هل مات إبن تيمية على عقيدة الشرك بالله؟

صورة ١ وهاب وتيمية

 نقلاً عن كتاب داعش ومستقبل العالم لعبد الرحمن البكري من صفحة ٣٨ إلى صفحة ٤٠

رفض محمد بن عبد الوهاب لأفكار ابن تيمية الأخيرة التي استمدها من فلاسفة الإغريق. فمما لا يخفى أن ابن تيمية كان في أول أمره من ألد أعداء الفلاسفة، وألّف عدة مؤلفات للرد على الفلاسفة وعلى المنطقيين ونقض المنطق وكان يتهم الرازي وابن سينا بالزندقة(21)، ولكنه في آخر حياته تغيّر وانقلب انقلاباً كاملاً وتبنى أخطر قضية فلسفية في نفي قدرة الله على خلق العالم من العدم، وقد دوّن تلك الأفكار بشكل مبهم وغير مباشر في مجموعة من كتبه ككتاب (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول)(22)، وكتاب (منهاج السنّة النبوية)(23)، وكتاب (شرح حديث النزول)(24)، حيث أثبت أزلية نوع العالم وجنسه، أي أن العالم قديم قدم الله بمادته، وأن خلق العالم لا يتعدى خلقه من مادة كانت قبله وأن الحوادث أزلية لا أول لها. وقد أوضح ابن تيمية عقيدته تلك بشكل واضح وصريح في كتابين: الأول كتاب (شرح حديث عمران بن الحصين) حيث يقول بالنص: “والخلق لا يزالون معه”(25)، أي لا يزالون مع الله منذ القدم. أما في الكتاب الثاني (نقد مراتب الإجماع) فإنه وبشكل صريح ينكر حديثي “كان الله ولم يكن شيء غيره”، و “كان الله قبل كل شيء” والمذكورين في صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، حيث ينكر من هذا المنطلق وبشكل صريح وحدانية الله، وينكر أن الله قادر على خلق العالم من العدم(26). ثم يعترض على مقولة ابن حزم بكفر من ادعى أن الله لم يكن وحده حيث يقول بالنص: “وأعجب من ذلك حكايته الإجماع على كفر من نازع أنه سبحانه لم يزل وحده ولا شيء غيره معه”(27). فماهية العالم بحسب اعتقاده قديمة قدم الله كقول فلاسفة الإغريق، وأن الله غير قادر على خلق العالم من العدم بل فقط أضفى الصورة والشكل على المادة القديمة كقدم الله. وقد قام الكثير من العلماء السابقين والمعاصرين بإنكار تلك العقيدة، فابن حجر العسقلاني يقول إن هذه المسألة هي من مستشنع المسائل المنسوبة إلى ابن تيمية(28)، ثم يقول بحقه في الفتاوى الحديثة: “ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمه وأذله”، ويضيف “والحاصل لا يقام لكلامه وزن وأن يرمى في كل وعر وحزن… ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال مضل غال، عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله، آمين”(29).

وهكذا كان موقف الكثير من العلماء المسلمين الماضين والمعاصرين. وقد اعترض عليه الذهبي الذي كان من أقرب المقربين لابن تيمية من الناحية الفكرية واتهمه بأنه “بلع سموم الفلاسفة فأصبح أضحوكة بين الناس”(30). (راجع الهامش للتعرّف على رأي بقية علماء المسلمين بشأن ابن تيمية(31)).

وفي حقيقة الأمر، فإن ابن عبد الوهاب لم يقل بقول ابن تيمية في هذا المجال، ولكن هذا لا ينفي اتباع بعض زعماء الوهابيين المعاصرين لتلك الأفكار، كالمرحوم الدكتور محمد خليل هراس رئيس قسم العقيدة الإسلامية بكلية الشريعة بمكة المكرمة في كتابه (باعث النهضة الإسلامية، ابن تيمية السلفي)، حيث يصنّف الفكر الإسلامي بالنسبة للتوحيد وقدم العالم إلى صنفين: صنف يعتقد بأن الله قد خلق العالم من العدم كالأشاعرة؛ وصنف يعتقد بأن الله لم يخلق الوجود من العدم ولكن الوجود، أي العالم، قديم كقدم الله كمقولة ابن تيمية؛ والغريب في الأمر أن الدكتور الهراس يؤيد ويتبنّى فكر ابن تيمية في قدم العالم، أي عدم قدرة الله على خلق العالم من العدم. راجع كتاب (باعث النهضة الإسلامية، ابن تيمية السلفي، للدكتور محمد خليل هراس، مكتبة الصحابة، طنطا، 1405 هجرية).

محاضرة للسيد عدنان ابراهيم بشأن عقيدة ابن تيمية في اشتراك الوجود والعالم بالازلية مع الله وأن الله لم يخلق العالم من العدم

الهوامش

(21) نقض المنطق، ابن تيمية، ص96 / المنتخب من مدونات التراث (ابن تيمية)، عزيز العظمة، ص363.

(22) موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، ج1، ص75، ص245.

(23) منهاج السنّة النبوية، ابن تيمية، ج1، ص109.

(24) شرح حديث النزول، ابن تيمية، ص 161.

(25) شرح حديث عمران بن حصين، ص193.

(26) نقد مراتب الإجماع، ص 167، 168.

(27) نقد مراتب الإجماع، ص 167، 168.

(28) فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج13، ص318، 319.

(29) الفتاوى الحديثية، ابن الحجر العسقلاني، ص86.

(30) السيف الصقيل، للشيخ محمد زاهد الكوثري، ص190 بخط قاضي القضاة برهان الدين بن جماعة عن أبي سعيد العلائي عن الذهبي / السلفية، محمد الكثيري، ص 239 / ابن تيمية في صورته الحقيقة، دار الغدير، بيروت، ص 55.

اترك رد