أيهما أولى بالتظاهرات البرلمان أم البنك المركزي

flying money 2

الصكوك الطيارة في العراق غدت وسيلة لمن لا يملك المال للحصول على عدة ملايين من الدولارات خلال بضع ساعات، فكيف يكون ذلك؟ وما هو الصك الطيار؟

إن ما يسمى بالصك الطيار هو تعبير عراقي جديد لمعاملة مصرفية صحيحة وسليمة ومعترف بها عالمياً، فالصك الطيار بلغة المصارف يسمى ب (الصك المصدق) في العراق أو (الشيك المصرفي) في الدول العربية أو ال (Bank Draft) على المستوى العالمي، ولكن أين التلاعب؟ وإذا كانت هذه المعاملة صحيحة فهل تحدث أيضاً في دول أخرى أو مناطق أخرى في العالم؟ وإن لم تحدث في دول أخرى فلماذا تحدث في العراق؟

الجواب بشكل جداً مختصر، أن هذا الأمر لا يمكن أن يحدث في أي دولة أخرى في العالم غير العراق ولسببين أساسيين: السبب الأول سياسة هدر الأموال في العراق والتي تبلغ حوالي (١٠٠) مليون دولار في اليوم وهي سياسة مستمرة ستفرغ إحتياطي البنك المركزي خلال فترة بضع سنوات حيث سينهار حينها الدينار العراقي وسينهار الإقتصاد العراقي، اما السبب الثاني فهو سياسة التمكين لسرقة الأموال وبمعدل  خمسة إلى ستة ملايين دولار في اليوم الواحد من أيام المزاد، وهذا الرقم سيتضاعف بشكل كبير كلما زاد الفرق بين سعر بيع الدولار من قبل المصرف وبين سعر الدولار في السوق (السعر الموازي)، والصك الطيار هو عبارة عن وسيلة يستطيع فيها الشخص الذي لا يملك مالاً من السرقة عوضاً عن سرقة الأشخاص الذين يمتلكون المال الوفير!  فكيف يكون ذلك ؟

إن البنك المركزي يبيع في اليوم الواحد بين (١٠٠) مليون إلى (٢٠٠) مليون دولار، فإذا أراد الشخص أن يشتري على سبيل المثال (٢٠) مليون دولار فمعناه أنه يحتاج أن يدفع  حوالي (٢٤) مليار دينار بمعدل الدولار يساوي ١٢٠٠ دينار، وهذا المبلغ من الصعب جلبه نقداً لكبر حجمه وصعوبة عده مع وجود صعوبات لوجستية أخرى، ولذلك يقوم هذا الشخص بإستصدار صك مصدق من قبل مصرف الرافدين على سبيل المثال بمقدار (٢٤) مليار دينار حيث يأخذ يسمى هذا بال (الصك الطيار) ويسلمه للبنك المركزي ويستلم قباله (٢٠) مليون دولار، وفي المقابل يتحول مبلغ ال(٢٤) مليار دينار من حسابه في بنك الرافدين إلى حساب البنك المركزي إعتماداً على الصك المصدق (الصك الطيار) الذي سلم للبنك المركزي؛ هذا هو الوضع الطبيعي من دون تحايل أو سرقات، أما في حالة التحايل فألأمر يتم كما يلي:

يقوم مصرف الرافدين على سبيل المثال بإصدار صك مصدق (صك طيار) بمبلغ (٢٤) مليار دينار كاذب من دون وجود أي مبلغ في حساب الشخص المحتال وذلك بألإتفاق بين المدير وبعض الموظفين لمصرف الرافدين والشخص المحتال، ويعطي هذا الشخص المحتال هذا الصك المصدق للبنك المركزي ويأخذ قباله مبلغ (٢٠) مليون دولار، ثم يقوم بتصريف هذا المبلغ في السوق كل دولار ب (١٣٠٠) دينار بسعر اليوم، أي بمقدار (٢٦) مليار، ثم يضع (٢٤) مليار دينار في حساب البنك المركزي في مصرف الرافدين، فيبقى لديه ربح بمقدار (٢) مليار دينار خلال ساعات، فإذا كرر هذا الشخص هذه العملية كل يوم فإنه يحصل على ربح بمقدار (٥٠) مليون دولار خلال شهر واحد، وهكذا تكون السرقة.

كيف يمكن تلافي هذا الأمر؟ هذه قضية بسيطة جداً، حيث زود البنك المركزي بنظام الكتروني عالمي متطور وهو نظام (RTGS) منذ عام  ٢٠٠٦، وتم ربط جميع المصارف في العراق بالبنك المركزي من خلال النظام  أعلاه منذ عام ٢٠٠٨، وإستخدام هذا النظام بكفائته الكاملة معناه إستحالة التحايل بطريقة (الصكوك الطيارة) لأن هذا النظام يكشف الحسابات للبنك المركزي بأل (Real Time) (الوقت الحقيقي – أي آنياً)، للأسف لم يستخدم هذا النظام بكفائته الكاملة، بل ظل النظام السابق مستخدماً، أي أن البنك المركزي يزود المشتري للدولار بالدولار مباشرةً، ولكنه لا يعمل المقاصة مباشرة ولا يستلم المبلغ بالدينار إلا بعد ثلاثة أيام حسب نظامه القديم، في الحقيقة لم تكن هناك خطورة بهذا الأمر منذ عام ٢٠٠٣ حتى عام ٢٠١١ لأنه لم يكن هناك سعرين للدولار،  لا يعرف بالضبط متى أستخدمت هذه الطريقة في التفاهم مع مدراء البنوك وكادر البنوك الذين كانوا يشاركون في عملية الإحتيال تلك، ولكن مما لا شك فيه أن هذه الطريقة في التحايل أستخدمت على نطاق واسع جداً عامي ٢٠١٣ و ٢٠١٤ ، لقد قام السيد علي العلاق بإستخدام نظام (RTGS) بدرجة أعلى من الكفائة وبألذات فيما يتعلق بعنصر أل (Real Time) (الوقت الحقيقي – أي آنياً)  وبذلك أوقف عملية التحايل تلك، وهذه القضية تحسب له، لقد أخبرني في رسالته لي أنه أوقف عمليات تحايل بهذه الطريقة تبلغ ال (٤٠٠) مليار دينار وإني لا أستبعد ذلك، ولكن يبرز هناك سؤال آخر، هل توقفت السرقات؟ وهل قلت مبالغ السرقات؟ الجواب: كلا، لقد نشأت خلال عامي ٢٠١٣ و ٢٠١٤ فئة كبيرة ممن إغتنوا غنىً فاحشاً بطريقة التحايل تلك، حيث كما بينا سابقاً، أن محتالاً واحداً يستطيع أن يسرق مبلغ (٥٠) مليون دولار خلال شهر واحد، وهؤلاء أصحاب العشرات بل المئات الملايين من الدولارات لا يحتاجوا لتكرار هذه العملية، فلكي يحققوا ربحاً بمقدار (٥٠) مليون دولار شهرياً لا يحتاجوا أكثر من (٢٠) مليون دولار في حسابهم في المصرف، وهذا المبلغ أصبح متوفراً لديهم من سرقاتهم السابقة، وفي هذه الحالة تتم السرقة بشكل قانوني، إن تفعيل السيد علي العلاق لنظام (RTGS)  وإن كان مشكوراً على فعله ذلك، ولكن ما تحقق معناه لن يسمح لمحتال جديد أن يشارك في الحصول على عشرات الملايين، بل المسموح فقط للمحتالين القدماء أن يحصلوا على هذه العشرات من الملايين بسبب إغتنائهم في الفترات السابقة.

ويبرز هنا سؤال آخر، ما هو المصدر الحقيقي لهذه الأموال الكبيرة؟ الجواب: هو المواطن؛

ولكن كيف؟ الجواب: بطريقين، وهما؛

الأول بطريقة آنية ومباشرة، حيث إن السرقة اليومية لمقدار (٥) إلى (٦) مليون دولار يدفعها التاجر لإستيراد حاجيات الناس حيث يشتري الدولار ب ١٣٠٠ دينار عوضاً عن السعر الحقيقي وهو أقل من ١٢٠٠ دينار، فالفرق بين السعرين يحقق (٥) إلى (٦) مليون دولار كسرقات، وهذه السرقات تستقطع  من القوت اليومي للناس حيث يجد المواطن أن السلع وبالذات الغذائية قد زادت بشكل كبير عما كانت عليه قبل عام ٢٠١١، إن هذه الزيادة يدفعها كل مواطن من قوت يومه ليدفعها لهؤلاء السراق الذين يسرقونه /مع هذا النقص الكبير في موارد البلد/  في كل يوم بين (٥) إلى (٦) مليون دولار.

والطريق الثاني، هو هدر ما تحقق من إحتياطي للعملة خلال سنين إرتفاع النفط والذي بلغ أكثر من (٨٠) مليار دولار، وبلغ اليوم أقل من (٥٠) مليار دولار، وهذا الهدر هو أخطر ما يمكن أن يواجهه المواطن، ليس اليوم، ولكن بشكل شبه يقيني خلال بضع سنوات من الزمن، حينها سينهار الدينار بشكل طبيعي، لأن ما نصرفه اليوم حتى مع صعود أسعار النفط هو أكثر مما نجنيه من موارد النفط…

لقد إطلعت على موضوع في أحد المواقع يقول الكاتب إن البنك المركزي أولى بالتظاهرات من مجلس النواب، وإني أؤيد هذه المقولة، فمعاشات النواب مع الحمايات لا تبلغ (٢٠) مليون دولار في الشهر، وهذا المبلغ لا يعادل أربعة أيام من سرقات البنك المركزي !!!

ونسأل مرة أخرى، هل هنالك حل؟ الجواب: نعم؛ وهذا ما طرحناه سابقاً…ويستطيع المواطن أن يجد جوابنا على الموقع: mohammedallawi.com تحت عنوان: (هل يمكن إنقاذ إقتصاد العراق من خلال البنك المركزي)  

محمد توفيق علاوي 

14 thoughts on “أيهما أولى بالتظاهرات البرلمان أم البنك المركزي

  1. حياك الله دكتور علاوي, نعم شرحك مفهوم في السرقة والاحتيال والتنامي الفاحش لراس المال لهؤلاء السراق , ولهذا فان قرار بيع الدولار في السوق يجب ان تتوقف . وان يقوم المصرف او البنك العراقي بتسليم التجار او الطالبين للدولار على اساس النحويل الخارجي او المباشر بشهادة شرائه او استيراده لقائمة مشتريات تجارية . ولكن كيف يستطيع المواطن العادي ان يحصل على الدولار ان كان في جاجة اليه ؟

  2. قوام النظام السياسي بعد 2003 هو نهب المال العام فلا أرى ثمة حلا لإنقاذ الاقتصاد العراقي من الانهيار المحتوم مع بقاء النظام السياسي على ما يعانيه من خلل بنيوي .

  3. اذا كانت الحكومه فاقده السيطره على البنك المركزي واقتصاد البلد والحيتان الكبيره التي تنهش بلحوم الشعب فلا داعي للكلام لانه اصبح عقيما ولايوجد من يصغي له وينفذ؟

  4. لقد أستخدمت دوائر الدولة كالمديرات الموجودة في العاصمة أو المحافظات هذه الحيلة فمثلاً قامت أحد المديرات العامة بعدم تسديد اقساط السلف ( 3 مليون و5 مليون للموظفين ) لصالح المصرف لمدة تجاوزت السنتين ( 2013 و2014 ) وقاموا بالمتاجرة بهذه الأموال من خلال ايداعها او شراء العملات من البنك المركزي من قبل أشخاص متنفذين في شركات شراء العملة من المصرف بالتعاون مع مدير الحسابات لتلك المديرية , وغيرها من الحيل .

  5. ابشرك دكتور مايعرف بنظام المقاصة الالكترونية لحد الان غير معمول به في مصارف الرافدين ولايتحقق صرف الصك بالمقاصة الا بعد ثلاثة ايام والجماعة خلي يسرقون براحتهم واحيانا يتفق بعض مدراء الفروع مع الزبون ويعطونه الصك المصدق مع قيمة مبلغ الصك نقدا وعندما ينهي الزبون عملية البيع والشراء وياخذ الارباح كاملة يرجع المبلغ للمصرف بحجة ان المقاصة لم تتحقق وأخذ هيج سرقات وتلاعب بقوت الناس

  6. ألسلام عليكم وشكرنا وتقديرنا للدكتور علاوي على ما يقوم به من تنوير حقيقي وزيادة ألمعرفة للشعب وكشف تواطأ ألمسؤولين من ألبرلمان وألى رئاسة ألوزراء وألى رشيس ألجمعورية ! أن التظاهر ضد ألبرلمان ورئيس الوزراء ورئيس ألجمعورية ! هو ألصحيح لأ ألفايرسات والجراثيم والبعوض لا تنفع قتل ومعالجة ما يسبب من أمراض والأولى هو قتل هذه الجراثيم والفايروسات والبعوض ألمسبب لهذه ألمراض حتى تنتهي ألمشكلة من اساسها وقلعها شلع قلع فعلي وليس بالقول (( ألا تكون معالجة هذه ألسرقات وأيقافها من مسؤولية رئيس الحكومة وبرلمانها ألمراقب ورئيس ألجمعورية ! أم لا وهنا فاما هم مشتركون بهذه العملية ويدعموها من خلال تغاضيهم عنها والتغليس والأهتمام بالقـنفة والحاكية ويريدون يقنعون عقول المواطنين ويشدوها ألى مثل تلك ألحداث السخيفة والتي قال السيد ألزاملي أن أضرارها يمكن أصلاحها بمليون دينار فأين هذا وأين تلك من ألأهتمام حيث لا يدار ألأهتمام من قبل ألبرلمان ورئيس ألوزراء ورئيس الجعمورية ! ألى سرقة تلك ألمليارات يومياً وهي مثبتة وبأدلة واضحة لا تقبل ألشك حتى من قبل ألمغفلين ولكنهم يسوقون بالأهتمام ألى ألقــنفة ألتي والأضرار ألتي يمكن تصليحها بمليون دينار فأين هذه وأين تلك وأين ألصدق في ألقول والعمل .. يزمياً تسرق مليارات ألدنانير من ألشعب والبنك ألمركزي والرئاسات ألثلاثة لا تهتم لذلك والبرلمان مهتم يقانون ألبحار وقانون الصبغ وقوانين ألتيسي فـيســــي كما يقال لقد كفرتم وستتلقون ما تكفرون أنشاء ألله .

  7. اخي د. محمد
    شكرا لكم جزيلا. ناتيها من النهايه من أمن العقوبه…عاقب مدراء المصارف المتواطءين وأعلن بالإعلام اسماءهم وفعل نظام RTGS واعطي التجار حاجاتهم من المركزي حسب حاجاتهم بعيدا عن الروتين. السارق يعاقب والماساه الاحتياطي بدا ينظب وقيمه الدينار تهبط والمواطن هو الضحيه
    د.باسم الشهابي.طبيب جراح. مستقل.

  8. الاستاذ الدكتور محمد توفيق علاوي المحترم
    تحية طيبة
    الا تعتقدون ان استخدام الاعتمادات المستندية سيساهم باتقاذ الاقتصاد العراقي من خلال :
    1- عدم وجود الحاجة الى مزاد الدولار وصولا الى الغائه
    2- استحصال مبالغ الضرائب والجمارك بصورة مباشرة من الاستيرادات مما يزيد من واردات الدولة ويقلل حالات الفساد المالي
    تقبلوا تحياتي

  9. دكتور اذا كانت النوايا سيئة حتي ضمن ال RTGS يمكن للسرقات ان تستمر و لكن اخشي من الذكر الطريقة لكي لا تصبح سهلة التنفيذ مع تحياتي لشخصكم الكريم

  10. ممكن معالجة الأمر بضخ الدولار من خلال رواتب الموظفين بنسبة معينة والتالي ستكون الفائدة للموظفين بدل السراق .. وسوف يقل فرق الصرف تدريجيا مع الوقت

اترك رد