أما العناصر الأخرى فيمكن أن تنطبق بشكل نسبي على الفئات الأربع الأخرى ولكن بشكل كامل على الحركة الوهابية كما نوضحه في النقاط التالية:
1، مقولة الرسول r في أنهم يقولون من قول خير البرية ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم، يحسنون القول ويسيئون الفعل
فإنها يمكن أن تنطبق على الفئات الأخرى بشكل نسبي فالخوارج يحرمون التقاط تمرة من الطريق ولكنهم يستبيحون دماء المسلمين، والقرامطة يدعون إلى إشاعة العدل والمساواة بين الناس وفي الوقت نفسه يقتلون حجاج بيت الله الحرام ويسلبون الحجر الأسود من مكانه. أما الوهابيون فإنهم يتميزون بميزة خاصة في هذا المجال، فترى قمة إساءتهم بالفعل تتجلّى في قمة إحسانهم بالقول، فإنهم بالقول يتصدون لأهم قضية في العقيدة الإسلامية، بل المحور الأساسي للعقيدة الإسلامية وهي قضية التوحيد، فمقولتهم إن العبادة لا تكون إلا لله وإن الله وحده هو القادر على إجابة الدعاء ودفع الضرر وإيجاد النفع، وإن الشفاعة لله جميعاً هي صميم الحق، وأما تفرعهم عن هذا المبدأ وقولهم إنه لا يجوز طلب الشفاعة من غير الله ففيه إخفاء لحقيقة أن كون الشفاعة لله جميعاً لا تنفي أن يتخذ الله بعضاً من عباده من رسل وأنبياء ليكونوا وسيلة إليه؛ وأما تفرعهم من هذا المبدأ وزعمهم أن من يعتقد بشفاعة الأنبياء فهو مشرك فإنه استدلال على درجة كبيرة من الذكاء أو حسن القول؛ فإنهم توصّلوا إلى نتيجة غير صحيحة من مقدمة صحيحة وطريقة استدلال صحيحة، والخلل الوحيد هو إخفاء حقيقة واحدة، لهذا السبب ترى كلامهم مقنعاً ومؤثراً. فالخوارج في إباحتهم لدماء المسلمين ينطلقون من مقدمة غير أساسية وغير صحيحة وهي قولهم (إن مرتكب الكبيرة كافر)، كما أن مقولة الخوارج (لا حكم إلا لله) هي مقدمة صحيحة ولكن طريقة الاستدلال غير صحيحة في (إنه لا يجوز التحكيم في الأمور الدينية) والتي توصلوا بها إلى نتيجة بطلان التحكيم في معركة صفين وكفروا كلاًّ من علي ومعاوية.
وهكذا نرى أن الوهابيين، انطلاقاً من تميزهم بحسن القول (وليس بصدق القول)، توصلوا إلى إباحة دماء المسلمين وفتكوا بهم وقتلوهم ونهبوا أموالهم وسبوا نساءهم وذراريهم فكانت النتيجة هي قمة الإساءة في الفعل انطلاقاً من حسن القول، فكانوا المصداق الحقيقي لحديث الرسول r.
إن الذي يستمع إلى خطب أسامة بن لادن بنبرته الهادئة واستشهاده بآيات الكتاب وأحاديث الرسول r يقول ما أحسن هذا القول، ولكن عندما نرى امرأة مسلمة قد بترت ساقها في انفجار الرياض، أو شيخاً مسلماً قد سلخت فروة رأسه وجلدة وجهه وهو حي في مدينة يوكولانك في أفغانستان على يد طالبان، أو مجموعة من الأطفال المسيحيين والمسلمين قد مزقت أوصالهم في دار الحضانة في مبنى التجارة العالمي في نيويورك، أو نساء طبيبات تفجر رؤوسهن برصاصات في الأماكن العامة في مدينة الموصل شمال العراق لأنهن إعترضن على أعمال داعش، تتجلّى أمامنا عظمة الرسول r في مخاطبته إيانا بشكل خاص قبل أكثر من أربعة عشر قرناً ليعصمنا من الضلال، وتتجلّى أمامنا عظمة هذا الدين وصدقه في كشف مستور الغيب قبل أكثر من ألف عام، وهذا بحد ذاته أقوى دليل على أن الإسلام هو دين الحق وأن الله عالم الغيب قد أوضح لنا معالم صراطه المستقيم وسبيله القويم وباينه عن سبل الضلال لئلا تفرق بنا عن سبيله.
2، مقولة الرسول r في أن هؤلاء القوم سيخرجون في آخر الزمان
لقد أثبتنا في الاعتراض الأول أن هذه المقولة لا تنطبق على الخوارج، ولكن هل يمكن أن تنطبق على الفئات الأخرى غير الوهابيين؟
فمسيلمة الكذاب كان معاصراً لرسول الله r، فهو في أول الزمان وليس في آخره، أما صاحب الزنج فقد قام أمره عام 69هـ وكانت نهاية دولته عام 270هـ فكان أمره في أول الزمان وليس في آخره؛ أما القرامطة فإنهم ظهروا في القرن الثالث الهجري واستمروا لأقل من قرنين فكانت نشأتهم ونهايتهم أقرب إلى أول الزمان من آخره.
وقد يقول قائل إن الفئات الثلاث آنفة الذكر قد انتهى أمرها ولكن الخوارج كالوهابيين ما زال أمرهم قائماً في آخر الزمان؟
ولكن وإن صح هذا الأمر فإن هذا الحديث لا يمكن أن ينطبق بأي شكل من الأشكال على الخوارج لأن بروزهم كقوة وقتالهم كان في أول الزمان ووجودهم في آخر الزمان ليس كقوة مقاتلة.
وحتى وإن كانوا قوة مقاتلة أو يمكن أن يكونوا في المستقبل فالحديث يؤكد على قوم يخرجون في آخر الزمان. والخوارج قد خرجوا في أول الزمان ووسطه، والحديث لا يشير إلى قوم ذوي وجود مستمر من أول الزمان إلى آخره.
أما بالنسبة إلى السلفيين الوهابيين فإن أهم ما يميزهم هو خروجهم في آخر الزمان، حيث كان أول خروجهم في أواخر القرن الثاني عشر الهجري وما زالوا حتى يومنا هذا كقوة مقاتلة ارتكبت أبشع المجازر في تاريخ المنطقة خلال القرون الثلاثة السابقة وباسم الإسلام.
3، مقولة الرسول r في أنهم يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء
أما مقولة الرسول r في كونهم يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم لا تجاوز قراءتهم حناجرهم فليس أدل من ذلك وأوضح من مقولتهم الأولى في التجسيم في زعمهم أن تجسيم الله وإن لله يداً ورجلاً ووجهاً وغيرها من الضلالات والصفات البشرية هو في إثبات الصفات كما وردت في القرآن بحسب زعمهم خلاف تفسير أهل السنة والجماعة… ومقولتهم الثانية في نسبة آيات الشرك إلى المسلمين الذين يؤمنون بالشفاعة، فضلاً عن إباحتهم لدماء المسلمين من النساء والأطفال لأن آباءهم يعملون في السلك العسكري في الجزائر استناداً إلى قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ (نوح، آية 27) واستخدامهم هذه الآية لقتل الأطفال والنساء والرجال المدنيين غير المقاتلين من غير المسلمين، لأنهم سيّاح في البلاد الإسلامية، أو يحملون الجنسية الأميركية، أو لأنهم من المسلمين الذين سكنوا الغرب ودفعوا الضرائب للحكومة الأميركية، كل تلك التصرفات تبرر بمبررات غريبة مخالفة للواقع ولكتاب الله والله عز ذكره يقول: ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ (النجم، الآية 38). ويقول جل جلاله ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (النساء، الآية 93). فكان ذلك بحق مصداق قول الرسول r يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم.
4، مقولة الرسول r ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء وقوله r يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم وصلاتهم أكثر من صلاتكم
قد ينطبق هذا الحديث بشكل نسبي على صلاة الخوارج حيث تذكر الروايات أن آثار السجود كانت ظاهرة على جباههم. أما مسيلمة وقومه فإنهم لا يصلّون، وأما دولة صاحب الزنج أو القرامطة فلا تذكر لنا كتب التاريخ أي ميزة لصلاتهم.
أما الوهابيون فإن لهذا الحديث دلالة صارخة تشير إليهم، حيث تبدو هذه الحقيقة واضحة للعيان وبشكل لا يقبل الشك والتأويل إلى كل من يذهب إلى بلادهم، فتراهم في وقت الصلاة يتركون أعمالهم ويغلقون محالهم ويتوجهون بأجمعهم إلى المساجد لأداء الصلاة جماعة، ولا تجد بلداً في العالم تتعطّل فيه الأعمال عند حضور الصلاة كما هو الحال في بلاد الوهابيين. فصلاتهم تتميز بأربع ميزات: أولاها إن كل أمر من أمور الدنيا من التجارة وسائر الأعمال تتوقّف وتقدم الصلاة عليها، وثانيها إنهم يلتزمون دائماً بأداء الصلاة في أول وقتها، وثالثها إنهم يلتزمون بأداء الصلاة جماعة، ورابعها إنهم يلتزمون بأداء الصلاة في المسجد؛ لذلك ترى انطباق قول الرسول r في قوله: (ليست صلاتكم إلى صلاتهم بشيء)، وقوله في موضع آخر: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم) ينطبق انطباقاً كاملاً عليهم وعلى صلاتنا إلى صلاتهم.
5، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم سيماهم التحليق
ليس هناك أي دليل تاريخي ثابت على أن أيّاً من قوم مسيلمة أو الخوارج أو صاحب الزنج أو القرامطة كانت سيماهم التحليق، ولكن هذه الصفة هي من صفات الوهابيين بشكل قطعي، حيث يذكر الشيخ دحلان في (خلاصة الكلام) أن محمد بن عبد الوهاب يأمر من اتبعه بحلق رأسه وكان السيد عبد الرحمن الأهدل مفتي زبيد يقول لا يحتاج إلى التأليف في الرد على ابن عبد الوهاب بل يكفي في الرد عليه قوله r سيماهم التحليق، فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة. (وفي الحقيقة فإن تحليق الوهابيين لرؤوسهم ليس نابعاً من تقليد يتبعونه وإنما هو نابع من عقيدة يعتقدونها استناداً إلى حديث موضوع عن رسول الله r في نهيه عن (القزع) وهو قص الشعر بأطوال مختلفة كما هو متعارف في حلاقة الرجال في جميع أرجاء العالم، ويزعمون أن الرسول r قال كما ورد في الحديث الموضوع (قصه كله أو دعه كله)، لذلك فالتحليق لدى الوهابيين نابع من عقيدة دينية وليس من تقليد خاص بهم فحسب (راجع الفصل الأول: باب اتهام أهل السنّة والجماعة بالضلال).
6، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم يمرقون من الدين كمرق السهم من الرمية هم شر الخلق
فهذه المقولة هي من أعجب مقولات الرسول r، ولو أردنا استخدام أي تعبير آخر في الانفصال غير ذلك التعبير لما أفلحنا. فإننا لو شبهنا انفصالهم عن الإسلام كانفصال الرمح من يد الرامي فالرامي يحمل رمحاً واحداً فإذا رماه رجع إليه لأنه لا بديل له عن ذلك، ولو كان انفصالهم كانفصال الرأس عن الجسد ففي ذلك الانفصال موت للجسد إذا بقي بلا رأس، وإذا كان الانفصال كانفصال الصوف عن جلد الضأن فالصوف يترك جانباً، أما في انفصال السهم عن الرمية فإنه عند أول انفصاله يبتعد أشد البعد وبأسرع وقت. فلماذا استخدم الرسول r هذا التعبير بحقهم، ولم يستخدمه بحق الفرق الإسلامية الأخرى؟ وما هو الاختلاف بين الوهابيين والفرق الإسلامية الأخرى لكي يستحقوا مثل هذا الوصف؟ وما هي الاختلافات بين الفرق الإسلامية الكبرى بحيث لا تستدعي مثل هذه النعوت الشديدة وهذه الاتهامات العنيفة؟
هناك اختلافات متعددة بين السنّة والشيعة والمعتزلة، ولا ننكر أن بعض الاختلافات كبيرة وبالذات موقف الشيعة من الصحابة ومن بعض أمهات المؤمنين مما يتعارض مع بديهيات الدين بشأن عقيدة أهل السنة بحق صحابة وزوجات رسول الله r، ولكنها تضل اختلافات لا ترقى إلى أسس العقيدة من التوحيد والنبوة والمعاد. أما الوهابيون فيعتبرون خلافاتهم مع غيرهم من المسلمين خلافات عقائدية تطال أهم وأول عنصر من عناصر العقيدة، وهو التوحيد، حيث يزعمون أن من يؤمن بشفاعة الأنبياء والرسل في عالم البرزخ فهو مشرك، وأن من لا يعتقد بأن لله يداً أو رجلاً أو غيرها من صفات التجسيم فهو كافر وملحد. وهذه الاتهامات تستدعي كفر أحدهما لقول الرسول r (إذا كفّر المسلم أخاه المسلم فقد كفر أحدهما). فأما الوهابيون هم الموحدون والمسلمون الحقيقيون وغيرهم من المسلمين ليسوا إلا كفاراً ومشركين وملحدين أو أن تهمة الكفر ترجع إلى قائلها، وبما أن الوهابيين لم يتورعوا عن اتهام غيرهم من المسلمين بالشرك والكفر والإلحاد واستباحوا دماءهم فأكثروا فيهم القتل واستباحوا نساءهم وأموالهم وسبوا ذراريهم فإنهم المصداق الحقيقي لقول الرسول الأعظم r، فكان مروقهم عن الإسلام مروقاً كاملاً كمروق السهم من الرمية، وإذا مرق السهم من الرمية فلا حاجة إليه بل في جعبة الرامي أسهم متعددة، وابتعاد السهم ليس فيه نقص للرامي، فالإسلام يبقى ناصعاً، فهو الأصل ولا يضيره مروق الوهابية وغيرها منه، فكان ذلك أبلغ تعبير، فكلمات قليلة عبّرت عن حقيقة كاملة وبأصدق وصف. كما أن هناك إشارة أخرى إلى السلفيين الوهابيين في هذا الحديث، فإذا كان مروقهم من الإسلام كمروق السهم من الرمية، فمعناه أن الإسلام هو الرمية والسهم هم السلفيون الوهابيون. وفي هذا الوصف تشبيه دقيق للتفريق بين الإسلام والسلفيين الوهابيين، فالرمية عادة ما تكون حيواناً يؤكل كالطيور والغزلان، وتتميز هذه الحيوانات بالجمال والرقة والطيبة والبراءة وعدم الاعتداء على الآخرين وكل هذه الأوصاف تنطبق على الإسلام، أما السهم فإنه يتميز بالقسوة والغلاظة والعنف والقتل، ونجد جميع هذه الصفات من ميزة الحركات السلفية الوهابية.
قساة القلوب، غلاظ السلوك، عنيفو التعامل، قتلة للأبرياء من الناس من أطفال ونساء وشيوخ ورجال. فما أصدق رسول الله r وما أعظم الإسلام وما أدق الوصف، فقبل ألف وأربعمائة عام يعرّفنا الرسول r بوحي من الله بشأن تلك الفئة المارقة عن الدين وبصفاتهم البعيدة كل البعد عن القيم الإسلامية العظمى، فهل بعد ذلك شك في هذا الدين العظيم؟ وهل بعد ذلك شك في أن الله بعث رسوله الكريم r رحمة إلى العالمين ومنذراً من الوقوع في الضلال وهادياً إلى صراطه المستقيم.
ثم لا يكتفي الرسول r بذلك بل يضيف عبارة بعد مروقهم من الدين إنهم (لا يرجعون إليه) فلماذا لا يرجعون إليه؟؟؟
إن هناك صنفين من الوهابيين؛ صنف تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء من المسلمين، وصنف لم تتلطخ أيديهم. إن المقصود في حديث رسول الله r هم الذين تلطّخت أيديهم بقتل الأبرياء من المسلمين فهؤلاء ينطبق عليهم قوله تعالى ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ (النساء، الآية 93) وهؤلاء هم الذين من الممكن أن لا يرجعون اليه.
قد يطلع الكثير من الوهابيين على هذه الصفحات ؛ وإني في هذا المجال أنصح من لم تتلطخ يده بدماء الأبرياء من المسلمين أن يعجّل بترك الطريق الذي لا يوصل إلا الى الخلود في نار الجحيم؛ فإنه على مفترق طريق، إما ان يختار طريق الحق لبلوغ السعادة الأبدية بعد الموت في جنان الخلد؛ وبخلافه سيكون هذا الكتاب حجّة عليه حين تغلّ يديه وتجره زبانية جهنم وتسلك في فمه وتخرج من دبره سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً ويتضور جوعاً فلا يجد طعاماً غير الزقوم فيأكله فيكون كالمهل يغلي في البطون ثم يقتله العطش فلا يجد مايشرب غير الحميم فيشربه شرب الهيم فتذوب شفتيه فيبدو وجهه كالحاً كوجه الدابة بعد ذبحها وسلخ جلد وجهها فتظهر أسنانها من غير شفاه، ثم يصب فوق رأسه من عذاب الحميم؛ فيتذكّر حين ذاك هذه الساعة التي يقرأ فيها هذه الصفحات، فيقتله الندم ولكن أنى له الأفلات من هذا المصير وأنى له النجاة من عذاب الخلود.
ولا أريد في هذه الصفحات أن أجعل من قتل المسلمين بجهالة يائساً من رحمة الله، فـ ﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾ (يوسف، آية 87)، لأن هناك فرقاً بين من قُتل اعتداءً، وبين من قُتل بجهالةٍ معتقداً بأن هذا هو الحق. ورحمة الله ومغفرته تسع الناس جميعاً، وتسع كل من استغفر وتاب توبةً نصوحاً قبل الموت، فالحمد لله على هذه النعمة العظيمة والرحمة الواسعة.
7، مقولة الرسول r إن هؤلاء القوم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام
حيث إن هذا الحديث في كونهم أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يشرحه الإمام أبو بكر بن العربي المالكي في شرحه على صحيح الترمذي فيقول: (أحداث الأسنان يعني الاغترار بالغرارة المفضية للغرور الذي يرجع جميعها إلى الجهالة، وقوله سفهاء الأحلام يعني أن حلمهم خفيف إشارة إلى ضعفه فلا يكون معه تثبت ولا تبصرة). ولا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا الأمر ولكن يكفي لأي حاج مسلم صادف في مسجد الرسول r أحد الوهابيين الذين ينبرون للجدال أن يكتشف مقدار اغترارهم برأيهم ومقدار جهالتهم. ففي إحدى رحلاتي إلى الحج التقيت برفيق لي من نجد وكان من المسلمين الواعين نسبياً حيث أخبرني نقلاً عن حسن آل الشيخ الذي كان وزيراً للأوقاف وكان يكنّ له احتراماً شديداً ولكنه صُدم وفوجئ وأبدى لي تألّمه الشديد لأن حسن آل الشيخ النجدي من أحفاد محمد بن عبد الوهاب عندما تطرق إلى ذكر أحد المشايخ الحجازيين وصفه بأنه (قطة) لأنه من الحجاز حيث بلغت درجة غرورهم أن الحجازي مهما بلغ من العلم والتدين فإنه لا يمكن أن يبلغ درجة النجدي.. ويكفي تعريفاً بقلة حلمهم قتلهم لمن يستسلم إليهم كما فعلوه في مجزرتي الطائف خلال تاريخهم القديم والحديث في حين أن الرسول r في فتحه لمكة أعطى الأمان لكل من دخل بيته، وكان أهل مكة مشركين بل هم الذين أخرجوا المسلمين من ديارهم وعذبوهم وقتلوهم واستولوا على أموالهم وأملاكهم. أما أهل الطائف فلم يكن لهم أي اعتداء مسبق على الوهابيين، وقد أعطاهم الوهابيون الأمان، ولكن عندما دخلوا الطائف اقتحموا عليهم بيوتهم وقتلوا رجالهم وسبوا نساءهم وجردوهم من ثيابهم حتى أصبحوا فقراء يتكفّفون الناس مع إرغامهم وبالقوة على اعتناق العقيدة الوهابية. إنهم يستسهلون اتهام المسلمين بالكفر بحجج واهية وقد ورد في الحديث الصحيح (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) وورد أيضاً (من قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما)، ولكنهم يستسهلون تكفير المسلمين لأنهم بكل صدق سفهاء الأحلام، فحلمهم خفيف وضعيف فلا يكون معه تثبت ولا تبصرة كما ورد في شرح صحيح الترمذي.