق أعلى درجات النظام للملة.

لم يكتف أئمة أهل ألبيت (ع) بعد ألحسين (ع) بإحياء ذكراه وجعلها سنة لأتباعهم فحسب، ولكنهم وضعوا ألأسس لبروز ألقيادة ألمتمثلة بألمجتهد ألجامع للشرائط، بل وفروا ألأسس لقيام ألحوزات ألعلمية من وكلاء ألمجتهد وطلبة ألعلوم ألدينية وتوفير ألمستلزمات ألمالية من أموال ألخمس وغيرها لإدارة هذه ألمؤسسات، نعم تطورت هذه ألحوزات في ألعراق وبالذات في بغداد وألحلة والنجف وفي ألجنوب أللبناني ثم في مرحلة متأخرة في أيران ومناطق أخرى في ألعالم، وهذا يمثل أعلى درجات ألنظام لتوفير ألفقهاء ألذين سيتصدون للقيادة ووكلاءهم ألذين كانوا ينتشرون في ألكثير من ألمناطق في ألعالم ألإسلامي، يتبين من ذلك أن خط ألإمامة تولى أيضاً تنظيم أسس ألدراسات ألدينية لبروز ألفقهاء وألقيادة ألدينية ألمتمثلة بألفقيه ألمجتهد ألجامع للشرائط؛ فسبحان ألله لقد نطقت ألزهراء عليها أفضل ألصلاة وألسلام بجملة واحدة كشفت عن حقائق دامغة نشاهدها ونشاهد آثارها ألآن بعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة فيما حققته مدرسة ألإمامة من نظام للملة وما ترتب على من لم يتمسك بمنهجهم من ضياع وفوضى وإنحراف واضح عن ألإسلام تجلى بأوضح صوره فيما نراه من إجرام بإسم ألإسلام متمثلاً بألقاعدة وداعش ومن هم على شاكلتهم.

 

ماهو دور ألأمة تجاه عطاء أهل بيت ألنبوة (ع) لنشر ألإسلام ألحق؟ :

هناك حقيقة يجب أخذها بنظر ألإعتبار حيث أن ألعلاقة بين ألإمام وألأمة هي علاقة متبادلة بين طرفين، فما إطلعنا عليه فيما سبق يمثل دور ألمعصوم في تحقيق ألنظام للملة وألأمان من ألفرقة فما هو ألمطلوب من ألأمة كطرف آخر للمساهمة  لتحقيق هذه ألأهداف ألكبيرة والمهمة؟

بألتأكيد إن ألنظرة ألتي يحملها كافة ألمسلمين (ما خلا فئة منحرفة) تجاه أهل ألبيت (ع) هي وجوب طاعتهم إنطلاقاً من أحاديث متواترة واردة في كتب ألفريقين ألسنة وألشيعة كحديث (إني تارك فيكم ألثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب ألله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي ألحوض، فأنظرو كيف تخلفوني فيهما) حيث ورد هذا ألحديث في صحيح مسلم وألترمذي وألنسائي ومسند أحمد أبن حنبل وألعشرات من ألصحاح وكتب ألسنن وألمسانيد؛ فتحقيق هذه ألأهداف يتطلب طاعتهم وإنهم أحد أهم ألمصادر لحديث رسول ألله (ص)؛ وهكذا كان ألأمر في صدر ألإسلام، حيث تذكر لنا كتب ألتأريخ أنه كان يحظر دروس ألإمام ألصادق (ع) أربعة آلاف طالب كل يقول [حدثني جعفر بن محمد (ع)]، نعم قد كان ألكثير من هؤلاء من شيعته، ولكن كان ألكثير منهم من أئمة ألمسلمين من ألطوائف ألأخرى وهذا يمثل عنصر أيجابي في تعامل ألأمة مع ألمعصوم، حيث تتلمذ على يدي ألإمام جعفر ألصادق(ع) أبو حنيفة (ألنعمان إبن ثابت) وإمام ألمدينة مالك إبن أنس، ومقولة أبي حنيفة بشأن ألسنتين ألتي تتلمذ بها على يد ألإمام جعفر ألصادق (ع) مشهورة (لولا ألسنتان لهلك ألنعمان)، فضلاً عن قوله في حق ألإمام ألصادق (ع): {ما رأيت أفقه من جعفر إبن محمد ألصادق (ع)}؛ وقول مالك بن أنس بحق ألصادق (ع): {ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد ألصادق (ع) علماً وعبادةً وورعاً}، وقد تتلمذ ألشافعي عند مالك، وتتلمذ أحمد إبن حنبل عند ألشافعي؛ فجميع أصحاب ألمذاهب تتلمذوا بشكل مباشر أو غير مباشر عند ألإمام جعفر ألصادق (ع)؛ لقد وفر أهل ألبيت للمسلمين جميعاً ألطريق لمعرفة ألإسلام ألصحيح فكانوا بحق نظاماً للملة كما وصفتهم ألزهراء ألبتول (ع).

 

ماهو دور ألأمة تجاه عطاء أهل بيت ألنبوة (ع) لتحقيق ألأمان من ألفرقة ؟ بل ماهي رسالة ألزهراء (ع) إلينا أليوم:

نجد في يومنا ألحالي من حقق مقولة ألزهراء ورسالتها بكل أبعادها، حيث نكتشف إن من أكثر من حقق هذا ألمنهج في يومنا هذا هو آية ألله ألسيد ألسيستاني أعزه ألله حين قال (لا تقولوا ألسنة إخواننا بل ألسنة هم أنفسنا) حيث لم يقل آية الله السيستاني هذه ألمقولة لمجاملة السنة وإنما قال ذلك من فهمه المعمق والحقيقي للإسلام ولخط ومنهج أهل ألبيت(ع) وتصديقاً لمقولة ألزهراء (ع) .

هذا هو ألإسلام الحق إسلام أهل بيت ألنبوة ألذي أوضحته ألزهراء ألبتول حين قالت (جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة) ، ولكن لا يفقه هذا ألإسلام في يومنا ألحالي الطائفيون، من ألجهلة من ألفريقين من ألسنة ومن ألشيعة ، فلن تقوم لنا قائمة ما دامت هذه المفاهيم الجاهلية هي الطاغية وللأسف الشديد بإسم الإسلام، لا بد أن يتعرى من يفسد بإسم الإسلام ومن يسرق بإسم الإسلام ومن يفجر ويذبح بإسم الإسلام، للأسف معاناتنا ألأولى اليوم في عالمنا الإسلامي من هؤلاء المنحرفين عن خط ألإسلام ألصحيح إسلام أهل بيت ألنبوة وألسلف ألصالح من صحابة رسول ألله (ص)، وصحابة أئمة أهل بيته عليهم أفضل ألصلاة والسلام.

للأسف مع هذه الحقائق لأهل بيت ألنبوة (ع) وألحقائق ألقرآنية الدامغة نكتشف أن الطائفية مستشرية في كافة أرجاء عالمنا ألإسلامي ولا أستثني أحداً سواء كانوا من بعض جهال ألشيعة فضلاً عن جهال ألسنة. ليعلم هؤلاء يوم ألحشر حين يقدمون إلى رسول ألله(ص) وإلى أهل بيته طلباً لشفاعتهم أن ألرسول(ص) وأهل بيته سيعرضون عنهم  لأنهم كما قال ألله في كتابه ألكريم أنهم ليسوا من رسول ألله (ص) في شيء كما جاء في ألنص ألقرآني (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) …… وألذي يزيد في ألإبتلاء أن أغلب ألأحزاب ألإسلامية ألمتصدية للعملية ألسياسية من ألشيعة ومن ألسنة في ألعراق وفي أغلب بلاد عالمنا ألإسلامي هي ألتي تعمق ألطائفية لأنها تحقق مآربها ألشخصية فضلاً عن جهلهم بألإسلام ألذي يزعموا إنهم يتبنونه ويسيرون على نهجه، ولكننا في نفس ألوقت نستخلص حقيقة واضحة هو إن إنقاذ واقعنا يتطلب ألإلتفاف حول ألواعين وألمستوعبين للإسلام ألحقيقي ومنهج أهل ألبيت(ع) من مراجعنا ألعظام  ألذين نعتز ونفتخر بهم وأن نتبنى ألمنهج ألذي طرحوه، ففي ذلك نجاتنا وإنقاذ ألمنطقة من ألطائفية ألمقيتة وألمستقبل ألخطير وألمجهول ألذي ينتظرنا وينتظر ألمنطقة وما يخطط لها من مؤامرات لتقسيمها وجعلها تعيش في حالة من ألصراع وألإقتتال لا يعلم مآله إلا ألله.

 

 

نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحق اتباع فكر داعش والقاعدة نقلاً عن كتاب [داعش ومستقبل العالم] لمؤلفه عبد الرحمن البكري (الجزء الاول)؛

الفصل الثالث

نبوءة الرسول الأعظم (ص)؛

إن من أعظم مصاديق نبوءة الرسول (ص)؛ هو إخباره عما كشفه الله له من أمور الغيب، لذلك ترى القرآن يزخر بذلك النمط من الآيات في كشف بعض أمور الغيب بشكل إجمالي وأحياناً بشكل تفصيلي.

كما أن الرسول (ص)؛ قد تحدّث لأمته عن كثير مما سيحدث لها ومما ستلاقيه في المستقبل، وكتب الحديث تزخر بهذا النمط من الأحاديث.

ولو تتبعنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن فإننا نجد ثلاثة أنماط من الأحاديث التي تدعو للتأمل، وعلى الأخص بعد عرضها على واقع ومسار الحركة السلفية الوهابية وما أفرزته من حركات كألقاعدة وداعش وغيرها من الحركات السلفية بشكل خاص، وأهل نجد بشكل عام.

أما هذه الأصناف الثلاثة فهي:

الصنف الأول: الأحاديث الواردة بحق قوم في آخر الزمان

أ ـ       أخرج البخاري في كتاب (المناقب) في حديث رقم 3611، في باب علامات النبوة (سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة).

ب ـ     وورد في (صحيح) مسلم في كتاب (الزكاة) حديث رقم 1606، في باب التحريض على قتال الخوارج، الجزء الثاني، ص 748 (يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، يقرأون القرآن يحسبونه أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذي يصيبونهم ما قضى لهم على لسان نبيهم لاتكلوا على العمل)، وأخرج هذا الحديث أبو داوود في كتاب السنة في باب التحريض على قتل الخوارج، حديث (رقم 4768).

ج ـ     وورد في صحيح الترمذي في أبواب الفتن، الجزء التاسع، ص 37، في باب صفة المارقة عن ابن مسعود قال: قال رسول الله r (يخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية).

د ـ      وورد في (مسند) الإمام أحمد بن حنبل في الفتح الرباني في باب ذكر الخوارج في الجزء 24 صفحة 19، عن سويد بن غفلة قال: قال علي t إذا حدثتكم عن رسول الله r حديثاً لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم عن غيره فإنما أنا رجل محارب والحرب خدعة، سمعت رسول الله r يقول: (يخرج في آخر الزمان أقوام أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم عند الله يوم القيامة).

هـ ـ     وورد في (كنز العمال)، حديث رقم 30949 عن الرسول r قال: (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم عند الله يوم القيامة) للاطلاع على المزيد من الأحاديث المشابهة راجع الهامش(1).

الصنف الثاني: الأحاديث الواردة بحق قوم يقطنون شرق المدينة بشكل عام… وبحق أهل نجد بشكل خاص

أ ـ       أخرج البخاري في كتاب الفتن عن ابن عمر حديث رقم 6716 قال: (ذكر النبي (ص)؛: اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا يا رسول الله وفي نجدنا، فأظنه قال في الثالثة: هنالك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان).

ب ـ     وروى مسلم في صحيحه عن ابن عمر حديث رقم 5302، يقول: (سمعت رسول الله (ص)؛ يشير بيده نحو المشرق ويقول: ها إن الفتنة ها هنا، ها إن الفتنة ها هنا ثلاثاً حيث يطلع قرن الشيطان).

ج ـ     وأخرج أحمد بن حنبل في مسنده، الجزء الثاني، ص118، عن ابن عمر أن النبي (ص)؛ قال: (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك في يمننا، قالوا: وفي نجدنا، قال: اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا في نجدنا، قال: هنالك الزلازل والفتن، منها، أو بها، يطلع قرن الشيطان). وورد في المسند أيضاً حديث رقم 6723، كما أخرج نعيم بن حماد في الفتن حديث رقم 1496 عن عبد الله بن عمرو: (سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج منهم قرن قطع كلما خرج منهم قرن قطع حتى عدها زيادة على عشرة مرات، كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجّال في بقيتهم).

ج ـ     أخرج الترمذي في (المناقب) وأخرج أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر، حديث رقم 4552، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن، واشراط الساعة، حديث رقم 5301: (قال النبي (ص)؛ وهو مستقبل المشرق يقول: رأس الكفر من ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان).

د ـ      أخرج ابن ماجة في سننه، حديث رقم 173، عن ابن عمر عن رسول الله (ص)؛: (ينشأ نشأ يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج قرن قطع، قال ابن عمر سمعت رسول الله (ص)؛ كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة حتى يخرج في عراضهم الدجّال). كما أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عمرو أيضاً، حديث رقم 8635، أنه سمع رسول الله (ص)؛: (سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما خرج منهم قرن قطع حتى يخرج الدجّال في بقيتهم). وأخرج الحاكم أيضاً في المستدرك، الجزء الثاني، ص 147 قال (ص)؛: (يخرج من قبل المشرق قوم كان هديهم هكذا يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق كمرق السهم من الرمية ثم لا يرجعون إليه، ووضع يده على صدره، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم فإذا رأيتموهم فاقتلوهم).

هـ ـ     أخرج مسلم في صحيحه، حديث رقم 52 قوله (ص)؛: (رأس الكفر نحو المشرق) وفي رواية (الإيمان يمان والكفر من قبل المشرق)، وفي رواية (غلظ القلوب والجفاء في المشرق والإيمان في أهل الحجاز).

و ـ      أخرج مالك في (الموطأ) الجزء الثاني، ص 975 عن ابن عمر: (رأيت رسول الله (ص)؛ يشير إلى الشرق ويقول ها إن الفتن ها هنا إن الفتنة من حيث يطلع قرن الشيطان)، وفي رواية (يشير الرسول إلى المشرق ويقول ها هنا يطلع قرن الشيطان كلما قطع منه قرن نجم قرن).

ز ـ     وورد في (مسند الشاميين) للطبراني، حديث 2694، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: قال: سمعت رسول الله (ص)؛ يقول: (وشر أقوام بالمشرق كلما نشأ قرن قطع قرن حتى يخرج في أعراضهم الدجّال).

ح ـ     وورد في (مسند الطيالسي) حديث رقم 2397، عن عبد الله بن عمرو بن العاص y قال لقد سمعت رسول الله (ص)؛ يقول: (يخرج ناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم كلما قطع قرن نشأ قرن كلما قطع قرن نشأ قرن كلما قطع قرن نشأ قرن ثم يخرج في بقيتهم الدجّال). للاطلاع على المزيد من الأحاديث المشابهة راجع الهامش(2).

الصنف الثالث: الأحاديث الواردة بحق ذي الخويصرة التميمي

…فقد ورد هذا الحديث بعدة طرق عن حادثة واحدة ولكن بلفظين… الأول يذكر الواقعة مع الاسم (أي ذي الخويصرة التميمي) والثاني حيث يذكر الواقعة وصفة الشخص من دون ذكر الاسم مع اختلاف بسيط في اللفظ.

حيث أخرجه البخاري ومسلم وأبو داوود والنسائي وابن حبان والبيهقي وآخرون عن أبي سعيد الخدري وعن عبد الله بن عمرو بن العاص وعن محمد بن علي بن حسين وعن عبد الله بن أبي نجيح وعن أبي بزرة الأسلمي.

(يمكن مراجعة اللفظ الأول للحديث في الهامش رقم (3) واللفظ الثاني للحديث بالتفصيل أيضاً في الهامش رقم (4))، وقد أخذنا أدناه باللفظ الثاني للحديث مع ذكر الاسم (بينما نحن عند رسول (ص)؛ وهو يقسم قسماً أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من تميم، غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناتئ الجبين، كث اللحية محلوق، قال اتق الله يا محمد فقال: فمن يطع الله إن عصيته أنا؟ أيأمنني أهل السماء ولا تأمنوني، فاستأذنه عمر، رحمه الله في قتله، وفي الوجه الآخر، خالد بن الوليد، فمنعه، فلما ولى قال: إن من ضئضئ هذا قوماً، وفي لفظ آخر، يخرج في آخر الزمان قوم كان هذا منهم، يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، سيماهم التحليق، لايزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع المسيح الدجّال، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم، هم شرّ الخلق والخليقة، وفي لفظ آخر، والله لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد).

وقد أخرجه البخاري في الصحيح عن محمد بن كثير، وأخرجه مسلم من وجه آخر عن سعيد بن مسروق، والوجه الآخر رواه البخاري أيضاً في الصحيح عن أبي اليمان وأخرجاه من أوجه أخرى عن أبي سلمه والضحاك والهمداني عن أبي سعيد.

وقد أثبت ابن شبه المتوفى سنه 262 هجرية في كتابه (تاريخ المدينة المنورة) الذي ذكر الحادثة من دون الاسم أن المتحدث هو من بني تميم حيث أورد الحديث في باب (وفد بني تميم، ص 533 /541 الجزء الثاني/ دار التراث، بيروت).

وقد أثبت ارتباط هذين الحديثين أيضاً، الحافظ الإمام جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي البغدادي المتوفى سنة 597 في كتابه (تلبيس إبليس).

العناصر الأساسية في الأصناف الثلاثة من الأحاديث

ونستطيع أن نثبت العناصر المشتركة والأساسية في الأحاديث الآنفة الذكر:

1 ـ     سيكون هؤلاء القوم في آخر الزمان.

2 ـ     يقولون من قول خير البرية ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم، يحسنون القيل ويسيئون الفعل.

3 ـ     يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز قراءتهم حناجرهم يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء.

4 ـ     ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصلاتهم أكثر من صلاتكم.

5 ـ     سيماهم التحليق.

6 ـ     يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون إليه، هم شر الخلق.

7 ـ     حداث الأسنان سفهاء الأحلام.

8 ـ     رفض الرسول (ص)؛ أن يبارك لأهل نجد كمباركته لأهل اليمن والشام والحجاز وإشارته إلى شرق المدينة وقوله (ص)؛ إن الفتن والزلازل ورأس الكفر في المشرق وفي نجد وإنهم غلظ القلوب والجفاء.

9 ـ     في نجد يطلع قرن الشيطان، كلما قطع منه قرن نجم قرن حتى يطلع الدجّال في بقيتهم.

10 ـ   إن هذه الفئة من بني تميم يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم.

11 ـ   يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان.

12 ـ   إذا رأيتموهم أو إذا خرجوا فاقتلوهم فطوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه وإن أدركهم الرسول r لقتلهم قتل عاد أو قتل ثمود.

وهكذا فإننا نجد أن هناك ثلاثة أصناف من الأحاديث يمكن ربطها بالحركة السلفية الوهابية. ولكن لا يمكننا أن نزعم ذلك قبل حل عدة إشكالات واعتراضات قد تنفي مثل هذا الاحتمال أو هذه الإمكانية. وهذا ما سنتناوله بالتفصيل في بحثنا أدناه.

الاعتراض الأول هو أن هذه الأحاديث واردة بحق الخوارج

والخوارج فئة معروفة منذ أول التاريخ الإسلامي بمروقها من الدين. وهناك أحاديث واضحة جداً في تعريف الخوارج بهذه الصفات وعلى الأخص في إخبار الرسول (ص)؛ لعلي t بأنه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين. وقد أجمع الرواة والمفسرون على أن هؤلاء المارقين هم الخوارج المعروفون بقتالهم لعلي t وقتلهم له. ومما يزيد التأكيد في أن هذه الأحاديث واردة بحق الخوارج هو ذكرها في كتب الحديث من الصحاح وغيرها تحت باب الخوارج. وقبل مناقشة هذه الاعتراضات نحب أن نتطرّق إلى التشابه بين الخوارج والسلفيين الوهابيين.

1 ـ     شعار الخوارج (لا حكم إلا لله) وهي كلمة حق يراد بها باطل، وشعار السلفيين الوهابيين (لا دعاء إلا لله)، وهي كلمات حق يراد بها باطل في تكفير المسلمين واتهامهم بالشرك.

2 ـ     الخوارج متصلبون في الدين متورعون حتى عن التقاط تمرة من الطريق، وكذلك الوهابيون السلفيون في تصلبهم وورعهم حتى عن استعمال التلغراف في الماضي والسروال الذي يلامس الحذاء في الحاضر.

3 ـ     الخوارج كفّروا المسلمين واستحلّوا دماءهم وأموالهم وكذلك هم السلفيون الوهابيون.

4 ـ     الخوارج استندوا في شبهتهم إلى ظواهر بعض الآيات والأدلة التي زعموا فيها أن مرتكب الكبيرة كافر كاستناد الوهابيين السلفيين إلى ظواهر بعض الآيات التي زعموا فيها أن طالب الشفاعة من الأنبياء والرسل مشرك.

5 ـ     الخوارج لا يبالون بالموت لأنهم بزعمهم ذاهبون إلى الجنة وكذلك يزعم السلفيون اليوم عند قيامهم بالعمليات الانتحارية.

6 ـ     إن الخوارج يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان وكذلك فإن أكثر قتلى السلفيين هم من المسلمين.

ونعود مرة أخرى إلى الاعتراض في انطباق هذه الأحاديث على الخوارج. والحقيقة أننا لو راجعنا هذا الصنف من الأحاديث فسنجد أن هذه الأحاديث يمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف:

1 ـ     الصنف الأول يذكر وبشكل صريح وجلي أن هؤلاء المارقين هم الخوارج الذين قاتلوا علياً t واستمرت شوكتهم وأفكارهم خلال الدولة الأموية. ولا تزال آثارهم باقية حتى يومنا هذا في شمال أفريقيا وفي جنوب شرق الجزيرة العربية. ومن هذه الأحاديث حديث (تكون أمتي فرقتين وتخرج بينهما مارقة، يلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق)، عن صحيح مسلم. وورد عن علي t في (كنز العمال)، حديث رقم 31553 (أمرت بقتال ثلاثة: القاسطين والناكثين والمارقين، فأما القاسطون فأهل الشام، وأما الناكثون فذكرهم، وأما المارقون فأهل النهروان، يعني الحرورية).

2 ـ     الصنف الثاني يتطّرق إلى صفات الخوارج بشكل عام من دون تحديد. وهذه الأحاديث يمكن أن تنطبق على الخوارج أو على غيرهم أو تنطبق عليهم وعلى غيرهم في آن واحد. ومن أمثلة هذه الأحاديث ما روي عن أنس (أشهد أني سمعت رسول الله (ص)؛ يقول: إن قوماً يتعمقون في الدين يمرقون منه كما يمرق السهم في الرمية) (كنز العمال، 31234).

3 ـ     أما الصنف الثالث فإنه يتطرق إلى فئة أخرى، وهذه الفئة هي بالتأكيد ليست فئة الخوارج المعروفة في التاريخ، لأن هذه الأحاديث تعرفهم بصفة زمانية لا يمكن أن تنطبق بأي حال على الخوارج. فهناك جملة من الأحاديث تتطرق إلى قوم (في آخر الزمان)، وهذا التعريف بحد ذاته يتناقض تناقضاً كاملاً مع تعريف الخوارج. فالخوارج بالنسبة إلى الرسول (ص)؛ كانوا في أول الزمان، فكان ظهورهم في زمن الخليفة الرابع، وكان كثير منهم معاصراً للرسول (ص)؛، لذلك لا يمكن أن يكون هؤلاء هم المقصودين في حديث الرسول r (سيخرج في آخر الزمان قوم…) بل المقصود من حديث الرسول (ص)؛ هم قوم آخرون من غير الخوارج سيخرجون في آخر الزمان.

الاعتراض الثاني هو احتمال ضعف هذه الأحاديث وعدم صحتها بل ووضعها:

أما الاعتراض الثاني في ربط هذه الأحاديث بالحركة الوهابية فهو في التشكيك بصحة هذه الأحاديث. فربما تكون كلمة (سيخرج في آخر الزمان) موضوعة أو مضافة إلى الحديث، بل ربما يكون الحديث كله موضوعاً وغير صحيح. وهذا الاعتراض ضعيف جداً بل هو مردود، فإن من الملاحظ أن هذه الأحاديث هي ليست بالأحاديث المفردة، بل هي من الأحاديث المتواترة رويت عن طريق الكثير من الصحابة العدول الذين لا يمكن اجتماعهم على الكذب على رسول الله (ص)؛، كما رويت عن هؤلاء الصحابة بطرق متواترة من الرواة الثقات والمحدثين. وفي حقيقة الأمر إن هذا الحديث هو من الأحاديث النادرة التي أجمعت عليها كافة كتب الصحاح والمسانيد والسنن وأثبت صحتها علماء المسلمين على كافة مراحل التأريخ. فنحن يكفينا بدرجة عالية من اليقين للقول بصحة الحديث إذا اجتمع عليه البخاري ومسلم، فكيف إذا اجتمع عليه وزاد عليهم العشرات من أصحاب كتب الحديث الأخرى. فضلاً عن كل ذلك، فإن هذه الأحاديث قد دوّنت في القرنين الثاني والثالث الهجريين، حيث لم يكن في ذلك الوقت أي توقع عن مستقبل العالم، بل لم يكن الجد العاشر لمحمد عبد الوهاب مولوداً في ذلك الحين، لذلك فمن المستحيل أن تكون تلك الأحاديث قد وضعت للنيل من الحركة السلفية الوهابية التي ظهرت بعد ما يقارب التسعمائة سنة من تدوين هذه الأحاديث.

نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحق اتباع فكر داعش والقاعدة نقلاً عن كتاب [داعش ومستقبل العالم] لمؤلفه عبد الرحمن البكري (الجزء الثاني)؛

الاعتراض الثالث هو إمكانية انطباق هذه الأحاديث على فئات أخرى غير الوهابيين:

أما الاعتراض الثالث فهو لو سلمنا بصحة الحديث فما الذي يمنع من انطباقه على فئة أخرى غير الوهابيين؟

فعلى سبيل المثال ظهرت في المشرق فرقة القرامطة الذين عاثوا في الأرض فساداً وأكثروا فيها تقتيلاً؟

وكذلك كان أمر صاحب الزنج الذي ظهر أمره في البصرة وامتد سلطانه إلى نجد؟

وما الذي يمنع في الإشارة إلى المشرق ومنها يبرز قرن الشيطان أن يكون المقصود مسيلمة الكذاب، فهو رأس من رؤوس الضلال ظهر في اليمامة في نجد أيضاً في شرق المدينة؟

بل ما الذي يمنع من انطباق الحديث على الخوارج أنفسهم، فقد برزت إحدى فرق الخوارج في أرض نجد بالذات؟

ثم أليس هناك احتمال كبير أن تكون تلك الأحاديث لا تشير إلى فئة واحدة بل تشير إلى فئات متعددة؟ فقد يكون المقصود من كل حديث أو مجموعة أحاديث فئة من الفئات المذكورة أو غيرها، فليس بالضرورة أن تكون تلك الأصناف الثلاثة من الأحاديث بحق فئة واحدة؟

والحقيقة أن هذا الاعتراض وارد إلى حد بعيد، بل هناك دلائل قد تشير إلى هذا الأمر بالذات.

فمن مراجعة الأحاديث المذكورة نستنتج أن هناك مجموعة من الصفات تنطبق على أكثر من فئة، بل إن هناك مواصفات تؤكد بالضرورة وجود أكثر من فئة كل منها (قرن الشيطان). فالأحاديث التي تشير إلى طلوع قرن الشيطان في نجد في بعض الروايات، وفي المشرق في روايات أخرى، وأنه كلما قطع قرن الشيطان هذا نجم قرن آخر هي دلالة على عدة فئات متعاقبة، كلما قطع قرن إحداها نجم قرن الأخرى. ولو أردنا ربط الحديث هذا بواقع المنطقة التي تقع شرق المدينة أو نجد بالذات لانكشفت لنا حقائق تدعو للتعجب من مقدار كشف هذا الحديث لمستقبل هذه المنطقة بعد الرسول r. فأول قرن للشيطان نجم في المشرق وفي نجد بالذات هو قرن مسيلمة الكذاب من بني حنيفة، حيث كان يقطن في اليمامة (نجد) وبالذات مدينة هجر (مدينة الرياض اليوم)، وادعى مسيلمة هذا النبوة في السنة الثامنة للهجرة، وتبعته عشيرته من بني حنيفة، وأبناء عمه من قبيلة عنزة أجمعهم(5) ما عدا رجلين(6). وقد قطع الله قرن مسيلمة هذا على يد خالد بن الوليد t في السنة الثانية عشرة للهجرة بعد أن قتل أصحاب مسيلمة ما يقارب الألف ومائة مسلم كان فيهم حوالى أربعمائة وخمسين صحابياً.

وما إن قطع قرن مسيلمة الكذاب حتى نجم قرن الخوارج من أتباع نجدة بن عامر الحنفي الخارجي في أوائل النصف الثاني من القرن الأول الهجري.

وقطع الله قرن الخوارج هذا على يد أبي فديك الخارجي حيث قتل أصحاب نجدة الحنفي عام 68هـ وبقتله قضي على الخوارج في بلاد نجد(7). وما إن قطع قرن الخوارج حتى نجم قرن صاحب الزنج المسمى علي بن عبد الرحيم بن عبد القيس حيث انتحل عدة أسماء واتجه من العراق إلى هجر في نجد، ودعا إلى دعوته الضالة فتبعه الكثير من أهل هجر(8)، واستمر أمره حتى قضى عليه الموفق العباسي عام 270هـ فكانت نهايته ونهاية دولته.

وما إن قطع قرن صاحب الزنج حتى نجم قرن القرامطة في شرق الجزيرة (بمنطقة القطيف) بقيادة الحسن بن بهرام الجنابي عام 278 هـ.

والقرامطة فرقة من فرق الإسماعيلية، وكان أول من اتبعهم والتحق بهم هم بدو اليمامة (من نجد)(9)، بحيث أصبح هؤلاء البدو هم عماد الجيش القرمطي وهم سبب انتصاراتهم المتلاحقة، كما كانوا في ما بعد سبب انهزامهم لأنها قبائل بدوية همها السرقة والنهب وليس همها اعتناق عقيدة معينة والدفاع عنها(10).

وأول عمل قام به القرامطة هو الهجوم على البحرين ومحاصرتها لنيف وعشرين شهراً قتلوا فيها خلقاً كثيراً ومنعوا الماء عن عاصمتها (هجر) حتى استسلمت لهم فاتخذها القرامطة عاصمة لهم. بعدها استولوا على معظم بلاد الجزيرة حيث احتلوا مكة عام 317هـ ودخلوها يوم التروية وقتلوا الحجيج قتلاً ذريعاً وقلعوا باب الكعبة، وعلى بعض الروايات أنهم اقتلعوا الحجر الأسود ونقلوه إلى البحرين، ولم يرد إلا في سنة 339هـ. وأخيراً قطع الله قرنهم على يد الخليفة معز الدين الفاطمي ثم الخليفة العزيز الفاطمي حيث قطع قرنهم بالكامل في معركة الخندق شمالى الأحساء عام 470هـ.

وما إن قطع نجم القرامطة حتى نجم قرن الوهابية وأسسوا دولتهم السعودية في أواسط القرن الثاني عشر الهجري بقيادة محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود حيث فتكا بآلاف المسلمين من أهالي نجد والأحساء والحجاز واليمن والعراق والشام، حتى قطع الله قرنهما على يد إبراهيم بن محمد علي باشا الكبير عام 1233هـ حيث دخل عاصمتهم الدرعية فاتحاً وأرسل عبد الله آل سعود وابن محمد بن عبد الوهاب إلى الأستانة حيث قُطع رأساهما علناً.

وما إن قطع قرن الدولة السعودية الأولى حتى نجم قرن الدولة السعودية الثانية في أواسط القرن الثالث عشر هجري على يد فيصل بن تركي آل سعود حيث فتك بالمئات من المسلمين من أهالي نجد والأحساء والبحرين وعدن، حتى قطع الله قرنهم على أيديهم حيث بدأ الأخ يقتل أخيه وابن الأخ يقتل عمه فكانت نهاية دولتهم الثانية عام 1304هـ حيث استولى محمد بن رشيد على معقلهم في الرياض.

وما إن قطع قرن الدولة السعودية الثانية حتى نجم قرن دولتهم الثالثة في العقد الثالث من القرن الرابع عشر الهجري على يد عبدالعزيز آل سعود، ومرة أخرى ارتكب هؤلاء المجازر بحق المسلمين من أهالي نجد والأحساء والكويت واليمن والحجاز والعراق والشام فقتلوا الآلاف منهم.

ولكن ما لبث أن انقسم الوهابيون إلى فريقين، فريق بقيادة عبدالعزيز آل سعود ملك الدولة الجديدة يدعو إلى التخلي عن الأفكار الوهابية في وجوب قتل غيرهم من المسلمين، وفريق من القبائل النجدية من فرقة الإخوان بقيادة فيصل الدويش وابن حثلين وابن بجاد الذين ظلوا مؤمنين بالأفكار الوهابية في وجوب قتل غيرهم من المسلمين، وانطلاقاً من هذا المبدأ استمروا بمقاتلة المسلمين من دول الجوار كالعراق وسوريا والأردن باعتبارهم مشركين حتى اضطر الإنكليز في عهد استعمارهم لدول المنطقة إلى إرغام الملك عبدالعزيز آل سعود على القضاء عليهم فقاتلهم وقطع قرنهم في معركة السبلة الشهيرة عام 1929م.

ولكن لم يلبثوا أن برزوا كقوة في أوائل الستينات بعد موت عبدالعزيز آل سعود وحاولوا احتلال مبنى التلفزيون في الرياض عام 1965م، ووقع صدام بينهم وبين الحكومة السعودية حيث وقع الكثير من القتلى في تلك المعركة وأودع الآخرون في السجون.

وفي أواسط السبعينات برزوا كتنظيم سمي (الدعوة المحتسبة) وكانوا تحت إمامة جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي حيث لم يلبثوا أن احتلوا الحرم المكي الشريف وقتلوا الكثير من الحجاج عام 1979م/1400هـ. وقد تمكنت الحكومة السعودية من القضاء عليهم وقطع قرنهم بعد معارك شرسة داخل الحرم المكي الشريف حيث قتل العشرات من الحجاج والجنود ومن أتباع جهيمان العتيبي الذي أعدم هو وصاحبه محمد بن عبد الله مع أكثر من سبعين من أصحابه وأودع الآخرون السجن.

ثم لم يلبثوا أن برزوا في أوائل التسعينات كقوة كبيرة بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري وآخرين من زعماء تنظيم القاعدة.

وتمثلوا هؤلاء بحركة طالبان في أفغانستان والباكستان، وجند الصحابة في الباكستان، وجماعة أبي سياف في الفيليبين، وكتيبة جنود الخلفاء الراشدين في الشيشان، وجيش عدن أبين الإسلامي في اليمن، والجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر، وأنصار الإسلام في كردستان العراق، فضلاً عن التنظيمات السلفية المتعددة في الكويت ولبنان وكشمير والصومال ونيجيريا وغيرها، بل حتى في أوروبا كجماعة أنصار الشريعة بزعامة أبي حمزة المصري، وجماعة رابح القادري، حيث قاموا بالكثير من عمليات الاغتيال بهدف قتل السيّاح في مصر وفي اليمن بقتلهم واختطافهم لعدد من الموظفين الأجانب في الشركات الغربية، وكذلك في الجزائر حيث أباحوا دماء أبناء ونساء ضباط وجنود الجيش الجزائري استناداً إلى الآية الكريمة: ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (نوح، آية 27)(11)، فضلاً عن اختطافهم وقتلهم للسيّاح في الفيليبين وقتل السنّة والشيعة والمسيحيين في الباكستان، وخطف السيّاح وقتلهم في كشمير، وقتل السيّاح في التفجير الكبير في بالي في إندونيسيا وتفجيرات الدار البيضاء في المغرب والرياض في السعودية.

ثم إنتهى أسامة بن لادن عام 2002 وظهر بعده أبو مصعب الزرقاوي في العراق عام 2003 ذو منهج جديد يتميز بدرجة أعلى من الأرهاب والفتك وسفك الدماء فضلاً عن منهج قتل العدو القريب قبل العدو البعيد نقيض منهج إبن لادن في هذه المسألة وأصبح مسؤولاً عن تفجيرات السفارة الأردنية والأمم المتحدة في بغداد، وقتل زعيم المجلس الأعلى محمد باقر الحكيم في تفجيرات النجف في العراق، فضلاً عن مئات التفجيرات الأنتحارية الأخرى في العراق، حتى تجاوز عدد قتلاه في العراق في بعض الأشهر عام 2006 الى 3500 قتيل في الشهر، فضلاً عن تفجيرات الفنادق في عمان وتفجيرات محطات القطارات في مدريد والكثير من العمليات المماثلة في كافة أرجاء العالم، لقد كان أعداد هذا التنظيم بحدود الثمانية آلاف مقاتل، ومن هؤلاء الثمانية آلاف هناك حوالي الخمسة آلاف مقاتل من السعودية وأغلبهم من منطقة نجد السعودية.

ثم إنتهى أبو مصعب الزرقاوي عام 2006 وإنتهى تنظيمه عام 2010 فانبثق تنظيم داعش بقيادة أبو بكر البغدادي عام 2011 وبدأت جولة جديدة ومنهج جديد من الأيغال في القتل وسفك الدماء  فضلاً عن منهج إقامة دولة الخلافة الوهابية في الموصل وشمال شرق سوريا، نعم يبقى الفرق بين هذا التنظيم وما سبقه من تنظيمات أن الأغلبية هنا ليست من نجد، وإن كان عدد النجديين يشكل نسبة معتبرة ولكنها أقل من النصف، ولكن مع ذلك فلا توجد منطقة في العالم يحظى هذا التنظيم بتأييد شعبي متميز كما يحظى في بلاد نجد، فنسبة من يؤيدون هذا التنظيم في بلاد نجد قد يتجاوز التسعين في المئة (ويعلم هذه الحقيقة جميع من إختلط بالسعوديين النجديين في هذا الوقت سواء كانوا داخل السعودية أو خارجها)، ونستطيع أن نقول بكل ثقة أنه لا توجد منطقة في العالم يحظى هذا التنظيم بألتأييد كما هو الحال في بلاد نجد، فتنظيم داعش هو التجسيد الحقيقي لعقائد الوهابيين النجديين، ولو تساهلت الحكومة السعودية وسمحت للسعوديين الألتحاق بهذا التنظيم لألتحق به عشرات الألاف من السعودية، لقد أدى هذا المنهج إلى تشكيل تحالف عالمي ضد داعش وشاركت الحكومة السعودية في هذا التحالف خلاف رغبة الأغلبية العظمى من الشعب السعودي أو بالأحرى الأغلبية من أهل نجد؛ وكما كان من قبل فسينتهي أبو بكر البغدادي، وستندحر داعش، وسيظهر آخرون بعد داعش وبعد أبو بكر البغدادي لا نعلم عددهم الآن؛ حتى تشهد البشرية آخر جولتين في المنطقة لنفس هذا الفكر الوهابي السلفي التكفيري لشخصيتين مهمتين تطرق إليهما رسول الله r بشكل تفصيلي في الكثير من أحاديثه النبوية الشريفة وهما السفياني ثم المسيح الدجال كما سنتطرق إليهما بالتفصيل في الفصل الخامس والسادس من هذا الكتاب. 

وفي واقع الأمر، فإن كل هؤلاء في أرجاء العالم الإسلامي إنما يتبعون المذهب الوهابي لفرقة الإخوان النجدية الأصل والوهابية العقيدة والسلفية المسمى والتكفيرية المنهج، حيث استأثروا بعقيدة محمد بن عبد الوهاب خلاف الحكام من آل سعود الذين تخلّوا عن معظم تلك العقائد والمبادئ وبالذات اتهام الآخرين بالشرك وقتلهم استناداً إلى هذا الاتهام. حيث يتهم جهيمان العتيبي الحكومة السعودية بالكفر لأنها تسمح للشيعة بالحج إلى بيت الله، والشيعة مشركون والمشركون نجس ويحرم دخول النجس إلى بيت الله بحسب زعم جهيمان العتيبي. (راجع رسائل جهيمان العتيبي، رفعت سيد أحمد، مكتبة مدبولي، ص 255). وهكذا يتجلّى أمامنا مصداق قول الرسول r إن في الشرق وفي نجد بالذات الزلازل والفتن ورأس الكفر. فهكذا كانوا هم طوال التاريخ وإنهم الآن ينتشرون بعقائدهم تلك وأفكارهم في أرجاء العالم الإسلامي.

فهكذا بدأ مسيلمة الكذاب، وبعد قطع قرنه قام قرن الخوارج، وما إن قطع قرنهم حتى نجم قرن صاحب الزنج، وما إن قطع قرنه حتى نجم قرن القرامطة منهم، حيث كان زعيمهم من آل الجنابي البحراني ولكن كل قوته وقوام جنده من أعراب اليمامة، وقد خالفه قومه في البحرين فحاصرهم ببدو نجد لفترة سنتين حتى دخل البحرين عنوة، وما إن قطع قرنه حتى نجم قرن محمد بن عبد الوهاب وأقام الدولة الوهابية السعودية الأولى، وما إن انقطع قرنها حتى قامت دولتهم الثانية، وما إن قطع قرنها حتى قامت دولتهم الثالثة بالتحالف بين آل سعود والوهابيين من الإخوان، وما إن قطع قرن الوهابيين من الإخوان في أواخر العشرينات من هذا القرن حتى نجم قرنهم في أواسط الستينات في الرياض حيث احتلوا مبنى التلفزيون، وما إن قطع قرنهم حتى نجم مرة أخرى باحتلال الحرم المكي الشريف في أواخر السبعينات، وما إن قطع قرنهم حتى نجم مرة أخرى في أوائل التسعينيات، وفي هذه المرة عاثوا في الأرض فساداً فقتلوا النساء والأطفال في الجزائر، وقتلوا السيّاح من المدنيين في مصر واليمن، وذبحوا المسلمين في أفغانستان، وقتلوا المدنيين في نيويورك والسيّاح الأستراليين في تفجير بالي في إندونيسيا لا يفرقون بين مسلم يباح دمه لأنه يدفع الضرائب للحكومات الغربية وبين المدنيين من غير المسلمين، وما أن قطع قرن أسامة بن لادن حتى ظهر قرن أبو مصعب الزرقاوي وتنظيم قاعدة الجهاد في أرض الرافدين الذي عاث فساداً وقتلاً وإرهاباً في العراق ومناطق أخرى من العالم وكان أغلب أعضاءه من منطقة نجد في السعودية، وما أن قطع قرنه حتى نجم قرن أبو بكر البغدادي وتنظيم داعش في العراق والشام الذي يحظى بأكبر تأييد عالمي من بلاد نجد.

.. لقد سبق الوهابيين أربعة قرون للشيطان في بلاد نجد. ولكن نجم للوهابيين أنفسهم وحدهم ثمانية قرون للشيطان ستة منها في بلاد نجد.

وبهذا فإن التفسير الحرفي لحديث الرسول لا يتحقق بنفس الدرجة من العمق والشمول إلا بتعريفه للوهابيين، فلا يمكننا القول إنه كلما قطع لمسيلمة الكذاب قرن في نجد نجم له قرن آخر، ولا يمكننا القول إنه كلما قطع للخوارج قرن في نجد نجم لهم قرن آخر، وكذلك الحال بالنسبة للزنج والقرامطة. ولكننا نستطيع أن نفسر قول الرسول r إنه كلما قطع قرن للشيطان في نجد نجم آخر (بأنه كلما قطع قرن للوهابيين في نجد نجم لهم آخر). وبهذا تتجلّى مصاديق نبوءة الرسول r في إخباره لما سيحدث لاحقاً بعد أكثر من أربعة عشر قرناً، وإن مصاديق قول الرسول r في رواية أحمد بن حنبل الواردة الذكر أنه زاد في تعداده لقرن الشيطان عن عشر مرات حتى يكون في آخرهم الدجّال.

وهكذا يمكننا أن نستنتج من بحثنا الآنف الذكر أن أحاديث (قوم في آخر الزمان) لا يمكن أن تنطبق بأي حال من الأحوال على الخوارج؛ كما أنه لا يمكن أن يتبادر إلى الذهن أن هذه الأحاديث غير صحيحة أو موضوعة للنيل من الحركة الوهابية لاستحالة هذا الأمر كما أثبتنا سابقاً؛ كما أن هذه الأحاديث لا تتمتّع بنفس الدرجة من المصداقية في انطباقها على أي من الفئات الأربع الأخرى كدرجة المصداقية في انطباقها على الحركة الوهابية.

نبوءة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بحق اتباع فكر داعش والقاعدة نقلاً عن كتاب [داعش ومستقبل العالم] لمؤلفه عبد الرحمن البكري (الجزء الثالث)؛

أما العناصر الأخرى فيمكن أن تنطبق بشكل نسبي على الفئات الأربع الأخرى ولكن بشكل كامل على الحركة الوهابية كما نوضحه في النقاط التالية:

1، مقولة الرسول r في أنهم يقولون من قول خير البرية ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم، يحسنون القول ويسيئون الفعل

فإنها يمكن أن تنطبق على الفئات الأخرى بشكل نسبي فالخوارج يحرمون التقاط تمرة من الطريق ولكنهم يستبيحون دماء المسلمين، والقرامطة يدعون إلى إشاعة العدل والمساواة بين الناس وفي الوقت نفسه يقتلون حجاج بيت الله الحرام ويسلبون الحجر الأسود من مكانه. أما الوهابيون فإنهم يتميزون بميزة خاصة في هذا المجال، فترى قمة إساءتهم بالفعل تتجلّى في قمة إحسانهم بالقول، فإنهم بالقول يتصدون لأهم قضية في العقيدة الإسلامية، بل المحور الأساسي للعقيدة الإسلامية وهي قضية التوحيد، فمقولتهم إن العبادة لا تكون إلا لله وإن الله وحده هو القادر على إجابة الدعاء ودفع الضرر وإيجاد النفع، وإن الشفاعة لله جميعاً هي صميم الحق، وأما تفرعهم عن هذا المبدأ وقولهم إنه لا يجوز طلب الشفاعة من غير الله ففيه إخفاء لحقيقة أن كون الشفاعة لله جميعاً لا تنفي أن يتخذ الله بعضاً من عباده من رسل وأنبياء ليكونوا وسيلة إليه؛ وأما تفرعهم من هذا المبدأ وزعمهم أن من يعتقد بشفاعة الأنبياء فهو مشرك فإنه استدلال على درجة كبيرة من الذكاء أو حسن القول؛ فإنهم توصّلوا إلى نتيجة غير صحيحة من مقدمة صحيحة وطريقة استدلال صحيحة، والخلل الوحيد هو إخفاء حقيقة واحدة، لهذا السبب ترى كلامهم مقنعاً ومؤثراً. فالخوارج في إباحتهم لدماء المسلمين ينطلقون من مقدمة غير أساسية وغير صحيحة وهي قولهم (إن مرتكب الكبيرة كافر)، كما أن مقولة الخوارج (لا حكم إلا لله) هي مقدمة صحيحة ولكن طريقة الاستدلال غير صحيحة في (إنه لا يجوز التحكيم في الأمور الدينية) والتي توصلوا بها إلى نتيجة بطلان التحكيم في معركة صفين وكفروا كلاًّ من علي ومعاوية.

وهكذا نرى أن الوهابيين، انطلاقاً من تميزهم بحسن القول (وليس بصدق القول)، توصلوا إلى إباحة دماء المسلمين وفتكوا بهم وقتلوهم ونهبوا أموالهم وسبوا نساءهم وذراريهم فكانت النتيجة هي قمة الإساءة في الفعل انطلاقاً من حسن القول، فكانوا المصداق الحقيقي لحديث الرسول r.

إن الذي يستمع إلى خطب أسامة بن لادن بنبرته الهادئة واستشهاده بآيات الكتاب وأحاديث الرسول r يقول ما أحسن هذا القول، ولكن عندما نرى امرأة مسلمة قد بترت ساقها في انفجار الرياض، أو شيخاً مسلماً قد سلخت فروة رأسه وجلدة وجهه وهو حي في مدينة يوكولانك في أفغانستان على يد طالبان، أو مجموعة من الأطفال المسيحيين والمسلمين قد مزقت أوصالهم في دار الحضانة في مبنى التجارة العالمي في نيويورك، أو نساء طبيبات تفجر رؤوسهن برصاصات في الأماكن العامة في مدينة الموصل شمال العراق لأنهن إعترضن على أعمال داعش، تتجلّى أمامنا عظمة الرسول r في مخاطبته إيانا بشكل خاص قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ليعصمنا من الضلال، وتتجلّى أمامنا عظمة هذا الدين وصدقه في كشف مستور الغيب قبل أكثر من ألف عام، وهذا بحد ذاته أقوى دليل على أن الإسلام هو دين الحق وأن الله عالم الغيب قد أوضح لنا معالم صراطه المستقيم وسبيله القويم وباينه عن سبل الضلال لئلا تفرق بنا عن سبيله.

2، مقولة الرسول r في أن هؤلاء القوم سيخرجون في آخر الزمان

لقد أثبتنا في الاعتراض الأول أن هذه المقولة لا تنطبق على الخوارج، ولكن هل يمكن أن تنطبق على الفئات الأخرى غير الوهابيين؟

فمسيلمة الكذاب كان معاصراً لرسول الله r، فهو في أول الزمان وليس في آخره، أما صاحب الزنج فقد قام أمره عام 69هـ وكانت نهاية دولته عام 270هـ فكان أمره في أول الزمان وليس في آخره؛ أما القرامطة فإنهم ظهروا في القرن الثالث الهجري واستمروا لأقل من قرنين فكانت نشأتهم ونهايتهم أقرب إلى أول الزمان من آخره.

وقد يقول قائل إن الفئات الثلاث آنفة الذكر قد انتهى أمرها ولكن الخوارج كالوهابيين ما زال أمرهم قائماً في آخر الزمان؟

ولكن وإن صح هذا الأمر فإن هذا الحديث لا يمكن أن ينطبق بأي شكل من الأشكال على الخوارج لأن بروزهم كقوة وقتالهم كان في أول الزمان ووجودهم في آخر الزمان ليس كقوة مقاتلة.

وحتى وإن كانوا قوة مقاتلة أو يمكن أن يكونوا في المستقبل فالحديث يؤكد على قوم يخرجون في آخر الزمان. والخوارج قد خرجوا في أول الزمان ووسطه، والحديث لا يشير إلى قوم ذوي وجود مستمر من أول الزمان إلى آخره.

أما بالنسبة إلى السلفيين الوهابيين فإن أهم ما يميزهم هو خروجهم في آخر الزمان، حيث كان أول خروجهم في أواخر القرن الثاني عشر الهجري وما زالوا حتى يومنا هذا كقوة مقاتلة ارتكبت أبشع المجازر في تاريخ المنطقة خلال القرون الثلاثة السابقة وباسم الإسلام.

3، مقولة الرسول r في أنهم يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء

أما مقولة الرسول r في كونهم يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم فليس أدل من ذلك وأوضح من مقولتهم الأولى في التجسيم في زعمهم أن تجسيم الله وإن لله يداً ورجلاً ووجهاً وغيرها من الضلالات والصفات البشرية هو في إثبات الصفات كما وردت في القرآن بحسب زعمهم خلاف تفسير أهل السنة والجماعة… ومقولتهم الثانية في نسبة آيات الشرك إلى المسلمين الذين يؤمنون بالشفاعة، فضلاً عن إباحتهم لدماء المسلمين من النساء والأطفال لأن آباءهم يعملون في السلك العسكري في الجزائر استناداً إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا(نوح، آية 27) واستخدامهم هذه الآية لقتل الأطفال والنساء والرجال المدنيين غير المقاتلين من غير المسلمين، لأنهم سيّاح في البلاد الإسلامية، أو يحملون الجنسية الأميركية، أو لأنهم من المسلمين الذين سكنوا الغرب ودفعوا الضرائب للحكومة الأميركية، كل تلك التصرفات تبرر بمبررات غريبة مخالفة للواقع ولكتاب الله والله عز ذكره يقول: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (النجم، الآية 38). ويقول جل جلاله ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (النساء، الآية 93). فكان ذلك بحق مصداق قول الرسول r يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم.

4، مقولة الرسول r ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء وقوله r يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصلاتهم أكثر من صلاتكم

قد ينطبق هذا الحديث بشكل نسبي على صلاة الخوارج حيث تذكر الروايات أن آثار السجود كانت ظاهرة على جباههم. أما مسيلمة وقومه فإنهم لا يصلّون، وأما دولة صاحب الزنج أو القرامطة فلا تذكر لنا كتب التاريخ أي ميزة لصلاتهم.

أما الوهابيون فإن لهذا الحديث دلالة صارخة تشير إليهم، حيث تبدو هذه الحقيقة واضحة للعيان وبشكل لا يقبل الشك والتأويل إلى كل من يذهب إلى بلادهم، فتراهم في وقت الصلاة يتركون أعمالهم ويغلقون محالهم ويتوجهون بأجمعهم إلى المساجد لأداء الصلاة جماعة، ولا تجد بلداً في العالم تتعطّل فيه الأعمال عند حضور الصلاة كما هو الحال في بلاد الوهابيين. فصلاتهم تتميز بأربع ميزات: أولاها إن كل أمر من أمور الدنيا من التجارة وسائر الأعمال تتوقّف وتقدم الصلاة عليها، وثانيها إنهم يلتزمون دائماً بأداء الصلاة في أول وقتها، وثالثها إنهم يلتزمون بأداء الصلاة جماعة، ورابعها إنهم يلتزمون بأداء الصلاة في المسجد؛ لذلك ترى انطباق قول الرسول r في قوله: (ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء)، وقوله في موضع آخر: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم) ينطبق انطباقاً كاملاً عليهم وعلى صلاتنا إلى صلاتهم.

5، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم سيماهم التحليق

ليس هناك أي دليل تاريخي ثابت على أن أيّاً من قوم مسيلمة أو الخوارج أو صاحب الزنج أو القرامطة كانت سيماهم التحليق، ولكن هذه الصفة هي من صفات الوهابيين بشكل قطعي، حيث يذكر الشيخ دحلان في (خلاصة الكلام) أن محمد بن عبد الوهاب يأمر من اتبعه بحلق رأسه وكان السيد عبد الرحمن الأهدل مفتي زبيد يقول لا يحتاج إلى التأليف في الرد على ابن عبد الوهاب بل يكفي في الرد عليه قوله r سيماهم التحليق، فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة. (وفي الحقيقة فإن تحليق الوهابيين لرؤوسهم ليس نابعاً من تقليد يتبعونه وإنما هو نابع من عقيدة يعتقدونها استناداً إلى حديث موضوع عن رسول الله r في نهيه عن (القزع) وهو قص الشعر بأطوال مختلفة كما هو متعارف في حلاقة الرجال في جميع أرجاء العالم، ويزعمون أن الرسول r قال كما ورد في الحديث الموضوع (قصه كله أو دعه كله)، لذلك فالتحليق لدى الوهابيين نابع من عقيدة دينية وليس من تقليد خاص بهم فحسب (راجع الفصل الأول: باب اتهام أهل السنّة والجماعة بالضلال).

6، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم يمرقون من الدين كمرق السهم من الرمية هم شر الخلق

فهذه المقولة هي من أعجب مقولات الرسول r، ولو أردنا استخدام أي تعبير آخر في الانفصال غير ذلك التعبير لما أفلحنا. فإننا لو شبهنا انفصالهم عن الإسلام كانفصال الرمح من يد الرامي فالرامي يحمل رمحاً واحداً فإذا رماه رجع إليه لأنه لا بديل له عن ذلك، ولو كان انفصالهم كانفصال الرأس عن الجسد ففي ذلك الانفصال موت للجسد إذا بقي بلا رأس، وإذا كان الانفصال كانفصال الصوف عن جلد الضأن فالصوف يترك جانباً، أما في انفصال السهم عن الرمية فإنه عند أول انفصاله يبتعد أشد البعد وبأسرع وقت. فلماذا استخدم الرسول r هذا التعبير بحقهم، ولم يستخدمه بحق الفرق الإسلامية الأخرى؟ وما هو الاختلاف بين الوهابيين والفرق الإسلامية الأخرى لكي يستحقوا مثل هذا الوصف؟ وما هي الاختلافات بين الفرق الإسلامية الكبرى بحيث لا تستدعي مثل هذه النعوت الشديدة وهذه الاتهامات العنيفة؟

هناك اختلافات متعددة بين السنّة والشيعة والمعتزلة، ولا ننكر أن بعض الاختلافات كبيرة وبالذات موقف الشيعة من الصحابة ومن بعض أمهات المؤمنين مما يتعارض مع بديهيات الدين بشأن عقيدة أهل السنة بحق صحابة وزوجات رسول الله r، ولكنها تضل اختلافات لا ترقى إلى أسس العقيدة من التوحيد والنبوة والمعاد. أما الوهابيون فيعتبرون خلافاتهم مع غيرهم من المسلمين خلافات عقائدية تطال أهم وأول عنصر من عناصر العقيدة، وهو التوحيد، حيث يزعمون أن من يؤمن بشفاعة الأنبياء والرسل في عالم البرزخ فهو مشرك، وأن من لا يعتقد بأن لله يداً أو رجلاً أو غيرها من صفات التجسيم فهو كافر وملحد. وهذه الاتهامات تستدعي كفر أحدهما لقول الرسول r (إذا كفّر المسلم أخاه المسلم فقد كفر أحدهما). فأما الوهابيون هم الموحدون والمسلمون الحقيقيون وغيرهم من المسلمين ليسوا إلا كفاراً ومشركين وملحدين أو أن تهمة الكفر ترجع إلى قائلها، وبما أن الوهابيين لم يتورعوا عن اتهام غيرهم من المسلمين بالشرك والكفر والإلحاد واستباحوا دماءهم فأكثروا فيهم القتل واستباحوا نساءهم وأموالهم وسبوا ذراريهم فإنهم المصداق الحقيقي لقول الرسول الأعظم r، فكان مروقهم عن الإسلام مروقاً كاملاً كمروق السهم من الرمية، وإذا مرق السهم من الرمية فلا حاجة إليه بل في جعبة الرامي أسهم متعددة، وابتعاد السهم ليس فيه نقص للرامي، فالإسلام يبقى ناصعاً، فهو الأصل ولا يضيره مروق الوهابية وغيرها منه، فكان ذلك أبلغ تعبير، فكلمات قليلة عبّرت عن حقيقة كاملة وبأصدق وصف. كما أن هناك إشارة أخرى إلى السلفيين الوهابيين في هذا الحديث، فإذا كان مروقهم من الإسلام كمروق السهم من الرمية، فمعناه أن الإسلام هو الرمية والسهم هم السلفيون الوهابيون. وفي هذا الوصف تشبيه دقيق للتفريق بين الإسلام والسلفيين الوهابيين، فالرمية عادة ما تكون حيواناً يؤكل كالطيور والغزلان، وتتميز هذه الحيوانات بالجمال والرقة والطيبة والبراءة وعدم الاعتداء على الآخرين وكل هذه الأوصاف تنطبق على الإسلام، أما السهم فإنه يتميز بالقسوة والغلاظة والعنف والقتل، ونجد جميع هذه الصفات من ميزة الحركات السلفية الوهابية.

قساة القلوب، غلاظ السلوك، عنيفو التعامل، قتلة للأبرياء من الناس من أطفال ونساء وشيوخ ورجال. فما أصدق رسول الله r وما أعظم الإسلام وما أدق الوصف، فقبل ألف وأربعمائة عام يعرّفنا الرسول r بوحي من الله بشأن تلك الفئة المارقة عن الدين وبصفاتهم البعيدة كل البعد عن القيم الإسلامية العظمى، فهل بعد ذلك شك في هذا الدين العظيم؟ وهل بعد ذلك شك في أن الله بعث رسوله الكريم r رحمة إلى العالمين ومنذراً من الوقوع في الضلال وهادياً إلى صراطه المستقيم.

ثم لا يكتفي الرسول r بذلك بل يضيف عبارة بعد مروقهم من الدين إنهم (لا يرجعون إليه) فلماذا لا يرجعون إليه؟؟؟

إن هناك صنفين من الوهابيين؛ صنف تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من المسلمين، وصنف لم تتلطخ أيديهم. إن المقصود في حديث رسول الله r هم الذين تلطّخت أيديهم بقتل الأبرياء من المسلمين فهؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (النساء، الآية 93) وهؤلاء هم الذين من الممكن أن لا يرجعون اليه.

قد يطلع الكثير من الوهابيين على هذه الصفحات ؛ وإني في هذا المجال أنصح من لم تتلطخ يده بدماء الأبرياء من المسلمين أن يعجّل بترك الطريق الذي لا يوصل إلا الى الخلود في نار الجحيم؛ فإنه على مفترق طريق، إما ان يختار طريق الحق لبلوغ السعادة الأبدية بعد الموت في جنان الخلد؛ وبخلافه سيكون هذا الكتاب حجّة عليه حين تغلّ يديه وتجره زبانية جهنم وتسلك في فمه وتخرج من دبره سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً ويتضور جوعاً فلا يجد طعاماً غير الزقوم فيأكله فيكون كالمهل يغلي في البطون ثم يقتله العطش فلا يجد مايشرب غير الحميم فيشربه شرب الهيم فتذوب شفتيه  فيبدو وجهه كالحاً كوجه الدابة بعد ذبحها وسلخ جلد وجهها فتظهر أسنانها من غير شفاه، ثم يصب فوق رأسه من عذاب الحميم؛ فيتذكّر حين ذاك هذه الساعة التي يقرأ فيها هذه الصفحات، فيقتله الندم ولكن أنى له الأفلات من هذا المصير وأنى له النجاة من عذاب الخلود.

ولا أريد في هذه الصفحات أن أجعل من قتل المسلمين بجهالة يائساً من رحمة الله، فـ ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (يوسف، آية 87)، لأن هناك فرقاً بين من قُتل اعتداءً، وبين من قُتل بجهالةٍ معتقداً بأن هذا هو الحق. ورحمة الله ومغفرته تسع الناس جميعاً، وتسع كل من استغفر وتاب توبةً نصوحاً قبل الموت، فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة والرحمة الواسعة.

7، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام

حيث إن هذا الحديث في كونهم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يشرحه الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على صحيح الترمذي فيقول: (أحداث الأسنان يعني الاغترار بالغرارة المفضية للغرور الذي يرجع جميعها إلى الجهالة، وقوله سفهاء الأحلام يعني أن حلمهم خفيف إشارة إلى ضعفه فلا يكون معه تثبت ولا تبصرة). ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا الأمر ولكن يكفي لأي حاج مسلم صادف في مسجد الرسول r أحد الوهابيين الذين ينبرون للجدال أن يكتشف مقدار اغترارهم برأيهم ومقدار جهالتهم. ففي إحدى رحلاتي إلى الحج التقيت برفيق لي من نجد وكان من المسلمين الواعين نسبياً حيث أخبرني نقلاً عن حسن آل الشيخ الذي كان وزيراً للأوقاف وكان يكنّ له احتراماً شديداً ولكنه صُدم وفوجئ وأبدى لي تألّمه الشديد لأن حسن آل الشيخ النجدي من أحفاد محمد بن عبد الوهاب عندما تطرق إلى ذكر أحد المشايخ الحجازيين وصفه بأنه (قطة) لأنه من الحجاز حيث بلغت درجة غرورهم أن الحجازي مهما بلغ من العلم والتدين فإنه لا يمكن أن يبلغ درجة النجدي.. ويكفي تعريفاً بقلة حلمهم قتلهم لمن يستسلم إليهم كما فعلوه في مجزرتي الطائف خلال تاريخهم القديم والحديث في حين أن الرسول r في فتحه لمكة أعطى الأمان لكل من دخل بيته، وكان أهل مكة مشركين بل هم الذين أخرجوا المسلمين من ديارهم وعذبوهم وقتلوهم واستولوا على أموالهم وأملاكهم. أما أهل الطائف فلم يكن لهم أي اعتداء مسبق على الوهابيين، وقد أعطاهم الوهابيون الأمان، ولكن عندما دخلوا الطائف اقتحموا عليهم بيوتهم وقتلوا رجالهم وسبوا نساءهم وجردوهم من ثيابهم حتى أصبحوا فقراء يتكفّفون الناس مع إرغامهم وبالقوة على اعتناق العقيدة الوهابية. إنهم يستسهلون اتهام المسلمين بالكفر بحجج واهية وقد ورد في الحديث الصحيح (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) وورد أيضاً (من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما)، ولكنهم يستسهلون تكفير المسلمين لأنهم بكل صدق سفهاء الأحلام، فحلمهم خفيف وضعيف فلا يكون معه تثبت ولا تبصرة كما ورد في شرح صحيح الترمذي.

الرد على لمز علي التميمي

علي التميمي

لا أدري ما هو السبب الذي دعى الأخ علي التميمي كتابة موضوع نشره في بعض مواقع الإعلام مردداً ألإفتراءات التي حيكت ضدي في مراحل سابقة وإتهامي لمزاً بشأن المشروع  ألأمني وأني لم أذكر إسم الشركة الإستشارية، حيث للأسف كرر التهم الباطلة التي أحيلت في وقتها إلى القضاء وقال القضاء كلمته الفاصلة وحكمه التمييزي القاطع في رد كافة الإفتراءات الباطلة بحقي، مع إتهامات أخرى من قبل علي التميمي لا قيمة لها، ولا أرغب بالرد عليه فليس هذا ديدني ولكن أحيل القاريء الكريم إن كان يبتغي معرفة الحقيقة إلى رسالتي العلنية التي أرسلتها في وقتها إلى مجلس القضاء ألأعلى لتتضح له الصورة كاملة بكل أبعادها.

حيث يمكن الإطلاع على الرسالة على الموقع التالي:

mohammedallawi.com

رسالة محمد علاوي إلى مجلس القضاء الأعلى بتاريخ ٢٠ / ٨  / ٢٠١٣

محمد توفيق علاوي

بغداد – العراق

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي حسن الحميري المحترم

السادة اعضاء مجلس القضاء الاعلى المحترمين

الموضوع: تهمة فساد مع شركة (CS) الفرنسية 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صدر في وسائل الاعلام بتاريخ 20/7/2013 وبالذات في موقع المسلة مقالة بشأن توصيات صادرة من قبل لجنة تحقيقية معرفة بلجنة (39س) برئاسة قاضي من مجلس القضاء الاعلى وعضوية المفتش العام في وزارة الداخلية وعضو من مستشارية الامن الوطني.

وفي الحقيقة فأني تصورت ان مجمل الأمر عبارة عن فبركة اعلامية، لأنه لا يمكن ان يخطر على ذهني ان يصدر مثل هذا التقرير المليء بالمعلومات المغلوطة والمفبركة من قبل لجنة يترأسها قاض ٍ من مجلس القضاء الأعلى، وكنت اتوقع ان يصدر تكذيب من قبل مجلس القضاء الأعلى او مفتش عام وزارة الداخلية او ممثل مستشارية الأمن الوطني، ولكن حينما تبين بعد حوالي الشهر انه لم يصدر اي تكذيب وبالذات بعد صدور بيان اعلامي من قبل المستشار الفني لوزارة الأتصالات، علمت وللأسف الشديد ان الأمور قد وصلت الى مستويات خطيرة في البلد يخشى من تبعاتها على وضع الدولة وكل مؤسساتها المختلفة، ولهذا قررت الكتابة لسيادتكم، وقد ارسلت نسخاً منها الى كافة المراجع العليا في الدولة كما هو واضح في آخر الرسالة.

فضلاً عن ذلك فان الذي دعاني ايضاً لتوجيه هذا الكتاب لكم هو لأن اللجنة المذكورة كانت برئاسة قاضي من مجلس القضاء الاعلى.

كان ضمن ما نشر في الاعلام  انه قد تم توجيه الاتهام الى (محمد توفيق علاوي كوزير سابق للأتصالات). بشكل مباشر وعلى رأس قائمة متهمين مكونة من خمسة عشر شخصاً، وكان مما نشر ايضاً انه قد تم التحقيق معي بشأن العقد الاستشاري مع الشركة الفرنسية (CS) وهو افتراء واضح حيث لم يتم التحقيق معي بهذا الشأن لا من قريب ولا من بعيد ولسبب بسيط جداً وهو انه لا علاقة لي بهذا المشروع سواء في المراحل ألأولى من ألأعلان او الأحالة او في المراحل اللاحقة من التوقيع على العقد. كما جاء في استنتاجات اللجنة التحقيقية توجيه ثلاث اتهامات في الفقرات (ح) و (م) و (ع) الى وزير الأتصالات من دون ذكر الأسم والحقيقة فأن المقصود بهذه الأتهامات ان صحت هما وزير الأتصالات وكالة الاسبق (السيد جاسم محمد جعفر) ووزير الأتصالات الأسبق (السيد فاروق عبد القادر) لأن الكتب التي تمت الأشارة اليها والمواقف التي اتخذت كانت من قبل الوزيرين المذكورين اعلاه بعد تركي لوزارة الأتصالات في النصف الثاني من عام 2007، ولكن كتب الأمر بطريقة تشير الى ان المتهم هو (محمد توفيق علاوي)، وهذا مما يؤسف له وبشكل كبير لأنه يدل بشكل واضح ان قرارات هذه اللجنة تفتقر لابسط معايير المهنية التي يجب توفرها في مثل هذه اللجان في العراق الجديد، كما انني هنا أؤكد ان هذه الأتهامات التي وجهت الى الوزيرين المذكورين اعلاه هي اتهامات ايضاً عارية عن الصحة.

وقبل الخوض في الموضوع ارغب بتوضيح الحقائق التالية:

في بداية عام (2007) وبطلب مني واقرار من مجلس الوزراء بعد تقديم دراسة اولية من قبلي بشأن مشروع متميز لأمن بغداد وأمن الحدود (العراقية-السورية) تم تشكيل لجنة من خمس وزراء وهم الدفاع والداخلية والدولة لشؤون الأمن الوطني والعلوم والتكنولوجيا والاتصالات، وبرئاستي كوزير للاتصالات من اجل انشاء منظومة متطورة لحماية وأمن بغداد وحماية وأمن الحدود العراقية-السورية تلعب فيها وزارة الأتصالات دوراً مفصلياً في توفير البنى التحتية وتقديم خبراتها الفنية في مجال الاتصالات المطلوبة للمشروع.

تم التحاق اربعة اطراف اخرى باللجنة المذ كورة يمثلون محافظة بغداد، قيادة عمليات بغداد، جهاز المخابرات الوطني، ومكتب دولة رئيس الوزراء.

اول مطلب كان من قبل السادة الوزراء وبالذات وزيرالدولة لشؤون الأمن الوطني (السيد شيروان الوائلي) ووزير العلوم والتكنولوجيا (الدكتور رائد فهمي) وانا كوزير للأتصالات فضلاً عن وزراء الدفاع (السيد عبد القادر العبيدي) ووزير الداخلية (السيد جواد البولاني) وممثلي الجهات الأخرى ان يتم اختيار شركة استشارية عالمية لتحقيق امرين وهما:

لكي يتم تقديم دراسة كاملة بشأن المنظومات الأمنية المطلوب انشائها من قبل جهة استشارية عالمية متخصصة تمتلك مثل تلك الخبرات في الجانب العملي والجانب التقني والامني.

لتحقيق درجة عالية من الشفافية والمهنية بوجود جهة استشارية عالمية لتقديم التوصيات بشان اختيار الشركات المختصة التي ستنفذ المشروع لابعاد اي نوع من انواع الفساد المتمثل بامكانية الاتفاق بشكل خاص خلاف المهنية والشفافية والنزاهة.

المطلب الثاني كان توفير ميزانية لهذا المشروع حيث هناك اكثر من وسيلة فأما ان تطلب من موازنة الطوارئ وهي اسرع وسيلة وبالذات اذا كان المشروع مهم ويراد الأبتداء به في نفس العام، اما في حالة تأخر المشروع للسنة القادمة فتطلب الميزانية اما بفتح باب جديد أو تتم مناقلة المبلغ من مشروع اقل اهمية الى مشروع اهم، سواء في نفس السنة او للسنة اللاحقة.

تم الطلب من الجهات المختصة بتوفير موازنة للمشروع من ميزانية الطوارئ لأهمية المشروع القصوى في توفير الأمن للمواطنين وكلما تم الأستعجال بانجاز المشروع كلما تم حقن دماء اكثر من المواطنين الأبرياء الذين كانوا يستشهدون نتيجة للعمليات الأرهابية في كل يوم.

تمت استقالتي من وزارة الأتصالات في النصف الثاني من عام (2007) وتمت اعادتي الى مجلس النواب في ذلك الحين.

تولى (السيد جاسم محمد جعفر) مهام وزير الاتصالات وكالة حيث تم في وقته تخصيص مبلغ المشروع من خلال المناقلة من مشروع آخر وتقديم عروض الشركات واختيار الشركة الاستشارية الافضل في بداية عام (2008) وتمت الاحالة عليها.

تم التعاقد مع الشركة الاستشارية الفرنسية (CS) وتم توقيع العقد بتاريخ 19/1/2009 من قبل وزير الاتصالات الاسبق السيد (فاروق عبد القادر) وبحضور وزير الدولة لشؤون الامن الوطني السيد (شيروان الوائلي) ووزير العلوم والتكنولوجيا الدكتور (رائد فهمي) مع ممثلين عن جميع الجهات الاخرى.

تم عرقلة المشروع من قبل بعض الاشخاص من وزارة الداخلية لأسباب لسنا الأن بصدد ذكرها، وتم تشكيل حوالي ثمان لجان تحقيقية اكثرها لم تصدر اي توصيات، وقد صدرت توصيات من قبل آخر هذه اللجان وهي اللجنة (40 س) والتي تؤكد ان العقد صحيح ولا تشوبه شائبة فساد.

بعد صدور هذه التوصية قامت لجنة (39س) التحقيقية )الملغاة بكتاب رسمي من الامانة العامة لمجلس الوزراء لكونها غير حيادية) باصدار عدة توصيات وهو امر يدعو للأستغراب لمخالفتها للتعليمات الصادرة بايقافها واحلال لجنة (40س) محلها والاغرب من هذا ان هذه اللجنة كانت برئاسة قاضي من مجلس القضاء الأعلى حسب ما ورد في المقال المذكور.

كانت احدى التوصيات هي اتهامي انا شخصياً (محمد توفيق علاوي) كوزير للاتصالات بتهمة طلب توفير موازنة للمشروع من ميزانية الطوارئ.

في حقيقة الأمر ان التوصية قد صدرت بشكل مقلوب حيث يمكن ان توجه تهمة للوزير بالتقصير ان لم يسع لتوفير الموازنة للمشروع، اما ان يطلب بتوفير الموازنة من ميزانية الطوارئ فهذا امر طبيعي، وهو الاجراء الذي كان من المطلوب ان يتخذ وبخلافه فهناك تقصير من الوزير او من مجموعة الوزراء والجهات المشرفة على المشروع حيث لم يجر اي تحقيق.

تضمنت احدى فقرات اللجنة التحقيقية حسب ما ورد في موقع المسلة ان تحقيقاً قد أجري معي (محمد توفيق علاوي – كوزير سابق للاتصالات) وهو افتراء وكذب واضح.

ان قرارات اللجنة التحقيقية قبل اعلامي بها رسمياً ومن دون التحقيق معي تم نشرها في وسائل الاعلام بهدف التشهير الباطل ولسببين:

الاول: اهداف سياسية لأستهداف شخص (محمد توفيق علاوي).

الثاني: للتغطية على عملية سرقة كبرى بلغت حوالي 34 مليون دولار كما هي مذكورة في التقرير المرفق للمستشار الفني للاتصالات والأمن الاتصالاتي في وزارة الاتصالات.

سنكون شاكرين اذا تفضلتم بتوضيح ما يلي :

حسب علمي ان مجلس القضاء الاعلى هو اعلى سلطة قضائية في البلد ومن الطبيعي ان يتمتع بأعلى درجات الشفافية والصدق والعدل والنزاهة، ولكن ما أجهله ان وجود شخص من مجلس القضاء الاعلى على رأس هذه اللجنة التحقيقية، هل انه في هذه الحالة يمثل وجهة نظر مجلس القضاء الاعلى أم انه يمثل وجة نظره فحسب؟!.

ان كان يمثل وجهة نظر مجلس القضاء الاعلى فهناك حديث اخر.

اما ان كان يمثل وجهة نظره فأني اتقدم بشكوى الى مجلس القضاء الاعلى بحق القاضي رئيس اللجنة وكافة اعضاء اللجنة بما يلي:

الكذب والافتراء والاتهام بالباطل بقلب المعلومات والزعم بأن عملية تقديم الطلب لتوفير موازنة للمشروع من ميزانية الطوارئ يعتبر تهمة، وفي نفس الحين تم التغطية من قبل هذه اللجنة على سرقة مبلغ (34 مليون دولار) مع العلم ان تقريراً كاملاً بهذه السرقة قد قدم الى هذه اللجنة من قبل السيد المستشار الفني للأمن الأتصالاتي في وزارة الأتصالات.

الأفتراء بالباطل والزعم بأنه تم التحقيق معي وهذا ما لم يحصل.

فتح تحقيق بشأن التعمد لتعطيل هذا المشروع حيث حسب تصوري لا يوجد مشروع منذ انشاء الدولة العراقية حتى يومنا هذا تم الاشراف عليه من قبل عدة جهات لتحقيق اعلى درجات النزاهة والشفافية والعدل حيث تم الاشراف على هذا المشروع على كافة مراحله بشكل مباشر من قبل لجنة من اثنان وعشرون عضواً يمثلون خمسة وزارات ومكتب دولة رئيس الوزراء فضلاً عن الجهات الاخرى المذكورة.كما ان العقد النهائي وان كنت في حينها خارج الوزارة فقد تم مراجعته واجراء التعديلات عليه واقراره من قبل وزارة التخطيط المسؤولة عن وضع تعليمات العقود الحكومية لذلك من المستغرب جداً ان تشكل ثمان لجان تحقيقية مما ادى الى تأخير انجاز المشروع الى وقت غير معلوم حيث من الطبيعي مثل هذه المشاريع ان يتم اختيار الشركة الاستشارية وتوقيع العقد معها في فترة لا تتجاوز السنة ويتم تنفيذ المشروع في فترة لا تستغرق اكثر من ثلاث سنوات على ابعد الحدود. ومعنى هذا ان المنظومة الامنية كان يمكن انجازها على ابعد الحدود في نهاية عام (2011)، ولكن بعد ست سنوات لم يتم حتى الآن الاتفاق مع الشركة الاستشارية.

ان التعمد في تعطيل هذا المشروع يدل على احد امرين او كليهما.

من اجل التغطية على عملية سرقة كبرى بمبلغ 34 مليون دولار كما هو واضح من التقرير المرفق للسيد المستشار الفني للاتصالات والأمن الاتصالاتي لوزارة الاتصالات السيد (ليث السعيد) والتهيئة لسرقة اكبر عند توليهم مسؤولية اختيار الشركة التنفيذية لمشروع حماية امن بغداد والحدود.

ان هناك اتفاق مع الجهات الارهابية من اجل تخريب البلد وقتل اكبر عدد من الابرياء وذلك بتعطيل المشاريع الامنية الفعالة التي توفر الامن للمواطن وتكشف العمليات الارهابية والارهابيين.

كما هو معلوم ان البلد تعرض ولا زال يتعرض الى عمليات ارهابية كبيرة قد اودت بحياة الالاف من الابرياء، وكان يمكن بكل سهولة حقن دماء حياة الآلاف من الابرياء وعلى الاخص خلال السنتين السابقتين لو تم التعامل باخلاص وصدق ونزاهة، ولكن للأسف ومن اجل مصالح شخصية ومنافع خاصة وفساد مالي واضح ولعل هناك تنسيقاً مع الارهابيين يتم تعطيل مثل هذه المشاريع المهمة للبلد.

ان اكثر شيء يدعو للأستغراب هو تشكيل هذا العدد الكبير من اللجان التحقيقية التي لم تكلف نفسها عناء التحقيق بشأن التقرير المقدم اليها والمتعلق بعملية السرقة لمبلغ (34 مليون دولار) وهي القضية الكبرى، بل ان تقديم هذا التقرير من قبل المستشار الفني للاتصالات والأمن الأتصالاتي جعل اللجنة التحقيقة تكيل اليه الأتهامات الغريبة التي لا أساس لها من الصحة بهدف التغطية على السراق الحقيقيين الذين استولوا على مبلغ الـ(34 مليون دولار)، والأغرب من ذلك توجيه الأتهام لمن قدم طلباً لتوفير الموازنة المطلوبة للمشروع فضلاً عن توجيه الاتهام الى اكثر من عشرة اشخاص اخرين اغلبهم يتحلى بأعلى درجات النزاهة والبعض منهم لم تكن له اي علاقة بالمشروع حيث كانت احدى المهندسات في بعثة دراسية خارج البلد خلال فترة اجراءات التعاقد ولكن الاتهام وجه اليها والى الآخرين امعاناً في الفساد والباطل لأن هؤلاء الاشخاص لم يقروا هذه اللجنة على فسادهم وباطلهم بل كان بعضهم يطالب دوماً بفتح تحقيق بشأن سرقة الأربعة وثلاثون مليون دولار وهم من الاشخاص الذين زودوا اللجان التحقيقية وآخرها هذه اللجنة بجميع الوثائق التي تفند ادعاءاتهم بالمخالفات وبالرغم من ذلك تم التغاضي عنها في توصيات اللجنة النهائية واعتبروا متهمين دون غيرهم.

ان توصيات اللجنة التحقيقية المذكورة يمثل اعلى درجات الفساد، وهناك تعمد واضح للتغطية على الفساد الحقيقي مع امكانية تعاونهم مع الجهات الارهابية من اجل الفتك بأرواح اكبر عدد من الابرياء، وهذا الامر يتطلب منكم فتح تحقيق واضح واحالة المسوؤلين عن السرقات الكبيرة وعن التضحية والاستهانة بارواح الناس الى القضاء العادل. واني استطيع ان اقول وللأسف الشديد ان النتيجة الطبيعية في ادارة الملف الأمني بهذه العقلية وبهذا الأسلوب وبهذه الدرجة من الفساد، انه بعد عشر سنوات من القضاء على النظام البائد فأن عدد القتلى شهرياً يتجاوز الالف قتيل، ولكن لو كان هذا المشروع منفذا لكان بكل سهولة يمكن حقن دماء اكثر من 90% من الشهداء والجرحى الذين يسقطون نتيجة العمليات الأرهابية في كل يوم، واذا ما استمر الامر بهذا الشكل فاني اتوقع ان يتدهور الامر بشكل اكبر وسننتقل من حالة سيئة الى حالة اسوأ، ولذلك فأن للقضاء ومجلس القضاء الاعلى دور اساسي ومفصلي لاحقاق الحق والقضاء على الباطل والفساد، فيمكن ان تسير دوائر الدولة بالشكل الصحيح والعادل والنزيه ويمكن للمشاريع التي توفر الأمن والحماية لأرواح المواطنين ان تنفذ بشكل عادل وسليم وصحيح وعاجل وعندها سيتحقق ويتوفر الامن للمواطنين، فيحيا الناس في امن وامان وسلام، وهذا املنا الكبير بالقضاء العراقي العادل والنزيه.

نسأل الله ان يوفقكم لأحقاق الحق ونشر القسط والعدل فإن مهمتكم صعبة وقراركم خطير وهو الفيصل في ان ينحدر البلد الى مهاوي الفساد والظلم والبغي والجور او ان يرتفع الى مصاف الدول المتقدمة في انظمتها القضائية العادلة والمنصفة لنصرة الحق ومعاقبة الباغين والمعتدين وبسط القسط والعدل على كافة ارجاء وربوع وطننا العزيز.

محمد توفيق علاوي

وزير الاتصالات السابق

20.8.2013

ملاحظة

في حالة رغبتكم فأني مستعد لتزويدكم بالوثائق المطلوبة في حالة فتح تحقيق بشأن ما هو مذكور اعلاه.

المرفقات

نسخة بيان المستشار الفني للأمن الأتصالاتي لوزارة الأتصالات السيد ليث السعيد

نسخة منه إلى

فخامة رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني المحترم

فخامة نائب رئيس الجمهورية السيد خضير الخزاعي المحترم

دولة رئيس مجلس النواب السيد أسامة النجيفي المحترم

رئيس التحالف الوطني الدكتور ابراهيم الجعفري المحترم

رئيس ائتلاف العراقية الدكتور اياد علاوي المحترم

رئيس التحالف الكردستاني الدكتور فؤاد معصوم المحترم

رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البرزاني المحترم

دولة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي المحترم

معالي نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية السيد روش نوري شاويس المحترم

معالي نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة الدكتور حسين الشهرستاني المحترم

معالي نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات والإعمار الدكتور صالح المطلك المحترم

معالي وزير الاتصلات وكالة الدكتور طورهان المفتي المحترم

معالي وزير الرياضة ووزير الأتصالات الأسبق وكالة السيد جاسم محمد جعفر المحترم

معالي وزير الأتصالات الأسبق السيد فاروق عبد القادر المحترم

معالي وزير الأمن الوطني السابق وعضو مجلس النواب السيد شيروان الوائلي المحترم

معالي وزير العلوم والتكنولوجيا السابق الدكتور رائد فهمي المحترم

معالي السادة الوزراء المحترمون

معالي الأمين العام لمجلس الوزراء السيد علي العلاق المحترم

هيئة المستشارين لدولة رئيس الوزراء

معالي النائب الاول لرئيس مجلس النواب السيد قصي السهيل المحترم

معالي النائب الثاني لرئيس مجلس النواب السيد عارف طيفور المحترم

رئيس لجنة العمل والخدمات السيدة الدكتورة النائب فيان دخيل المحترمة.

السادة النواب أعضاء لجنة العمل والخدمات المحترمين

رئيس لجنة النزاهة السيد النائب بهاء الأعرجي المحترم.

السادة النواب أعضاء لجنة النزاهة المحترمين

رئيس اللجنة القانونية السيد النائب خالد شواني المحترم

السادة النواب أعضاء اللجنة القانونية المحترمون

السادة رؤساء الكتل في مجلس النواب المحترمون

السادة اعضاء مجلس النواب المحترمون

السيد رئيس المحكمة الأتحادية القاضي مدحت المحمود المحترم