من يعتقد ان الحسين (ع) كان يخطط لمستقبل شيعته فقط فهو جاهل بحقيقة الحسين (ع)؛

من السذاجة وصف ثورة الحسين (ع) بأنه استجاب لدعوة اهل العراق ليحكمهم وإذا بهم قد تخلوا عنه بل قاتلوه فاستشهد هو واهل بيته واصحابه وتم سبي نسائه بهذه الطريقة الهمجية.

الحسين عليه السلام في ثورته الجبارة كانت له اهداف بعيدة جداً ضمن مخطط إلهي ابلغه الله لرسوله الكريم (ص) وتم تهيئة الحسين (ع) لهذا اليوم ليتم حفظ الاسلام من الانحراف الكامل لمستقبل الايام حتى قيام الساعة.

لقد قام الحسين (ع) خطيباً في مكة قبل توجهه الى العراق قائلاً (وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء) حيث كان الحسين (ع) يعلم بالمخطط الذي اراده له الرسول (ص) بكافة تفاصيله، من تأريخ ومكان استشهاده وطريقة استشهاده كما بينها، وسبي اهل بيته حيث قرر اصطحابهم معه وهو عالم بما سيواجهوه من سبي ومعاناة وذلك لتحقيق الاهداف الكبرى التي ارادها الله من ثورته العظمى.

لقد كتب الإمام عليه السلام إلى بني هاشم قائلاً (من لحق بنا استشهد، ومن تخلف لم يبلغ الفتح) فما المقصود بالفتح ؟

فحين آلت القيادة الدينية والدنيوية إلى بني امية الذين حملوا السيف بوجه رسول ألله (ص) في بدر واحد والخندق حتى ان هند زوجة ابو سفيان لاكت كبد الحمزة (ع) عم رسول الله حيث نشأ يزيد بهذه الاجواء المعادية لرسول الله (ص) واهل بيته (ع)؛

واكبر دليل على كفر ونفاق يزيد وإستمراره على معاداة هذا الدين هو قوله المشهور
(لـعــبـت هـاشـــم بألمـلــك………فلا خبر جاء ولا وحي نزل) حيث شرع معاوية بوضع الأحاديث المكذوبة عن رسول الله(ص) والتي إنتقلت إلى أمهات كتب الحديث للإنتقاص من بني هاشم ووجوب طاعة الحاكم الظالم، لقد شرع معاوية سب الإمام علي(ع) وجعله من السنة الواجبة في تعقيب الصلاة اليومية حتى جاء الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فألغاها وإستعاضها بقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فإنقطعت السنة الباطلة لمعاوية وأستمرت حتى اليوم سنة عمر بن عبد العزيز بمقولة إسلامية مستمدة من كتاب الله.

إن اخطر عملية كان يمكن ان يتعرض لها الاسلام هي تحريف كتاب الله، حيث وردت عدة آيات في الكتاب بحق الحكام الظالمين من بني امية اهمها حين وصفهم الله بالشجرة الملعونة ووصف آخر بالشجرة الخبيثة نقلاً عن الكثير من الصحابة ( راجع هامش رقم 1) كما ورد في الكثير من التفاسير وكتب الحديث ( راجع هامش رقم 2)، فضلاً عن الحديث المتواتر الذي رواه العشرات من الصحابة بإن جيش معاوية هو جيش الفئة الباغية التي تدعو إلى النار بنص البخاري ومسلم بل لعله يندر وجود اي من كتب الصحاح والمسانيد والسنن التي تخلو من هذا الحديث، مع ورود آية صريحة في كتاب الله بوجوب قتال هذه الفئة (التي تدعو الى النار) وهي الفئة الباغية بقيادة معاوية ابن ابي سفيان في حرب صفين ( راجع هامش رقم 3).

  إن المصحف الموجود بين ايدي الناس اليوم هو نفسه المصحف الذي نزل على رسول الله (ص) بنفس ترتيب آياته وسوره، ومن قال غير ذلك فهو مجافٍ للحقيقة، وقد كانت هناك عدة نسخ استنسخها الكثير من الصحابة وأهل بيت النبوة ولعلها كانت على حروف مختلفة (القراءات السبع)،  فقام الخليفة الثالث عثمان ابن عفان بكتابة اربع نسخ من المصحف الشريف على حرف واحد وحذف التفاسير الموجودة في الحاشية، واتلف النسخ الاخرى، ووزع هذه النسخ الاربعة في اقطار العالم الاسلامي؛ لقد تكفل رب العزة بحفظ هذا القرآن من التحريف في قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، ولكن هذا الحفظ لم يكن بطريقة اعجازية بل بطرق طبيعية، لقد كان من الطبيعي ليزيد ابن معاوية أن يحرف القرآن كما تم تحريف السنة وتم وضع الآلاف من الاحاديث الموضوعة ، الخطورة في ذلك أن ألأمة الإسلامية ستتقبل هذه السنة المنحرفة وستتقبل هذه الأحاديث الموضوعة وستتقبل هذا القرآن المحرف، ولكان الإسلام في يومنا الحالي إسلاماً آخر، إسلاماً محرفاً بالكامل عن إسلام رسول ألله (ص) كما غدت الاديان السماوية السابقة، ولكن ثورة الحسين (ع) جردت يزيد وجردت بني أمية من حق التشريع، بل جردت جميع من جاء بعدهم من الخلفاء من بني العباس وبني عثمان وغيرهم من حق التشريع، لقد غدوا مجرد حكام لا غير، ، وكل ذلك بفضل ثورة الحسين (ع) ودماؤه ودماء أهله وأصحابه التي سفكت قرباناً لهذا الدين الذي وفقنا الله به وميزنا على غيرنا من الأمم.

لو إستمر الوضع من دون ثورة الحسين (ع) لكان من الطبيعي أن يستمر حكم الظالمين من خلفاء بني أمية على نهج يزيد ابن معاوية لمئات السنين ولكان ألإسلام الذي بين أيدينا اليوم إسلاماً لا علاقة له بإسلام رسول ألله(ص)، ولكان من الطبيعي تحريف القرآن ولعله كان لدينا عدة نسخ مختلفة من القرآن الكريم، لقد فجرت ثورة الحسين(ع) الأرض تحت أقدام الخلافة الأموية فيما يقارب الثلاثين ثورة في كافة أرجاء العالم الإسلامي، حيث ثارت المدينة المنورة إبتداءً ضد بني أمية فواجهها يزيد بإباحة المدينة لثلاث أيام بما يعرف بوقعة الحرة، وثار أهل مكة بقيادة عبد الله أبن الزبير، وثار أهل الكوفة بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي بما يعرف بثورة التوابين، وثار المختار الثقفي في الكوفة وإنتصر على جيش عبيد الله إبن زياد وقتله في الموصل، وثار زيد أبن علي وثار إبنه يحيى أبن زيد في الكوفة والمدائن ، أما في زمن مروان بن محمد آخر حكام بني أمية فقد قامت عليه عدة ثورات في آن واحد، في فلسطين وحمص والموصل والجزيرة واليمن بل حتى في دمشق فنقل العاصمة من دمشق إلى حران، بل إن ثورة الحسين(ع) فجرت الصراع داخل البيت الأموي، فعندما مات يزيد وتولى إبنه معاوية خطب فيهم منتقداً جده معاوية في أنه نازع الأمر أهله، وأن أبيه يزيد قتل أهل بيت النبوة ظلماً، وأن أهل البيت أحق بهذا لأمر من آل أبي سفيان، فقتل بعد أربعين يوماً إما بالسم أو طعناً، وحينما تولى ألأمر عمر بن عبد العزيز جرد بني أمية من الأموال التي أستولوا عليها ظلماً، فقتل مسموماً.

لم يطل الأمر أكثر من (٧١) سنة من إستشهاد الحسين(ع) حتى قامت ثورة العباسيين تحت شعار (الثأر لمقتل الحسين) و(إلرضا من آل محمد) فتم القضاء بشكل كامل على الدولة الأموية في الشام.


ولهذا قال رسول الله (ص) ( حسين مني وانا من حسين) حيث من المعلوم ان الحسين (ع) من الرسول، اما الرسول (ص) من الحسين  فهو غير واضح كنسب ولكن دلالته ان الدين الذي جآء به رسول الله (ص) لا يستقيم ولا يحفظ من الانحراف إلا بالحسين (ع) وبنهضته العظيمة واستشهاده ومسيرة العقيلة زينب (ع) التي دكت عروش الظالمين خلال اربعة عشر قرناً  ولازال الملايين من البشر يسيرون على خطاها وخطى الحسين (ع) ومنهجه للإصلاح في امة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ هذا هو المقصود من قول الحسين (ع) بالفتح العظيم لجميع المسلمين، ففتح رسول الله (ص) كان باسقاط اصنام قريش في الكعبة  أما فتح الحسين (ع) فكان في اسقاط مخطط يزيد والظالمين من بني امية ودحر سنتهم الباطلة في النيل من قداسة رسول الله (ص)، وسنتهم في لعن اهل بيت النبوة على منابر المسلمين، وكشف زيف الآلاف من الاحاديث التي وضعوها لطاعة الحاكم الفاسق والظالم، فضلاً عن الانحرافات التي كانت متوقعة لو لم يقم الحسين بنهضته العظيمة، وغدا المسلمون باجمعهم يعتزون بأن لهم كتاب واحد لم تطاله ايادي التحريف،

فثورة الحسين عليه السلام لم تكن للشيعة فحسب بل كانت للمسلمين جميعاً سنتهم وشيعتهم فيما يدينون به ربهم في يومنا الحالي

محمد توفيق علاوي

  • ؛
  • (1) كام المؤمنين عائشة وابو هريرة وابن عباس وعبد الله ابن الزبير وعبد الله ابن عمر وابي سعيد الخدري وسعيد ابن المسيب وأبن برزة الاسلمي غيرهم
  • ؛(2) كتفسير الفخر الرازي وتفسير السيوطي وتفسير القرطبي وكنز العمال للمتقي الهندي  ومستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري وفتح القدير للشوكاني وفتح الباري والمطالب العالية لابن حجر العسقلاني والهيثمي في مجمع الزوائد والبيهقي في دلائل النبوة ومسند ابي يعلي والذهبي في ميزان الاعتدال والقاضي شهاب الدين في تأريخه وابو الفداء في المختصر في اخبار البشر وغيرهم،
  • ؛(3) ورد نص الحديث في صحيح البخاري (ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار) حيث قامت الفئة الباغية بإمامة معاوية بقتل عمار ابن ياسر في معركة صفين، وتواتر هذا الحديث عن عشرات الصحابة، راجع صحيح مسلم وصحيح الترمذي وصحيح النسائي ومسند ابن حنبل ومستدرك الصحيحين للحاكم النيسابوري وصحيح ابن حبان وصحيح ابو يعلي والعشرات من كتب الصحاح والمسانيد والسنن

اترك رد