كيفية النهوض بألقطاع الزراعي في العراق مع قلة المياه وزيادة نسبة ملوحتها

غابات ٢

حلقة ( 3 )

كيفية النهوض بالقطاع الزراعي مع قلة المياه في العراق وزيادة نسبة ملوحتها

القطاع الزراعي هو عصب الحياة لكل مجتمع، فجميع الموارد متجهة نحو النضوب ما خلا الأرض فإنها باقية؛ لقد تناولنا في الحلقات السابقة مشكلة المياه وكيفية حلها وبالذات على الموقع:

https://mohammedallawi.com تحت باب حوض دجلة والفرات وكيفية جعله كافياً للعراق وتركيا وسوريا وأيران؛ إن ملوحة المياه وندرتها مشكلة تعاني منها أغلب دول العالم وقد سبقتنا الكثير من الدول في إتخاذ الكثير من الإجراءات الفعالة للتعامل مع هذه المشكلة وإمكانية النهوض بالقطاع الزراعي حتى مع قلة المياه وملوحتها؛ إن ما سأتطرق إليه من حلول قد لا يستطيع الفلاح البسيط بل حتى المهندس الزراعي من تطبيقها بألشكل الأمثل من دون مساعدة الدولة، لذلك إقترحت ضمن الحلقات السابقة تشكيل (ألهيئة العليا للزراعة والري) والتي سنتناول مهامها بألتفصيل في الحلقات القادمة، ولكن الذي يهمنا من المهام ضمن هذا المقال هو ضرورة إنشاء ما لا يقل عن مئة حقل ومزرعة تجريبية ونموذجية في كافة أنحاء العراق لا تتجاوز مساحة كل واحدة منها عن عشرة دوانم، حيث يتم تطبيق الأساليب الحديثة بالسقي وحفر الآبار ويجب معرفة نوع التربة وخواصها ونوع الأملاح وتركيزها وتجربة إنماء المحاصيل من حبوب وأشجار للفواكه وغابات وغيرها لتلك الكميات من المياه ولتلك الأملاح ونوعية التربة والمناخ وعمق المياه الجوفية وغيرها، ويجب أن يتولى فريق من المهندسين الزراعيين فضلاً عن خبراء زراعيين حتى من خارج العراق لفترة موقتة بل حتى شركات عالمية متخصصة بألأبحاث الزراعية وألإنتاج الزراعي وإستخدام التقنيات الزراعية الحديثة، بل يجب التنسيق مع القطاع الصناعي في تصنيع حاجات هذا القطاع من تبطين للجداول والترع ووسائل السقي بالتنقيط والرش وصناعة الفلترات لتخليص المياه من الملوحة وغيرها، فضلاً عن الصناعات التي تعتمد على المنتجات الزراعية والحيوانية من صناعات الألبان والسكر والزيوت والورق وغيرها…..

إن كمية الأملاح في الأنهار تتراوح بين (١،٠٠٠) جزء في المليون في أفضل الظروف إلى (٣،٠٠٠)  جزء في المليون في الظروف الأخرى، و(٥،٠٠٠ ) جزء في المليون في أسفل النهر في أقصى الجنوب، وكذلك لا تقل النسبة عن (٥،٠٠٠) جزء في المليون في مياه البزل، وكذلك في الأهوار وفي بحيرة الثرثار، بل  يمكن أن تبلغ النسبة حوالي (١٠،٠٠٠) جزء في المليون في أسوء الظروف في فترات الجفاف وفي شط العرب بعد دخول لسان مياه الخليج العربي إلى داخل شط العرب، ألمشكلة الآن وجود مساحات كبيرة من الأراضي (الصبخة) المغطات بطبقة من الأملاح، أما مياه الأمطار فإن نسبتها تتراوح بين (٣٠٠-٥٠٠ملم) سنوياً في المناطق الشمالية وتنخفض هذه النسبة  إلى (١٠٠-٢٠٠ملم) سنوياً في الصحارى الغربية والجنوبية، وإن المياه الثقيلة لا تعالج معالجة صحيحة ويتم إرجاعها إلى مجاري الأنهار، ولا زالت هناك مناطق ملوثة بأليورانيوم المنضب (depleted Uranium) الذي أستخدم على نطاق واسع في الحروب التي شنت على العراق وبألذات في مدينة البصرة ومدن الجنوب بشكل عام، وإن هذه الأراضي لا زالت تزرع، ولا زال المئات من الناس ومن الأطفال الحديثي الولادة يصابون بالكثير من السرطانات والتشوهات الخلقية بسبب هذه المنتجات الزراعية؛ أمام هذا الواقع كيف يمكننا تحقيق نهضة زراعية وكيف يمكننا تحدي هذه المصاعب والتغلب على هذه المعوقات والعقبات؟؟؟

الحل يتمثل بإتخاذ عدة إجراءات لمختلف الأصناف من المزروعات وكيفية التغلب على كل عقبة من العقبات المذكورة أعلاه وهي كألتالي:

١-الزراعة في المياه المالحة للمحاصيل الغذائية: هناك عدة محاصيل زراعية يمكننا زراعتها في المناطق التي تتوفر فيها مياه ذات ملوحة عالية، فبألنسبة للحبوب نجد إن الشعير في العراق يمكن أن ينمو في بيئة نسبة الملوحة في المياه تبلغ حوالي (٤،٢٠٠) جزء في المليون، ولكن لو تم جلب بذور بعض أصناف الشعير الأمريكي فإنها قادرة على أن تنمو في بيئة نسبة الملوحة في المياه تبلغ (١٥،٠٠٠ ) جزء في المليون، ومعنى هذا  إنه يمكن سقي هذا الشعير حتى من مياه البزل، بل يمكن أن ينمو في الأراضي (الصبخة) المغطاة بطبقة من الملح، أما الحنطة فلا يمكن سقيها في العراق بماء تتجاوز نسبة ملوحته ال (٤،٠٠٠) جزء في المليون، ولكن إستطاع البريطانيون تهجين قمح مع نبات وسادة الرمال ( Sand Couch  ) بحيث يمكن أن يسقى بماء تتجاوز نسبة ملوحته أل (١٠،٠٠٠ ) جزء في المليون حيث يتم زراعة هذا القمح على نطاق واسع جداً في مناطق البحر الأسود، أما ألرز الذي يزرع في العراق فإنه لا يمكن أن ينموا في بيئة تتجاوز نسبة الملوحة (٣،٠٠٠ ) جزء في المليون، ولكن تم إنتاج رز معدل وراثياً الذي بدأ يزرع على مستوى واسع في الهند والصين والذي يتحمل أن ينمو في بيئة تصل فيها نسبة الملوحة في الماء إلى (١٠،٠٠٠) جزء في المليون، كما يجب التركيز على المحاصيل التي تتحمل نسبة نسبياً عالية من الملوحة، كالهليون  ( Sparagus  ) (وهو نوع خضرة المائدة) ينمو في ماء بنسبة ملوحة (٢٠،٠٠٠) جزء في المليون وبدرجة أقل ألطماطم والبصل والبطيخ والخس والملفوف والشوندر  وشوندر السكر حيث تحتاج  تلك المحاصيل إلى ملوحة بين (٣،٠٠٠) – (٤،٥٠٠) جزء في المليون ، أما بالنسبة للفواكه فيمكن زراعة السفرجل ( Quince ) والذي يطعم بالكمثرى حيث ينمو بماء ملوحته (٤،٠٠٠) جزء بألمليون، فضلاً عن نخيل التمر  الذي يتحمل ماء تصل ملوحته إلى (٥،٠٠٠) جزء بالمليون. تعتبر بذور  شجرة الأرغان (Argan) والتي تزرع على مستوى واسع في المغرب العربي حيث تغطي مساحة تتجاوز النصف مليون هكتار من أهم مصادر زيت الطعام في المغرب الذي به خواص طبية عالية جداً ويستخدم كمستحضر عالي الجودة للبشرة حيث ينتج المغرب ما قيمته ملياري دولار سنوياً من هذا الزيت فضلاً عن إستخدام أوراق الشجرة كعلف للحيوانات،  لقد تم زراعة هذه الشجرة في صحراء النقب في فلسطين المحتلة حيث تسقى بماء تصل نسبة ملوحته إلى (٦،٠٠٠) جزء في المليون. وهناك ما لا يقل عن عشرين صنفاً من المحاصيل المختلفة والتي تنتج زيت الطعام، وزيوت للإستعمالات ألأخرى المختلفة والتي تنموا في بيئة تصل ملوحة الماء إلى ( ١٠،٠٠٠) جزء في المليون أو أكثر.

٢-الزراعة في المياه المالحة للعلف الحيواني: حيث هناك مئات الأصناف من المزروعات المناسبة كعلف للحيوانات حيث زرعت مساحات واسعة في السعودية من نبتة (Prostrate) التي تتحمل بيئة ملوحة ماءها تتجاوز ال (١٠،٠٠٠) جزء في المليون، وهناك بعض الأعلاف التي يمكن أن تنمو في بيئة ملوحة ماءها ضعف ملوحة ماء البحر كنبتة (Salt Grass) و تنمو هذه النبتة في بيئة قليلة المياه وشبه جافة، أما نبتة (Leptochloa fasca) والتي تزرع على نطاق واسع في الباكستان كعلف حيواني وتنمو في بيئة تصل ملوحة الماء إلى ( ١٠،٠٠٠) جزء في المليون، وتتميز هذه النبتة بإنتاج عالٍ يبلغ (٤٠ ) طن من الأعلاف للهكتار الواحد؛ أفضل نباتات الأعلاف التي يمكن زراعتها على نطاق واسع في الصحراء الغربية والجنوبية في العراق هو شجرة (Atriplex) حيث لا تحتاج إلى أمطار أكثر من (٢٠٠) ملم في السنة، حيث يمكن إستخدام الإرواء المزدوج سيحاً وبألإعتماد  على المطر، بل هذه الشجرة لا تموت حتى ولو كانت الأمطار بمقدار ( ٥٠ ) ملم في السنة، ولكنها تحتاج إلى ثلاث سنوات لتنمو قبل توفيرها كعلف للحيوانات وتنتعش هذه النبتة بالحرارة العالية، كما يمكن سقيها من مياه نسبة ملوحتها تبٓلغ (  ٢٠،٠٠٠ ) جزء في المليون، يمكن تحويل الكثير من الصحاري في العراق إلى مراعي خضراء بإستخدام اكثر من صنف من نباتات الرعي المذكورة أعلاه أو غيرها حسب توفر الظروف الملائمة لكل نبتة وتربية مئات الألوف من المواشي والأبقار وإنتاج آلاف ألأطنان من الحليب ومنتجات الألبان واللحوم والأصواف وألجلود وتشغيل عشرات المعامل من صناعات الألبان وتعليب اللحوم ومعامل الصناعات الجلدية والأنسجة الصوفية إذا بذلت الجهود المخلصة والدراسات الوافية من دون فساد أو تسويف أو تصدي غير ألأكفاء لمواقع المسؤولية في البلد.

٣-الزراعة في المياه المالحة للمحاصيل ذات المردود الإقتصادي من غير المحاصيل الغذائية: حيث يعتبر القطن من أهم هذه المحاصيل التي كانت تزرع في العراق على نطاق واسع جداً قبل أكثر من ستة عقود وكان العراق يصدر آلاف الأطنان سنوياً في خمسينات القرن الماضي، يمكن إحياء هذه الزراعة مرة أخرى على نطاق واسع حيث يتحمل القطن العراقي حوالي(٥،٠٠٠) جزء في المليون من ألأملاح لمياه السقي ولكن هناك بعض الأصناف من القطن والتي تزرع في تونس تتحمل بيئة ماء السقي يحوي على أملاح بمقدار حوالي (٢٠،٠٠٠) جزء في المليون؛ من المحاصيل الأخرى هو القصب لصناعة الورق، حيث ينمو القصب لصناعة الورق ولإنتاج السكر على نطاق واسع في مناطق الأهوار، كما توجد إمكانية لزراعة القصب نوع (Esparto Grass) والذي ينمو في بيئة ماءها ملوحته (١٢،٠٠٠) جزء في المليون، لقد قامت الجزائر بزراعة هذا القصب لمساحة تتجاوز السبعة مليون هكتار وتونس لمساحة تتجاوز المليون هكتار، حيث يستخدم هذا القصب لصناعة الورق وصناعة الشمع، وهناك صنف من القصب  ( Juncus )الذي يزرع على نطاق واسع في مصر ويستخدم لصناعة الورق ويتحمل بيئة ملوحة ماءها حوالي (٢٠،٠٠٠) جزء في المليون، وهناك أكثر من صنف من الأشجار لإنتاج المطاط كشجرة (Chrysothamnus) أوغيرها حيث تتحمل تلك الأشجار بيئة ملوحة ماءها عالية جداً.

 

٤-زراعة غابات النخيل وأشجار النيم واليوكالبتوس والسرو والصنوبريات والتوت والسيسال وغيرها: حيث كانت تنموا في العراق أكثر من (٣٠) مليون نخلة قبل نصف قرن وفي مدينة البصرة وحدها كانت هناك (١٣) مليون نخلة لم يبق منها الآن غير مليوني نخلة، يمكن إنشاء (مشروع زراعة عشرين مليون نخلة في مدينة البصرة وحدها من أجود أنواع التمور)، كما يمكن زيادة عدد النخيل في باقي المحافظات من حوالي (١٥) مليون نخلة اليوم إلى ما لايقل عن (٣٠) مليون نخلة خلال بضعة سنين، يتطلب هذا المشروع تكثير النخيل من أفضل أصناف التمور بطريقة التكثير بألأنسجة مختبرياً (وتسمى الإكثار الدقيق Micropropagation – وهي طريقة علمية حديثة / قبل حوالي ثلاثة عقود/ أسرع بكثير وأفضل من الطريقة التقليدية بالتكثير بألفسائل) حيث يمكن زراعة هذا ألعدد من النخيل بكل سهولة وخلال فترة قياسية، فألأرض والبيئة والمناخ المطلوب كلها عناصر متوفرة، ولكن هناك حاجة للمياه والأمر يتطلب أمرين ألأول إنشاء شبكة واسعة من الأنابيب للسقي بالتنقيط فضلاً عن توفير المياه التي تقل ملوحتها عن (٥،٠٠٠ ) جزء في المليون وبكميات كافية وبكلف إقتصادية،  إن مياه شط العرب تبلغ ملوحتها حوالي (٥،٠٠٠) جزء في المليون وتصل أحياناً في أسوء الظروف إلى (١٠،٠٠٠) جزء في المليون، يمكن إنشاء منظومة تحلية للمياه للحفاظ على نسبة ملوحة طوال العام تقل عن (٥،٠٠٠) جزء في المليون وبكميات كافية لسقي هذا العدد من النخيل وبكلف إقتصادية، هذا ما سنتناوله بالتفصيل في الحلقات القادمة تحت باب إنشاء (الهيئة العليا للزراعة والري). أما بالنسبة لغابات الأشجار لأستخدامات الخشب والقضاء على ظاهرة التصحر وتعديل المناخ فيمكن الإستفادة المجانية من المنظمات العالمية لمساعدة العراق في إقامة مثل هذا المشروع  المهم للعراق وللعالم فضلاً عن الإستفادة المادية كدخل للعراق من الإتفاقية العالمية (Koyoto Protocol) لتقليل ألإنبعاث الكاربوني ( Carbon Offset )، كما يمكن في هذا المجال الإستفادة من التجربة المصرية حيث بدأت مصر بإنشاء غابات أشجار السرو والصنوبريات والتوت والسيسال وأكثر من (١٣٠) نوع من الأشجار في (٢٤) غابة صناعية ستبلغ مساحتها حوالي (٢،٨) مليون فدان وسيتم  سقيها من حوالي (٦) مليار متر مكعب من مياه الصرف الصحي المصفاة حيث إن نمو هذه الأشجار في مصر سنوياً يبلغ اكثر من أربعة أضعاف (٤،٤) نموها في المانيا سنوياً بسبب طول فترة تعرضها للشمس مقارنة مع المانيا، ويمكن فعل نفس الشيء في العراق حيث تتعرض لنفس فترة تعرض الأشجار في مصر للشمس فلها نفس السرعة في النمو، وقد قامت السعودية بفعل نفس الشيء بالنسبة لأشجار النيم (Neem tree) حيث بدأ زرعها في مناطق تواجد الحجاج في عرفات ومنى، في العراق يمكن زرع نفس هذه الأشجار التي تزرع في مصر فضلاً عن أشجار اليوكالبتوس والنيم كحزام أخضر حول جميع المدن وإنشاء غابات الأشجار في عدة مناطق من العراق؛ الميزة في العراق هو إرتفاع مستوى المياه الجوفية وبألذات بين نهري دجلة والفرات جنوب بغدا فضلا عن بعض المناطق شرق دجلة أو غرب الفرات، ومعنى هذا إن هذه الأشجار لا تحتاج إلى سقي مستمر في هذه المناطق، فبمجرد إمتداد جذورها إلى أعماق الإرض فإنها ستمتص الماء من التربة التي تحتها، إن لهذه الأشجار فوائد مادية كبيرة، فمصر على سبيل المثال ستنتج (١٥٠) طن من الأخشاب سنوياً لكل فدان من الأرض، وستنتج كميات كبيرة من الحرير من دود القز الذي ينمو على ورق أشجار التوت وستتولى صناعة الحبال من أشجار السيسال والعراق يمكنه فعل نفس الشيء إذا ما توجه نحو الصناعة وبألذات إذا ما أنشئت معامل صناعة الأثاث الخشبي على مستوى واسع فيمكن في هذه الحالة رفد هذه الصناعة بالمواد الأولية، وتشغيل عدد كبير من الأيادي العاملة  في مجال صناعة الأثاث فضلاً عن تصدير كميات كبيرة من الأخشاب، يجب أن تتولى (الهيئة العليا للزراعة والري المقترح إنشائها) تحديد مناطق الغابات الصناعية وتتولى نفس الهيئة إستحداث هذه الغابات وزراعة الأشجار وألإشراف عليها.

٥-التعامل مع الإشعاعات النووية لليورانيوم المنضب: أما بألنسبة لليورانيوم المنضب والذي تلوثت فيه مساحات كبيرة في العراق جراء الحروب السابقة، فإن الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية قانونية ومسؤولية أخلاقية لتخليص العراق من هذا التلوث النووي الذي من الطبيعي أن يستمر لملايين السنين إن لم يتم معالجته، فضلاً عن كلف معالجة التشوهات الخلقية للمواليد الجدد بسبب هذا التلوث فضلاً عن علاج مئات الحالات من السرطانات بسبب هذا التلوث، يجب على وزارة الصحة إجراء إحصائية لمعدل السرطانات في العراق وإعتبار أي زيادة عن المعدل العالمي هو من مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية بسبب اليورانيوم المنضب، قبال ذلك لا نريد معالجة هذه الحالات خارج العراق، بل تطالب الولايات المتحدة بإنشاء مجمعات طبية متخصصة لمعالجة السرطانات في المناطق التي تعرضت لليورانيوم المنضب، وتتحمل الولايات المتحدة كلف تشغيل هذه المستشفيات وتجهيزها بالكادر الطبي الملائم، ويتوفر عد لا بأس به من أطباء السرطان من العراقيين خارج العراق، فإذا ما توفرت مثل هذه المجمعات فألكثير منهم مستعد للرجوع للبلد؛ لقد أنشئت وزارة خاصة للبيئة ولكن للأسف لم تتخذ هذه الوزارة إجراء جدي وفعال للتعامل مع هذه المشكلة، أفضل وسيلة للتعامل مع هذه المشكلة هو الإستفادة من تجربة روسيا (ألإتحاد السوفيتي سابقاً) في التعامل مع حادثة التلوث ألنووي على أثر ألتسرب النووي من مفاعل تشيرنوبيل في ثمانينات القرن السابق، حيث قام الروس في وقتها بزراعة المناطق الملوثة بنبات (Agropyron) القادر على إمتصاص المواد المشعة من التربة، ومن ثم يتم التعامل بطريقة مدروسة للتخلص من هذا النبات ومن آثاره، يجب إبتداءً عمل فحص للتربة في المناطق التي تعرضت للتلوث النووي وتمنع الزراعة والتواجد البشري الطويل ضمن هذه المناطق، ويتم  التنسيق مع الروس والأميركان لتطهير هذه الأراضي من التلوث النووي، الروس يستفاد من خبرتهم وتجربتهم، والأميركان بشكل طبيعي يعتبروا أنفسهم مسؤولين قانونياً وأخلاقياً لتحمل الكلف والمصاريف لعملية تطهير ألأراضي من هذا التلوث النووي، ولكنهم لم يقوموا بهذا الفعل لأنه للأسف الشديد لا يوجد من يطالبهم من السياسيين العراقيين بتحمل مسؤوليتهم بهذا الشأن.                                                       

[ إن كل ما ذكر من إقتراحات أعلاه إنما هو غيض من فيض فهي أمثلة معدودة لبرنامج كبير ومتكامل يحتاج إلى دراسات أوسع وأبحاث مستفيضة، كما تبقى هذه المقترحات حبراً على ورق ما لم يتم تبنيها من قبل مؤسسات الدولة، لذلك لا بد من تشكيل هيئة عليا للزراعة والري والتي سنفصل مهامها في الحلقات القادمة، حيث تتولى هذه الهيئة دراسة خواص التربة لكافة الأراضي الزراعية وأراضي البور في العراق وخواص الماء المستخدم للسقي من مختلف مصادره وكيفية تقليل نسبة ملوحته بطريقة إقتصادية،  والنباتات التي يراد زراعتها وإمكانية نجاح زراعتها في مختلف المناطق، إن هذه الهيئة يجب أن تتولى عملية إجراء التجارب والأبحاث إعتماداً على كادرها الفني فضلاً عن الإستعانة بخبرات خارجية كأشخاص إستشاريين أو مؤسسات إستشارية أو منظمات دولية في مجال الزراعة والري، وإن الإنسان العراقي قادر على أن يكون هو صاحب الإبداع والأختراع إذا ما توفر له المجال من مختبرات متطورة وكتب ودوريات  عالمية وآخر الأبحاث العالمية في مثل هذه المجالات فضلاً عن أختيار الطلبة المتفوقين لإكمال دراساتهم العليا في الجامعات البحثية العالمية ورجوعهم لتطوير المستوى العلمي للجامعات العراقية والمؤسسات العلمية البحثية في مثل هذه المجالات.]

{وإننا في هذه الدراسة إعتمدنا على ملوحة الماء كأجزاء من المليون، ولكن كما هو معلوم لأهل ألإختصاص فقد غدا هذا القياس أسلوب قديم وغير دقيق، حيث يعتمد الآن على درجة الموصلية الكهربائية لماء السقي وللتربة، وهناك تفاصيل وعناصر علمية كثيرة لم نتطرق إليها لأنها لا تناسب المقام}

14 thoughts on “كيفية النهوض بألقطاع الزراعي في العراق مع قلة المياه وزيادة نسبة ملوحتها

  1. جدا راقي . اذا سمحت لي دكتور أن شير الى امكانية استخدام المخلفات الحقلية لأنتاج الطاقة النظيفة (Biomass energy) ولا اريد هنا الاسترسال بالحديث عنها لأنك سيد العارفين بهذا الموضوع. تحياتي لكم دكتور.

  2. احسنت دكتور لكن ﻻحياة لمن تنادي انا من المتابعين لكل الدراسات واﻻطروحات التي نشرتها لحلحة اﻻزمة والنهوض باﻻقتصاد العراقي ولدي بعض اﻻفكار التي تتﻻئم وتتناغم مع هذه الدراسة

  3. السلام عليكم دكتور..
    هذا المقال هام جدا. . إنه يلخص استراتيجية ممكنة قابلة للتطوير من أجل بنية زراعية مرنة تتجاوز ظروف التصحر والتملح..
    بودي الإشارة إلى إمكانية إدخال برامج الهيدروبونيك والاكوابونيك في الزراعة كونها تقلل من ماء السقي والتسميد بنسبة 90 بالمائة فضلا عن الإنتاجية العالية كما ونوعا..
    شكرا لكم دكتور.. فمقالكم هذا الهمني مزيدا للاستمرار في تجربتي الخاصة على تقانات الزراعة الحديثة التي بدأت الأعداد لها في بيئة قاسية نسبيا منذ قرابة شهرين..

  4. احسنت دكتور… كلامك علمي ومبني على دراسات وتجارب دول يمكن الاستفادة منها ولكن.. هناك مأساة في العراق اسمها (المواطنة) وحضرتك خير العارفين بمعناها لقد فقدت في العراق والقليلين الذين يحملونها لا يستطيعون مجارات التيار.. مع العلم يوجد الكثير من الاساتذة الذين يمتلكون الخبرة في المجال الزراعي ولكن من يعطيهم المجال للعمل والابداع وانتشال العراق من هذا الواقع المرير.. وشكرا لك

  5. شكرا على هذا الطرح الملهم استاذ محمد. رغم اني لاافهم بالزراعة الا انها نوع من الاعمال لاتختلف عن بقية الاعمال وتتطلب معرفة فنية وموارد وادارة. المعرفة الفنية اليوم اصبحت متوفرة بغزارة وهذه المقالة خير دليل ان بعض الجهد بالبحث يمكن ان توصلنا لما نحتاج من معرفة. ومن ناحية الموارد لدينا بطالة خريجين عالية ولدينا اراضي زراعية شاسعة ولدينا مياه بكميات كافية ولدينا مبادرة الاقراض من البنك المركزي وهي عنصر حاكم. تبقى الادارة. مقترحكم لهيئة عليا للزراعة والري مقترح مهم وافهم من الوصف انها مصممة لتكون مؤسسة بحثية ومشرفة على ادارة القطاع. لاغبار على جهة توجه الابحاث ولكن لدي اشكال على ادارة القطاع. فماهي نسبة نجاح مؤسساتنا الحكومية بادارة اي فعالية؟ لقد جربت بنفسك هيئة الاعلام والاتصالات التي فشلت بالنهوض بقطاع مهم جدا. اقترح ان نترك مهمة النهوض بالزراعة للقطاع الخاص. ان مايعيق خريجينا من ان يكونوا مبادرين هو ضعف مناهج جامعاتنا. فليس لدينا اي مناهج تسلح الطالب بمعرفة الامور الادارية وشؤون الاعمال لتعده ليصبح من المبادرين. لذا نجد ان خيارات خريجينا محدودة وتكاد تنحصر بين الانتساب للقوى الامنية او امتلاك تاكسي او الهجرة او “التعيين” لقضاء حياته العملية يشتغل يوم عمله بمعدل 17 دقيقة. فما هي درجة اعداد خريجي الزراعة لدينا بقوانين البلد التجارية والامور المحاسبية والادارة المالية وشؤون الافراد وعلوم وفنون التسويق؟ اجزم انها تكاد تكون معدومة. لذا اقترح اختصار الوقت من خلال انشاء حاضنات لشركات مبادرة في مجالات الزراعة حيث تقوم بتوجيه هؤلاء الشباب بصورة مركزة لضمان نجاح مشاريعهم الزراعية. وفي الماضي كانت الجمعيات الزراعية تقوم نوعا ما بدور الحاضنات ولكن اطارها العام كان اشتراكيا مما جعل الفلاح يشعر انه كموظف في الدولة وليس “مالك” للمشروع. اذن اقترح تشجيع الخريجين على الخوض بمشاريع زراعية مبادرة (Startups) لتسريع عملية النهوض بالزراعة في العراق.

  6. أحسنت أخي العزيز تحليلك صحيح وواقعي 100٪، ولذلك وضعت أنا في الحلقة الأخيرة (الخصخصة الذكية والتنمية المستدامة) لتوضيح الخطوط العريضة لتعامل القطاع الخاص مع الأرض، صحيح إن مؤسسات الدولة عديمة الفعالية ولكن هناك ضرورة لتدخل الدولة بسبب نوعية المشاريع، فلا يمكن للقطاع الخاص أن يقوم بإنشاء الغابات التي لا تدر وارداً إلا بعد أكثر من عشر سنوات، وهذا ما قامت به مصر على مستوى الدولة، بل الصورة الخضراء التي تظهر في المقال هي لغابة مصرية حيث بدأ مشروع إنشاء الغابات الصناعية في مصر منذ عام ١٩٩٥ وهذه هي النتيجة وقد طورت مصر هذه الغابات ومشاريعها المستقبلية بالإتفاق مع مؤسسات المانية متخصصة في مجال الغابات، كما إن التخلص من التلوث النووي هو من مسؤولية الدولة، كما لا يمكن للفلاح البسيط بل حتى المهندس الزراعي إجراء تجارب على مزروعات جديدة ضمن تربة بمواصفات معينة ومياه بنوعية أملاح مختلفة ، كما إن جلب البذور المحسنة والشتلات من دول أخرى لا يقدر عليها المهندس الزراعي بسهولة، نعم كما ذكرت يمكن الإتفاق مع شركات كحاضنات وأن ما سأقترحه في الحلقة الأخيرة قد يكون مشابهاً لما ذكرته أنت وهو جلب شركات عالمية كبرى في المجال الزراعي أو شركات عراقية خاصة بشكل بحت أو قطاع مختلط تتفق مع شركات عالمية كبرى لإجراء التجارب وإحياء الأراضي الميتة والإتفاق معها على أجور معينة أو نسبة أرباح معينة أو أي أتفاق يحقق مصلحة البلد، أما بألنسبة للهيئة العليا المذكورة فقد لا يمكنها فعل الكثير بسبب عدم نجاح مؤسسات الدولة من إنجاح أي مشروع، لذلك كما ذكرت أنا في المقال إما جلب خبراء زراعيين عالميين يطلب منهم إنجازات معينة ضمن فترة زمنية معينة وشركات عالمية متخصصة بألإنتاج الزراعي وإستخدام التقنيات الحديثة لأنه لا بد أن يكون للعراق مختبرات لطريقة التكثير بالأنسجة وهذا لا يستطيعه القطاع الخاص من غير الشركات العالمية الكبرى التي يمكن التنسيق معها ومع الجامعات العراقية وبالذات طلبة الدراسات العليا في الهندسة الزراعية لتحقيق إنجازات علمية على المستوى العراقي لهذا القطاع الحيوي والمهم حيث هناك الكثير من الأكاديميين العراقيين الذين يرغبون بالبحث إذا ما فسح لهم المجال وزودوا بالأدوات وألآليات لتساعدهم في ابحاثهم، وهؤلاء طوروا العراق في الفترات السابقة، ولكن دورهم الآن ضعيف بسبب إستشراء حالة الفساد على مستوى واسع جداً، فأصبح للأسف الشديد هم ألكثير من موظفي الدولة هو إستغلال الموقع الوظيفي لتحقيق فائدة خاصة، فأنتهى دور المخلصين وبرز دور المفسدين، ولا يمكن تحقيق إنجاز فعلي على مستوى البلد ما لم يتم تغيير المعادلة، ويجب أن يكون هناك دور فعال للمهندسين الزراعيين وتزويدهم بكافة الوسائل لإنجاح مشاريعهم الصغيرة والمتوسطة ومنها توفير القروض الزراعية الميسرة، أرجو إنتظار مقالي الأخير لتكون الصورة واضحة
    مع وافر تحياتي

  7. دكتور أنا معجب بمتابعة المقالات التي تنشرها من اجل إيجاد الحلول للواقع العراقي الذي يعاني من مشاكل كثيرة دون إيجاد حل واحد لها سؤالي لوتم تطبيق تلك الإجراءات في تحسين الواقع الزراعي هل يستفيد العراق على المستوى الاقتصادي خصوصا ان العراق البلد الوحيد الذي يدعم ويصرف على القطاع الزراعي دون ان يستفيد منه مثل ذلك شراء القمح اكثر من القيمة الحقيقة في السوق وحجة الحكومه تقليل البطالة

  8. السلام عليكم — هناك شجرة منتجة للخشب بشكل يفوق التصور وكذلك تعتبر مصدات رياح اضافة للكثير من الفوائد التى لاحصر لها
    الشجرة تسمى باولونيا او الاميرة
    اتمنى ان يشاع استخدامها وجماليتها

  9. ازرعوا شجرة الباولونيا فان منتجة للخشب الصناعى وسريعة الانتاج وتسمى الشجرة الاميرة لما لها من مردود اقتصادى سريع وكذلك مصدات رياح وفوائد جمة
    الاستاذ والاخ العزيز علاوى المحترم

    • اخي العزيز السيد علي، سأتطرق في المقالات القادمة إن شاء ألله لكيفية التصرف مع الأملاح ومن ضمنها الكبريت
      مع وافر تحياتي

  10. شكرا دكتور يجب اﻻستفادة بجديه من هذه الدراسه المهمه وتطبيقها عمليا ……حلم

  11. شكرا دكتور على الجهد الكبير المبذول في كتابة هذه المقالة.وللاسف فانا الان فقط اطلعت على المقال, وقد تغيرت بعض الامور منذ نشرها واهم المتغيرات هو الرغبة الحكومية الحاصلة الان في دمج وزارتي الزراعة والموارد المائية وهو قرار كارثي سيسبب خسارة في كلا القطاعين بسبب اختلاف فلسفة الوزارتين واهدافهما والياتهما. كما ان للعراق تجربة في دمج الوزارتين نهاية ثمانينات القرن المنصرم ثم فكهما من جديد منتصف التسعينات بعد ان تبين خطأ الدمج، وان عملية الدمج ثم الفك سبب اضرارا فادحة وصلت الى مايمكن وصفه بالتخريب. ونحن الان نريد ان نجرب المجرب بكل كوارثه، رغم اننا ندعي بضرورة انشاء بديل اقتصادي للنفط والمرشح هو القطاع الزراعي ثم نعمد الى تدمير الوزارة القائدة للقطاع الزراعي. استاذنا الفاضل استطيع ان احدثك عن علامات مضيئة في وزارة الزراعة ( وانا احد كوادرها ) موجودة الان وهي في طور التصاعد ويمكن الركون اليها والتاسيس عليها ولكنها في طريقها للتدمير بسبب الدمج. ويمكن ان امدك ببيانات ومعلومات عن حالات متميزة بالوزارة تعينك فيما لو قررت الوقوف في وجه دمج الوزارتين. د.عبدالكريم حمد حسان القريشي / المدير التنفيذي للبرنامج الوطني لتنمية زراعة الحنطة في العراق

    • شكراً أخي العزيز على هذه المعلومات المهمة، قد يمكننا اللقاء ، يرجى الإتصال بعد إسبوع لترتيب لقاء في وقت ملائم لكلينا، مع وافر تحياتنا

اترك رد