لو كان الحسين (ع) معنا اليوم

١.المخلصون لمبادئ الحسين (ع) ولمبادئ ثورته الجبارة، إن الكثير من زواره (ع) يرددون عبارة (ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) فهناك الصادقون منهم، وهم كل من كان هدفه تحري الصدق من قوله ، وكل من قدم المصلحة العامة على مصالحه الشخصية ليس خلال هذه الأيام فحسب بل خلال باقي أيام السنة ؛ احياء الاربعينية عبارة عن دورة سنوية يتعامل فيها الناس بشفافية عالية وترتفع فيها قيمهم الايمانية وتذوب المصالح الخاصة وتسمو مفاهيم التضحية والايثار والاهتمام بزوار الحسين عليه السلام وتقديم المصالح العامة، ولكن الحسين (ع) لا يريد لهذه المفاهيم لأيام معدودة فقط بل ان تكون منهجاً للحياة يستمر بعد هذه الأيام فيسموا المجتمع الى ما أراده وما كان يبتغيه الحسين عليه السلام من خلال نهضته وثورته الجبارة، هذا هو التعامل الحقيقي الذي أراده الحسين عليه السلام للصادقين من زواره،  فهنيئاً لمن كان مخلصاً للحسين عليه السلام وجعل قيم الأربعين منهجاً لحياته.  

٢.ألسائرون على سبيل النجاة؛ وهم المذنبون ولكنهم يضعون أمام نصب أعينهم في مسيرهم للحسين (ع) إنها ليست مسيرة على الأقدام فحسب بل وسيلةً للتوبة من ذنوبهم وللمسير على نهجه؛ إن ألذي يخطوا الخطوات باتجاه كربلاء غير متفكرٍ بالحسين (ع) ونهجه فإنه لم يفهم الحسين (ع) ويفهم أبعاد ثورته العظمى، يجب على الزائر الحقيقي أن يجعل تلك الأيام في المسير إليه دورة حسينيةً على سبيل النجاة؛ أن يعاهد نفسه أن لا يعيد ذنباً ارتكبه؛ أن يتحول بعد هذه المسيرة إلى إنسان آخر، صادق مع نفسه والآخرين، معاهداً إياها أن لا يكذب ولا يغش ولا يرتشي ولا يقصر في أداء فرضٍ فيكون مصداق قوله تعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا).


٣.ألمذنبون ألذين يعتقدون أنهم بمسيرهم ستغفر ذنوبهم من دون نية الإقلاع عن الذنب، لا يغفر ذنب الغش إلا بالإقلاع عن الغش، ولا يغفر ذنب الرشوة إلا بالإقلاع عن الرشوة، ولا يغفر ذنب التقصير بأداء الفرائض إلا بالسعي لأدائها بالتمام؛ إن ألذي يجد نفسه بعد هذه المسيرة كما كان قبلها من دون تغير نحو الأفضل فسيكون مصداق قول الرسول (ص) (من تساوى يوماه فهو مغبون)، فلا تغفر الذنوب بمجرد المسير ما لم يكن هنالك نية التغير نحو الأفضل.


٤.المراؤون؛ وما أكثرهم في يومنا هذا وبالذات من الكثير من السياسيين الذين أخذوا يحكمون العراق بعد ٢٠٠٣، نعم قد كان الكثير منهم يزورون الحسين (ع) وهم صادقون، وألآن البعض يزوروه لكي تنشر صورهم في الإعلام فقط، هؤلاء هم أسوء الأصناف، وقد وصفهم رسول ألله (ص) في قوله [من طلب الدنيا بعمل الآخرة طمس الله وجهه ومحق ذكره وأثبت اسمه في ديوان أهل النار ]، كما إنهم مصداق قول الرسول (ص) أيضاً [من كان أمسه خيراً من يومه فهو ملعون]، فهؤلاء ملعونون عل لسان النبي الأمي (ص) لا يزدادون في مسيرهم نحو الحسين(ع) إلا إثماً، أعاذنا ألله منهم ومن سلوكهم ومآلهم……

محمد توفيق علاوي

المسلمون بأجمعهم سنة وشيعة مدينون في اسلامهم اليوم الى الحسين عليه السلام

*المدينة الفاضلة/ ومفهوم الطوباوية في كربلاء* بقلم: د سارة الطائي

مقالة مميزة عن زيارة الاربعين للدكتورة سارة الطائي

لأهمية هذه المقالة التي تكشف ابعاداً اخرى لهذه الزيارة العظيمة وتكشف عمق المفاهيم الحسينية في الوجدان الشعبي العراقي بمفاهيم التضحية والاحسان والايثار والحب والطهارة والرحمة والجود والكرم ولا يسعني إلا ان انشرها على صفحتي، واقول مع كل سوداوية الصورة في العراق فهذه النفوس الطاهرة والطيبة يستحقون كل خير وسيأتي اليوم الذي سينهض به بلدنا ويزدهر العراق ويكون بمشيئة الله كما يستحقه اهله وهذا اليوم قريب وقريب جداً بمشيئة الله :

*المدينة الفاضلة/ ومفهوم الطوباوية في كربلاء*

بقلم : د. سارة الطائي

إن الجمال الذي نراه على طريق الاربعين هو يوتيوبيا بحد ذاته … هو الهيكلية الحقيقية للمدينة الفاضلة التي كانت حلم الانبياء والصالحين ، والخيال الذي بناه الكثير من الفلاسفة والكتاب عن حقيقة المدينة الفاضلة حلم الانسانية…

مفهوم المدينة التي يقوم فيها الناس بالتكاتف والتعاون فيما بينهم

بدوافع داخلية بحتة….بدون اي دعوة مسبقة من جهة خارجية…

يقوم الناس في هذه المدينة حسب تصور الفلاسفة باتباع ضمائرهم والعيش بانضباط حتى في غياب القانون…

لا يحتاجون الى مؤسسات تديرهم او توجه جهودهم …

الجميع يقوم بتوزيع الطعام والعلاج والتنظيف والترميم في مكانه وعلى حسابه الشخصي..

يدخل أشخاص غرباء الى مدينتك وتعرض عليهم السكن في بيتك وانت لا تعرفهم، وهم لا يعرفونك…. فيدخلون وينامون هانئين!

تسمح لاشخاص غرباء تماماً بالنوم على فراشك والاكل من طعامك واستخدام حمامك الشخصي بدون مقابل. وكذلك هم لا يشعرون بخطر التواجد في بيت غريب!

يسمح فيها الاهالي بخروج أبنائهم وبناتهم ونسائهم ولا احد يخشى عليهم من شيء …

ينام الناس فيها في الشوارع والساحات آمنين ، ويسعى الجميع للحصول على اكبر جزء من المشقة في سبيل راحة غرباء لا يعرفونهم…

دفىء غريب يجتاح كل مكان لا يخاف فيه احد من احد ويشعر انه يعيش في كرنفال ..

الناس لا تحتاج إلى امان ،او وقاية من حر او برد لكي تسير .. فالظروف المحيطة لا تشكل اي اهمية بل قد تعتبر صعوبتها تحدياً

هنالك فلم سينمائي يجسد فكرة الفوضى والنفس الانسانية حينما تكون بلا قيود، في عالم بلا جرائم ولكن ليوم واحد في السنة تكون كل انواع الجرائم مباحة وكل القوانين معطلة فتظهر اسوء ما في النفس البشرية…. ولكن في كربلاء يوتوبيا العصر

انت تتمتع ب ١٤ يوم يفتح فيه سوق يمتد من البصرة لكربلاء يقدم فيه كل الناس اغلى بضاعاتهم مجاناً وبدون اي حساب او قيود …

ومن لا يملك ما يقدمه قد يعرض خبراته ، مثل الخدمات الطبية ،او قراءة كتب او خياطة ملابسك مجاناً….. حتى اني سمعت ان رجلاً فقيراً جدا في طريق أحدى القرى ،كانت خدمته هي الوقوف لتشكيل ظل فوق من يجلس امامه للراحة …

النفس الانسانية بكل اخطائها ، ونقوصها وتقصيراتها تُكبح لمدة ١٤ يوم فقط لاجل تشكيل مد بشري مليوني هدفه لفت نظر العالم بما يكفي لايصال صوت ذلك الشيخ العظيم ذي الجراحات والتضحيات

حينما قال ” الا من ناصر ينصرنا”

نعم يا سادة شئنا ام ابينا مدينة مساحتها لا تزيد عن 53,000 كم مربع ستحمل ما يزيد عن ٢٥ مليون انسان حتى يوم الاربعين …

هذا كفيل بادخال الفرحة لقلوب ملايين المؤمنين ومحبي الفضيلة في جميع العالم ، واثارة غيض وحنق ارباب الرذيلة وسعيهم لمحاولة اخماد هذا الصوت …

واخيرا ان تحقيق مبدأ المدينة الفاضلة التي تنزل لمدة اسبوعين سنوياً لا يليق بأرض ان تحتويها الا ارض العراق ….

الشعب العراقي استحق ان يكون الامام الحسين عليه السلام بين ظهرانيهم.

كيف لنا ان نعرف اننا صادقون حين نقول (ياليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيما)

عندما بلغ الحسين (ع) الصفاح في مسيرته من مكة إلى العراق لقي الفرزدق قادماً من الكوفة فسأله ( ما وراءك يا أبا فراس )، فقال الفرزدق ( تركت الناس قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) فقال الحسين (ع) ( ما أراك إلا صدقت يا أخا تيم، الناس عبيد المال، والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم، فإذا محصو بالبلاء، قل الديانون )….

هذا كان وضع أهل العراق سنة ستين للهجرة، فما هو وضعهم في الحاضر؛ الآن ونحن نستحضر أيام الأربعين الكثير من أهل العراق يندبون الحسين (ع) ويبكونه، ويسيروا إليه بالملايين من كافة أرجاء العراق، فكم من هذا البكاء كان صادقاً، وكم منه بكاء كاذباً، كم من الماشين اليه صادقون وكم منهم ستكون سيوفهم على الحسين (ع) ان تعارض منهج الحسين (ع) مع مصالحهم …..

لم يرد الحسين (ع) من البكاء تعاطفاً معه فحسب، فقد بكى عليه تعاطفاً عمر ابن سعد وهو يأمر بذبحه، وبكى عليه أهل الكوفة تعاطفاً حين استقبلوا السبايا، فخاطبتهم العقيلة زينب (ع) ( أتبكون؟ وتنتحبون؟ إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها )…..

ولم يرد الحسين (ع) أن نسير إليه لمجرد المسير، بل أراد أن نسير على نهجه وعلى خطاه وطريقه، كما أرادنا أن نبكي ليس تعاطفاً، فالحسين (ع) لم يستشهد من أجل أن ينال تعاطفنا، بل استشهد من أجل القيم التي رفعها ومن أجل منهجه الذي أعلنه ( إنما خرجت أريد الإصلاح في أمة جدي رسول ألله (ص) )، فأراد بكاءنا ألماً  وتعاطفاً معه للسير على نهجه لمقارعة الظلم والطغيان والفساد ومواجهته بالقسط والعدل والإصلاح وهو ما دعا اليه وأراده في نهضته الجبارة وثورته العظيمة ……

حري بنا أن نسأل أنفسنا. هل نحن صادقون حينما نقول ( يا ليتنا كنا معكم فنفوز والله فوزاً عظيما؟؟ ) حري بنا أن نسأل أنفسنا حين نسير إلى كربلاء ( هل إننا ننال بكل خطوة حسنة وتمحى عنا سيئة؟؟ )

حري بنا حين نذرف الدموع حزناً على الحسين (ع) أن نسأل أنفسنا ( هل حقاً سنكون يوم القيامة مصداق قول الصادق (ع) / كل عين يوم القيامة باكية إلا عيناً بكت على الحسين (ع) فإنها ستكون ضاحكة؟؟ )

إن الذين لا يتورعون عن أكل مال الحرام من عشرات الآلاف من المنتسبين في الدولة من الرشاوى من المواطنين المستضعفين؛ ممن يعتقدون ان قلوبهم مع الحسين (ع) ويذرفون عليه الدمع الغزير، فكأني بالعقيلة زينب (ع) تخاطبهم الآن وتقول لهم كما قالت لأهل الكوفة  ( إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ).

و أما الذين يدفعون الرشاوى من التجار والمقاولين لتحال إليهم العقود بغير حق، ومن يستلمها منهم من الموظفين في مؤسسات الدولة،  بل ما يأخذوه من عمولات على حساب البلد والمواطن ممن يظنون ان قلوبهم مع الحسين (ع) ويسيرون أياماً باتجاه كربلاء، فهؤلاء هم أعداء نهج الحسين (ع) بل هؤلاء هم أعداء الحسين (ع) وإنهم لخاطئون إذا اعتقدوا أن الحسين (ع) سيكون شفيعهم ليغفر لهم ما يتنعمون به من اموال السحت، وإن الله سيغض الطرف عن السرقات  من افواه اليتامى والارامل، هؤلاء إنما يدعسون على قيم الحسين (ع) ومبادئ الحسين (ع) وأهداف ثورته العظمى فيزيدوه ألماً، وكأني به يخاطبهم،:  (إنكم بما سرقتموه من قوت المستضعفين إذا اعتقدتم وانتم مصرون على المعصية اني ساشفع لكم واحلل لكم اموال الحرام، فإنكم مخطئون)، فالحسين (ع) لم يثر ليسير الناس اليه وليبكوا عليه ويعتبروا المسير سبباً لتحليل الرشاوى والعمولات، وإنما ثار ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فمن تمثل بنهجه نال بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة، نعم قد تظنون ان قلوبكم مع الحسين (ع) ولكن اعلموا انكم بنهجكم هذا فإن سيوفكم عليه، فبئس المنقلب منقلبكم وبئس المثوى مثواكم.

محمد توفيق علاوي

دخل على ابي مسرعاً وقال له (طلع فلوسك)

ه

هذه الحادثة حدثت في بداية ثمانينات القرن الماضي حيث كان لنا ستة مصانع في مناطق مختلفة وكان اكبرها واهمها معمل توفيق علاوي للكابلات والاسلاك الكهربائية في ابو غريب حيث يتجاوز عدد العاملين له المصنع مئتي موظف وعامل وكانت اهم مادتين اوليتين لهذا لمصنع مادة النحاس ومادة ال (PVC) حيث يتم استهلاك عدة آلاف من الاطنان سنوياً من هاتين المادتين الاوليتين، وكان مركز الادارة لهذه المصانع في بناية خان الباشا الصغير في شارع البنوك مقابل البنك المركزي حيث حدثت هذه الحادثة.

كان سعر الطن لمادة ال (PVC) بحدود (70) دينار للطن الواحد اي حوالي (210) دولار حسب سعر التصريف في ذلك الوقت وكانت هذه المادة في ذلك الوقت تستورد من خارج العراق، اما المتحدث مع والدي فهو السيد ابو عمار وكان دلالاً في السوق حيث يتقصى الدلالون المواد والبضائع في السوق لعرضها على التجار وعلى رجال الاعمال ولهم نسبة بسيطة من قيمة هذه المواد والبضائع، وكان السيد ابو عمار رجلاً اميناً ومواظباً على زيارة الامام الحسين (ع)، وعندما دخل على والدي مستعجلاً وبتلهف وقال له (طلع فلوسك) وكان واقفاً وقبل ان يجلس، تفاجأ والدي وقال له (لماذا؟) فأجابه ابو عمار (لقد جلبت لك مادة ال PVC بحوالي (20) دينار للطن ويجب ان نستعجل بشرائها قبل ان يشتريها الآخرون) فتفاجأ والدي وقال (يستحيل لأن هذه المادة لها سعر عالمي معروف، إلا إذا كانت تالفة) فأجاب ابو عمار (إنها ليست تالفة ولكن الحكومة عرضتها للبيع بعد ان استولت عليها من المسفرين)، [فكلمة (المسفرين) كانت تستخدم في ذلك الوقت للعراقيين ذوي الاصول الايرانية أو ألكرد الفيلية من العراقيين الاصلاء وغيرهم حيث استولت الحكومة على املاكهم واموالهم وسفرتهم غصباً إلى ايران]، فقال له والدي (أجلس ياسيد ابو عمار لأحدثك) ثم اردف والدي (أعلم انك تواظب على زيارة الحسين(ع)) فأجاب ابو عمار(نعم والحمد لله)، فقال له والدي (انك تؤذي الحسين (ع) في زيارتك له وتتعامل مع هذه البضائع والاموال المغتصبة) ثم اردف (إن الحسين (ع) لا ينفعه ان تزوره ولكنه يريد منك ان تسير على منهجه) ( وإني اقول لك ان لم تزر الحسين (ع) وسرت على منهجه سيفرح بك الحسين(ع) وإن زرته  وتخالف منهجه فسيتأذى منك) وبعد حديث طويل معه اعتذر السيد ابو عمار وابدى اسفه عن فعله وشكر والدي على نصيحته وعلى تنبيهه عن خطورة هذا الامر وعاهد ابي انه لن يعود لذلك الفعل.

هذه الايام هي ايام عاشوراء، الكثير من الناس يذهبون ويشاركون في مجالس العزاء ويذرفون الدموع الغزيرة على الحسين (ع)، ولكن للأسف الشديد هناك الكثير منهم ولعل اغلبهم من السياسيين ومن الموظفين في دوائر الدولة وغيرهم، لا يتوانون عن اخذ الرشوة من المواطن الفقير، ويأخذوا العمولات من مشاريع الدولة على حساب المواطن الشريف، سالبين اللقمة من افواه الارامل والايتام لجيوبهم، فليعلم هؤلاء أن هذه الذنوب لن تغفر بمجرد الحضور الى مجالس العزاء والبكاء على الحسين (ع)، بل انها تغفر وينالوا شفاعة الحسين (ع) بالتمسك والسير على منهاجه.

محمد توفيق علاوي

ذكرى الحسين بين الحب الصادق والحب الكاذب

أذكر هذه الحادثة ادناه لتوضيح الحب الصادق للحسين (ع) وهو السير على منهجه وبين الحب الكاذب وهو الانحراف عن منهجه وهذا هو الحاصل في يومنا الحالي من قبل الكثير ممن يدعي حب الحسين (ع)، حيث حصلت هذه الاحداث في بداية ثمانينات من القرن الماضي حيث كان لنا ستة مصانع في مناطق مختلفة وكان اكبرها واهمها معمل توفيق علاوي للكابلات والاسلاك الكهربائية في ابو غريب حيث يتجاوز عدد العاملين لهذ المصنع مئتي موظف وعامل وكانت اهم مادتين اوليتين لهذا المصنع مادة النحاس ومادة ال (PVC) حيث يتم استهلاك عدة آلاف من الاطنان سنوياً من هاتين المادتين الاوليتين، وكان مركز الادارة لهذه المصانع في بناية خان الباشا الصغير في شارع البنوك مقابل البنك المركزي حيث حدثت هذه الحادثة.

كان سعر الطن لمادة ال (PVC) بحدود (70) دينار للطن الواحد اي حوالي (210) دولار حسب سعر التصريف في ذلك الوقت وكانت هذه المادة في ذلك الوقت تستورد من خارج العراق، اما المتحدث مع والدي فهو السيد ابو عمار وكان دلالاً في السوق حيث يتقصى الدلالون المواد والبضائع في السوق لعرضها على التجار وعلى رجال الاعمال ولهم نسبة بسيطة من قيمة هذه المواد والبضائع، وكان السيد ابو عمار رجلاً اميناً ومواظباً على زيارة الامام الحسين (ع)، وعندما دخل على والدي مستعجلاً وبتلهف وقال له (طلع فلوسك) وكان واقفاً وقبل ان يجلس، تفاجأ والدي وقال له (لماذا؟) فأجابه ابو عمار (لقد جلبت لك مادة ال PVC بحوالي (20) دينار للطن ويجب ان نستعجل بشرائها قبل ان يشتريها الآخرون) فتفاجأ والدي وقال (يستحيل لأن هذه المادة لها سعر عالمي معروف، إلا إذا كانت تالفة) فأجاب ابو عمار (إنها ليست تالفة ولكن الحكومة عرضتها للبيع بعد ان استولت عليها من المسفرين)، [فكلمة (المسفرين) كانت تستخدم في ذلك الوقت للعراقيين ذوي الاصول الايرانية او من الاكراد الفيلية او من العرب ولكن اجدادهم سجلوا في السفارة الايرانية كايرانيين لكي لا يشاركوا في الحرب العالمية الاولى؛ حيث استولت الحكومة على املاكهم واموالهم وسفرتهم غصباً إلى ايران]، فقال له والدي (أجلس ياسيد ابو عمار لأحدثك) ثم اردف والدي (أعلم انك تواظب على زيارة الحسين(ع)) فأجاب ابو عمار(نعم والحمد لله)، فقال له والدي (انك تؤذي الحسين (ع) في زيارتك له وتتعامل مع هذه البضائع والاموال المغتصبة) ثم اردف (إن الحسين (ع) لا ينفعه ان تزوره ولكنه يريد منك ان تسير على منهجه) ( وإني اقول لك ان لم تزر الحسين (ع) وسرت على منهجه سيفرح بك الحسين(ع) وإن زرته وتخالف منهجه فسيتأذى منك) وبعد حديث طويل معه اعتذر السيد ابو عمار وابدى اسفه عن فعله وشكر والدي على نصيحته وعلى تنبيهه عن خطورة هذا الامر وعاهد ابي انه لن يعود لذلك الفعل.

هذه الايام هي ايام عاشوراء، الكثير من الناس يذهبون ويشاركون في مجالس العزاء ويذرفون الدموع الغزيرة على الحسين (ع)، ولكن للأسف الشديد هناك الكثير منهم ولعل اغلبهم من السياسيين ومن الموظفين في دوائر الدولة وغيرهم، لا يتوانون عن اخذ الرشوة من المواطن الفقير، ويأخذوا العمولات من مشاريع الدولة على حساب المواطن الشريف، سالبين اللقمة من افواه الارامل والايتام لجيوبهم، فليعلم هؤلاء أن هذه الذنوب لن تغفر بمجرد الحضور الى مجالس العزاء والبكاء على الحسين (ع)، بل انها تغفر وينالوا شفاعة الحسين (ع) بالتمسك بمبادئه والسير على منهاجه.

محمد توفيق علاوي

هل يمكن أن يأثم الزائر في توجهه لزيارة الحسين عليه السلام

إن اهم واجب يؤديه كل إنسان مسلم ومؤمن هو الصلاة الخمس اليومية؛ ولكن هذه الصلاة الواجبة يمكن ان تكون إثماً كبيراً إن لم تحقق الهدف الذي أراده الله منها، فقد هدد الله بعض مؤديها تهديداً عظيماً عاقبته نار جهنم في وادٍ من اوديتها يسمى (الويل) كما في قوله تعالى {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، إن صلاة هؤلاء البعض التي ستكون بمستوى الاثم تتميز بثلاث ميزات: الميزة الاولى هي سهوهم عن الصلاة قبال صلاة المؤمن التي وصفها الله بالمحافظة عليها {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}، والميزة الثانية {الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ} وهي المراءاة حيث لا يهدف هذا الانسان في صلاته تحقيق رضى الله  بل تحقيق رضى الناس وهذا هو الرياء؛ والميزة  الثالثة إنها لا تحقق الهدف المطلوب منها في النهي عن الفحشاء والمنكر {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}  فمنعالماعون كناية عن منع الزكاة لإطعام الفقراء وهذا هو المنكر فالصلاة هنا لا تحقق الهدف المطلوب منها؛ لذلك هدد الله هؤلاء المصلين بهذه الصلاة وجعل عاقبة هذه الصلاة الويل في نار جهنم إن لم يحققوا الهدف الذي اراده الله من صلاتهم كما هو واضح من الآية الكريمة.

وكذلك الزائر للحسين عليه السلام، فإن الزائر امام طريقين إما ان يسعى لتحقيق الاهداف السامية التي أرادها الحسين عليه السلام من نهضته الكبرى أو على النقيض يجعل هدفه من هذه الزيارة تثبيت الواقع الذي ثار عليه الحسين (ع) معتقداً ان المسير لزيارة الحسين (ع) يعطيه الحق لظلم الناس وسرقتهم معتقداً ان هذا الظلم سيغفر له وأن اموال الحرام من هذه السرقات ستكون مباحة له بمجرد مسيره لزيارة الحسين عليه السلام ؛ لقد اوضح الحسين عليه السلام اهداف ثورته الكبرى في قوله)إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق(، للأسف نجد الكثير من الزائرين الذين هم من هذا الشعب ولعل اغلبهم من السياسيين ومن الموظفين في دوائر الدولة وغيرهم، لا يتوانون عن اخذ الرشوة من المواطن الفقير، ويأخذوا العمولات من مشاريع الدولة على حساب المواطن الشريف، لا يتوانون عن اختلاق اسماء الفضائيين سالبين اللقمة من افواه الارامل والايتام لجيوبهم، لا ينصروا المواطن الضعيف، ويكذبوا في تعاملهم مع الناس ولا يخلصوا في عملهم، ثم يتصورون ان كل ذنوبهم تلك ستغفر بمجرد مسيرهم لزيارة الحسين عليه السلام، إن الذين يفعلوا تلك الافعال والآثام ويصرون عليها غير مستغفرين منها ولا نادمين لأنهم في كل عام يسيرون باتجاه الحسين عليه السلام معتقدين ان الحسين (ع) سيكون شفيعاً لهم للتجاوز عن ذنوبهم وظلمهم للناس وسرقاتهم من دون التوبة منها؛ فهنا ستغدو الزيارة سبباً ليس لتحقيق الاهداف التي ارادها الحسين (ع) بل ستكون سبباً لرفض الاهداف التي ارادها الحسين (ع) وسبباً في تثبيت المنكر الذي ثار عليه الحسين (ع)، ستكون سبباً للتمادي في اخذ الرشوة، وسبباً للتمادي في احتساب العمولات على حساب مصلحة المواطنين، وسبباً لظلم المواطنين الشرفاء والتحايل عليهم وسرقتهم وسرقة احلام اطفالنا وطموح شبابنا، ففي هذه الحالة ستكون زيارة الحسين عليه السلام أشبه ما تكون بصلاة الساهين وستكون نتيجة هذه الزيارة هي الاثم والعقاب في الآخرة، لذلك انصح هؤلاء الناس ان يبقوا في بيوتهم ويسيروا على نهج الحسين عليه السلام في رفض الفساد ومقارعته وأن لا يسيروا اليه  بأرجلهم ويخالفوا نهج الحسين (ع) بسلوكهم وتصرفهم، فالصنف الاول سينالوا شفاعة الحسين عليه السلام وان بقوا في بيوتهم، والصنف الثاني لن يزدادوا في مسيرهم نحو الحسين عليه السلام إلا إثما وذنباً وضلالاً وابتعادا عن طريق الحق وستكون عاقبته الابتلاء في الدنيا والعقاب والعذاب الشديد في الآخرة.

لماذا تنهى الناس عن الصلاة وعن زيارة الحسين عليه السلام ؟

كتب احدهم معترضاً على الموضوع بشأن هل يمكن ان يأثم الزائر في توجهه لزيارة الحسين عليه السلام ؟ قائلاً :

اخي العزيز الصلاة والزياره لاتكون اثما كما تفضلت في طرحك
اولا مهما كان الانسان مذنبا ومرتكبا للمعاصي فاقامته للصلا افضل من تركها والعقاب يكون عن الاهمال والسهو وارتكاب الذنب لا على الصلاة نفسها فكثير من الناس يصلون ولاكن لاتقبل صلاتهم بسبب مايرتكبون من موبقات وهذا لايدعو لترك الصلاة بطبيعة الحال فان تركها سيزيد الفرد اثما وذنبا الى ذنوبه
كذلك زيارة الامام الحسين عليه السلام…
من زاره سيؤجر وان كان فاسقا فان الله تعالى لايضلم احدا ولايبخس حقه فمثلا لو كان هنالك فرد كافر وقام بفعل حسن سيجازيه الله عليه في الدنيا حتى يذهب للاخره ولا عمل له يستحق الثواب فقد جزاه الله عليه في الدنيا
فزيارة الامام الحسين نعمه ورحمة وكذلك الصلاة نعمة ورحمة ولا يمكن ان تكون سببا للاثم او الذنب وهذا ثابت في الروايات
كما ان باب التوبة مفتوح وزيارة الامام الحسين رحمة فمن الممكن ان يتوب الفرد بتوفيق من الله وببركة زياره الامام الحسين عليه السلام فتكون رحمة ونعمة له
فلا يمكن ان تقول لاي شخص لاتزر ولا تصلي فتكون انت من وقع بالاثم والذنب من حيث لاتشعر
وبالتالي تكون من الذين يضنون انهم يحسنون صنعا

بل حث على زيارة الامام الحسين وحث على الصلاة وان كان الانسان ضال وجه له النصيحه لعله يهتدي بدلا من ان تقول له لاتزور وصلاتك اثم وهذا القول عارا عن الصحه ولا يجوز

فقمت بإجابته بالتالي :


اخي العزيز اني اتفق معك في في كل ما قلته ولكنك اغفلت عن أمر واحد؛ هناك فرق شاسع بين (الساهي في صلاته) و(الساهي عن صلاته) فما تقوله ينطبق على الساهي في صلاته ؛ والسبب لانه يصلي ولكن صلاته ليست بالدرجة التي يريدها الله؛ الحد الادنى المطلوب في الصلاة هي الصلاة لله، وإن لم يصلي العبد صلاةً لله فلا يمكن ان تقبل صلاته؛ فلا يمكن ان تقبل صلاة الملحد بالله لأنها مجرد كلمات خالية من المضمون بشكل مطلق، وهذا اشبه بالمؤمن الذي يقول (ان المشرك يقول: لا أؤمن بالله) لقد استخدم هذا المؤمن عبارة (لا أؤمن بالله) ؛ ولكن لا ضير على المؤمن حين يستخدم هذه العبارة في مقولته تلك لأنه لا يعني أنه لا يؤمن بالله بل انه ينقل عبارة المشرك؛ وهذا اشبه بالملحد حين يقول (بسم الله الرحمن الرحيم) ينطق بها لسانه ولا يعتقدها قلبه، فليس لها اي قيمة لأن قيمة القول مرتبط بالنية، وهذا اشبه بالمرأة التي تقول للرجل استهزاءً (زوجتك نفسي) فأجابها استهزاءً (قبلت التزويج) فلا يترتب على تلك المقولة اي اثر لأن الاساس هو النية فضلاً عن القول، لقد عرف الله معنى الساهي عن صلاته حين اردفها بعبارة (الذين هم يراؤن) ، ففي هذه الحالة لا يكون الانسان ساهياً عن صلاته فحسب، بل هو يرائي في صلاته، والرياء اثم يحاسب الله الانسان عليه؛ فهناك في هذا المورد ثلاث مستويات؛ الانسان المؤمن بالله والساهي في صلاته فيحسب له اجر، والانسان الساهي عن صلاته بشكل مجرد، فهذا الانسان لا يحسب له اي اجر وهو اشبه بالانسان الملحد بالله ويصلي بلا هدف فقط كلمات يرددها لسانه، اما المستوى الآخر فهو الصلاة ليس في سبيل الله ولكن بهدف الرياء فهذا الانسان آثم ؛ بل إثمه عظيم جدا حين هدد الله هذا الانسان بالويل، فالويل تهديد عظيم، وهناك بعض الروايات ان الويل هو وادٍ من اودية جهنم، فيا أخي لست انا من يقول ان هذه الصلاة اثم، بل الله يقول في كتابه الكريم (ويل للمصلين) وهذا التهديد لا ينطبق إلا على اعظم درجات الاثم؛ قد تستطيع انت ان تقول للشخص الذي يسب ابنه الذي اخطأ (إنك آثم لانك سببت ابنك كان يجب ان توعظه لا ان تسبه) ولكنك لا تستطيع ان تقول له (الويل لك لأنك سببت ابنك)، لقد وصفت انا من يقوم بهذه الصلاة بأنه آثم ، اما الله فقد هدد هؤلاء في كتابه الكريم بآية واضحة بالويل؛ والويل هو اعظم درجات الوعيد والتهديد باجماع المفسرين؛ فيا أخي انا لم اقل اكثر مما قاله الله في كتابه الكريم بحق هؤلاء المصلين.
أما الزائر للحسين (ع) فيقيناً سيكون مأجوراً في الآخرة مهما كان مرتكباً من الآثام ومباركاً عمله في الدنيا او لعله مأجوراً في الدنيا فقط إن لم يكن مؤمناً بالآخرة؛ انا يا اخي العزيز لا اناقش هذه الاصناف من الناس؛ وإنما احيلك إلى قوله تعالى { الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ، إن العلم بحدود ما انزل الله على رسوله (ص) هو امر حسن ويؤجر الانسان عليه، ولكن إذا كانت عاقبة هذا الامر بسبب جهله بالدين إثماً كبيراً ففي هذه الحالة من الافضل ان لا يعلم هذا الانسان بهذا الامر الذي يؤجر عليه الانسان العادي، وأقرب مثل على هذا الامر في السابق قيام الخوارج بقتل مرتكب الكبيرة لإعتقادهم بكفره الذي يوجب قتله حسب تفسيرهم لبعض آيات سورة التوبة (سورة براءة) واقرب مثال في وقتنا الحالي هو قيام داعش بذبح الازيديين بسبب عدم استيعابهم لآيات الكافرين في سورة التوبة؛ ما نستنتجه من هذه الآيات وهذه الامثلة ان المعول عليه ليس العمل بل عاقبة هذا العمل؛ فكما إن الله يوضح في كتابه الكريم إن الاجدر ان لا يعلم هؤلاء بحدود الله التي يؤجر الانسان العادي بالعلم بها لأن عاقبتها هي الوقوع في الاثم، فكذلك من يسير الى الحسين (ع) إن كانت نتيجة مسيرته التمادي في الضلال وسرقة الاموال اعتقاداً منه انه في هذا المسير بسبب جهله بالدين ستستحيل اموال الحرام تلك إلى اموال حلال، فالمعول في الميزان الالهي ليس العمل بل عاقبة هذا العمل؛ فإن كانت عاقبة المسير الى الحسين (ع) هو التقرب الى الله والاستغفار من الذنوب فالسائر يقيناً مأجور، ولكن إن كانت عاقبة المسير هو التمادي في الظلم والتمادي في السرقة فالسائر يقيناً آثم في هذا الفعل؛ مع وافر تحيات

لماذا يعترض المعترضون على محمد علاوي عندما يقول : كم من السائرين إلى الحسين (ع) قلوبهم معه وسيوفهم عليه !!!؛

صورة زوار الحسين

عندما بلغ الحسين (ع) الصفاح في مسيرته من مكة إلى العراق لقي الفرزدق قادماً من الكوفة فسأله ( ما وراءك يا أبا فراس )، فقال الفرزدق ( تركت الناس قلوبهم معك وسيوفهم عليك ) فقال الحسين (ع) ( ما أراك إلا صدقت يا أخا تيم، الناس عبيد المال، والدين لعق على السنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم، فإذا محصو بالبلاء، قل الديانون )….

هذا كان وضع أهل العراق سنة ستين للهجرة، فما هو وضعهم في الحاضر؛ الكثير من أهل العراق يندبون الحسين (ع) ويبكونه، ويسيروا إليه بالملايين من كافة أرجاء العراق، فكم من هذا البكاء كان صادقاً، وكم من الماشين إليه يحسبون أنهم مأجورون ولكنهم آثمون بمسيرهم…

لم يرد الحسين (ع) من البكاء تعاطفاً معه فحسب، فقد بكى عليه تعاطفاً عمر ابن سعد وهو يأمر بذبحه، وبكى عليه أهل الكوفة تعاطفاً حين استقبلوا السبايا، فخاطبتهم العقيلة زينب (ع) ( أتبكون؟ وتنتحبون؟ إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها )…..

ولم يرد الحسين (ع) أن نسير إليه لمجرد المسير، بل أراد أن نسير على نهجه وعلى خطاه وطريقه، كما أرادنا أن نبكي ليس تعاطفاً، فالحسين (ع) لم يستشهد من أجل أن ينال تعاطفنا، بل استشهد من أجل القيم التي رفعها ومن أجل منهجه الذي أعلنه ( إنما خرجت أريد الإصلاح في أمة جدي رسول ألله (ص) )، فأراد بكاءنا ألماً  وتعاطفاً معه للسير على نهجه لمقارعة الظلم والطغيان والفساد ومواجهته بالقسط والعدل والإصلاح وهو ما دعا اليه وأراده في نهضته الجبارة وثورته العظيمة ……

حري بنا أن نسأل أنفسنا. هل نحن صادقون حينما نقول ( يا ليتنا كنا معكم فنفوز والله فوزاً عظيما؟؟ ) حري بنا أن نسأل أنفسنا حين نسير إلى كربلاء ( هل إننا ننال بكل خطوة حسنة وتمحى عنا سيئة؟؟ )

حري بنا حين نذرف الدموع حزناً على الحسين (ع) أن نسأل أنفسنا ( هل حقاً سنكون يوم القيامة مصداق قول الصادق (ع) / كل عين يوم القيامة باكية إلا عيناً بكت على الحسين (ع) فإنها ستكون ضاحكة؟؟ )

إن الذين لا يتورعون عن أكل مال الحرام من عشرات الآلاف من المنتسبين في الدولة من الرشاوى من المواطنين المستضعفين؛ ممن يعتقدون ان قلوبهم مع الحسين (ع) ويذرفون عليه الدمع الغزير، فكأني بالعقيلة زينب (ع) تخاطبهم الآن وتقول لهم كما قالت لأهل الكوفة  ( إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ).

و أما الذين يدفعون الرشاوى من التجار والمقاولين لتحال إليهم العقود بغير حق، ومن يستلمها منهم من الموظفين في مؤسسات الدولة،  بل ما يأخذوه من عمولات على حساب البلد والمواطن ممن يظنون ان قلوبهم مع الحسين (ع) ويسيرون أياماً باتجاه كربلاء، فكأنهم بكل خطوة يخطونها  إذا اعتقدوا أن الحسين (ع) سيكون شفيعهم ليغفر لهم ما يتنعمون به من اموال السحت، وإن الله سيغض الطرف عن السرقات  من افواه اليتامى والارامل إنما يدعسون على قيم الحسين (ع) ومبادئ الحسين (ع) وأهداف ثورته العظمى فيزيدوه ألماً، وكأني به يخاطبهم،: ( اجلسوا في بيوتكم وكونوا أناساً صالحين فلكم عظيم الأجر، واجركم يقيناً سيكون اعظم بكثير من مسيركم وانتم غارقون بأموال الحرام )، فإنكم بما سرقتموه من قوت المستضعفين إذا اعتقدتم وانتم مصرون على المعصية ان الحسين (ع) سيشفع لكم ويحلل لكم اموال الحرام، فإنكم مخطئون، بل الامر على النقيض، فإنكم بكل خطوةٍ تخطونها، لا تكتب لكم حسنة او تمحى عنكم سيئة بل ستكتب لكم بكل خطوة سيئة وتمحى عنكم حسنة، فالحسين (ع) لم يثر ليسير الناس اليه وليبكوا عليه ويعتبروا المسير سبباً لتحليل الرشاوى والعمولات، وإنما ثار ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فمن تمثل بنهجه نال بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة، نعم قد تظنون ان قلوبكم مع الحسين (ع) ولكن اعلموا انكم بنهجكم هذا فإن سيوفكم عليه، فبئس المنقلب منقلبكم وبئس المثوى مثواكم.

لقد اعترض علي بعض المعترضين وقالوا  [ انك بما تكتب تثبط الناس عن المسير إلي الحسين (ع) ]  فأقول لهم ان هنالك صنفين من الحجب التي تحجب الانسان عن الله، حجب الظلمة وهي الذنوب الواضحة، وهناك حجباً اخرى تسمى بحجب النور كما ورد عن اهل بيت  النبوة عليهم السلام، كالمصلي رياءً، فتلك الصلاة تحجبه عن الله؛ الصلاة بذاتها مستحبة، ولكن الرياء لا يكون سبباً لمحو الاجر فحسب بل سبباً يحيل الصلاة المستحبة إلى اثم وحجاب تحجب عن الله، لذلك قال الله تعالى في كتابه الكريم { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ } فالله يهددهم بالويل من عذاب شديد في النار،  فقد ساوى الله بين عقوبة الساهي والمرائي في صلاته وبين ذنوب عظيمة اخرى كما ورد في عدة آيات  في قوله تعالى { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ(*) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (*) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ }وقوله تعالى { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ } وقوله تعالى { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍۢ لِّلْمُكَذِّبِينَ }  وقوله تعالى { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍۢ }، فالتطفيف والهمز واللمز والتكذيب والافك من حجب الظلمة والسهو والمراءات في الصلاة من حجب النور ولكن عقابهم متقارب ولعله واحد؛ فمعاوية ابن ابي سفيان على سبيل المثال آثم بصلاته لنفاقه وريائه، مع ان الصلاة بذاتها امر مستحب بل واجب، اما شرب معاوية للخمر فهذا العمل اثم بذاته، وشرب الخمر هنا ايضاً حجاب عن الله ولكنه من حجب الظلمة لأن اصل العمل محرم؛ وكذلك المسير الى الحسين (ع) اعتقاداً من السائر ان ذلك المسير يجيز له اخذ الرشوة ويبقى مصراً على هذا الذنب وإن ذنبه هذا مغفور بسبب مسيره، فهنا المسير سيكون حاجباً عن الله، نعم  هذا الحجاب من حجب النور لأن العمل بذاته مستحب وهو غير حجاب الظلمة كأخذه للرشوة، ولكنه اثم وحجاب عن الله، والحسين (ع) يرفض هذا المسير إذا كان هذا المسير سبباً للإصرار على الاثم واكل اموال السحت معتقداً ان ذنبه المصر عليه مغفور بسبب هذا المسير، وهكذا يستحيل المسير المستحب إلى اثم كاستحالة الصلاة إلى اثم كما اوضحه الله في كتابه الكريم، لأنه بهذا المسير سيبرر لنفسه اخذ الرشوة وارتكاب الحرام، اي ان هذا المسير سيزيد الانسان ايغالاً في الحرمة وبعداً عن الله وليس العكس، وكما كانت صلاة الساهي والمرائي سبباً لتهديده بالويل من عذاب جهنم، فهذا المسير سيكون سبباً لزيادة الاثم وعقاب جهنم في الآخرة، ويقيناً هذا الانسان ان بقي في بيته غير سائر الى الحسين (ع) وهو مخلص في عمله ونزيه في تعامله مع الناس فهو مأجور لأنه سائر على خطى الحسين (ع) وعلى منهجه، فأنا لا اثبط الناس، وانما اعرفهم بحقيقة الدين التي يجهلها الكثير من الناس، فأنا فيما اكتب [ آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر ]

نصيحتي لكل من يسير هذه المسيرة العظمى إلى كربلاء المقدسة، أن يفكر مع كل خطوةِ يخطوها، بما ذكرناه، إن كان قلبه مع الحسين (ع)؛ ليحكم على نفسه، هل إن سيفه مع الحسين (ع) أم سيفه على الحسين (ع) !!!!؛

زيارة الاربعين بين الحب الصادق للحسين (ع) والحب الكاذب

صورة الحب الصادق

مسيرة الاربعين تعتبر اكبر مسيرة بشرية سنوية على وجه الارض؛ يشارك فيها مواطنون من اكثر من خمسين دولةً في العالم، يقطع فيها الملايين من البشر مئات الكيلومترات، تعم فيها اسمى وانبل مشاعر الاخوة والمحبة والالفة؛ واجل واعلى مشاعر التعاون والتعاضد والتآزر؛ بل تبرز فيها ارفع واحسن واجمل مفاهيم الجود والكرم والسخاء والعطاء والسماحة والاحسان بل حتى الايثار…..

سبحان الله، كل ذلك من بركات الحسين (ع) وبعد ما يقارب الاربعة عشر قرناً من استشهاده

وهنا يبرز تساؤل كبير، هل كان الهدف الاسمى لثورة الحسين (ع) هو مجرد التعاطف مع الحسين (ع) وحبه وهذه الشعائر وهذه المراسيم ومن ضمنها هذه المسيرة الجبارة ؟؟؟

الجواب : كلا ؛ فثورة الحسين (ع) كان هدفها الاسمى كم وضحها الحسين (ع) في انطلاقتها عندما قال : ما خرجت اشراً ولا بطراً وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمَّة جدي رسول الله أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر….

لقد كان اهل الكوفة المعاصرين للحسين (ع) ايضاً محبين له ومتعاطفين معه، ولكنهم رفعوا سيوفهم عليه؛ لقد دخلت زينب (ع) مع البقية الباقية من اهل بيت النبوة الى الكوفة بعد استشهاد الحسين (ع) وهم متعاطفون معها وكلهم بكاء وعويل على الحسين (ع)، ولكن هل كان ينفع هذا البكاء وهذا التعاطف مع الحسين (ع)؛ الجواب جاء من زينب (ع) حين خاطبتهم قائلة: أَتَبْكُونَ وَتَنْتَحِبُونَ؟! إِيْ وَاللهِ فَابْكُوا كَثِيراً، واضْحَكُوا قَلِيلاً، فَلَقَدْ ذَهَبْتُمْ بِعَارِهَا وَشَناَرِهَا، وَلَن تَرْحَضُوهَا بِغَسْلٍ بَعْدَهَا أَبَداً.

اننا نخاطب الحسين (ع) دائماً ونقول : ياليتنا كنا معكم فنفوز والله فوزاً عظيما…..

ان اردنا ان نعرف كم نحن صادقون في مقولاتنا تلك، اننا نزعم اننا محبون للحسين (ع) ولكن نريد ان نعرف هل ان حبنا صادقاً للحسين (ع) ودموعنا صادقة وليست كدموع اهل الكوفة في ذلك العصر وليس حباً كاذباً كحب اهل الكوفة في ذلك الزمان. إن الطريق لمعرفة صدق مشاعرنا وصدق مواقفنا ينبع من مراجعة انفسنا ونحن نخطو الخطوات في هذه المسيرة العظيمة، هل نحن حقاً نطبق ما أراده الحسين (ع)؟

فإن كنا مطبقين لما اراده الحسين (ع) في الالتزام بالمعروف من اقامة الصلاة والصدق والامانة وان نحب لأخوتنا ما نحبه لأنفسنا، وان نتناهى عن المنكر من ايتاء المحرمات والكذب والخيانة واكل اموال السحت من الرشوة والفساد، فهنيئاً لنا وهنيئاً لحبنا الصادق للحسين (ع)؛ وإن كانت مواقفنا على النقيض؛ فهناك خشية كبيرة ان يكون حبنا كاذباً ؛ فلنجعل خطواتنا في هذه المسيرة العظيمة منهجاً لمراجعة اعمالنا وان نعاهد الله وان نعاهد الحسين (ع) ان نلتزم بمبادئ ثورته الكبرى في الالتزام بالمعروف والانتهاء عن المنكر لننال شفاعته الكبرى يوم الورود والمقام المشهود والحوض المورود.

فالحب الحقيقي كما وصفه الامام علي زين العابدين (ع)  في منظومته:

 

تعصي الإله وانت تظهر حبه       هذا لعمرك في الفعال بديع

لو كان حبك صادقاً لأطعته          ان المحب لمن يحب مطيع