الكلمة التي القاها محمد علاوي في مؤتمر (الأسلاميون في الحكم …. قراءة في خمسة تجارب) في عمان بتاريخ ٢٧-٢٩ ديسمبر ٢٠١٤

قضية الإسلاميون في الحكم وبالذات حكم الإسلاميين في العراق منذ عام 2003 يتطلب بحث مختصر في الجانب التأريخي:

حيث تشكل الحزب الشيوعي العراقي في ثلاثينات القرن الماضي وتشكلت الأحزاب القومية في نهاية أربعينات القرن الماضي، فكان نشوء الأحزاب الإسلامية في العراق في نهاية الأربعينات كحركة الإخوان المسلمين وفي خمسينات القرن الماضي كحزب الدعوة الإسلامية كرد فعل على انتشار الأفكار الماركسية بالدرجة الأولى، وقد تصدت المرجعية الشيعية في ذلك الوقت للرد على الأفكار الماركسية والأفكار القومية اليسارية كفكر حزب البعث العربي الإشتراكي وذلك بإصدار مجموعة من الكتب الفكرية للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) ككتاب فلسفتنا واقتصادنا والبنك اللاربوي في الإسلام وغيرها .

استلهمت الأحزاب الشيعية عند أول تأسيسها افكارها ومناهجها الإسلامية في مجال الحكم من حركة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي، فكان كتاب معالم في الطريق للسيد قطب وشبهات حول الإسلام لمحمد قطب وكتاب (الخلافة) الذي تسمى ب(نظام الحكم في الإسلام) لتقي الدين النبهاني من المصادر الأساسية في فترة الستينات والسبعينات لرسم المنهج السياسي للحكم الإسلامي سواء بالنسبة للأحزاب السنية أو الشيعية في العراق.

بالنسبة للأحزاب الشيعية الإسلامية فأن منهجها لا ينفك عن المتبينات الفكرية للفكر الشيعي الذي تطور خلال فترة أثني عشر قرناً من خلال استمرار فتح باب الإجتهاد. فنشأت مدرستين أساسيتين شيعيتين ضمن أجواء الحوزة العلمية في العراق ولبنان أولاً ثم في إيران. فكانت احدى المدرستين تتبنى نظرية ولاية الفقيه والنظرية الاخرى لا تتبنى هذه النظرية وانما تحدد ولاية الفقيه ضمن مساحات محددة تتمثل بالقضايا الفقهية العبادية وقضايا المعاملات للمقِلد لذلك الفقيه، فضلاً عن اعطاء الفقيه الحق بالولاية في بعض الامور المصيرية والمفصلية والمهمة في حياة الأمة.

لقد تبنت إيران والمرجعيات الشيعية في إيران مبدأ ولاية الفقيه العامة.

أما أغلب العلماء في العراق فلم يتبنوا هذا المبدأ، لذلك نجدهم لم يتدخلوا في سياسة الدولة إلا في الامور المصيرية والمفصلية والمهمة في حياة الأمة.

ولا نريد في هذا المجال ان ندخل في تفصيلات منهج حزب الدعوة الإسلامية أو المجلس الأعلى أو التيار الصدري وذلك لسبب بسيط، وهو أن جميع هذه الجهات قد تخلت عن اديولجيتها ومنهجها الفكري للحكم حين دخلت العملية السياسية، واكتفت بوضع فقرات في الدستور تؤكد على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وهو مصدر أساس للتشريع ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، وأما منهجها السياسي فقد انحصرت أهدافه على وصول أفراد هذه الأحزاب والتنظيمات والتيارات للمشاركة في إدارة شؤون البلد ، كأعضاء في مجلس النواب وكوزراء ووكلاء  وباقي المناصب القيادية في الدولة والحكومة.

وهنا نستطيع أن نزعم أنه وللأسف الشديد لم تكن مشاركة هذه الجهات في حكم البلد ناجحة في تطوير البلد من النواحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية. فمشاركة هذه الجهات اعتمدت على عنصر المنصب الحزبي وليس الكفاءة في الإدارة أو النزاهة أو التخصص في المجالات المختلفة لتولي المناصب التنفيذية إلا بمقدار محدود وضئيل. واستطيع في هذا المجال أن أزعم أن البلد قد تراجع الى الوراء بشكل كبير وبالذات خلال السنوات الثماني الماضية من ناحية توفير الخدمات مقابل المبالغ المالية الكبيرة التي صرفت، وفي مجال توفير الأمن للمواطنين، وفي مجال القضاء على الفساد المالي والإداري والذي إستشرى بشكل كبير، بل ألادهى من ذلك كله هو تعميق الخلافات الطائفية، حيث أن الفئة الحاكمة حينما فشلت في تحقيق التطور والرخاء وألامان خشيت أن يفقدها هذا الفشل التأييد اللازم للفوز في الإنتخابات لذلك أتبعت سياسة تعميق الخلافات الطائفية والإيحاء أنها الجهة القادرة على حماية الطائفة قبال الطوائف والأعراق الأخرى.

لقد أثرت هذه السياسة على المواطن بشكل كبير، فلم يسع المواطن لانتخاب الأصلح والأكفأ في إدارة البلد بغض النظر عن انتمائه الطائفي والعرقي، بل أخذ كل مواطن ينتخب من يمثله من طائفته وعرقه، ولا يتحرى إلا بما يحققه من ينتخبه من وعود يبثها في قدرته عن الدفاع عن الطائفة والعرق، فأدى ذلك الى تدهور البلد ضمن كافة المجالات وعلى كافة المستويات. وفي قبال هذا المنهج الواقعي وعلى الأرض في حكم البلد من قبل الأحزاب الإسلامية نجد أن المرجعية الدينية الشيعية قد تحركت بدرجة عالية من الوعي واستطاعت ان تحقق إنجازات إيجابية كبيرة على الارض قبال فشل الأحزاب الإسلامية.

فأول عمل قامت به المرجعية هو الإصرار على كتابة دستور للبلد من قبل مجلس تشريعي منتخب.

الامر الثاني هو حماية البلد من تداعيات الصراع الطائفي الذي كان من الممكن أن يشعل البلد من حرب طائفية مدمرة وبالذات بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين(ع) في سامراء.

(في إحدى المناسبات عندما زرنا آية الله السيد السيستاني وكان الوفد يتشكل من شيعة وسنة، فقلنا له: إن فلان من إخوتنا السنة، فقال: لا تقولوا ألسنة إخوتنا، بل السنة أنفسنا)( وفي زيارة أخرى خاصة حينما لمحت له متسائلاً: أن ألإئتلاف الموحد ذو صبغة شيعية وهو مما يعمق النزاع الطائفي، قال: أنا لم أرد أن يكون ألإئتلاف بشكله هذا، إنما أردته أن يكون إئتلافاً شيعياً وسنياً، إسلامياً ومسيحياً، عربياً وكردياً وتركمانياً، وأردت أن يدخل فيه بعض ألأشخاص ألوطنيون ليبعدوا عنه هذه  ألصبغة ألشيعية الطائفية)

الامر الثالث هو إعطاء الموافقة على مجموعة من الأسماء المقترحة لرآسة الوزراء عام (2004)،أن هذه الموافقة لم يكن تأثيرها كبيراً في ذلك الحين ولكن أصبح تأثيرها كبيراً جداً عام (2014) حينما كاد البلد أن يتحول نظامه الديمقراطي الحر الى نظام دكتاتوري مستبد، وتمثل هذا الأمر بإصرار رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي على الإستمرار بحكم البلد مع كل الإخفقات والتبعات السلبية الكبيرة على كافة الأصعدة والنواحي الإقتصادية والإجتماعية والسياسية خلال سنوات حكمه الثمان.

ولكن موقف المرجعية الدينية الحازم كان له الدور الأساسي والمفصلي في القضاء على الدكتاتورية والتي لم تكن نتاج توجهات شخصية لشخص الحاكم فحسب بل الذي ساعده عل هذا الأمر هو قيادته لحزب اسلامي شمولي، فالخصائص التي تمثلت فيها الأحزاب الشمولية غير الإسلامية لا تختلف كثيراً عن الخصائص للأحزاب الإسلامية لنشوء الدكتاتورية. فكما ولدت الشيوعية دكتاتوريات تاريخية كستالين وتشاوتشيسكو، أو الأحزاب الفاشية التي ولدت دكتاتوريات هتلر وموسوليني، أو حزب البعث العربي الإشتراكي الذي ولد صدام حسين.

فالأحزاب الإسلامية الشمولية سواء كانت شيعية أو سنية نجد انها توفر البيئة لنشوء دكتاتوريات مستبدة.

ولكن لحسن حظ العراق وجود مرجعيات إسلامية حكيمة استطاعت أن توقف مثل هذه التداعيات في الوقت المناسب.

قد يتساءل البعض ، لو تولى شخص من المجلس الاعلى أو من التيار الصدري الحكم في البلد فهل يمكن أن تنشا دكتاتورية مستبدة كالتي كان  يمكن أن تكون لو استمر حاكم من حزب الدعوة الإسلامية في الحكم؟

نستطيع أن نقول أن الإحتمالات ستكون أضعف بكثير وذلك لإلتصاق المجلس الاعلى والتيار الصدري بدرجة اكبر بالمرجعيات الدينية الشيعية.

فالمرجعية الإسلامية الشيعية لها عمق تأريخي يتجاوز الألف عام، وقيادة المرجعية الشيعية للأمة عقيدة راسخة في  ضمير الأمة، لذلك نجد أن قيادة حزب الدعوة قد توجهت قبل بضعة اشهر بسؤال المرجعية ان كانت راضية ببقاء الحاكم أم انها تريد إزاحته، فأفتت المرجعية بإزاحته، والتزمت هذه القيادة بقرار المرجعية، فأزيح المالكي من رئاسة الوزراء ونصب السيد حيدر العبادي رئيساً للوزراء، ولعل هذا الحدث دليل على ابتعاد حزب الدعوة عن متبيناته السابقة في وجوب قيادته للأمة، واقراره بارجحية رأي المرجعية الدينية في القضايا المصيرية والمفصلية للأمة.

في تصوري يعتبر هذا التطور أعظم إنجاز حققته الأحزاب والحركات الإسلامية في التعامل مع المرجعية الدينية كصمام امان يحمي الامة في الأوقات المصيرية والمفصلية من حياة الأمة.

المعضلة الأخرى التي اشتركت فيها اغلب الجهات السياسية من إسلامية وغير إسلامية في العراق هي التعامل مع المناصب التنفيذية وبالذات الكثير من الوزارات والهيئات المختلفة، حيث تعاملت مع هذه الوزرات والهيئات على اعتبار انها مصدر مالي لتمويل هذه الجهات السياسية، وللأسف الشديد اصبح هذا الأمر ثقافة واقعية، واخذت اكثر الجهات والأحزاب السياسية تتمادى في الفساد لتمويل الحزب أو الجهة السياسية، ويضطر ذلك الحزب أو الجهة السياسية السكوت عن فساد الجهات السياسية الأخرى، بل اضطرت هذه الجهات السياسية الدفاع عن وزرائها المفسدين لأنهم غدوا مصدر تمويل ذلك الحزب او تلك الجهة الساسية، للأسف استطيع ان اقول أن ذلك كان منهج أغلب الجهات السياسية وألأحزاب الموجودة في السلطة، وكان ذلك سبباً لأن يغرق البلد في مستنقعات الفساد وأن تفشل الحكومة في تطوير البلد مع وجود إمكانيات مالية ضخمة وكبيرة، واستطيع أن ازعم أن البلد قد تراجع ألى الوراء خلال اثني عشر عاماً من القضاء على نظام صدام حسين على كافة الأصعدة مقارنة بالموارد المالية الضخمة التي دخلت ميزانية البلد خلال هذه الفترة.

ختاماً يمكن تلخيص الأمر والإدعاء بأن الإسلاميين قد حكموا العراق لفترة تجاوزت التسع سنوات ولكنهم فشلوا في تطوير البلد وتوفير الخدمات وبسط الأمن والعدل والقضاء على البطالة،والقضاء على الطائفية، بل تعميق الطائفية  مع العلم أن الاسناد السياسي الدولي الذي حظيت به الدولة العراقية منذ عام (2003) لم تحظ به أي دولة في تاريخنا المعاصر كما أن الموارد المالية الضخمة قد تجاوزت الترليون دولار خلال تسع سنوات ولكن النتيجة للأسف الشديد هي الفشل.

ولكن الفرصة لا زالت سانحة وقائمة لتحقيق النجاح ونجاح كبير، وهذا ما نأمله، فمن الناحية السياسية فإن جميع الجهات السياسية قد مرت بمرحلة صعبة ولكنها كانت تجربة غنية زادتهم وعياً، واستطيع أن اقول أن الإسلاميين هم اكثر الجهات استفادة من التجارب السابقة وأن وجود الإسلاميين شيعة وسنة سيبقى وجوداً مميزاً في البرلمان، ويجب عليهم وعلى كافة الأحزاب السياسية الأخرى ترشيح الكفوئين والنزيهيين وليس من الضروري أن يكونوا منتمين لهذه الجهة السياسية، كما في تصوري يجب تثبيت تخلي الإسلاميين عن الإسلام السياسي والذي قد تخلوا عنه بشكل واقعي وقبلوا بالتحول الى تنظيمات سياسية مدنية تتبنى الدستور المصوت عليه، والتأكيد على دور المرجعية الدينية الرشيدة في هذه المرحلة العصيبة كصمام امان للحفاظ على الدولة وبالذات في القضايا المصيرية والمفصلية في المسيرة السياسية.

https://www.youtube.com/watch?v=uiNbYCwdQis

اترك رد