ولكن أمام هذه التساؤلات وأمام حالة ألإستفهام وألإستغراب ألتي تطرقنا إليها فإننا نستطيع أن نقول وبكل ثقة أن أهل البيت (ع) في واقع ألأمر قد سعوا وحققوا ألأهداف ألخمسة أعلاه وهذا ما سنتناوله بالتفصيل؛ كما إننا نثبت حقيقة أن هذه ألأهداف لم تتحق من قبل أهل ألبيت (ع) بشكل متساوٍ فيما بينهم، بل إن كل إمام مر بظروف وواقع تاريخي يختلف عمن هو غيره من ألأئمة، فيبرز تميز ذلك ألإمام بمواقف تصب بإتجاه واحد أو أكثر من هذه ألأهداف ألخمسة، وهذا يتطلب ألتعرف على ألمخاطر ألتي تعرض لها ألمسلمين وألإسلام وتعرضت لها ألشريعة الإسلامية وألمناهج ألإسلامية وألمفاهيم ألإسلامية بل كافة مفاصل ألفكر ألإسلامي بشموليته وكافة أبعاده وبالتالي ألتعرف على مواقف أهل ألبيت (ع) لدرء هذه ألأخطار ضمن ألمساحات ألخمسة ألتي تطرقنا إليها؛ وهذه ألمخاطر هي كما يلي :
أولاً: كتاب ألله
فبألنسبة لكتاب ألله؛ فإننا لو راجعنا التاريخ سنجد أن جميع الديانات والشرائع ألإلهية وجميع ألكتب ألسماوية السابقة قد حرفت؛ حيث حرفت شريعة نبي ألله إبراهيم (ع) بألكامل ممن تبقى من أتباعه من أديان منحرفة كالهندوسية ما تفرع عنها من ألبوذية وديانة السيخ، وكذلك شريعة نبي ألله موسىى (ع) وألديانة أليهودية وكتابهم ألتوراة، ونبي ألله عيسى (ع) والديانة ألمسيحية وكتابهم ألإنجيل؛ بل جميع ألديانات ألسماوية ألأخرى من غير ألإسلام ممن جاء بعد نوح (ع) وقبل عيسى (ع) ممن ذكرهم ألله في كتابه ألكريم أو لم يذكرهم؛ ألملاحظة ألمهمة في هذه ألإنحرافات إنها تمت على يد أناس محبين ومخلصين لأنبيائهم سواء كانوا من أليهود أو ألنصارى أو غيرهم، وأكبر دليل على حبهم لأنبيائهم أن النصارى أضفوا الصفات ألأ لهية على نبي ألله عيسى (ع) ولكنهم حرفوا الإنجيل. وإن أليهود كانوا ولا زالوا يحبون موسى ويفخروا بمعجزاته وألهندوس ألذين يعتبرون براهما هو ألإله ألأعظم ألذي لا تحرقه النار وأبو ألأمم وزوجته ساراسواتي وهو كنايةً عن نبي ألله إبراهيم وزوجته سارة وإستحالة النار ألتي ألقي فيها برداً وسلاماً ولكنهم مع ذلك حرفوا كتبهم ألسماوية وعقائدهم.
إن أخطر أمر واجهه ألإسلام هو وصول مجموعة معادية للإسلام ومبغضة لرسول ألله (ص)، حاربت ألإسلام وألمسلمين ورسول ألله (ص) لأكثر من عشرين عاماً، دخلوا ألإسلام رغماً عن أنوفهم، لم تؤمن قلوبهم طرفة عين أبداً بهذا ألدين، وصفهم ألله في كتابه ألكريم بالمنافقين يظهرون الإسلام ويبطنون ألكفر، بل أعلنوها حرباً علنيةً وشعواء على الدين حين قاتل يزيد أبن معاوية ألحسين (ع) وأهل بيته، وردد في مجلس عام شعار ألأخذ بثارات أجدادهم من رسول ألله (ص) ببدر وذلك بألفتك بحفيده ألحسين (ع) ومن تبقى من أهل بيت ألنبوة. لم يورد ألله في كتابه ألكريم قصص ألأنبياء وألأقوام ألسابقين عبثاً، وإنما ذكرها للتعريف بما سيواجهه ألمسلمون في مستقبل ألأيام من أحداث هي تكرار لما حدث للأقوام ألسابقين وللأديان ألسابقة، فالتأريخ يعيد نفسه، وألأحداث ألسابقة تتكرر، فالإنسان هو نفس الإنسان وألمجتمعات هي نفس ألمجتمعات؛ لم تواجه أليهودية ولا ألنصرانية أناساً تولوا أمور ألدين يضمرون هذا ألحقد على دينهم أو على نبي ألله موسى (ع) أو نبي ألله عيسى (ع) ولكن مع ذلك حرفت ألتوراة وحرف ألإنجيل؛ لقد كان من ألطبيعي أن يحرف ألقرآن وأن يحرف دين ألإسلام تحريفاً كاملاً على يد أعدائه الذين أحتلوا منزلة رسول ألله (ص) فتسموا بخلفاء الرسول؛ بل إن ألأمر أكثر من ذلك فبني أمية كانوا يعلمون أن ألله قد ذمهم في كتابه ألكريم في عدة آيات وبالذات في قوله تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ)، حيث جاء في ألكثير من التفاسير أن رسول ألله (ص) رأى رؤيا في منامه أن بني أمية ينزون على منبره كنزو ألقرود فنزلت ألآية ألكريمة تثبت هذه ألرؤيا ومطلقةً على بني أمية لفظ (ألشجرة الملعونة) كما ورد في تفاسير ألرازي وألقرطبي وأبن كثير والطبري في تأريخه وألسيوطي في الدر المنثور والبيهقي في الدلائل والمتقي الهندي في كنز العمال وإبن عساكر في تاريخ دمشق وإبن مردوية في تفسيره وألحاكم النيسابوري في ألمستدرك وفي غرائب ألقرآن والهيثمي في مجمع الزوائد وأبو يعلي في المسند وإبن حجر العسقلاني في الفتوح والكثير غيرهم نقلاً عن آلكثير من الصحابة والتابعين كأبن عباس وأبو هريرة وسعيد بن المسيب والحسن بن علي (ع) وأم ألمؤمنين عائشة ويعلي بن مرة وأبي برزة ألأسلمي وعبد الله بن مطرف وغيرهم من الكثير من الصحابة. لقد كان من حقدهم على كتاب الله أن ألوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان حين أستفتح القرآن فظهر له قوله تعالى “واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيدٍ” فقال: “أتتوعدني؟” ثم علقه ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه وهو ينشد:
[أتتوعد كل جبار عنيــد، فها أنا ذاك جبـار عنيـد.إذا لاقيت ربك يوم حشرٍ، فقل يارب مزقني الوليد] أمام هذا ألواقع نجد أنه من الغريب أن بني أمية لم يحرفوا كتاب ألله؛ ولكن ذلك ألإستغراب يزول ليقيننا أنه لا راد لأمر ألله وإرادته ومشيئته في حفظ كتابه الكريم ولكن ذلك لم يكن بطريقة إعجازية ولكن بطرق طبيعية تمثلت بمواقف ودور أهل البيت (ع) ألذي إختاره ألله لهم كما سيتبين أدناه.
ثانياً:سنة نبيه
لقد قضى رسول ألله (ص) أكثر من عشر سنوات في ألمدينة ألمنورة، وكانت له بالحد ألأدنى خطبتين في كل أسبوع في صلاة ألجمعة، أي في ألسنة ألواحدة أكثر من مئة خطبة فقط أثناء صلاة ألجمعة، إذاً مجموع ألخطب لصلاة ألجمعة لرسول ألله (ص) تتجاوز ألألف خطبة؛ ولكن كم وصلنا من هذه ألخطب ألمميزة للرسول ألأعظم صلى ألله عليه وآله وسلم؛ أنا شخصياً لم أطلع إلا على خطبة واحدة للرسول (ص) بشأن شهر رمضان وهي خطبة عميقة بمفاهيمها، عظيمة بمضامينها وشاملة بمحتواها و يتداولها ألكثير من ألمسلمين قبل شهر رمضان؛ فإذا كانت خطبة واحدة للرسول (ص) بهذه ألقيمة وتحوي كل تلك المضامين والمفاهيم؛ فكم كان يمكن أن يكون لدينا مفاهيم راقية وحقائق جلية ووضوح بعمق ألشريعة ألأسلامية من ألف خطبة؟ ولكن أين تلك ألخطب؟ وكم هي ألنسبة ألتي وصلتنا من أحاديث رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم؟.
قال ألبخاري صاحب ألصحيح المعروف أنه لم يصح لديه أكثر من (٢،٧٠٠) حديث من غير المكرر من أصل (٦٠٠،٠٠٠) حديث قد بلغه، وقال مسلم أيضاً صاحب الصحيح إنه لم يصح لديه غير حوالي (٣،٠٠٠) حديث من أصل (٣٠٠،٠٠٠) حديث، ونجد مجموع الأحاديث في الصحيحين بحدود (٣،٥٠٠) من غير ألمكرر؛ أما ألمؤلفات ألحديثية ألتي جمعت بين ألغث وألسمين لأهل ألسنة فأهمها وأكبرها ألمسند لأحمد إبن حنبل ألذي بلغت أحاديثه حوالي أل (٣٠،٠٠٠) حديث؛ هذا ألواقع يثبت حقيقتين مخيفتين، ألأولى كثرة ألأحاديث ألموضوعة ألتي تجاوزت ألنصف مليون حديث؛ وألحقيقة ألثانية قلة ألأحاديث ألصحيحة.
ومع قلة ما دون في عهد ألرسول (ص) من أحاديث، فقد كانت هناك مخططات وعمليات لإتلاف ما دون من أحاديث بعد وفاة ألرسول (ص)، فضلاً عن سياسة منع تدوين ألحديث لما يقارب ألقرن ونصف من وفاة رسول ألله (ص).
ونكرر تساؤلنا أعلاه: هل يمكننا ألإدعاء أن أهل ألبيت (ع) قد لعبوا دوراً مفصلياً في نشر ألأحاديث ألصحيحة وكشف ألكثير من ألأحاديث ألموضوعة وألمزيفة، ليس على نطاق أتباعهم فحسب بل على نطاق ألساحة ألإسلامية ألواسعة بجميع مذاهبهم وطوائفهم؟ نستطيع أن نقول بكل ثقة أن ألكثير من ألأحاديث الصحيحة في ألبخاري ومسلم وغيرها من كتب ألحديث لمدرسة ألخلافة مدينون بها لأهل بيت النبوة (ع) فضلاً عن الكتب الحديثية لأتباع مدرسة الإمامة؛ فكيف كان ذلك ؟ هذا ما سنوضحه أدناه.
ثالثاً: تفسير ألكتاب وشرح سنة نبيه
يوجد في كتاب ألله ٦٢٣٦ آية، فإذا كان رسول ألله قد قضى ٢٣ سنة من البعثة حتى وفاته فيكون معدل ما نزل عليه من ألآيات في السنة حوالي ٢٧٠ آية، أي في ألأسبوع حوالي (٥) آيات، أي أقل من آية واحدة في اليوم، لقد كان رسول ألله (ص) يوضح للمسلمين معنى كل آية ويقوم بتفسيرها إن كان هناك عدم وضوح من معناها، بل من الطبيعي إن شك المسلمون بأي آية من الكتاب أن يسألوا رسول ألله (ص)، حيث كان كل مسلم يستطيع أن يسأل رسول ألله (ص) مرة واحدة في ألأسبوع عن ألآيات الخمس التي أنزلت في ذلك ألأسبوع، لقد كان ألكثير من ألمسلمين يدونون ألآيات وألسور ألتي كانت تنزل على رسول ألله (ص)، حيث كانت عدة آيات لعدة سور تتنزل على رسول ألله (ص) في آن واحد فكان الرسول (ص) يوجههم فيعرفهم لأي سورة تتبع هذه الآية ثم يضع كل آية في موضعها الصحيح من السورة، كما إنهم كانوا عندما يدونون الآيات يكتبون تفاسيرها ومعانيها وسبب نزولهاعن ألرسول (ص) في الحواشي؛ للأسف تم إحراق كل هذه ألنسخ من المصاحف ألتي كانت تتضمن ألتفاسير عن رسول ألله (ص) في زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان ودون القرآن في عهده خالياً من جميع الحواشي والتفاسير ألتي نقلت عن رسول ألله (ص)، لذلك فإن ألأمر كان يستدعي مفسرين يفسرون الكتاب وبالذات ألآيات ألتي يمكن تأويلها بأكثر من معنى، حيث أشار ألله إلى هذه ألحقيقة في قوله تعالى ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾،
وهنا نتساءل كيف أوصل أهل بيت النبوة (ع) المقصودون في قوله تعالى (ألراسخون في العلم) تفسير ألكتاب إلى ألمسلمين عامة وإلى أتباع أهل البيت خاصة ؟
رابعاً: التطبيق العملي لما جاء في كتاب الله وفي سنة نبيه
كما تطرقنا سابقاً بألنسبة لكتاب ألله فإن ألتفاسير ألتي دونت في عهد رسول ألله (ص) وعن رسول ألله (ص) قد أحرقت، وأغلب أحاديث رسول ألله (ص) وخطبه وسننه لم تدون ولم تنقل إلينا؛ كما أن واقع الدولة ألإسلامية الفتية بعد وفاة رسول ألله (ص) قد تعقد كثيراً فقد واجه ألمسلمون بعد رسول ألله (ص) واقعاً جديداً تمثل بألحروب وألغزوات وفتح ألبلدان وإنتشار ألإسلام على ألمدى ألواسع وإختلاط ألمسلمين مع شعوب وحضارات أخرى، وهذا يتطلب مواقف إسلامية عملية لحل ألكثير من ألمعضلات ألجديدة ألتي واجهت ألمسلمين مما يستدعي درجة عالية من ألإستيعاب للإسلام لإستنباطها من كتاب ألله وسنة رسوله (ص) مما لا يمكن أن يتاح للإنسان ألمسلم ألعادي فعله.
فما هو الدور ألذي لعبه أهل بيت ألنبوة (ع) للتطبيق ألعملي لما جاء في كتاب ألله وفي سنة نبيه ضمن هذا الواقع ألجديد والمتغيرات ألكبيرة ؟
خامساً: تحقيق ألأمان من الفرقة
لقد تعرضت هذه ألدولة ألفتية بعد وفاة رسول ألله (ص) مباشرةً إلى خلافات كبيرة جداً تمثلت بخلافة رسول ألله (ص)، فقد كان أهل بيت ألنبوة ممثلين بعلي أبن أبي طالب (ع) يدّعون أنهم أولى ألناس بخلافته إستناداً لمقولة ألرسول (ص) في خطبة ألوداع [من كنت مولاه فهذا علي مولاه]، في حين إدعت قريش أن رسول ألله (ص) لم يوص لأحد وإنه ترك ألأمر شورى بين المسلمين، فأدى هذ ألأمر إلى حدوث نزاع على مستوى ألقيادة كاد يمكن أن يؤدي إلى إضعاف هذه ألدولة بشكل كبير أو لعله إسقاطها، ثم أصبح المسلمون في حيرة بعد وفاة أبي بكر حيث أوصى بألأمر إلى عمر بن ألخطاب من دون شورى ألمسلمين، وتكررت ألنزاعات حين تولى علي بن أبي طالب (ع) الخلافة، فقامت معركة الجمل، ثم صفين ثم النهروان، وإنشطرت ألدولة ألإسلامية إلى دولتين وحكمها خليفتين بعد مهزلة التحكيم على أثر معركة صفين؛ فما كان دور أئمة أهل البيت (ع) ضمن هذا الواقع للحفاظ على ألأمة وتحقيق ألأمان من ألفرقة ؟
سنتطرق إلى دور أهل بيت ألنبوة (ع) ومواقفهم في مواجهة ما ذكرناه من مخاطر لتحقيق مقولة الزهراء (ع) (جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة) وكما ذكرنا سابقاً فإن هذه ألأهداف لم تتحق من قبل أهل ألبيت (ع) بشكل متساوٍ فيما بينهم، بل إن كل إمام مر بظروف وواقع تاريخي يختلف عمن هو غيره من ألأئمة، فيبرز تميز ذلك ألإمام بمواقف تصب بإتجاه واحد أو أكثر من هذه ألأهداف ألخمسة، لذلك سنذكر كل إمام على حدة ونذكر ما حققه من أهداف ضمن المساحات ألخمسة ألتي تطرقنا إليها أعلاه: