البحث المقدم الى مؤتمر الزهراء (ع)تحت عنوان فقرتان من خطبة الزهراء (ع) [الجزء الرابع / موقف الامام الحسن (ع) من قضايا الاسلام الكبرى]؛

دور ألإمام ألحسن (ع) في تحقيق ألهدف ألخامس في ألحفاظ على ألأمة من ألفرقة وتحقيق ألهدف ألثاني في ألحفاظ على سنة رسول ألله (ص) :

ثم جاءت بعد ذلك مرحلة لا تقل خطورة في تمزيق ألأمة وذلك بعد إستشهاد أمير ألمؤمنين علي أبن أبي طالب (ع) وحدوث ألمواجهة بين جيش ألإمام ألحسن (ع) وبين جيش معاوية إبن أبي سفيان.

ولكن قبل الخوض في هذا الموضوع لابد من توضيح حقيقة خافية على ألكثيرين؛ فأنا أعتقد أن أكثر إمام تعرضت ألمواقف منه وتعرضت ألروايات عنه وتعرضت سمعته وذكراه إلى ألظلم هو ألإمام ألحسن (ع)، حيث تعرض للظلم من قبل ثلاث فئات، ألفئة ألأولى من أتباعه ومحبيه من معاصريه لقد لقبوه ب(يا مذل المؤمنين) لأنه مال إلى الصلح في الوقت ألذي كان فيه قادراً على مقارعة معاوية مع إمكانية كبيرة للإنتصار عليه، أما ألفئة ألثانية فهم مؤرخي ألسلطة خلال فترة ألخلافة العباسية ألذين تطرقوا إلى صلح ألإمام الحسن (ع) خلال فترة نشوء ألنزاع بين ألحسنيين (محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن على) ألذي بايعه العباسيون بالخلافة أواخر الدولة الأموية ثم إنقلبوا عليه وأخيه إبراهيم وبين ألعباسيين، فقد إنتقصوا ألإمام آلحسن (ع) وأتهموه بالتخاذل والضعف وبالغوا بضعف جيش العراق وعدم تماسكهم وغدرهم، فضلاً عن إتهامه عليه السلام بميله للراحة والدعة وعدم رغبته بالحرب وإنشغاله بالنساء بكثرة زواجاته وطلاقه للنساء عكس أخيه الحسين (ع)، بل زعموا أنه بمجرد إجراء الصلح دخل معاوية إلى الكوفة وقال [إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتزكوا…، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وانتم له كارهون، ألا واني مَنِّيت الحسن وأعطيته أشياء وجميعها تحت قدمي لا أفي بشيء منها له]، والحقيقة فإن هذه الواقعة هي كذب واضح، لا ننفيها ولكن نقول أن هذه الخطبة كانت بعد عشر سنين من الصلح وبعد إستشهاد الإمام الحسن (ع) كما سنثبته أدناه، كل هذه ألتهم من أجل إتهام ألثوار ألحسنيين بأنهم ليسوا أهلاً للحكم  إذا كان جدهم ألحسن (ع) بهذه الدرجة من الضعف وعدم قدرته على ألحكم، أما ألفئة ألثالثة فللأسف ألشديد هم الكثير من الكتاب المعاصرين ألذين لم يفقه ألكثير منهم أن ألحسن (ع) أقدم على ألصلح لتحقيق أهداف كبيرة وعظيمة وحفظ ألإسلام من إنحراف كبير ومستقبل خطير ومجهول؛ لقد شبه الحسن (ع) صلحه مع معاويه كصلح الحديبية بين رسول ألله (ص) ومشركي مكة، ولكن أغلب الكتاب المعاصرين  أخذوا يجدون المبررات للإمام ألحسن (ع) في إضطراره للصلح، في حين أستطيع أن أقول وبكل ثقة أن ألأمام ألحسن (ع) أقدم على ألصلح ليس من موقع المضطر، بل لأسباب لم يكشفها في وقتها، وللأسف كانت مواقف أكثر  المعاصرين منطلقة من الروايات التاريخية المحرفة من قبل مؤرخي السلطة العباسية حيث يصعب الوصول إلى ألحقائق إلا بعملية تحري ألحقائق ما بين سطور ألروايات التأريخية كما سنتطرق إليه أدناه، ولم يكشف ألإمام الحسن (ع) ألأهداف ألحقيقية للصلح في وقتها، ولكن معاوية إكتشف هذه الأهداف بعد ما يقارب العشر سنوات من الصلح، لذلك بادر إلى إغتيال ألإمام الحسن (ع) وأنقلب على جميع شروط الصلح، ولكن إغتيال ألإمام الحسن (ع) وإنقلاب معاوية على شروط الصلح لم تفلح في أيقاف ألأهداف العظيمة وألجبارة التي حققها ألإمام الحسن (ع) لمصلحة ألإسلام والمسلمين كما سنوضحه أدناه.

هناك تشابه كبير بين صلح الحديبية وصلح ألإمام الحسن (ع) كما صرح به ألإمام الحسن (ع) نفسه لذلك سنتناول أوجه التشابه بين الصلحين لمعرفة ألأنجاز العظيم ألذي حققه ألإمام الحسن (ع).

لقد إستقر ألعالم ألإسلامي بعد معركة صفين وقضية ألتحكيم، فصار للمسلمين خليفتين ودولتين، دولة المشرق ألإسلامي عاصمتها الكوفة وتتضمن مكة والمدينة واليمن والبحرين وبلاد فارس، ودولة المغرب الإسلامي وعاصمتها ألشام وتتضمن بيت المقدس ومصر وشمال أفريقيا، إن هذا هو أشبه ما يكون بإستقرار المسلمين في المدينة المنورة والمشركين في مكة بعد معركة الخندق، ولكن المطلوب في ذلك الوقت هو أن يعم ألإسلام كل أرض الجزيرة بما فيها مكة، لذلك كانت المبادرة من رسول الله (ص) فهو الذي تحرك ضمن مخطط إلهي  وإتجه إلى مكة ثم كان صلح الحديبية وكان من تداعياته دخول ألرسول (ص) إلى مكة وتهديمه للأصنام في مكة ونشر ألإسلام داخل مكة وفي كل أرجاء ألجزيرة العربية.

لقد بويع للحسن (ع) بالخلافة في العراق وكانت ألأمور سائرة بإتجاه تكريس ألدولتين، دولة ألإسلام الحق في المشرق ودولة ألإسلام المنحرف في الغرب. لقد تحرك ألإمام ألحسن عليه ألسلام بجيش قوامه بين أربعين إلى مئة ألف مقاتل، لإنهاء وضع الدولتين كما تحرك رسول الله بإتجاه مكة في صلح الحديبية، فأضطر معاوية أن يتحرك بجيش قوامه ستون ألفاً، وعندما ألتقى الجيشان فزع معاوية لعظمة جيش العراق حسب رواية البخاري وروايات أخرى حيث روى البخاري عن أبى موسى قال: (استقبل والله الحسن بن على معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إنى لأرى كتائب لا تولى حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية ….. أى عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لى بأمور الناس من لى بنسائهم، من لى بضيعتهم فبعث إليه رجلين من قريش من بنى عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه، وقولا له واطلبا إليه) ولم يرغب معاوية بشيء غير أن يبقى كل على وضعه فهذه أكبر آماله وأعظم أمنيته، حيث كان هذا نفس طلبه من علي (ع) في فترة خلافته، لقد أراد معاوية من علي (ع) أن يبقيه والياً على الشام ليس إلاّ، ولكن علي (ع) أصر على خلعه، وقاد جيشاً لحربه في صفين وكان ما كان من حيلة رفع المصاحف ومهزلة التحكيم، وها قد بايع أهل العراق ألإمام الحسن (ع)، وجهز الحسن (ع) جيشاً لقتال معاوية، لقد كان معاوية مستعداً أن يعيد نفس مقترحه للإمام علي (ع) فيبقى والياً على بلاد الشام ويبقى ألإمام الحسن (ع) خليفةً على دولة الإسلام؛ إقترح معاوية على ألإمام ألحسن (ع) ألهدنة والصلح، على أن يبقى معاوية على حكم بلاد ألشام ومصر وشمال أفريقيا وأن يحكم ألإمام ألحسن (ع) ألعراق وألجزيرة وبها مكة وألمدينة وأليمن وبلاد فارس؛ فكل يعيش في دولته ألكبرى براحة وإطمئنان ومن دون إقتتال ومن دون سفك ألدماء؛ وهنا يتجلى منهج أهل ألبيت (ع) بأروع  صوره في ألحفاظ على ألإسلام من ألإنحراف وعلى ألأمة من ألفرقة، حيث كان يعلم ألإمام ألحسن (ع) أن أهل ألشام قد إنحرفوا إنحرافاً كبيراً عن ألإسلام، لقد غير معاوية ألمفاهيم، فأهل بيت ألنبوة بنظر أهل ألشام هم ألخارجين عن ألإسلام، بل أوحى إليهم معاوية أنه هو ألمقصود من عبارة (أهل ألبيت) حيث يشترك مع ألرسول (ص) كونهم من قريش وبألذات من بني عبد مناف؛ وإن علياً (ع) كما كان يزعم لا علاقة له بألإسلام بل كان ألدين ألإسلامي على ألمنهج ألمنحرف لمعاوية أبن أبي سفيان وألذي شرع كسنة وكدين هو سب إلإمام علي (ع) وشتمه على ألمنابر وبعد ألصلاة حيث تواترت ألروايات بهذا ألأمر كما ورد في صحيح مسلم والترمذي ومسند أحمد وألطبري والمسعودي والسيوطي وأبن ألأثير وألعشرات من غيرهم، بحيث تفاجأ أهل ألشام حين سمعوا بمقتله وهو في ألصلاة وتساءلوا “أو كان علي يصلي؟”، لقد بلغ ألإنحراف ألأموي أن ألحجاج ألثقفي يتحدث على ألمنبر متسائلاً {رَسُولُ أَحَدِكُمْ فِي حَاجَتِهِ أَكْرَمُ عَلَيْهِ أَمْ خَلِيفَتُهُ فِي أَهْلِهِ ؟} حيث بلغت بهم ألجرأة وألإنحراف أن منزلة ألخلافة أعلى من منزلة ألنبوة، ومعناه أن منزلة ألخليفة ألأموي أعظم من منزلة رسول ألله (ص)، لقد وردت هذه ألروايات في مسند أبي داوود وإبن كثير وغيرهم من أصحاب ألسير، لقد كان معاوية يستشيط غضباً عند سماعه كلمة (أشهد إن محمداً رسول ألله) في ألأذان كما نقل عن مطرف بن ألمغيرة بن شعبة حيث كان أبيه من أشد ألمعجبين بمعاوية وحين طالبه في آخر عمره أن يحسن إلى ولد عمه من بني هاشم فأجابه إجابة طويلة أهم ما فيها :{هيهات هيهات ،  ………. وان أخا هاشم/ وفي بعض ألنسخ إبن أبي كبشة (وهي مسبة من قبل مشركي قريش حيث كانوا يطلقونها على ألرسول أيام ألجاهلية)  يصرخ به في كل يوم خمس مرات أشهد ان محمداً رسول اللّه. فأي عمل يبقى بعد هذا لا ام لك ، الا دفنا دفناً}؛ وذكر هذه ألحادثة ألكثير من أهل ألسير كألمسعودي وأبن ألأثير وألمدائني وغيرهم؛ إن ألأمة أو بألأحرى نصف ألأمة بهذا ألواقع وبهذا ألمقترح من معاوية سائرة إلى ألإنحراف ألكامل عن ألإسلام وسائرة نحو ألفرقة، فماذا يجب أن يكون موقف ألإمام ألحسن (ع) حيث هو من أهم مصاديق مقولة ألزهراء (جعل ألله ……. طاعتنا نظاماً للملة، وإمامتنا أماناً من ألفرقة)؛ لقد كان جواب ألإمام ألحسن (ع) لمعاوية على مقترحه لتقسيم ألعالم ألإسلامي إلى دولتين جواباً مناقضاً لمقترح معاوية ومفاجأً له حين أجاب [ولكني أدعوك لولاية أمر كافة بلاد ألإسلام ألعراق وألجزيرة وألشام ومصر وغيرها ولكن بشروط]، تفاجأ معاوية بهذا ألرد غير ألمتوقع (وكاد يطير فرحاً) كما جاء بألنص عن إبن عبد ألبر في ألإستيعاب، فأرسل إلى ألحسن (ع)  سجلاً أبيض في أسفله ختم معاوية قآئلاً له اكتب فيه شروطك فكل ما تريد فهو لك  كما ورد في الطبري عن إبن عبد البر وكما ورد عن رواية ألزهري. فوضع ألحسن (ع) شروطه وأهمها [أن يعمل معاوية بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. وأن لا يلاحق شيعة آل البيت عليهم السلام.وأن لا يسب أو يشتم عليا عليه السلام.وأنه ليس لمعاوية الحق في نصب أحد للخلافة.وأن لا يدعو الحسن معاوية أميرا للمؤمنين. وعلى معاوية أن يعيد الخلافة إلى الحسن فإن توفي الحسن فإلى الحسين.]، لقد إعترض الكثير من أخلص المخلصين للإمام ألحسن (ع) على الصلح كحجر بن عدي، وعدي بن حاتم، والمسيب بن نجبة، ومالك بن ضمرة، وسفيان بن أبي ليلي، وبشير الهمداني، وسليمان بن صرد، وعبد الله بن الزبير، وأبو سعيد وقيس بن سعد. فقد روى المدائني أن المسيب بن نجية الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي قالا للحسن ( ما ينقضي تعجبنا منك ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز. فقال الحسن: كان ذلك. فما ترى الآن؟ فقال والله أرى أن ترجع لأنه نقض العهد، فقال: يا مسيب إن الغدر لا خير فيه). ونقل صاحب كشف الغمة عن سفيان بن أبي ليلى قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره عنده رهط فقلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال عليك السلام يا سفيان انزل فنزلت فعقلت راحلتي ثم اتيته فجلست إليه فقال: كيف قلت يا سفيان: فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين . فقال: ما جر هذا منك إلينا ؟ فقلت: أنت والله – بأبي أنت وأمي – أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت الأمر إلى اللعين بن اللعين بن آكلة الأكباد ومعك مائة الف كلهم يموت دونك . وقد جمع الله لك امر الناس . أما قيس بن سعد بن عبادة وكان أحد قواد جيش ألإمام الحسن (ع) فعندما دعاه ألإمام الحسن (ع) للبيعة، فقال قيس بن سعد (حسب رواية أبي مخنف) لما جاء: حلفت أن لا ألقاه الا بيني وبينه الرمح والسيف، (ولكن تلهف معاوية لإتمام ألأمر جعله يقوم بالتالي حسب رواية أبي الفرج ألأصبهاني في مقاتل الطالبيين ) فأمر معاوية برمح وسيف فوضعا على الأرض بينهما ليبرّ بيمينة، وكان قيس قد اعتزل في أربعة آلاف، وأبى أن يبايع فلما سمع بالصلح جاء إلى (مجلس ألإمام الحسن (ع) ومعاوية)، فبايع قيس مكرهاً لكن من دون أن يضع يده في يده بل امتنع من رفعها إليه فنزل معاوية من الكرسي فمسح يده على يد قيس.

لقد طبق معاوية ألكثير من شروط ألصلح لعشر سنوات قبل أن ينقلب عليها بعد إستشهاد ألإمام ألحسن (ع)، وهذا ما كان يهدف إليه ألإمام ألحسن (ع) فقد كانت تلك ألعشر سنوات كافية لتحقيق وحدة ألأمة ألإسلامية وألقضاء على التفرقة وعلى تقسيم ألعالم ألإسلامي إلى دولتين وعلى نشر ألأحاديث ألصحيحة لرسول ألله (ص)؛ كان أهل آلشام قد نشأوا على إسلام معاوية ألمحرف ويجهلون ألكثير حقائق ألإسلام وألكثير من أحاديث ألرسول (ص) ألصحيحة،  أما بعد صلح ألحسن (ع) فقد إستبدل معاوية سياسة سب وشتم ألإمام علي (ع) إلى سياسة مناقضة، فعلى سبيل ألمثال عندما حضر ضرار بن ضمرة ألكناني وهو من ألموالين لعلي (ع) إلى مجلس معاوية ألذي كان يعج بأهل ألشام، سأله معاوية أن يصف عليا عليه‌ السلام فنهض ضرار قائلاً :

(كان ـ علي ـ واللهِ بعيدَ المدى ، شديدَ القِوى ، يقول فصلاً ، ويحكم عدلا ، يتفجَّرُ العلمُ من جوانِبِه ، وتنطِقُ الحِكمةُ من نواحيه ، يستوحشُ من الدنيا وزَهرتها ، ويأنسُ بالليلِ ووحشتِه ، غزيرَ العَبرة ، طويلَ الفكرة ، يُعجِبُه من اللِّباس ما قَصُر ، ومن الطعام ما خَشُن. كان فينا كأحدِنا ، يجيبُنا إذا سألناه ، وينبئُنا إذا استفتيناه ، ونحن واللهِ مع تقريبِه إيانا وقُربِه منّا لا نكاد نكلِّمه هيبةً له. يعظِّم أهلَ الدين ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القَويُّ في باطله ، ولا ييئَسُ الضعيفُ من عدله ، وأشهدُ لقد رأيتُه في بعض مواقفه ، وقد أرخى الليلُ سدولَه ، وغارت نجومَه ، قابضاً على لحيته ، يتململُ تململَ السَّليم ، ويبكي بكاء الحزين ، ويقول : يا دنيا غُرِّي غيري ، أبي تَعرَّضتِ أمْ إليَّ تَشوَّقتِ. هيهات هيهات قد باينتُك ثلاثاً لا رجعة لي فيها ، فعُمرك قصير وخطرك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.) وعندما سمع معاوية بهذا ألوصف نزفت دموعه حتى بلت لحيته وقال : رحم الله أبا حسن كان والله كذلك، وسأل ضراراً عن حزنه على علي (ع) فأجابه : كحزن من ذبح ولدها في حجرها؛ لقد نقل هذه ألحادثة ألكثير من أهل ألسير  كإبن عساكر وإبن عبد ألبر وأبو نعيم وألمدائني، لقد أراد معاوية بمثل هذه ألأفعال أن يظهر عظيم إمتنانه للإمام الحسن (ع) حينما تنازل له عن الحكم وهو في كامل قوته وقوة جيش العراق، بل ألأمر أكثر من ذلك، فقد كان يعلم معاوية سخط الكثير من ألمقربين للإمام الحسن (ع) عليه بسبب مبادرة الصلح، فكان بكل طريقة يريد أن يظهر تودده وأن يرد الجميل، فما أسهل أن يمتدح علياً (ع) في مجلس عام وفي المقابل ينال الولاية وحكم بلاد ألإسلام من أقصاها إلى أقصاها، تلك البلاد التي كان الحسن (ع) أحق بحكمها لأنها قامت على يد جد الإمام الحسن وأبيه عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام، وها هو ألإمام الحسن (ع) يتنازل عن هذا الحق لصالح معاوية من دون عوض؛ ولكن في نفس الوقت نكتشف أنه قد خفي على معاوية أن كل جهوده في تشويه صورة علي أبن أبي طالب (ع) لفترة تجاوزت ألخمس وعشرون سنة منذ توليه ولاية ألشام حتى صلحه مع ألإمام ألحسن (ع) قد ذهبت إدراج الرياح، بل ساهم هو بنفسه في تعريف أهل ألشام بحقيقة ألإمام علي (ع) وعظيم منزلته؛ أما بألنسبة للأحاديث ألصحيحة لرسول ألله (ص) وألتي كانت محجوبة عن أهل ألشام، فبعد توحيد بلاد ألإسلام فمن ألمعروف أن أهل مكة وألمدينة قد كانوا قريبي عهد برسول ألله (ص) تنتشر بينهم أحاديثه ومواقفه وأفعاله وتقريراته، أما أهل ألكوفة فكانوا معاصرين لعلي أبن أبي طالب (ع) تربوا على يده سمعوا أحاديثه ونقل لهم أحاديث أخيه وأبن عمه رسول ألله (ص) فضلاً عن الكثير من أصحابه وأصحاب رسول ألله (ص) ألذين إستوطنوا ألكوفة ممن نقلوا لهم ما صح من أحاديث رسول الله (ص) وفضل أهل ألبيت (ع)، لقد فتح مخطط ألإمام ألحسن (ع) ألحدود بين ألعراق وألشام وأختلط أهل ألشام وأهل مصر وشمال أفريقيا بأهل ألعراق وأهل مكة وأهل ألمدينة، فأنتشرت ألأحاديث ألصحيحة لرسول ألله (ص) في كافة أرجاء ألعالم ألإسلامي، وعرف أهل ألشام حقيقة أهل بيت ألنبوة وقيمتهم، وإندحر ألإسلام ألمشوه ألذي طرحه معاوية.

لقد أصبح كل ألمسلمين بشيعتهم وسنتهم مدينون في عقائدهم ألإسلامية أليوم لأهل بيت ألنبوة (ع)، بل ولا نبالغ إن قلنا أنه حتى ألصحاح (كصحيح ألبخاري وصحيح مسلم) وألمسانيد وكتب ألسنن ومع قلة ألروايات عن أهل ألبيت (ع) فيها، ولكننا نستطيع أن نقول أن  ألأحاديث ألصحيحة في هذين ألسفرين (ألبخاري ومسلم) بل في جميع كتب ألصحاح وألسنن وألمسانيد مدينون بها لأهل بيت ألنبوة (ع) بشكل عام وللإمام الحسن (ع) بشكل خاص……..

لقد وصف ألإمام الحسن (ع) ألأثر العظيم لصلحه مع معاوية مخاطباً المعترضين وقائلاً (ويحكم! ما تدرون ما عملت. والله للّذي عملت لشيعتي خير ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت) وأضاف قائلاً (أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران (ع)، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصواباً؟).

نعم إن قتل الغلام للناظر من الخارج يعتبره جرماً عظيماً بحق والديه، ولكن بالمنظار ألإلهي هو منتهى الرحمة لوالديه، وكذلك صلح ألإمام الحسن (ع) للناظر من الخارج يراه ضرراً على مسيرة الإسلام الحق، ولكنه بالمنظار ألإلهي هو منتهى الرحمة والحكمة والخير لمصلحة ألإسلام والمسلمين.

لقد رد ألإمام محمد الباقر على أحد أصحابه حين شكك بموقف الإمام ألحسن من الصلح قائلاً: (أسكت فإنه أعلم بما صنع لولا ما صنع لكان أمراً عظيماً)، نعم كان يمكن أن يكون أمراً عظيماً جداً، كان من الطبيعي لولا الصلح أن يكون لدينا اليوم إسلامان، إسلام رسول ألله (ص) إسلام ألحق، وإسلام معاوية إسلام الباطل، إسلام الجبرية وألسنة المحرفة، إنها سنة سب أهل البيت بالباطل، وسنة ألأحاديث الموضوعة، وسنة ألجهل بألأحاديث الصحيحة للرسول (ص)، بل لعله كان يمكن أن يقود إلى تحريف كتاب الله ويغدوا مصير ألإسلام كمصير الديانات السابقة المحرفة، ولكن لن يقدر معاوية ولا بني أمية ولا من في ألأرض جميعاً ألوقوف أمام إرادة الله ومشيئة في نصر دينه على يدي سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهم أفضل الصلاة والسلام متمثلاً في حفظ كتابه وحفظ دينه خاتم ألأديان من خلال ظروف طبيعية وموضوعية وليست إعجازية متمثلة بتضحيات عظيمة لأهل بيت النبوة عليهم افضل الصلاة والسلام.

لقد تفاجأ معاوية من مقترح ألإمام ألحسن(ع) حينما طرحه عليه ولم يفقه في وقتها ما كان يخططه ألإمام ألحسن (ع)؛ ولكن بعد عشر سنوات أكتشف معاوية مخطط ألإمام ألحسن (ع) من ألصلح، حيث إنهارت كل مخططاته في طرح ونشر إسلام محرف يكفر أهل ألبيت ويضع فيه ألأحاديث ألمزورة عن رسول ألله (ص) لتعظيم شأنه وألحط من شأن مناوئيه وطرح ألعقيدة ألجبرية في ألرضى بألأمر ألواقع وعدم تغييره؛ فضلاً عن ألأحاديث ألموضوعة في وجوب طاعة ألخليفة وإن كان ظالماً وفاسقاً. لقد تفجر غضبه وحقده على ألإمام الحسن (ع) حينما أكتشف مخططه ألذي أدحض كل جهوده لفترة خمس وعشرين عاماً، وأنعكس هذا الغضب بمواقف حازمة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فقرر إغتيال ألإمام ألحسن (ع) بعد عشر سنوات، فقتله غيلةً بألسم، وأعلن على ألملأ نقضه لصلح ألإمام ألحسن (ع) وقال (إن صلح ألحسن تحت قدمي هاتين)  وأعاد سنة سب وشتم ألإمام علي (ع) على المنابر وقطع عطاء ألموالين لأهل ألبيت (ع) وقتل ألكثير منهم كحجر بن عدي ألكندي وعمرو بن حمق ألخزاعي وغيرهم بعد إستشهاد ألحسن (ع)، ولكن لم تفلح كل جهوده تلك لتغيير الواقع مرة أخرى فلات حين مناص، ولكنه مع ذلك تمادى في الغي وأوصى بألخلافة إلى أبنه يزيد، بل قتل أم ألمؤمنين عائشة وأخيها عبد ألرحمن بن أبي بكر غيلةً بسبب إعتراضهم على تولية إبنه يزيد كما ذكره إبن كثير وبعض أصحاب ألسير، ولكن هذا ألإنقلاب من معاوية لم يكن قادراً على إيقاف ألأهداف ألتي حققها ألإمام ألحسن (ع) في نشر ألإسلام ألصحيح ألضامن للنظام ألذي أراده ألله  في كافة ألبقاع ألإسلامية في ذلك الوقت وتوحيد ألأمة ألإسلامية فكان ذلك  بحق كما وصفته ألزهراء ألبتول نظاماً للملة وأماناً من ألفرقة بين ألمسلمين .

اترك رد