ألفساد الذي أوقف آلاف الأطباء العراقيين من خدمة بلدهم

المشروع الطبي ٣

يوجد في يومنا الحالي حوالي خمسة آلاف طبيب عراقي في بريطانيا من الخريجين من الجامعات الطبية العراقية والمتخصصين في بريطانيا، والكثير منهم بدرجة علمية عالية ومتميزة، ويلعبوا دوراً مهماً ومفصلياً في القطاع الصحي البريطاني، لقد كان غالبية هؤلاء الأطباء مستعدين للرجوع إلى بلدهم العراق وخدمة المواطنين العراقيين بعد عام ٢٠٠٣، وفي وقتها إجتمع وزير الصحة البريطاني مع المسؤولين في القطاع الصحي في بريطانيا عام ٢٠٠٣ للتداول بشأن الصدمة المفاجئة والفراغ الكبير الذي سيتركه الأطباء العراقيون في القطاع الصحي البريطاني في حالة مغادرتهم بريطانيا إلى العراق.

حدثني الدكتور إبراهيم الجعفري حيث عندما كان رئيساً للوزراء وإلتقى برئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت (توني بلير) حيث إن ألأخير أخبره إن الوقت ملائم لرجوع الكثير من العراقيين المقيمين في بريطانيا إلى العراق، فوافقه الدكتور الجعفري وأضاف إنه هناك أكثر من أربعة آلاف طبيب عراقي والعراق بحاجة إليهم، فرد (توني بلير)، (كلا، خذوا كافة التخصصات إلى العراق وأبقوا لنا الأطباء فنحن بحاجة ماسة إليهم ولا نستطيع الإستغناء عن خدماتهم).

إن إبنتي (أم آيات) المتخرجة كطبيبة من بريطانيا، تخبرني حين إنتقالها من مستشفى إلى أخرى ضمن المنهاج الطبي في بريطانيا أنه يندر أن يخلوا أي مستشفى في بريطانيا من الكثير من ألأطباء العراقيين الذين يتراوح عددهم في أغلب المستشفيات بين خمسة أطباء وطبيبات إلى عشرة أو حتى أكثر في بعض المستشفيات، وإن تقريباً جميعهم يرغبون بخدمة بلدهم، ولكن لا يعرفون كيف يمكنهم ذلك، وإنهم مستعدون لتقديم أي خدمة في المجال الطبي للمواطنين العراقيين ومن دون مقابل، وإني شخصياً أعرف الكثير من ألأطباء الذين كانوا يفكرون جدياً بالرجوع إلى العراق والعمل فيه، ورجع الكثير منهم إلى العراق وحاولوا في البداية تجديد أوراقهم الثبوتية، فإكتشفوا أن مستوى الفساد المستشري كان يفوق توقعاتهم، وفي بعض المراحل كانت هناك خطة ممنهجة لأغتيال الكوادر العلمية الجيدة وبالذات الأطباء، لذلك أعرض الكثير منهم الرجوع إلى بلدهم.

أمام هذا الواقع وجدت أنه من المناسب أيجاد طريقة للتواصل بين الأطباء العراقيين في الخارج والأطباء العراقيين في الداخل ضمن منظومة ما هو متعارف عليه عالمياً  بأل(Telemedicine) أو (الطب من على البعد)، حيث يمكن للأطباء المتخصصين خارج العراق بالنسبة للحالات الصعبة والمستعصية والتي يصعب تشخيصها التعاون مع الأطباء داخل العراق والتداول فيما بينهم لتشخيص هذه الحالات وإقتراح أفضل طرق العلاج ، كما يمكن إعتماداً على جودة خدمة الإتصال التي تقدمها وزارة الإتصالات حتى من المساعدة في إجراء العمليات الجراحية من قبل طبيب على بعد آلاف الكيلومترات عن المريض بطريقة غير مباشرة أو حتى إجراء العملية من على البعد بطريقة مباشرة (Telesurgery) حيث غدت تلك العمليات من المسلمات في القطاع الطبي ووضعت لها التشريعات والقوانين والضوابط حماية للمريض ولحياته.

كما يمكن الإستفادة من هذا المشروع حتى في داخل العراق بين مستشفى كبير يتواجد به الأطباء المتخصصون بشكل دائم وبين المستوصفات في القرى والنواحي النائية التي يصعب فيها تواجد أطباء متخصصون أو قد لا يتواجد إلا ممرض أو مضمد في بعض الأوقات، حيث يستطيع الطبيب من المستشفى من خلال أجهزة طبية معينة مربوطة بشبكة إتصالات كفوءة تشخيص حالة المريض وإقتراح العلاج على المضمد لإعطائه للمريض، فعلى سبيل المثال نجد أن أعراض النزيف في الدماغ مشابهة لأعراض الجلطة الدماغية، ولكن العلاج متناقض، فلو أعطي أي منهم علاج الآخر فإنه يموت في الحال، ولو تأخر إعطاء العلاج بضع ساعات فإلإحتمال الأكبر أن يصاب المريض بالشلل إن لم يمت، لقد تم فرض إستخدام هذه الأجهزة في الكثير من الولايات والمناطق النائية في الدول المتطورة، وقد آن للمواطن العراقي التمتع بتلك الخدمات حفاظاً على حياته، وهذا أقل ما يجب أن تقدمه الدولة التي تحترم مواطنيها إليهم، فتلك هي أبسط حقوق المواطنين على حكومتهم .

إستناداً إلى هذا الواقع وما يمكن أن تلعبه وزارة الإتصالات من دور مفصلي في هذا المشروع الذي يعتمد على شبكة الإتصالات وعلى كفائتها، ناقشت الأمر عام ٢٠١١ مع وزير الصحة آنذاك الدكتور مجيد أمين فتم التوصل إلى أن أفضل مستشفى يمكن تقديم الخدمة له في هذا الوقت كمستشفى نموذجي هو مستشفى الكاظمية مع إختيار مستوصف في إحدى نواحي محافظة ميسان، على أن تعمم تلك الخدمة بعد نجاحها على كافة المستشفيات الكبيرة والتعليمية في البلد، وعلى كافة المستوصفات والعيادات الصغيرة المنتشرة في القرى وألأرياف والمناطق النائية من العراق.

تم تشكيل لجنة من وزارة الإتصالات برآسة المهندس مجيد حميد جاسم مدير عام شركة الإنترنت  وتم التنسيق مع الدكتور محمد شعيب عبد الغفور  مدير عام دائرة العمليات الطبية في وزارة الصحة والدكتور أبراهيم خليل الشمري مدير مستشفى الكاظمية التعليمي والمهندس انور علوان جاسم مدير مركز تكنولوجيا المعلومات في وزارة الصحة. كما تم وضع مجلس النواب بتفاصيل المشروع وبالذات لجنة الصحة برآسة الدكتورة لقاء آل ياسين والدكتورة سعاد لفتة نائب رئيس لجنة العمل والخدمات..

كان هذا المشروع يتطلب تنسيقاً مع الأطباء والمستشفيات خارج العراق، فتم التنسيق مع الدكتور أمير المختار الذي كان مدير مستشفى مدينة الطب في بغداد لفترة من الزمن ولعب دوراً مهماً في إلتنسيق مع إحدى أهم المستشفيات التعليمية في بريطانيا التي كان يعمل فيها وهي مستشفى (North Middlesex) لإستخدام القاعة الرئيسية في المستشفى وكافة التسهيلات والأجهزة ووسائل الإتصال بشكل مجاني خدمة للعراق وللمواطن العراقي حيث يمكن عقد الإجتماعات للأطباء العراقيين  في بريطانيا في المستشفى المذكور وربطهم بألأطباء في مستشفى الكاظمية.

كما تم التنسيق مع الدكتور أحمد شفي رئيس الجمعية الطبية العراقية في بريطانيا للتنسيق بين آلاف الأطباء العراقيين المنتمين للجمعية المذكورة في الساحة البريطانية والذي يحلمون بمساعدة المرضى العراقيين في العراق بشكل مجاني، كما تم الإتفاق مع السفارة العراقية في لندن حيث وفرت إحدى قاعاتها لمشروع ال (Teleconferensing) للإجتماعات المشتركة ذات النقل الحي والمباشر سواء للأغراض الطبية ووللأمور غير الطبية، حيث أستخدمت إحدى القاعات المهمة لوزارة الإتصالات في مبنى إتصالات المأمون كجهة داخل العراق فضلاً عن مستشفى الكاظمية.

لقد تم توفير الموازنة المطلوبة وكافة  الشروط والمستلزمات لإنشاء مثل هذا المشروع الحيوي والمهم، ولكن بمجرد تركي لوزارة الإتصالات في الشهر الثامن عام ٢٠١٢ أتخذ القرار ألذي أعتبر من أهم الإنجازات بعد تركي للوزارة وهو إلغاء أي مشروع لا يمكن الإفساد من خلاله فضلاً عن وجود إمكانية في الربط بين هذا المشروع وبين إسم (محمد علاوي) ، وفي المقابل ليذهب المواطن ألعراقي ألمستضعف الذي يتعالج في العراق إلى الجحيم، فالمفسدون قادرون على السفر والعلاج في الخارج، فلماذا تنشأ المشاريع لمصلحة الفقراء والمستضعفين…

إن عملية الربط بين الأطباء العراقيين في الداخل وفي الخارج ستصب لمصلحة المواطن العراقي بألدرجة الأولى للمساعدة في علاجه وتحقق طموح الأطباء في الخارج لمساعدة أبناء بلدهم في الداخل ثم تقوي الرابطة بين الأطباء العراقيين في الخارج وفي الداخل، وهذه العناصر ستزيد من إحتمالات رجوعهم إلى بلدهم في الوقت المناسب.

وجدت أن هناك سوء ظن كبير من قبل العراقيين في الداخل بحق العراقيين في الخارج، وإني أعطيهم بعض الحق، وذلك لأن ألكثير ممن رجع إلى العراق إنغمس بألفساد وسرق الكثير من الأموال ثم هرب بها إلى الخارج، وإستخدم جواز سفره الثاني للبقاء خارج العراق، أحب في هذا الصدد أن أبين الحقيقة التالية، إن العراقيين خارج العراق كانوا علي صنفين، العاطلين عن العمل، بل العاملين هناك بما يسمى (بألأسود) أي من دون علم الحكومة، ثم يأخذوا المساعدات من الدولة بالتحايل، والصنف الثاني من العاملين بجد ونشاط وصدق وإخلاص ومنهم أغلب شريحة الأطباء، للأسف من رجع في بداية الأمر أغلبهم من الصنف الأول، هؤلاء المعتادون على التحايل، ونالوا المناصب العالية في العراق من دون حق، وإستمروا على منهجهم في التحايل والسرقة وألإفساد، إن خسارة العراق في بقاء الأكفاء والمتعلمين والمتخصصين من المخلصين خارج بلدهم كبيرة، ويجب أن يكون هناك سعياً جدياً لترغيبهم بالرجوع إلى بلدهم، وأحد أهداف هذا المشروع هو لتحقيق تلك الأهداف المرجوة، ولكن للأسف الشديد الفساد هو الذي حال دون تحقيق تلك النتائج المتوخاة……   

   

10 thoughts on “ألفساد الذي أوقف آلاف الأطباء العراقيين من خدمة بلدهم

  1. دكتور محمد وصلنا لطريق مسدود في العراق حيث لاحياة لمن تنادي، كنت في فترة رئيس فريق التلي مديسن بتكليف السيد المستشار ليث وكنا نعمل بجدية واجتماعات مستمرة مع كادر وزارة الصحة. لكن مع الاسف المفسدون لايريدون خير لهذا البلد المذبوح

  2. السلام عليكم ان الامر معقد .هناك الفاسدون غير الحكوميون. هولاء يديرون البلد بكل التفاصيل التخلص منهم يحتاج الى عمل عسكري لايقل عن الحملة على داعش. اذا تكلم المواطن فاهون شيء يفعلونه ان يكتبوا على الدار : مطلوب عشائريا . اتمنى من اخوتنا في الخارج فضحهم وقادتهم وبالاسماء وبعد ذلك يكون محاسبة المفسدين الحكوميين اسهل لان اولئك سند لهولا ء

  3. هنالك الكثير من حالات الفساد الاداري التي شهدتها اغلب دوائر الصحة وكليات المجموعة الطبية وادت للاسف الى هجرة العقول والكفاءات من البلد .
    ناهيك عن البيروقراطية الادارية المتبعة في اغلب انظمة الدولة .

    https://hayderjaafar.wordpress.com

  4. انا د. انتصار الرماحي دكتوره هندسة وراثية مسؤولة بحوث الخلايا الجذعية في مركز الرازي لدي اجتماعات مع د.رياض العضاض ر.مجلس محافظة بغداد سارسل له مقالكم ولدينا اجتماعات مع الوكيل الاداري لوزارة الصحة نرجو من الله يوفقنا باحياء هذا المشروع من جديد استاذنا الفاضل

  5. السيد محمد توفيق علاوي المحترم.
    السلام عليكم.
    اني أتذكر جيدا هذا المشروع الحيوي و المهم و الذي كان سيوفر ملايين الدولارات سنويا. إني صاحب الشركة التي عملت مع وزارتكم الموقرة على هذا المشروع و غيره في حينها لمدة اكثر من سنة كما و قامت شركتي بإستضافة الوفد الحكومي في لندن في شهر نيسان 2012 الوفد كان 7 أشخاص( حضرتك و عضوات مجلس النواب و 3 من مدراء وزارة الصحة و مدير في وزارة الاتصالات). كان المشروع مخصص له مبالغ لتنفيذه لكن إستقالة حضرتك في حينها (شهر 7 عام 2012 ) أعطت الفرصة لأعداء النجاح أن يقوموا بإلغاء المشروع. تم إلغاء عدة مشاريع أخرى بعد استقالة حضرتك حتى لا تحسب إلى محمد علاوي أية إنجازات. يا ليتك لم تستقيل. في رأيي كان من الأفضل أن تبقى في الوزارة و لا تستقيل. انا لم أتفق مع قرارك بالاستقالة من وزارة الإتصالات في حينها ، بل كان يجب أن تبقى لكي تغير و تطور عمل الوزارة لأن التغيير إلى الأفضل يحتاج إلى رجال أكفاء و نزيهين (من أمثال حضرتك ) لعمل التغيير و التطور في إدارة الوزارات و المؤسسات الحكومية على أن يكونوا موجودين في السلطة في العراق. على كل حال هذا كان قرارك و صار اللي صار.
    بالموفقية و النجاح دوما إن شاء الله.
    المهندس الاستشاري رائد الرحماني

    • تحية طيبة استاذ رائد الا تعلم انهم فبركوا عدة قضايا وتهم مفبركة لدرجة اصدار قرارات القاء قبض بحقه باعترفات قضاة بعد ذلك فكيف يستحصل موافقات ومجرمين السياسة متربصين اي مشروع يخرج بتسمه… تحياتنا العطرة

  6. موضوع التلي telemedicine معمول به في مدينة الطب بالتحديد في ردهة أمراض الدم في مستشفى الأطفال ونتمنى التعميم للحاجة الماسة اليه في كل المحافظات … بس كيف وباي طريقه ؟؟!

  7. لا يحتاج العراق الى اطباءه فهولاء كانوا موجودين في فترة الحكم الديكتاتوري ولم يغادوره وهناك تقرير من منظمة الصحة الدولية لعام 1978 يعتبر العراق من الدول المتقدمه في الرعاية الصحية ….. جاءت الديمقراطية فرأينا اطباءنا يخرجون بالمئات او بالالاف …. ومن لم يخرج كان مصيره القتل او الذبح فايقن الجميع ان العراق لا يحتاج الى اطباء وانما الى معمم يعالج بالجكليته او بتفله في افواه الاطفال ويمكنكم الرجوع الى مصادر اليو تيوب لمشاهدة ذلك …. وانا هنا لا انكر ان اصحاب العمائم ما ان اصابها ألم او وعكة صحية نراها ترسل بطائرات الى لندن للعلاج …. خاصة وان ميزانية العراق تصرف الكثير من اجل تصليح بواسير …. والشعب مسرور ويهتف نفطات الشعب فدوه لبواسيره ….. لقد عاد الدكتور الجعفري وهو خير من الاف الدكاترة الذين تركوا البلد ونحن مطمئنون بسلامة العراق من كل الاوبئة والامراض على يده الكريمة

اترك رد